جماعة القاينيين الغنوسية – القمص عبد المسيح بسيط
جماعة القاينيين الغنوسية - القمص عبد المسيح بسيط
جماعة القاينيين الغنوسية – القمص عبد المسيح بسيط
جماعة القاينيين الغنوسية – القمص عبد المسيح بسيط
كان القاينيون بصفة عامة، مثل معظم الفرق الغنوسية، يؤمنون بانبثاق عدد ضخم من الآلهة أو الأيونات من الإله السامي غير المدرك، وكانوا يؤمنون بأن المسيح منبثق من هذا الإله السامي، الآب، وقد جاء من العالم الروحي، من الآب غير المدرك، ليخلص البشرية وبصفة خاصة الذين يصفهم الكتاب المقدس بأنهم خطاة، مثل قايين بن آدم الذي قتل أخاه هابيل ونمرود ” الذي ابتدأ يكون جبارا في الأرض ” (تك10:8)، وقورح الذي تمرد ضد موسى النبي (عدد16)، ثم يهوذا الذي أسلم المسيح لليهود والرومان!!
وكانت هذه الجماعة تكّرم هؤلاء الأشخاص كأبطال في الإيمان لأنهم كانوا ضد يهوه إله العهد القديم، الذي قالوا عنه أنه ليس هو الإله الحقيقي الذي يجب عبادته، وآمنوا أنه إله أقل وجاهل لهذا العالم الذي يجب الهروب منه والذي وصفوه بالشر وطابقوه مع الديميورج خالق المادة الشرير وسكالاس الخالق الشرير أيضاً!! وزعموا أنه هؤلاء الأشخاص عرفوا الحق وفهموا الأسرار الضرورية للخلاص لأنهم كانوا يبحثون عن المعرفة(19)!!
وكان أول من ذكر هذه الفرقة وعقائدها، من آباء الكنيسة الأولى، وكتب عن تأليفهم لإنجيل يهوذا، هو القديس إيريناؤس أسقف ليون بالغال (فرنسا حاليا) سنة 180م، وهذا الرجل كان تلميذا للقديس بوليكاربوس الذي كان بدوره تلميذا للقديس يوحنا تلميذ المسيح، فقال:
” يقول الذين يدعون قاينيين أن قايين كان من العالم السامي للقوة المطلقة ويعترفون أن عيسو وقورح وأهل سدوم وأمثال هؤلاء الأشخاص مختصين بأنفسهم. ويضيفون في هذه الرواية أن الخالق (إله العهد القديم – يهوه) كان يكرههم بشدة ومع ذلك لم يتعرض أحد منهم لضرر لأن صوفيا (الحكمة) كان من عادتها اختطاف الذين يخصونها منهم لذاتها.
ويعلنون أن يهوذا الإسخريوطي الخائن كان يعرف هذه الأشياء، فقد كان وحده الذي يعرف الحق كما لم يعرفه أحد. فقد أُكمل سر الخيانة بواسطته، كل الأشياء، سواء السمائية أو الأرضية وضعت في الحيرة. ولذا فقد لفقوا تاريخا مزيفاً أسموه إنجيل يهوذا “.
ويوضح هذا إنجيل يهوذا المنحول نفسه فكر هؤلاء بصورة واضحة وجلية، فيتكلم عن إله سامي غير محدود وغير مدرك ولا يمكن أن يدركه أحد إلا نفسه هذا الإله انبثقت منه العوالم والمخلوقات الروحية وقد جاء المسيح منه أو من قبله، وكانت تؤمن، أيضاً، بسلسلة من الآلهة منها باربيلو والموجود الذاتي، كما سنوضح لاحقا وكما عرفنا من نص الإنجيل المنحول نفسه، كما كانت تؤمن بإله ثانٍ أقل من الإله السامي وشرير وقالت أنه هو الذي خلق الكون المادي، هو سكالاس، والذي خلق، هو وملائكته آدم وحواء، وأن المسيح قد جاء ليخلص العالم من هذا الإله الشرير، بالمعرفة، معرفة الإله السامي ومعرفة الإنسان لذاته الداخلية. إي كان جوهر إيمانهم هو تعدد الآلهة مع ثنائية الخير والشر، إله للخير وآخر للشر مثل الزردشتية.
