الكلمة اللوجوس (Λόγος ὁ – Logos) عند فلاسفة اليونان – القمص عبد المسيح بسيط
الكلمة اللوجوس (Λόγος ὁ – Logos) عند فلاسفة اليونان – القمص عبد المسيح بسيط
الكلمة اللوجوس (Λόγος ὁ – Logos) عند فلاسفة اليونان – القمص عبد المسيح بسيط
اختلف معنى الكلمة عند الفلاسفة اليونانيين عن معنى الكلمة في العهد القديم والتقليد اليهودي جوهرياً، فهي عندهم مبدأ عام أو مجموعة من المبادئ والمثل أو المُثل، كما أنها هي كلمة الإنسان، وكلمة العقل، بل والمبدأ الفاعل في الكون، ولكن بصورة غير واضحة لا تكاد تتضح معالمها، فهي تارة تبدوا كالكائن العاقل الذي أوجد الكون وتارة هي من الكون أو ضمن الكون، وأخرى تبدوا كمجرد مثال أو مبدأ عام!! أو مجموعة مُثل أو مبادئ!!
(1) اللوجوس عند هيراقليطس (Heraclitus): يعتبر الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس (Heraclitus – 535 – 475 ق م)، من أهم الفلاسفة الإغريق القدامى قبل سقراط وأفلاطون وأرسطو لأنه سبقهم جميعا ولذا فهو الأكثر تأثيرا على تشكيل العقل الأوربي بما فيه هؤلاء الفلاسفة أنفسهم فهو الذي وضع أساس كل التأملات الفلسفية في الفيزياء (physics – علم الطبيعة) والميتافيزيقا (metaphysics – ما وراء الطبيعة). وكانت فكرته تقوم أساساً على أن الكون في حالة تغير ثابت وأنه يوجد هناك عقل وراء هذا التغير هو اللوجوس (Logos)(18).
ويرى أن اللوجوس يشكل كيان كل من الكون والإنسان فهو المبدأ الرابط الذي يشكل الكوبري والفهم بين (1) الإنسان والعالم وبين البشرية في ترتيبها السياسي، (2) وبين الإنسان والله، (3) وبين هذا العالم والعالم الذي فوق(19). ومن ثم فاللوجوس يشكل بالنسبة له أهمية كبرى.
ولكن ما هو اللوجوس بالنسبة تحديا له؟ وهل يمكن للكائنات البشرية أن تحدده أو تدركه؟ كما أنه يقول أن اللوجوس مكون من أزواج متناقضة في الكون؟ وكيف يشرح اللوجوس التغيير؟ وما الفرق عنده بين اللوجوس ككلمة الإنسان واللوجوس الكوني، العقل الذي يقف وراء الطبيعة والكون؟ وقد فرق دارسو فلسفة هيراقليطس بين الكلمة (اللوجوس) العامة، والكلمة التي يتكلم بها الإنسان من خلال فقرتين من الفقرات التي ذكرها هيراقليطس عن اللوجوس وهما:
1- بالرغم من أن هذه الكلمة ” اللوجوس ” صادقة من الأزل، فان الناس لا يستطيعون فهمها، ليس ذلك قبل سماعها فحسب، بل بعد أن يسمعوها لأول مرة، حتى أننا نقول: انه بالرغم من أن كل الأشياء تحدث متطابقة مع هذه الكلمة ” اللوجوس ” فانه يبدو أن الناس ليس لديهم أية خبرة عنها، وذلك على الأقل أذا حكمنا عليهم في ضوء هذه الكلمات والأعمال التي سوف اقرها هنا. أن منهجي أن أميز كل شيء حسب طبيعته وأن أعين سلوكه، على العكس من ذلك، ينسى الآخرون ويهملون – في لحظات يقظتهم – ما يدور حولهم وما في داخلهم مثلما تكون حالتهم أثناء النوم(20).
