نبوات حددت زمن التجسد والفداء بأحداث تاريخية وسنوات محددة
نبوات حددت زمن التجسد والفداء بأحداث تاريخية وسنوات محددة
1- خلفيات النبوة:
عندما أعطى الله بني إسرائيل الشريعة عن طريق موسى النبي شدد عليهم أن يطيعوا وصاياه لتكون لهم بركات الرب ويبقوا في الأرض الموعودة ولكن أن عصوه فستكون النتيجة اللعنات والجلاء عن الأرض (تث28). وبرغم ذلك فقد خالف هذا الشعب الله وفعلوا كل الشرور وعلى رأسها عبادة الأصنام فتنبأ أرميا النبي أن الله سيعاقبهم بسبب خطاياهم بالسبي إلى بابل مدة سبعين سنة ” لذلك هكذا قال رب الجنود. من أجل أنكم لم تسمعوا لكلامي هاأنذا أرسل فآخذ كل عشائر الشمال يقول الرب 000 وتصير كل هذه الأرض خراباً ودهشاً وتخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة ” (ار25 :8و11). وتم تحقيق هذه النبوّة عندما جاء نبوخذ نصر إلى أورشليم لينفذ ما قررته إرادة الله ومشيئته وحاصر أورشليم ثلاث مرات حتى دمرها وأحرق الهيكل.
الأولى في سنة 605 ق م أحتل المدينة وسمح للملك يهوياقيم أن يحكم باسمه كتابع له وخاضع لسلطانه وأخذ بعض كنوز الهيكل وعددا من الفتيان “من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء ” (ع3). وكان من ضمنهم دانيال ورفاقه الفتية الثلاثة (2أخ36 :6و7).
والثانية في سنة 597 ق م عندما جاء نبوخذ نصر ثانية وأخذ بقية أواني الهيكل وكنوزه ونقلهم إلى بابل وأخذ الملك يهوياقيم 10.000 أمير وضابط ورجل شرطة وجميع الصناع والمهرة ولم يترك في يهوذا إلا مساكين الشعب. وكان من بين الذين أخذهم حزقيال الكاهن والنبي (2مل24 :14–16).
وفي سنة 586 ق م جاء للمرة الثالثة ليعاقب صدقيا الملك على تمرده عليه، فحاصر المدينة ثم كسر الأسوار ” وأحرق بيت الرب وبيت الملك وكل بيوت أورشليم وكل بيوت العظماء احرقها بالنار ” (2مل25 :9)، وبعد أن أحرق المدينة بالكامل قتل أبناء صدقيا الملك وأخر ملوك يهوذا، وقلع عيني صدقيا نفسه وقاده إلى بابل مقيداً بالسلاسل والأغلال 2مل25).
ولكن فيما بعد هزم الفرس مملكة بابل واستولوا على بابل وكل البلاد التي كانت تحتلها ومن ضمنها اليهودية وترقي فيها دانيال النبي إلى فوصل إلى درجة رئيس وزراء بابل. وفي السنة الأولى لبداية الإمبراطورية الفارسية، أي سنه (539 – 538 ق م)، كان دانيال النبي قد تجاوز الخامسة والثمانين من العمر وكان له في السبي حوالي 68 سنه (605 – 538 ق م). فأخذ يقرأ في أسفار الأنبياء السابقين عليه ويدرس ما جاء فيها (دا9 :2)، وقد فهم من نبوّات سفر ارميا النبي ” عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى أرميا النبي لكماله سبعين سنه على خراب أورشليم (أر25: 12؛29: 10 – 14). وعندما تأكد دانيال النبي من أن مدة السبي قد وصلت إلى نهايتها وجه وجهه إلى الله ” طالباً بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد ” (دا9 :3) معترفاً بخطايا شعبه الذي حاد عن وصايا الله ولم يسمع للأنبياء الذين أرسلهم، ومن ثم، صلى دانيال ” يا سيد لنا خزي الوجوه ” (دا9 :18)، وذكر الله بعهوده لإبراهيم وداود، وأنهم نالوا ما سبق أن حذرهم الله منه، وتضرع إلى الله أن يصرف غضبه عنهم ليس لأجلهم هم لأنهم خطاه ” لأنه لا لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك بل لأجل مراحمك العظيمة ” (دا9 :18).
