المسيح وتلاميذه وتطبيق نبوات العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
المسيح وتلاميذه وتطبيق نبوات العهد القديم - القمص عبد المسيح بسيط
المسيح وتلاميذه وتطبيق نبوات العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
المسيح وتلاميذه وتطبيق نبوات العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
أكد الرب يسوع المسيح لليهود ولتلاميذه ورسله أنه هو المسيا (المسيح) المنتظر الذي تنبأ عنه جميع أنبياء العهد القديم، والنسل الآتي وابن داود الجالس عن يمين الآب، والإله القدير الذي سيأخذ صورة العبد المتألم، ويجلس على كرسي داود أبيه إلى الأبد، وأنه هو ابن الإنسان الآتي على السحاب لكي تتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة، وأكد أن هذه النبوّات مكتوبة عنه ” مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير ” (لو24 :44)، ” في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله ” (عب10 :7)، ” ولا يمكن أن ينقض المكتوب ” (يو10 :35)، ومن ثم كان دائما يذكرهم بالمكتوب: ” أما قرأتم هذا المكتوب ” (مر12 :1)، ” اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم ” (لو4 :21)، ” ينبغي أن يتم فيّ أيضا هذا المكتوب وأحصي مع أثمة لأن ما هو من جهتي له انقضاء ” (لو22 :37).
نعم الرب يسوع المسيح نفسه أكد على حقيقة أن جميع النبوات التي وردت في العهد القديم (التوراة) عن النسل الآتي والمسيح المنتظر بكل أوصافه كنسل إبراهيم وإسحق ويعقوب ويهوذا وداود الذي تتبارك به جميع الأمم والشعوب والألسنة أو كمشتهى الأجيال ” لأنه هكذا قال رب الجنود. هي مرّة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة. وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجدا قال رب الجنود ” (حج2 :6و7)، أو كالنبي الذي سيكون مثل موسى أو المسيح الذي سيأتي من نسل داود والذي سيولد من عذراء في بيت لحم أو الذي سيأتي بالبر الأبدي ويكون ختام النبوة والذي يأتي بإعلان الله النهائي للبشرية 00 الخ قد تمت جميعها في الرب يسوع المسيح.
فقد أكد هو نفسه ذلك واستشهد به لليهود وشرحه لتلاميذه وأكدوه هم من بعده وفسروه لليهود ولكل البشرية في العالم أجمع. وكان يستخدم تعبيرات ” المكتوب ” و ” ليتم الكتاب ” و ” كما هو مكتوب ” للإشارة إلى ما كتب عنه في النبوات:
كما كان يؤكد دائما لليهود ولتلاميذه أن كل ما يختص به، سواء من جهة شخصه وأقواله وأعماله وما يحدث منه ومعه وله، هو ما سبق أن تنبأ به عنه جميع أنبياء العهد القديم، وقد قال لليهود: ” فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي … لا تظنوا أني أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني ” (يو39:5-47). وأيضا: ” من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حيّ ” (يو37:7).
ولما جاءوا للقبض عليه قال لهم ” كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني. ولكن لكي تكمل الكتب ” (مر49:14). وعن كونه أكثر من مجرد إنسان قال لهم: ” ماذا تظنون في المسيح. ابن من هو. قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا: قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فان كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه ” (مت42:22-44) “.
كما أكد بكل وضوح أن اشعياء تنبأ وكتب بالروح القدس عن حلول الروح القدس عليه وعن جوهر ومحتوى وخلاصة كرازته وكيف أنه أتم ذلك في وسط اليهود أنفسهم وأنهم شاهدوا بعيونهم وسمعوا بأذانهم تعليمه وشخصه وشهدوا لأعماله وتعليمه وكيف تحققت فيه نبوّات الأنبياء ويقول الكتاب: ” وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى.
ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ. فدفع إليه سفر اشعياء النبي. ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم وجلس. وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه. فابتدأ يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم ” (لو16:4-21).
وكانوا هم، اليهود، بدورهم يعرفون الكثير من هذه النبوات وقد أشاروا بها إلى ميلاد المسيح في بيت لحم وكونه من بيت داود ” ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فأننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له.
فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه. فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح ؟ فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي. وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا.لان منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل ” (مت1:2-6). وعندما رأوا أعماله وأنه جاء من الجليل يقول الكتاب: ” فكثيرون من الجمع لما سمعوا هذا الكلام قالوا هذا بالحقيقة هو النبي. آخرون قالوا هذا هو المسيح. وآخرون قالوا ألعل المسيح من الجليل يأتي.
ألم يقل الكتاب انه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح ” (يو7 :40-42)، وكان سؤال الذين آمنوا به يؤكد أن نبوات الأنبياء قد تحققت في شخصه وأعماله: ” فآمن به كثيرون من الجمع وقالوا ألعل المسيح متى جاء يعمل آيات أكثر من هذه التي عملها هذا ” (يو7 :31). وكانوا يؤمنون أن المسيح يبقى إلى الأبد فعندما قال: ” وأنا أن ارتفعت عن الأرض اجذب إليّ الجميع. قال هذا مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت. فأجابه الجمع نحن سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان ” (يو12 :32-34).
وكشف هو لتلاميذه أن كل ما سيحدث له في أورشليم مكتوب سابقا في كتب الأنبياء: ” وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث ” (لو46:24).
وأكد لتلاميذه في مناجاته للآب حفظهم من الهلاك: ” حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم احد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب ” (يو17 :12)، وتأكيده لبطرس عن حتمية صلبه وموته وقيامته عندما حاول بطرس الدفاع عنه: ” فقال له يسوع رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. أتظن أني لا استطيع الآن أن اطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشا من الملائكة. فكيف تكمل الكتب انه هكذا ينبغي أن يكون … وأما هذا كله فقد كان لكي تكمل كتب الأنبياء ” (مت26 :52-54و56)، وقال للذين جاءوا للقبض عليه: ” كل يوم كنت معكم في الهيكل اعلّم ولم تمسكوني. ولكن لكي تكمل الكتب ” (مر14 :49).
وبعد قيامته من الأموات شرح لتلاميذه كل ما سبق وتنبأ به عنه جميع الأنبياء، فقال لتميذي عمواس: ” فقال لهما أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب ” (لو24 :25-27)، ” فقال بعضهما لبعض ألم يكن قلبنا ملتهبا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب ” (لو32:24). وعندما ظهر لبقية التلاميذ قال لهم: ” هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب ” (لو44:24،45).
ولكن تلاميذه كيهود، وقبل القيامة وحلول الروح القدس، لم يفهموا نبوات صلبه وموته وقيامته بالشكل الذي قصده الوحي الإلهي ولكن بعد قيامته من الأموات وحلول الروح القدس الذي علمهم هذه الأمور ” وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم ” (يو14 :26)، وضحت لهم الحقيقة تماماً ” وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولا. ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وأنهم صنعوا هذه له (يو12 :16)، ” فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه انه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع ” (يو22:2).
وكانوا يشيرون إلي هذه النبوات في مناسباتها في الإنجيل، مثل دخوله إلى أورشليم على جحش ” فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنّا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. ووجد يسوع جحشا فجلس عليه كما هو مكتوب لا تخافي يا ابنة صهيون. هوذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان ” (يو12 :13-15). ” وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولا ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وأنهم صنعوا هذه له ” (يو16:12). وعن اقتسام ثيابه وإلقاء قرعة عليها ” ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي القوا قرعة هذا فعله العسكر ” (يو24:19مع مز18:22)، وعن حفظ عظامه وعدم كسرها ” لان هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه ” (يو36:19مع خر46:12؛مز20:34)، وعن طعن جنبه بالحربة ” وأيضا يقول كتاب آخر سينظرون إلى الذي طعنوه ” (يو37:19مع زك9:9).
