الختان – دكتور مجدى وهبه
الختان – دكتور مجدى وهبه
” ولما تمَّت ثمانية أيام ليختنوا الصبي سُمِىَ يسوع كما تسمَّى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن “.
مقدمة:
من سفر التكوين (10:17ـ14) نرى التزام كل ذكر ابن إبراهيم أن يختتن في اليوم الثامن لمولده، كعلامة عهد مقدس مع الله، ودخول إلى عضوية الجماعة المقدسة، وكفرض دينى للتمييز بين نسله وباقى الناس (أنظر أيضًا رو9:4ـ12). وكان عقاب الذكر (الأغلف) الذي لا يُختتن في لحم غرلته القطع من شعبه.
كان الختان (التطهير، قطع لحم الغرلة) يقوم به عادةً رب البيت ـ كما في حالة تختين إبراهيم لأهل بيته وعبيده الذكور (أنظر تك23:17ـ27)، وأحيانًا الأم ـ كما فعلت صفورة زوجة موسى النبى مع ابنها (أنظر خر24:4ـ26). أو أحد العبرانيين (أنظر 1مكا60:1). ثم تجددت سنة الختان لموسى في (لا3:12) وقضى أن لا يأكل الفصح رجل أغلف (أغرل) (أنظر خر48:12) وكان اليهود يحافظون كل المحافظة على هذه السنة لدرجة أنهم كانوا يتممون الختان في السبت (أنظر يو22:7ـ23) وعندما أهملوا الختان أثناء رحلتهم في برية سيناء التي استغرقت أربعين سنة نرى قائدهم يشوع بن نون يصنع سكاكين من الصوان ويختن بنفسه الشعب كله قبل دخوله أرض كنعان (أنظر يش2:5ـ9). وكان مفروضًا على كل الغرباء الذين يقبلون الدخول في اليهودية أن يخضعوا لهذا الفرض مهما تكن أعمارهم (أنظر تك 14:34ـ17، 22 ، خر43:12ـ44) وقد خُتن إبراهيم وهو في التاسعة والتسعين من عمره وإسماعيل ابنه وهو في الثالثة عشرة (أنظر تك11:17ـ27).
والمعنى الروحى للختان عند اليهود هو تكريس الجسد، ولذلك كانوا يدعون أنفسهم بافتخار ” أهل الختان ” ويدعون مَن عداهم باحتقار ” أهل الغرلة ” (أنظر رو17:2ـ20 ، فيلبى3:3ـ5). وفي بكور العصر المسيحى زعم فريق من اليهود المتنصرين أن حفظ تلك السُنة ضرورى للخلاص (أنظر أع1:15)، ولهذا اجتمع الرسل والمشايخ في أورشليم لينظروا في هذا الأمر، وقرروا ألاّ يُثقل على الراجعين إلى الله من الأمم بالختان وحفظ ناموس موسى (أنظر أع6:15ـ21). هذا ولا يزال اليهود المعاصرون يمارسون هذه السُنة بكامل طقوسها، فيأتون بالطفل إلى المجمع في اليوم الثامن لمولده فيأخذه رجل يدعى ” سيد العهد ” ثم يأتي الخاتن ويجرى عملية الختان مع بعض الطقوس والمراسيم. ويُسمى الطفل باسمه في ذلك اليوم أيضًا وسط احتفال من العائلة والأصدقاء بدخول الطفل إلى عهد الله مع بنى إسرائيل (أنظر لو59:1ـ60 ، 21:2)[1]
ختان الطفل يسوع
يقص لنا القديس لوقا (21:2) كيف أن الطفل أختُتن حسب عادة اليهود في اليوم الثامن، وتسمى باسم يسوع، كما تسمَّى من الملاك قبل أن يُحبل به في البطن “ها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع” (لو30:1ـ31). وهكذا تمت أيضًا نبوة إشعياء النبى القائلة: ” الرب من البطن دعانى، من أحشاء أمى ذكر اسمى” (1:49). ولنلاحظ هنا كيف أن التدبير الإلهى يسير منسقًا، فبين إشعياء والملاك تسجيل محفوظ عن الاسم، حفظته الأيام والسنين 700سنة على الأقل. والاسم يحمل المهمَّة العظمى التي أُعطى أن يحملها ” فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ” (مت21:1).
والسيد عندما جاء متجسدًا لم يكن بالتأكيد محتاجًا للختان لنفع خاص به. إنما قبل أن ينحنى بإرادته خاضعًا للناموس لأنه ” لما جاء ملءُ الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس” (غلا4:4) وذلك لأنه كان يليق به أن يكمل كل بر (أنظر مت15:3). وبعبارة أخرى أننا نجد هنا في الختان، الله المشرع ينفذ القانون الذى شاءَ فسنّه.