وقبل أن ينتهي دانيال النبي من صلاته كانت الاستجابة قد وصلت من السماء، وحاملها هو الملاك جبرائيل، الملاك الذي أعلن لزكريا الكاهن عن مجيء يوحنا المعمدان بروح إيليا وقوته ليتقدم الطريق أمام الرب المسيح (لو1 :11-17)، والذي بشر العذراء القديسة مريم بحبلها بالمسيح بالروح القدس وولادتها للقدوس (لو1 :26-35).
ولم يكن الإعلان الذي حمله الملاك جبرائيل عن نهاية مدة السبي فحسب بل كان نبوّة، من أعظم نبوّات الكتاب المقدس عن المسيح، كانت نبوّة بتحديد المدة التي سيأتي في نهايتها المسيح، نبوه بتحديد زمن مجيء المسيح. فقد أعطى للأنبياء الآخرين كثيراً من علامات مجيء المسيح، أما دانيال النبي فقد أعطى له، تحدد له، الزمن الذي سيأتي فيه المسيح. قال الملاك جبرائيل لدانيال النبي: ” سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الأثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فأعلم وأفهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعا يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعا يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغماره وإلى النهاية حرب وخرب قضى بها. ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصب المقضي على المخرب ” (دا9 :24-27).
ولدراسة هذه النبوّة في ضوء الكتاب المقدس ومعرفة جوهرها ومغزاها يجب أن نضع أمامنا النقاط التالية:
(1) ماذا تعنى الأسابيع في هذه النبوّة؟
V وما هي مدتها الفعلية؟
V متى تبدأ؟
V ومتى تنتهي؟
V كيف فُسرت، هذه النبوّة، عبر التاريخ اليهودي؟
V وكيف فُسرت عبر التاريخ المسيحي؟
(2) تقسيم محتويات النبوة وشرح كيفية إتمامها لغوياً وكتابياً.
(3) تفسير النبوة كتابيا ولغوياً عبر التاريخ اليهودي والمسيحي.
(4) الخلاصة التي يقدمها لنا محتوى النبوّة نبوياً وعملياً.
– 82 –
2 – معنى الأسابيع ومدتها الفعلية:
كلمة ” أسبوع ” المذكورة هنا، هي في العبرية ” [;Wbv (Shabua) = شبوع “، وفي اليونانية ” a,doj = ados “، ولا تعنى مجرد أسبوع من سبعة أيام، بل تعنى رقم سبعة، وحده من سبعة، كما أن جمعها، هنا، ” شبوعيم – Shabu’im = “، ليس هو الشكل المؤنث المعتاد من أسابيع، وفي اليونانية ” e`bdoma,j = ebdomas “[1]، وتعطي نفس المعنى، ومن ثم تعنى ” وحدات أو فترات من سبعه – Heptads “[2]، وقد وردت في فهرس يونج Young ” أسبوع أو سبعه “[3]، كما وردت في قاموس ” Gesenius للمفردات العبرية والكلدانية “؛ ” سبعه، عدد سبعي “[4]. أي وحده من سبعه، مثل دسته والتي تعنى وحده من اثنى عشر[5].
ومن ثم فقد اجمع جميع علماء اليهودية والمسيحية، في تفسيرهم لهذه النبوّة، بجميع اتجاهاتهم، على أن عبارة ” سبعون أسبوعا “، تعنى ” سبعون سبعات أو ” سبعون وحدة سبعات “[6]. أي 70×7 = 490، وتعنى في مفهوم النبوّة وجوهرها “سبعون أسبوعا من السنين[7]. ومن ثم فقد ترجمت في العربية المشتركة ” سبعين مرة سبع سنوات “، كما ترجمت في بقية الترجمات العربية ” سبعون أسبوعا “، وفي غالبية الترجمات الإنجليزية ” Seventy weeks ” وفي بعضها ” Seventy sevens ” و ” Seven times seventy year ” و ” Seventy sets of seven time periods “. وكلها تعني سبعين وحدة من سبعة.