وكانت هذه النبوات مدخلهم الدائم لتقديم البشارة بالخلاص لليهود والأمم والإعلان عن أن يسوع الناصري هو المسيح المنتظر الذي تنبأ عنه جميع الأنبياء في جميع هذه الكتب أو الأسفار المقدسة. وفسر التلاميذ والرسل بالروح القدس ما علمه لهم الرب من نبوات كتبت عنه، كما يقول الكتاب، وكان القديس بولس ” باشتداد يفحم اليهود جهرا مبينا بالكتب أن يسوع هو المسيح ” (أع28:18)، ” فدخل بولس إليهم حسب عادته وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب ” (أع2:17). ويقول الكتاب عن بعض هؤلاء ” فقبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا ” (أع11:17). كما بدأ رسالته إلى رومية بحديثه عن إنجيل المسيح ” الذي سبق (الله) فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة ” (رو2:1).
كان الرسل يعتمدون بالدرجة الأولى في كرازتهم لليهود، سواء داخل أو خارج المجامع اليهودية ” حيث يجتمع اليهود دائماً ” (يو18 :20)، علي تذكيرهم بالنبوات التي سبق أن أعلنها الروح القدس بفم أنبيائه القديسين ” كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر ” (لو1 :70)، والتي كانوا يعرفونها جيدا ويحفظونها عن ظهر قلب، كما بينّا، وشرحهم لها لتقديم شخص يسوع الناصري باعتباره هو نفسه المسيح المنتظر، والغريب أن علماء اليهود وعامتهم لم يعترضوا على حرف واحد مما ذكره الرسل من نبوات لذا آمن الآلاف منهم بالمسيح والذين رفضوا رفضوا من مطلق أنتظارهم لمسيح يحقق لهم ما تخيلوه في مسيح يملك ملك ألفي يسود فيه على العالم أجمع ولم يفكروا قط في أنه سيموت ” سمعنا من الناموس أن المسيح يبقى إلى الأبد. فكيف تقول أنت انه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان ” (يو12 :34). ولكن هذا كان فكرهم الخاص عن المسيح المنتظر وليس فكر الله الذي أعلنه للأنبياء في الأسفار المقدسة.
ويلخص لنا ما جاء في عظة القديس بطرس في الهيكل ذلك قائلاً ” وأما الله فما سبق وأنبأ به بأفواه جميع أنبيائه أن يتألم المسيح قد تممه هكذا. فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تأتي أوقات الفرج من وجه الرب. ويرسل يسوع المسيح المبشر به لكم قبل.
الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع أنبيائه القديسين منذ الدهر. فان موسى قال للآباء أن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به. ويكون أن كل نفس لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب. وجميع الأنبياء أيضا من صموئيل فما بعده جميع الذين تكلموا سبقوا وانبأوا بهذه الأيام. انتم أبناء الأنبياء والعهد الذي عاهد به الله آباءنا قائلا لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولا إذ أقام الله فتاه يسوع أرسله يبارككم برد كل واحد منكم عن شروره ” (أع18:3-26).
وكذلك ما جاء في عظة القديس بولس في مجمع إنطاكية بيسيدية: ” أيها الرجال الأخوة بني جنس إبراهيم والذين بينكم يتقون الله إليكم أرسلت كلمة هذا الخلاص. لأن الساكنين في أورشليم ورؤساءهم لم يعرفوا هذا. وأقوال الأنبياء التي تقرأ كل سبت تمموها إذ حكموا عليه. ومع أنهم لم يجدوا علة واحدة للموت طلبوا من بيلاطس أن يقتل. ولما تمموا كل ما كتب عنه انزلوه عن الخشبة ووضعوه في قبر. ولكن الله أقامه من الأموات. وظهر أياما كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب.
ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا أن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. أنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضا إلى فساد فهكذا قال أني سأعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضا في مزمور آخر لن تدع قدوسك يرى فسادا. لأن داود بعدما خدم جيله بمشورة الله رقد وانضمّ إلى آبائه ورأى فسادا. وأما الذي أقامه الله فلم ير فسادا. فليكن معلوما عندكم أيها الرجال الإخوة انه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا ” (أع13 :26-38).
وكان قانون الإيمان الذي تؤمن به الكنائس التي كرز وبشر فيها القديس بولس تردد ما تسلمه هو شخصيا من المسيح وما علمه لهم: ” وأعرّفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثا. فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وانه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا ” (1كو15 :1-7).