2 – ينبغي أن نترك أنفسنا يقودها ما هو عام للمجتمع. وبالرغم من أن الكلمة ” اللوجوس ” عامة للجميع، فأن معظم الناس يعيشون وكان لكل منهم عقله الخاص. ولقد ثار نقاش عنيف حول تفسير ” الكلمة ” عند هيراقليطس، وأنقسم الباحثون في ذلك إلى رأيين:
1- رأي يرى أن هيراقليطس يشير أساسا إلى الكلام الذي كان ينطقه.
2- والرأي الثاني يرى أن الإشارة إلى شيء أخر كلي سام. ومن الملاحظ أن سكستس امبريقوس يفسر ” الكلمة ” على أنها تحمل معنى كونيا، إذ يكتب قائلا: يؤكد هيراقليطس، أن الكلمة ” اللوجوس ” العامة الإلهية – التي بمشاركتنا فيها نصبح عقليين – أنما هي محك الحقيقة.
وبالإضافة إلى ذلك، يميز هيراقليطس بطريقة قاطعة – في الفقرة 118، بين الكلمة ” اللوجوس ” وبين كلامه هو، وذلك حين يقول:
لا تستمعوا إليّ لكن إلى الكلمة ” اللوجوس “. والفقرة الثانية توضح أن الكلمة ” اللوجوس ” تحمل نوعا من الدلالة الكونية الكلية، وتأكيدا لهذا المعنى يورد الدكتور على سامي النشار، فقرة لرجل معاصر قريب من هيراقليطس هو ابتيشارمس: أن الكلمة ” اللوجوس ” تهدى الناس وتحفظهم على الطريق الصحيح. أن الإنسان له قدرته على الحساب، لكن هناك أيضاً ” الكلمة – اللوجوس ” الإلهية.
أن التفكير الإنساني ينبثق من الكلمة ” اللوجوس ” الإلهية التي تقدم لكل إنسان طريق الحياة والنمو، فالاحتمال الأقوى، هو أن هيراقليطس قد اعتبر الكلمة ” اللوجوس ” على أنها الحقيقة في صفاتها الموضوعية، وفوق الإنسانية وقد اعتبر نفسه مع ذلك أيضاً أنه مؤهل ومعد خاصة ليفصح عن طبيعة هذه الحقيقة. وفي أيام هيراقليطس كان الحكيم أو محب الحكمة هو ذلك الرجل الذي يجد نفسه مدعوا – بصوت حضور أعظم منه – أن ينطق بالحقيقة كما تتكشف له(21).
ويقول القاموس الموسوعي للعهد الجديد: ” دمج هيراقليطس الذي كان معاصراً لبارمنيدس اللوجوس بفكر الفكر الخالص غير المشوش من المشاعر. وهكذا نقل عالم اللوجوس logos إلى الجانب الآخر للعالم الخادع للمظاهر، في عالم الوجود الصافي. ثلاثة أشياء تصبح واضحة للوهلة الأولى لمفهوم اللوجوس logos: الحجة المتناقضة، والثنائية، والهبوط بمفهوم اللوجوس logos إلى المجال الشخصي لنشاط التفكير والفكر نفسه(22).
(2) اللوجوس عند الرواقيين(23):
استخدم الرواقيون اللوجوس بمفهوم معادل لمفهوم الله وأيضاً بمفهوم معادل لمفهوم العناية والقدر(24)، فهو من جهة (بحسب كريسيبوس) عقل زيوس”(25)، كما أنه عقل العالم. وهو مرتبط عندهم بالقضاء والقدر الذي يشرح لنا الدكتور عثمان أمين نظريته، القضاء والقدر عند الرواقيين، كالآتي: لما كان الله هو مبدع الوجود كله فالعقل الكلى هو قانون به ربطت الأشياء بعضها رباطا لا فكاك منه.