والسؤال هنا: لماذا تعنى هذه المدة سبعات سنين؟
لأنها لا تصلح أن تكون مدة ثواني (= 16,8 دقائق)، ولا مدة دقائق (= 16،8 ساعات)، ولا مدة ساعات (= 41،20يوم)، ولا مدة أيام ( = سنه وثلاثة شهور)، ولا مده أسابيع (= حوالي 9 سنوات ونصف)، ولا مدة شهور (= حوالي 41سنه). وذلك لأن الأحداث المتضمنة في النبوّة، كما فسرها المسيحيون واليهود والليبراليون والنقاد تحتاج تحقيقها وإتمامها إلى مئات السنين، يتطلب عدة قرون، فمن إعادة تجديد أورشليم وبنائها بعد السبي إلى مجيء المسيح وصلبه ودمار الهيكل سنة 70م (حسب التفسير المسيحي واليهودي) حوالي خمسه قرون، ومن تلك البداية إلى الملك السوري انيتوخس ابيفانس الذي احتل اليهودية ودنس الهيكل سنه 167 ق م أو إلى موت أونيا الكاهن، كما يرى النقاد والليبراليون حوالي ثلاثة قرون ونصف على الأقل.
كما أن دانيال النبي نفسه قد ميز بين هذه السبعات ذات المدد الطويلة وبين الأسبوع المكون من سبعة أيام فيقول في الإصحاح العاشر ” كنت نائحاً ثلاثة أسابيع أيام 000 ولم أدهن حتى تمت ثلاثة أسابيع أيام ” (دا10 :3). ولو كان المقصود هنا مجرد أسابيع، أيام، عادية لكان الملاك قد قال سبعون أسبوعا من الأيام، وهذا لم يحدث.
تقسم النبوّة الأسبوع الأخير إلى نصفين كل نصف منها يتكون من ثلاث سنوات ونصف متساوية مع المدة المذكورة في (دا7 :25 و7 :11) والمعبر عنها بـ ” زمان وزمانين ونصف زمان “، أي ثلاث سنوات ونصف، كما بينا في الفصل السابق.
كان دانيال النبي يقرأ في سفر ارميا النبي ويفكر في انقضاء مدة السبعين سنه على السبي، كان يفكر في تدبير الله بلغة السنين، ومن ثم فقد أعطى الله مده جديدة يعيش فيها الشعب في فلسطين إلى دمار الهيكل نهائياً والعودة إلى الشتات من جديد ومجيء الملك، المسيح المنتظر، المسيح الرئيس، ابن داود، وقد تحددت هذه المدة من إعادة تجديد أورشليم وبنائها إلى مجيء المسيح ودمار الهيكل بـ 490 سنه ” سبعون أسبوعا من السنين “.
يقول أوتو زوكلر Otto Zocklelr أستاذ اللاهوت في جامعه جريفزولد في بروسيا (بألمانيا) في القرن التاسع عشر ” أن مثل هذا التحول النبوي والروحي إلى فترات كثيرة من سبع سنوات لكل منها له ما يوازيه في استخدامات القدماء “[8]. وكان ذلك ملحوظا بين يهود فتره ما بين العهدين فيقسم كتاب اليوبيلات كل يوبيل إلى أسابيع سنين متعاقبة[9]. وكان لدى اليونان والرومان أيضا ما يعرف بـ ” أسبوع سنه – Week Year “[10].
ويذكر الكتاب المقدس أن هناك ثلاثة أنواع من الأسابيع أو السبعات وهي سبعات أيام وسبعات سنين وأسبوع من سبعة أزمنة كل منها سبع سنوات، أي 49 سنه. أي أسبوع من سبعة أيام وأسبوع من سبع سنين وأسبوع من 49سنه.