ومن ثم امتلأ الإنجيل بأوجهه الأربعة بذكر هذه النبوّات وتطبيقها على شخصه الإلهي وتعليمه وأعماله كقوله المتكرر ” لكي يتم ما قيل بالنبي أو ما قيل بالأنبياء ” التي تبين كيف كانت حياته وتعلميه وأعماله معروفة ومعلن عنها مسبقاً في جميع كتب أو أسفار أنبياء العهد القديم، في هيئة نبوّات: فعن خدمته في الجليل يقول: ” وترك الناصرة واتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم. لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل. ارض زبولون وارض نفتاليم طريق البحر عبر الأردن جليل الأمم.
الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيما. والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور ” (اش4 :13 و14)، وعن تطهيره للبرص وتفتيحه لأعين العميان وإخراجه للشياطين شفاءه للأمراض من كل نوع يقول: ” لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل هو اخذ أسقامنا وحمل أمراضنا ” (مت8 :17)، وعن حلول الروح القدس عليه يقول: ” لكي يتم ما قيل باشعياء النبي القائل. هوذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرّت به نفسي. أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق ” (مت12 :17و18)، وعن تعليمه بأمثال: ” لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بأمثال فمي وأنطق بمكتومات منذ تأسيس العالم : (مت13 :35)، وعن دخوله أورشليم على أتان وجحش ابن أتان: ” فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل. قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعا راكبا على أتان وجحش ابن أتان ” (مت21 :4)، وعن اقتسام ثيابه عند صلبه: ” ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها. لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي القوا قرعة ” (مت27 :35).
وكذلك قوله: ” ينبغي أن يتم ” و ” لا بد أن يتم ” و ” فلكي يتم الكتاب “؛ فعن ميلاده من عذراء يقول: ” فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم. وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل. هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ” (مت1 :21-23)، وعن ذهابه إلى مصر وعودته منه يقول: ” وكان هناك (في مصر) إلى وفاة هيرودس. لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني ” (مت2 :15)، وعن رفضهم له يقول: ” ومع انه كان قد صنع أمامهم آيات هذا عددها لم يؤمنوا به. ليتم قول اشعياء النبي الذي قاله يا رب من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب ” (يو12 :38)، وعن حتمية محاكمته وجلده وآلامه وصلبه وكذلك صلبه بين لصين وموته يقول: ” وصلبوا معه لصين واحدا عن يمينه وآخر عن يساره. فتم الكتاب القائل وأحصي مع أثمة ” (مر15 :28)، وعن عطشه على الصليب يقول: ” بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان ” (يو19 :28). ” أيها الرجال الأخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع ” (أع1 :16).
وكذلك قوله ” بفم “، أي ” بفم النبي 00 “، الإعلان الذي أوحى به الروح القدس بفم النبي أو الأنبياء: ” كما تكلم بفم انبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر ” (لو1 :70). وعن خيانة يهوذا وأحلال تلميذ أخر بديل له يقول الكتاب: ” أيها الرجال الأخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع ” (أع1 :16). وعن البشارة بالرب يسوع لليهود يقول الكتاب: ” الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع انبيائه القديسين منذ الدهر. ويرسل يسوع المسيح المبشر به لكم قبل. الذي ينبغي أن السماء تقبله إلى أزمنة رد كل شيء التي تكلم عنها الله بفم جميع انبيائه القديسين منذ الدهر. فان موسى قال للآباء أن نبيا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من أخوتكم. له تسمعون في كل ما يكلمكم به ” (أع3 :20-22). وبعد الاضطهاد الذي واجهه التلاميذ من رؤساء الكهنة والكتبة صلى التلاميذ والرسل: ” فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة صوتا إلى الله وقالوا أيها السيد أنت هو الإله الصانع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. القائل بفم داود فتاك لماذا ارتجّت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل. قامت ملوك الأرض واجتمع الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه. لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل ليفعلوا كل ما سبقت فعيّنت يدك ومشورتك أن يكون ” (أع4 :25-28).