وهذا القانون الذي لا يمكن أن يجترح أبداً هو الذي يسمى بالقضاء والقدر. وهذا القضاء هو عبارة عن تسلسل العلل والأسباب تسلسلا يستلزم أن يكون كل حادث نتيجة لعلة، وكل علة مرتبطة بعلة أخرى وهكذا إلى غير نهاية. وهذا التسلسل يحكم الأشياء المستقبلة كما يحكم الأشياء الحاضرة والماضية. ولا شيء يحدث إلا وكان متضمنا من قبل في أصل الأشياء. فالقدر هو العقل الكلى من حيث هو علة عامة لجميع الموجودات، ومن حيث أنه يحدث التسلسل في العلل الخاصة الجزئية.
وحسب المفهوم الديني الشعبي، فأن كلمة ” لوجوس ” تعادل ” زيوس، كما هو واضح من قصيدة كليانتس الشهيرة، حيث يقول كليانتس؛ أيا زيوس يا اجل الخالدين. ويا من يذكره الناس بشتى الأسماء والصفات يا مدبر الكون كله يا حاكم الأشياء جميعا وفق ناموسك وسنتك ويا من يخضع لك كل هذا العالم الذي يدور حول الأرض ويذعن بارادته لسلطانك.
من دونك لا شيء يحدث في الأرض ولا في البحر ولا في السماء، سوى أفعال الأشرار وسببها جهلهم وقلة إدراكهم وأنت لا يغرب عن علمك شيء، تؤلف ما افترق، وتنظم ما تتاثر وترتب الخيرات على قدر الشرور، وتعطى كل شيء بحساب(26).
+ اللوجوس إذاً هو المبدأ الذي خلق العالم، أي هو الذي نظمه وأنشأه، وهو الذي خلقه، جعله كائنا حيا عاقلا، أنه القوة التي تسرى خلال المادة، التي تعمل باطنا في جميع الأشياء. أن العالم هو فيض عظيم (للوجوس)، فهو (أي اللوجوس) مادي، لأن كل شيء عند الرواقيين هو مادي: النار. النفس. الأثير.
+ على أن اللوجوس، من حيث القوة التي تنشئ وتشكل المادة، وتعطى النمو للنبات والحركة للحيوان، فهو ” لوجوس سبيرماتيكوس ” أي مبدأ بذرى، ويشرح الدكتور فؤاد زكريا، فكرة المبادئ البذرية (Logoi Spermatichoi) كالآتي:
+ اللوجوس هو الذي يعطى للإنسان قوة المعرفة، كذلك هو الذي يمنح للإنسان قوة العمل الأخلاقي.
+ وحيث أن جميع القوى تخرج من اللوجوس، فأنها تعود إليه.
+ العقل الخاص بالإنسان هو جزء من العقل العام.
+ وبحسب هذا العقل الإلهي والإنساني المشترك، يعيش الإنسان حسب الطبيعة. ويتحقق هذا عند الفيلسوف.
+ يتحدث الرواقيون عن ثنائية في اللوجوس، للتمييز بين العقل الباطني (endiathetos) والكلام الذي يعبر عنه ظاهريا (prophorikos).
+ يرى الرواقيون، أن موافقة الطبيعة عند الإنسان، هي عبارة عن الحياة وفاقا للعقل. والعقل هو الجزء الرئيسي فينا الذي يقوم ماهيتنا بما نحن أناس ويلزم عن ذلك أن الحياة وفاقا للعقل. لكن الإنسان حين يحيا وفاقا للعقل لا يكون موافقا لنفسه فحسب، بل يكون موافقا لمجموع الأشياء أي للكون بأسره، لأن العقل لا يختص بالإنسان وحده، بل هو أيضاً من خصائص الوجود الكلى أي من خصائص الكون. والعقل الإنساني ليس إلا جزءاً من العقل الكلي الشامل. فبالعقل نحيا على وئام مع أنفسنا، كما نحيا على وئام مع العالم أجمع(27).