هناك أسبوع مكون من سبعة أيام يحسب من السبت إلى السبت الذي يليه، أي ستة أيام + السبت (خر20 : 11 – 18). وهناك أسبوع من سبع سنوات ” ست سنين تزرع حقلك ” وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبت عطله ” (لا25 :3-7). هذا الأسبوع الذي من سبع سنوات كان مألوفا للآباء البطاركة، فعندما اتفق لابان مع يعقوب أن يخدمه ” سبع سنين براحيل ” كانوا ينظرون إلى هذه السنوات السبع كأسبوع ” أكمل أسبوع هذه 000 بالخدمة التي تخدمني سبع سنين ” (تك29 :15-28). وكان هناك أيضا أسبوع من 49 سنه ” سبعة سبوت سنين. سبع سنين سبع مرات. فتكون لك أيام السبعة السنوية تسعا وأربعين سنه ” (لا25 :8).
وبناء على ما سبق فقد أجمع جميع علماء اليهودية والمسيحية سواء القدماء أو المعاصرين على أن الـ ” السبعن أسبوعا ” تعنى 490 سنه نبوية. تبدأ من القرن الخامس قبل الميلاد وتنتهي في القرن الأول للميلاد. وقد أجمعت الغالبية، كما سنرى، على أنها تبدأ فيما بين (سنة 457 و 445 ق م) وتنتهي فيما بين (26/27و33و70م).
3 – جوهر النبوّة وغايتها:
قال الملاك جبرائيل لدانيال النبي ” سبعون أسبوعا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة “. وكلمة ” قُضيت = حُدِّدَت ” أو ” قُطعت ” من مجرى الزمن لأن الله يعامل أورشليم بكيفية خاصة وكان دانيال النبي يصلى من اجل شعبه ومن اجل أورشليم مدينته والتي دعاها الوحي بـ ” مدينه القدس “، و ” مدينه الحق ” ومن ثم فقد جاءت الإجابة من أجل شعبه بالدرجة الأولى.
(1) لتكميل المعصية:
كلمه ” تكميل ” هنا في أصلها تعنى، المنع أو التقييد (تك8 :2؛23 :1)، والإزالة، أي إزالة الخطية، إزالة المعصية ” لِإفْناءِ المَعصِيَةِ ” من أمام وجه الله ” أستر وجهك عن خطاياي وأمح كل آثامي ” (مز51 :9)، ومن ثم فقد ترجمت في الكاثوليكية: ” لإفناء المعصية “، وفي المشتركة: ” لِلقضاءِ على المَعصيَة “. وكلمه المعصية، هنا معرفة بالـ ” المعصية ” وتشمل الرفض والارتداد، رفض اليهود للمسيح سواء في مجيئه الأول أو قبل التوبة والرجوع في مجيئه الثاني. كان تمردهم وعصيانهم الذي صلى دانيال من أجله سيستمر إلى النهاية.
كان بنو إسرائيل يقدمون لله ذبائح تكفيراً عن خطاياهم، كما كانوا يجتمعون في يوم (عيد) الكفارة كل عام ويقدمون ذبائح دموية تكفيراً عن هذه الخطايا، حيث يقول الكتاب: ” لأنه في هذا اليوم يكفّر عنكم لتطهيركم، من جميع خطاياكم أمام الرب تطهرون ” (لا16 :30). ولكن هذه الكفارة كانت مؤقتة ورمزيه ولم يكن لها الكفاية، القدرة الكافية، على محو الخطية والقضاء على المعصية وإزالتها أو إفنائها تماماً، إنما كانت ترمز للمسيح حمل الله الحقيقي، الذي شاءت إرادة الله ومشورته الأزلية، أن يقدم المسيح ذاته فدية وكفارة عن خطايا العالم. لذا يقول الكتاب: ” لأن الناموس إذ له ظل الخيرات العتيدة لا نفس صورة الأشياء لا يقدر أبدا بنفس الذبائح كل سنة التي يقدمونها على الدوام أن يكمّل الذين يتقدمون. وإلا أفما زالت تقدم. من اجل أن الخادمين وهم مطهرون مرة لا يكون لهم أيضا ضمير خطايا. لكن فيها كل سنة ذكر خطايا. لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا. لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسرّ. ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله. إذ يقول آنفا انك ذبيحة وقربانا ومحرقات وذبائح للخطية لم ترد ولا سررت بها.التي تقدّم حسب الناموس. ثم قال هانذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله. ينزع الأول لكي يثبت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدّسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة ” (عب10 :1-10).