واستخدم تعبير ” الكتاب ” و ” ليتم الكتاب ” مشيراً إلى كل أسفار العهد القديم: كقول الرب نفسه: ” من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حيّ ” (يو7 :38)، ” ألم يقل الكتاب انه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح ” (يو7 :42)، وعندما عطش على الصليب يقول الكتاب: ” بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان ” (يو19 :28)، وعن طعن جنبه بحربة يقول: ” لكن واحدا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم انه يقول الحق لتؤمنوا انتم. لان هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه ” (يو19 :34-36)، ” لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب انه ينبغي أن يقوم من الأموات ” (يو20 :9).
ويدلنا الحوار الذي دار بين كل من فيلبس المبشر والخصي الحبشي على الاستخدام المكثف من تلاميذ المسيح للاستشهاد بنبوات العهد القديم في كرازتهم: ” فبادر إليه فيلبس وسمعه يقرأ النبي اشعياء فقال ألعلك تفهم ما أنت تقرأ. فقال كيف يمكنني أن لم يرشدني احد. وطلب إلى فيلبس أن يصعد ويجلس معه. وأما فصل الكتاب الذي كان يقرأه فكان هذا. مثل شاة سيق إلى الذبح ومثل خروف صامت أمام الذي يجزه هكذا لم يفتح فاه. في تواضعه انتزع قضاؤه وجيله من يخبر به لان حياته تنتزع من الأرض. فأجاب الخصي فيلبس وقال اطلب إليك. عن من يقول النبي هذا. عن نفسه أم عن واحد آخر. ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع ” (أع8 :30-35). ويقول القديس بولس للمؤمنين: ” لأنك أن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت. لان القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص. لأن الكتاب يقول كل من يؤمن به لا يخزى ” (رو10 :10و11). وتشير النبوة أيضا عن التجسد: ” لذلك عند دخوله إلى العالم يقول ذبيحة وقربانا لم ترد ولكن هيأت لي جسدا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسرّ. ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله ” (عب10 :5 -7).
وكذلك عبارتي ” الكتب ” و ” مكتوب في الكتب “، ” الأسفار المقدسة = الكتب المقدسة”:
” ثم قلت هانذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله ” (عب10 :7). ” لذلك يتضمن أيضا في الكتاب هانذا أضع في صهيون حجر زاوية مختارا كريما والذي يؤمن به لن يخزى ” (1بط2 :6)، ” قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ” (مت21 :42)، ” فدخل بولس إليهم (اليهود) حسب عادته وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب ” (أع17 :2)، ” وكان هؤلاء اشرف من الذين في تسالونيكي فقبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا ” (أع17 :11)، ” بولس عبد ليسوع المسيح المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة عن ابنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد ” (رو1 :1و2).
واستخدم كلمة ” مكتوب ” والتي تكررت تأكيدا على ما سبق أن كتب بالروح القدس لابد أن يتم ولا يمكن أن ينقض كقول الرب يسوع المسيح ” ولا يمكن أن ينقض المكتوب ” (يو45:10). ومن ثم أستخدم الوحي الإلهي عبارات مثل “ مكتوب بالنبي ” (مت2: 5)، ” المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود ” (أع1: 16؛4: 25)، ” مكتوب في درج الكتاب ” (عب7: 10)، ” الكلمة المكتوبة ” (يو15: 25؛1كو15: 54)، ” مكتوب في الناموس ” (لو10: 26؛أع24: 14؛1كو14: 21)، “ مكتوب في ناموس موسى ” (1كو9:9)، “ مكتوب في الناموس والأنبياء ” (أع24: 14)، “ مكتوب في كتاب الأنبياء ” (أع7: 24)، ” مكتوب في سفر المزامير ” (أع1: 21). فعندما طهر المسيح الهيكل يقول الكتاب: ” فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك أكلتني ” (يو2 :17)، ” ووجد يسوع جحشا فجلس عليه كما هو مكتوب ” (يو12 :14)، ” لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر ” (أع1 :20)،
” أن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضا في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك ” (أع13 :33)، ” وهذا توافقه أقوال الأنبياء كما هو مكتوب ” (أع15 :15)، ” فنظر إليهم وقال إذا ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ” (لو20 :17)، ” أما قرأتم هذا المكتوب. الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية ” (مر12 :10)، ” كما هو مكتوب ها أنا أضع في صهيون حجر صدمة وصخرة عثرة وكل من يؤمن به لا يخزى ” (رو9 :33)، ” كما هو مكتوب سيخرج من صهيون المنقذ ويرد الفجور عن يعقوب ” (رو11 :26)، ” المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علّق على خشبة ” (غل3 :13)، ” فابتدأ يقول لهم أنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم ” (لو4 :21).