كما قدست هذه الفرقة كل الأشخاص الموصوفين بالشر في العهد القديم، كما بينّا أعلاه، مثل قايين الذي قتل أخاه هابيل واعتبرته بطلاً، لأنه من وجهة نظرهم كان يبحث عن المعرفة كما كان يحد من سلطان يهوه!! وفي نفس الوقت أدانوا قديسي العهد القديم مثل نوح وموسى النبي وإبراهيم أبي الآباء … الخ لأنهم أتباع يهوه إله العهد القديم!! ومن نفس المنطلق قدسوا ما فعله يهوذا وقالوا أن ما فعله يهوذا فعله لأجل خلاص البشرية بموت المسيح على الصليب. ولذا اعتبروا أن يهوذا لا يستحق اللعنة بل يستحق الشكر والتقدير لما فعله لأجل البشرية. وقال بعضهم كما نقل عنهم القديس ترتليان (145 -220م) في نهاية القرن الثاني الميلادي في كتابه ضد كل الهرطقات:
” وعلاوة على ذلك فقد خرجت هرطقة أخرى تدعى القاينيين لأنهم يقدسون قايين لأنه (في فكرهم) حبل به بفضيلة فعالة عملت فيه. لأن هابيل (كما يزعمون) وًلد بعد أن حبل به بفضيلة أقل وبسبب ذلك كان أقل. وهؤلاء الذين يقولون بهذه القول يدافعون عن يهوذا الخائن، ويقولون لنا أنه مقبول وعظيم بسبب ما تميز به عن البشرية، ويعتقد بعضهم بتقديم صلاة شكر ليهوذا في رواياتهم هذه. ويقولون أن يهوذا لاحظ أن يسوع أراد أن يتراجع عن الحق، فخانه لكي لا يكون هناك أي إمكانية لهدم الحق. ويجادل آخرون ضدهم قائلين: أن قوات هذا العالم كانت غير راضية عن آلام المسيح لئلا يتم بموته الخلاص المعد للبشرية تشاور (يهوذا) لأجل خلاص البشرية وخان المسيح حتى لا يكون هناك أي إمكانية على الإطلاق لإعاقة الخلاص الذي كان قد أُعيق بواسطة القوات التي كانت تعارض آلام المسيح، وحتى لا يكون هناك إمكانية للتراجع عن خلاص البشرية “.
أي أن خيانة يهوذا، من وجهة نظرهم، كان لها تفسيران؛ الأول هو أن يهوذا بخيانته للمسيح منع يسوع من التراجع عن الصلب والفداء وتحمل الآلام، فسلمه حتى لا يعطيه فرصة لهذا التراجع!! والتفسير الثاني هو خيانته كانت لمنع إي إعاقة خلاص البشرية من قوات هذه العالم!! وفي كلتا الحالتين فقد كانت خيانته من وجهة نظر الفريقين لأجل خلاص البشرية.
وهم لا يختلفون مع الكنيسة المسيحية من جهة صلب المسيح وموته وقيامته، وأن هذا غير ظاهر بشكل مباشر في إنجيل يهوذا المنحول، ولكنهم كانوا يختلفون من جهة النظرة إلى يهوذا الذي أرادوا أن يحولوا ما فعله من خيانة إلى بطولة، فبينما يقول الإنجيل الموحى به أن المسيح حذره وقال له ” أن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد ” (مت26 :24؛مر14: 21)، قالوا، كما نقل عنهم أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص في القرن الرابع، أنه:
” عمل عملاً جيداًَ من أجل خلاصنا ” (ضد الهراطقة 38).
ويقول هذا الكتاب، إنجيل يهوذا الأبوكريفي المنحول، الذي زيفوه، أن المسيح قال ليهوذا:
+ ” تعالَ بعيدا عن الآخرين وسأخبرك بأسرار الملكوت. فمن الممكن لك أن تصل إلى ذلك. ولكنك ستحزن كثيراً، لأن آخر سيحل محلك ليصل الأثنا عشر إلى الكمال مع إلههم “.
+ ويقول أيضاً أن المسيح قال له: ” ستكون أنت الثالث عشر, وستكون ملعوناً من الأجيال الأخرى – ولكنك ستأتي لتسود عليهم. وفي الأيام الأخيرة سيلعنون صعودك؟ “. وأيضاً: ” في الحقيقة فالإنسان الذي يحملني، هل هو أنت يا يهوذا؟ ستضحي. الآن الكل … ازددت وجسدك الأرضي مات واحترق نجمك ويكون قلبك “.
+ وأيضاً ” ولكنك ستفوقهم جميعاًَ لأنك ستضحي بالإنسان الذي يرتديني. ويرتفع قرنك حالاً. ويضرم عقابك الإلهي. ويظهر نجمك ساطعاً “.
+ وينتهي هذا الكتاب المنحول عند قوله: ” … لكن بعض الكتبة كانوا يراقبون بحذر كي يقبضوا عليه أثناء الصلاة, لأنهم كانوا خائفين من الشعب, لأن الكل كان ينظر إليه كنبي. واقتربوا من يهوذا وقالوا له: ماذا تفعل هنا؟ أنت تلميذ يسوع “. فأجابهم يهوذا كما أرادوا منه واستلم بعض المال وأسلمه لهم “.
وهنا نرى التطابق الواضح بين ما قاله آباء الكنيسة عن فكر هذه الجماعة الغنوسية الهرطوقية وبين ما جاء في هذا الكتاب المنحول والمدعو إنجيل يهوذا.
(19) Ibid. 90,91.