فقد جاء المسيح في ملء الزمان وقدم نفسه ذبيحة عن خطايا العالم كله في كل مكان وزمان (1يو2 :1و2). يقول الكتاب أيضاً” ” متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من اجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله ” (رو3 :24و25). ” لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره (جروحه) شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعناً ” (اش53 :4-6).
(2) وتتميم الخطايا:
تعنى كلمة ” تتميم ” هنا، ختم (1مل21 :8)، أي ” ختم الخطايا ” أو كما يقول أيوب ” معصيتي مختوم عليها ” (أي14 :17)، كما تعنى الغلق، والغلق على الأشياء بمعنى إخفائها (أي9 :7)، كما تعنى الإنهاء والإزالة ” وإنهاءِ الخطيئَةِ “، ” وإِزالَةِ الخَطيئة “. أي أن الله سيضع نهاية للخطية بغفرانها على الصليب بدم المسيح الذي قدم ذاته كفارة عنها وقد وصفت بأنها ختمت لأنها أزيلت بدم المسيح، فقد ” أخذ المسيح على نفسه ملاشاتها وأبادتها بمعنى أنه كسر شوكتها وأبطل نفوذها وسيطرتها بحيث لم تعد لها قائمه فيما بعد “[11]. وقد رفض جزء من بني إسرائيل، التي كانت النبوّة موجهه إليهم، المسيح، فأكملوا معصيتهم وختموا على خطاياهم برفضهم للمسيا، ملكهم (يو19 :15و16)، وتقديمه للصلب والموت.
(3) ولكفارة الأثم:
ولكفارة الأثم أو ” وتكفير الإثم “، أو ” واَلتَّكْفيرِ عنِ الإِثْمِ “. وهنا يعنى الفعل ” يكفر ” يغطى، أو يكفر عن، أو ” يغفر، يصفح ” (ار28 :11) و ” يمحو ” (مز79 :9) و ” يحجب ” (تك6 :4) ويطهر ” تطهر المذبح بتكفيرك عليه ” (خر29 :36)، وذلك بمعنى يتخلص من حمل الخطية بالدم أو التوسط (حز32 :3). وكفارة الأثم تعنى إزالة الذنب أو العقاب الذي ينبع من الذنب. والفداء لا يمكن أن يتم إلا بصليب المسيح ” الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل أثم ويطهر لنفسه شعبا خاصّا غيورا في أعمال حسنة ” (2تي2 :14)، كما سبق أن تنبأ عنه العهد القديم، أيضاً، قائلاً: ” وهو يفدي إسرائيل من كل آثامه ” (مز130 :8)، فالمسيح وحده هو الذي يغطى خطيئة الإنسان ويحجبها عن نظر الله بتقديم جسده كفارة عن الخطايا وإيفاء العدل الإلهي حقه[12].
(4) وليؤتى بالبر الأبدي:
أي ” البر أو البار الأبدي = والإِتيانِ بِالبِرِّ الأَبَدِيّ = وإحلالِ الحَقِّ الأبديِّ، ” أو كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي ” إلى أن يأتي البر الحقيقي المزمع أن يكون فديه عن الجميع “[13]. والبر هنا مرتبط بالفداء والخلاص، كقول اشعياء النبي بالروح ” أما خلاصي إلى الدهر يكون وبرى لا ينقض 000 أما برى إلى الأبد يكون وخلاصي إلى دور الأدوار ” (اش51 :6و8). وهذا البر لا يتم إلا بالمسيح وحده البار، والذي دعي بالروح ” غصن بر ” و ” الرب برنا ” (ار23 :6؛33 :16؛51 :10)، وكما يقول بولس الرسول بالروح: ” المسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبر وقداسة ” (1كو1 :30)، ” متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح ” (رو3 :24). وقد بررنا بدمه وحمله لخطايانا، وتنبأ عنه اشعياء النبي كعبد الرب البار الذي يبرر الكثيرين بحمله آثامهم: ” وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها ” (اش53 :11).