واستخدام عبارات مثل ” الناموس والأنبياء ” أو ” موسى والأنبياء “: كقول الرب يسوع المسيح ” لا تظنوا أنى جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل ” (مت17:5)، ” لان جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا ” (مت13:11)، وهكذا أستخدم تلاميذ الرب يسوع المسيح ورسله هذا التعبير في تقديم رسالة المسيح لليهود ” وبعد قراءة الناموس والأنبياء ” (أع15:13)، “ كل ما هو مكتوب في الناموس والأنبياء ” (أع14:24)، ” وأنا لا أقول شيئا غير ما تكلم الأنبياء وموسى انه عتيد أن يكون ” (أع22:26)، ” مقنعا إياهم من ناموس موسى والأنبياء بأمر يسوع من الصباح إلى المساء ” (أع14:28)، وعن يوحنا المعمدان يقول: ” كما هو مكتوب في الأنبياء. ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيّئ طريقك قدامك ” (مر1 :2)، وعن ميلاد المسيح في بيت لحم يقول: ” فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي ” (مت2 :5)، وعن تأكيده حتمية موته على الصليب يقول: ” واخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان ” (لو18 :31)، ” أن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد ” (مت26 :24)، ” وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيرا ويرذل ” (مر9 :12)، وبعد قيامته أكد لهم: ” وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم انه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير … وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث ” (لو24 :44و46)، وعن شك تلاميذه فيه يقول: ” حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكّون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أني اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية ” (مت26 :31).
وكانت النبوّات مرشدهم في خدمتهم وعملهم الكرازي فعند اختيار بديلا ليهوذا أكد القديس بطرس أن خيانة يهوذا وتعيين بديلا له تما حسب المكتوب: ” أيها الرجال الأخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع ” (أع1 :16)، ” لأنه مكتوب في سفر المزامير لتصر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر ” (أع1 :20)، وهكذا تكلم عن قيامة الرب من الأموات: ” أن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك ” (أع13 :33).
كما كانت هذه النبوّات مدخلهم الدائم لتقديم البشارة بالخلاص لليهود والأمم والإعلان عن أن يسوع الناصري هو المسيح المنتظر الذي تنبأ عنه جميع الأنبياء في جميع هذه الكتب أو الأسفار المقدسة مثل بشارة القديس فيلبس للخصي الحبشي بالمسيح عن طريق نبوّة اشعياء النبي ” ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع ” (أع35:8)، وكان القديس بولس ” باشتداد يفحم اليهود جهرا مبينا بالكتب أن يسوع هو المسيح ” (أع28:18)، ” فدخل بولس إليهم حسب عادته وكان يحاجهم ثلاثة سبوت من الكتب ” (أع2:17). ويقول الكتاب عن بعض هؤلاء ” فقبلوا الكلمة بكل نشاط فاحصين الكتب كل يوم هل هذه الأمور هكذا ” (أع11:17). كما بدأ رسالته إلى رومية بحديثه عن إنجيل المسيح ” الذي سبق ( الله ) فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة ” (رو2:1).
ونختم هنا بقانون الإيمان الذي كانت تحفظه الكنيسة وتسلمه للمؤمنين وكما تسلمه القديس بولس نفسه وسلمه للكنائس التي كرز فيها: ” وأعرّفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضاً تخلصون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثا. فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب ” (1كو15 :1-4).