يقول حامى الإيمان في القرن الخامس الميلادى القديس كيرلس الأسكندرى ” إذا ما رأيت المسيح يطيع الناموس فلا تضطرب ولا تضع المسيح الحّر في زمرة العبيد، بل فكر في عمق السّر العظيم، سّر الفداء والخلاص “[2]. ويواصل القديس إيضاحه قائلاً: ” ورغم إنه هو بالطبيعة الله ورب الكل، فإنه لا يحتقر حالتنا.. بل يخضع نفسه معنا لنفس الناموس “[3]. ويُعلل ختان السيد هكذا: ” لقد ختن ـ مثل اليهود ـ في سن ثمانية أيام لكى يبرهن على خروجه من نفس أصلهم. وذلك لكى لا ينكروه. فإن كان ورغم ختانه قد قالوا عنه: ” هذا الإنسان لا نعلم من أين هو ” (يو29:9) فربما كان سيصير لهم بعض العذر في إنكارهم لهم لو لم يكن قد خُتن في الجسد وحفظ الناموس “[4].
ويمكننا أن نضيف على ذلك سببًا آخر وهو أن السيد قَبِل الختان في جسد بشريته وذلك حتى لا يشك أحد في تأنسه. ولهذا السبب ـ وللأسباب الأخرى ـ تعتبر الكنيسة الختان من الأعياد السيدية السبع الصغرى لها وتحتفل به في 7طوبة (15يناير) من كل عام.
ولكن هل من حاجة إلى الختان الآن؟
1ـ بقيامة السيد المسيح من بين الأموات في اليوم الثامن (أنظر مر9:16) وإعطائه الختان الروحى لنا والذي يتم بصورة رئيسية في وقت المعمودية المقدسة (أنظر مت19:28) حينما يجعلنا المسيح مشتركين في الروح القدس (أنظر 1كو16:3) أُبطل هكذا طقس الختان ولم نعد بعد في حاجة إليه. وبولس الرسول يقول في رسالته إلى أهل غلاطية ” أنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئًا ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة” (15:6، 6:5). فالختان كان يشير مقدمًا إلى نعمة وفعالية المعمودية الإلهية، لأنه كما كان في القديم، يحسب المختون ضمن شعب الله بواسطة ذلك الختم، هكذا أيضًا فإن مَن يعتمد يدرج ضمن عائلة الله بالتبنى (أنظر يو12:1ـ13، كو11:2ـ12) وقد كان يشوع بن نون في القديم مثالاً أيضًا لهذا. لأنه قاد بنى إسرائيل وعبر بهم الأردن، وبعد ذلك ختنهم بسكاكين من صوان. هكذا نحن حينما نعبر الأردن (المعمودية) فإن المسيح يختنا بقوة الروح القدس ” وبه أيضًا خُتنتم ختانًا.. مدفونين معه في المعمودية .. ” (كو2: 11ـ12).
2ـ ختان العهد القديم كان يصنع باليد وكعلامة لتكريس الجسد للرب بينما ختان العهد الجديد يقول عنه بولس الرسول: ” وبه أيضًا خُتنتم ختانًا غير مصنوع بيد بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح ” (كو11:2).
3ـ في القديم كان الختان يتم بقطع جزء من جسد الإنسان كرمز لقطع شغب اللذات الجسدية والشهوات، بينما المؤمنين في العهد الجديد حينما يتأسسون في النعمة ويصيرون مختونين بالروح فإنهم لا يقطعون الجسد بل ينقون القلب الذي منه مخارج الحياة (أنظر أم23:4).
المراجع :
1 ـ ” خطيب الكنيسة الأعظم ـ القديس يوحنا ذهبى الفم ” إعداد الأب إلياس كويتر ، منشورات المكتبة البولسية ـ بيروت ، لبنان 1988.
2 ـ تفسير إنجيل لوقا ” الجزء الأول ” للقديس كيرلس الأسكندرى، إصدار مركز دراسات الآباء ـ القاهرة 1990.
3 ـ الإنجيل بحسب القديس لوقا ، الأب متى المسكين ، دير القديس مقاريوس ـ وادى النطرون 1998.
4 ـ الإنجيل بحسب لوقا ـ للقمص تادرس يعقوب ـ كنيسة مار جرجس سبورتنج ـ الأسكندرية 1990.
1 أنظر قاموس الكتاب المقدس حرف الـ(خ) ص 337ـ338
2 تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس الأسكندرى الجزء الأول. إصدار مركز دراسات الآباء . القاهرة 1990 . عظة (3) ص40
3 المرجع السابق عظة (3) ص42
4 المرجع السابق عظة (3) ص42