(5) وختم الرؤيا والنبوة:
وتترجم أيضاً ” وتَمامِ الرُّؤيا والنُّبوءَة “، فقد ختم الرب يسوع المسيح وتمم كل رؤى ونبوات العهد القديم التي سبق جميع الأنبياء وتنبؤا بها عنه، وأكمل كل ما هو مكتوب عنه، كقوله هو نفسه ” لأبد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير ” (لو24 :44). وتعنى الآية أيضاً وضع النهاية للرؤى والإعلانات بمجيء المسيح الذي تمت فيه جميع الوعود والنبوّات والذي كان هو محورها وهدفها، كقوله ” ليتم كل ما هو مكتوب ” (لو21 :26). يقول Young ” عندما يأتي المسيح لن يكون هناك حاجه أخرى للنبوّة بمفهوم العهد القديم “[14]، وهذا ما أكده الوحي في قوله ” الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضاً عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمه قدرته ” (عب1 :1-3). فقد تكلم الله بواسطة الأنبياء الذين أعطاهم رؤى ونبوات ” لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا ” (مت11 :13)، وهذا كله تم وختم بمجيء المسيح وصلبه.
يقول القديس أثناسيوس الرسولي متسائلاً: ” متى بطلت النبوّة والرؤيا من بني إسرائيل إلا عندما أتى المسيح قدوس القدوسين؟ لأنه من ضمن العلامات والبراهين القوية على مجيء كلمة الله أن أورشليم لا تكون قائمه فيما بعد، ولا يكون نبي قائماً فيهم، ولا تعلن لهم رؤيا وهذا أمر طبيعي “[15].
” فعندما جاء قدوس القدوسين ” كان طبيعياً أن تختم الرؤيا والنبوة، وتبطل مملكه أورشليم. لأن الملوك كان يجب أن يمسحوا بينهم إلى أن يمسح ” قدوس القدوسين “. ويعقوب تنبأ بأن مملكه اليهود تبقى حتى مجيئه “[16].
” وقد هتف المخلص نفسه قائلاً ” الناموس والأنبياء إلى يوحنا تنبأوا “. فلو كان بين اليهود الآن نبي أو ملك أو رؤيا، لجاز لهم أن ينكروا المسيح الذي أتى (مت11 :13؛لو16 :16). أما أن لم يوجد ملك ولا رؤيا، بل من ذلك الوقت إلى الآن ختمت كل نبوه، وأخذت المدينة والهيكل “[17].
(6) ولمسح قدوس القدوسين:
عندما بشر الملاك العذراء بميلاد المسيح قال لها: ” القدوس المولود (منك) يدعي ابن الله ” (لو1 :35)، ودعي الرب أيضاً بـ ” قدوس الله ” (مر1 :33) و ” القدوس البار ” (أع3 :14) و” قدوس بلا شر ولا دنس ” (عب7 :26)، كما دعي بـ ” القدوس الحق ” (رؤ3 :7). وأكد آباء الكنيسة أنه هو المقصود في عبارة دانيال، هذه، يقول هيبوليتوس ” قدوس القدوسين ليس سوى ابن الله وحده “، ويقول اكليمندس الإسكندري ” جاء المسيح ربنا قدوس القدوسين “[18]، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي ” المسيح قدوس القدوسين “[19].