وفي الرسالة إلى العبرانيين يشرح لنا كل ما جاء عن الرب يسوع المسيح من جهة كونه الكاهن ورئيس الكهنة الأعظم، فعن مجيئه على رتبة ملكي صادق يقول: ” كما يقول أيضا في موضع آخر أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق ” (عب5 :6)، و ” مدعوّا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق ” (عب5 :10)، ” حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد ” (عب6 :20). وعن سمو وعظمة كهنوت ملكي صادق الذي سيأتي المسيح على طقسه يقول: ” لان ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه ” (عب7 :1)، ” لأنه كان بعد في صلب أبيه (أي لاوي) حين استقبله ملكي صادق.
فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال. إذ الشعب اخذ الناموس عليه. ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق ولا يقال على رتبة هرون ” (عب7 :10و11)، ومن ثم كان يجب أن يأتي المسيح على رتبة ملكي صادق: ” وذلك أكثر وضوحا أيضا أن كان على شبه ملكي صادق يقوم كاهن آخر ” (عب7 :15)، ” لأنه يشهد انك كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق ” (عب7 :17)، ” لان أولئك (الكهنة الذين من سبط لاوي) بدون قسم قد صاروا كهنة وأما هذا فبقسم من القائل له اقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق ” (عب7 :21).
أو كما يقول الكتاب: ” وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات خادما للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان. لان كل رئيس كهنة يقام لكي يقدم قرابين وذبائح. فمن ثم يلزم أن يكون لهذا أيضاً شيء يقدمه. فانه لو كان على الأرض لما كان كاهنا إذ يوجد الكهنة الذين يقدمون قرابين حسب الناموس ” (عب8 :1-4).
وفي الإصحاح الأول من نفس الرسالة على العبرانيين يقارن بين الرب يسوع المسيح والملائكة على أساس ما أعلنه الأنبياء خاصة داود النبي عن سمو وعظمة المسيح لأنه بهاء مجد الله ورسم جوهره، ابن الله الذي يخاطبه الآب بلقب ابني، الذي تسجد له جميع الملائكة، بل والذي هو الله، رب العرش، أو الجالس على عرش الله: ” الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي صائرا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك. وأيضا أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا. وأيضا متى ادخل البكر إلى العالم يقول ولتسجد له كل ملائكة الله. وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار. وأما عن الابن كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك.
أحببت البر وأبغضت الأثم من اجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك. وأنت يا رب في البدء أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد ولكن أنت تبقى وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغيّر ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى. ثم لمن من الملائكة قال قط اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص ” (عب1).
كما يتكلم الأنبياء أيضا، خاصة ارميا النبي عن العهد الجديد الذي سيكون أعظم من العهد القديم، وهذا العهد الجديد سيكون عهدا أبديا لا ينقض أبداً: ” ها أيام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذي اقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. اجعل شريعتي في داخلهم واكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا ” (ار31 :31-33).
ويعلق القديس بولس بالروح القدس قائلاً: ” ولكنه (أي المسيح) الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضا لعهد أعظم قد تثبّت على مواعيد أفضل فانه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان. لأنه يقول لهم لائما هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أكمّل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من ارض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم يقول الرب. لأن هذا هو العهد الذي أعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب اجعل نواميسي في أذهانهم واكتبها على قلوبهم وأنا اكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا ” (عب8 :5 – 10).
وكان العهد القديم يقوم على دم الذبائح التي كانت بدورها رمزا للمسيح ” حمل الله الذي يرفع خطية العالم ” (يو1 :29)، أو كما قال اشعياء بروح النبوةً ” وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ” (اش53 :12)، لذا فقد كان لابد أن يتم العهد الجديد بدم المسيح نفسه: ” وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديا ” (عب9 :12)، ” فإذ ذاك كان يجب أن يتألم مرارا كثيرة منذ تأسيس العالم ولكنه الآن قد اظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه ” (عب9 :26).
وهكذا يتبين لنا، وكما سنوضح أيضا بالتفصيل في الفصول التالية، أن كل دقائق وتفاصيل تجسد المسيح ومجيئه وأعماله وتعليمه كانت محتومة في مشورة الله الأزلية وعلمه السابق ومرسومة في كتاب الحق الإلهي، كما قال الملاك لدانيال النبي ” ولكني أخبرك بالمرسوم في كتاب الحق ” (دا10 :21).