وقد وردت كلمه ” قدوس القدوسين ” في العبرية ” قدش قدشيم = ~yvi(d”q”) vd<qoï “، وترجمت في اليونانية السبعينية ” a[gion a`gi,wn = قدوس القديسين “، واستخدمت حوالي 40 مرة معرفة بأداة التعريف ” قدش ها قدشيم ” لتعنى ” قدس أقداس ” وطبقت على خيمة الاجتماع وأدواتها والذبائح والتقدمات المختلفة “[20]. وعندما استخدمت بدون أداة تعريف ” قدش قدشيم ” فقد استخدمت لهارون وبنيه (1أخ23 :13)، واستخدمت هنا عن الرب يسوع المسيح بالتوازي مع قول النبوّة عنه ” المسيح الرئيس ” وهذا ما اجمع عليه آباء الكنيسة وعلماؤها[21].
وقد رأي البعض انه إذا كانت العبارة تشير إلى مكان، فتكون الإشارة إلى دخول المسيح المقام إلى السموات ذاتها ” الذي بدم نفسه دخل مره واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً ” (عب9 :12). وذلك لأجل مختاريه “[22]. كما رأي بعض آخر أنها تشير إلى الكنيسة المسيحية ” فالمراد بقوله قدوس القدوسين الكنيسة المسيحية باعتبار أن مؤمنيها هم هيكل الله الحي ” والمراد بقوله لمسحها هو انسكاب الروح القدس كما حدث في يم الخمسين “[23]. ولكن أقدم الآباء وسياق الكلام وروح الكتاب يؤكدون أن الرب يسوع المسيح هو ” قدوس القدوسين “. ومن ثم فقد ترجمت في السريانية القديمة بـ ” مسيا قدوس القدوسين “[24]. وما يؤكد أن لقب ” قدوس القدوسين ” هذا خاص بالرب يسوع المسيح هو استخدام الفعل ” مسح ” والتي جاء منها ” المسيح، المسيا، الممسوح ” ويعنى التكريس أو التعيين كاهن أو نبي أو ملك، وبرغم أن فعل المسح ينطبق على خيمة الاجتماع كعلامة تكريس (خر30 :26؛40 :9-11)، لكنه لم يطبق قط على قدس الأقداس، إنما طبق على كهنة وملوك وأنبياء كهارون وشاول وداود (خر40 :13؛1صم10 :1؛16 :3) كمسحاء للرب. وبالتالي طبق على الرب يسوع باعتبار كونه كاهناً ورئيس الكهنة الأعظم (عب5 :5و6)، ونبي (تث18 :15-18؛ لو1 :70 ؛ أع3 :22) ، وملكاً (رؤ17 :4). ومن ثم يقول فيه المرنم بالروح ” كرسيك يا الله إلى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك 000 أحببت البر وأبغضت الإثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك ” (مز45 :7و8)؛ (عب1 :8و9). وقد مسح الرب يسوع المسيح ككاهن وملك ونبي بالروح القدس الذي حل عليه في المعمودية (مت3 :16 ؛يو1 :32). يقول بطرس الرسول بالروح ” يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوه ” (أع10 :38).
1 Biblework. V. 7.
2 Encyclopedia Biblical Prophecy. P. 383.
3 Young An. Conc. P. 1041.
4 Gesenius Heb. Chal.
5 Lehman Strauss Commentary of Daniel, p. 268.
6 Ibid.
7 ترجمت هكذا في عدة ترجمات مثل الترجمة العربية الجديدة.
8 Walv. P. 218 – 219.
[9]The Pulpit Commentary, Vol. 13: 267
[10] Intr. Bib. Comm. Vol. 6 P.
[11] الآيات البينات 292.
[12] الآيات البينات 292.
[13] ) تجسد الكلمة 2:40.
[14] Ency. Proph. 286.
[15] تجسد الكلمة 1:40.
[16] السابق 3:40.
[17] السابق 3:40.
20 Anf Vol. 2 P. 329.
21 تجسد الكلمة 3:40.
22 أنظر مثلاً: خر29 :37؛30 :10و29و36؛لا2 :3و10؛6 :10و18و22؛7 :1و6؛10 :12و17.
23 Ellicottes Comm. P. 385.
24 Prophecy and The Church P. 114.
25 الهداية جـ 158:2.
26 Langes Com. Scrip. P. 169.