(3) اللوجوس عند السفسطائيين وسقراط وأفلاطون:
وبعد هيراقليطس والرواقيون طور السفسطائيين مفهوم اللوجوس وصار عندهم القوة العقلية الموجودة في الإنسان، قوة الحديث والفكر، وقد لعب اللوجوس في الحياة السياسية دوراً حاسماً كقوة الإقناع والتوجيه(28). كما قال سقراط عن اللوجوس في حواراته أنه يوجد حديث عام مع كلماته ومفاهيمه. فاللوجوس بالنسبة له هو الحقيقة الأساسية في كل الحياة في المجتمع، وهذه كانت النقطة الحاسمة في سياسات سقراط وأفلاطون، كما لو أن هناك نوع من الانسجام السابق الوجود بين لوجوس الروح المفكرة ولوجوس الأشياء. لذا يجب على الإنسان أن يكون محروسا لئلا يصير عدو للكلمة كما يكون آخر عدو للإنسان. فالحق يأتي عندما يفسر اللوجوس الظواهر ولكن اللوجوس يجب أن يسبقهم(29).
(أ) السفسطائيين (منتصف القرن الخامس)؛ قالوا عن اللوجوس أنه انعكاس فلسفي موجه نحو الإنسانية ونحو العلاقة بين الفرد والمجتمع. فمن خلال اللوجوس logos، الكلام يكون الناس قادرين على لعب دور معقول في الحياة السياسية. في هذه الخطة، يواجه اللوجوس logos معنى الطريقة الفردية للحجة. وهي الشيء الوحيد المهم للدفاع عن قضيته الخاصة. وكل لوجوس logos يشتمل على مضاد للوجوس logos، في حالة جدل متعارض (الخير والشر والحق والباطل) مُترف به كالمبدأ الأساسي للحوار. وبذا يرى الناس قوة عظيمة في اللوجوس logos، إذ لديه قدرة تربوية بها يوبخ الأشرار ويمدح الأخيار(30).
(ب) أما سقراط (384-322 ق م)؛ فنظر للمناقشة والجدال كنشاط منتج للمجتمع مادام الناس يكافحون من أجل الحقيقة. وليس هدفهم الكلام من أجل الكلام، لكن عن طريق التفكير من خلال الحوار لاكتشاف لوجوس logos الأشياء(31).
(ج) أفلاطون (حوالي424-384 ق م)؛ الذي تعلق فكره أولاً بمفهوم المثال والصورة، لم يضف جديداً حاسماً لموضوع اللوجوس logos. حتى مع أرسطو الذي لم يحرث له أرض جديدة، فالبشر وحدهم من يملكون اللوجوس logos، لأن أفعالهم محددة بالكلمة، وهم القادرون على الخطاب والفكر(32).
(17) هذا الجزء رجعنا فيه، بصفة رئيسية، للمراجع التالية:
Vencent,s Word Studies Of The New Testament. Vol.ii. pp.24-30.
Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv. Pp77-87.
http://en.wikipedia.org/wiki/Logos
Jewish Encyclopedia.
Rev. J. S. Johanston, The Philosophy Of The Fourth Gospel.
Jacob Bryant. Sentiments Of Philo Judeus.
د. موريس تاوضروس، اللوجوس ص 60-67.
(18) http://www.wsu.edu/~dee/GREECE/HERAC.HTM
(19) Gerhard Kittel Theological Dictionary Of The New Testament. Vol. iv. Pp77-87.
(20) د . موريس تاوضروس، اللوغوس مفهوم (الكلمة) في العهد الجديد.
(21) المرجع السابق ص 62.
(22) فيرلين د. فيربروج القاموس الموسوعي للعهد الجديد ص 400.
(23) الفلسفة الرواقية أسسها زينو القبرصي (Zeno of Citium) حوالي سنة 300 ق م.
(24) CF. Zeno in Diog.L. VII, 68.
(25) زيوس في الأساطير اليونانية هو كبير الآلهة وحاكم جبل الأوليمب وإله السماء والرعد.
(26) دكتور عثمان أمين. ص 158 – 186.
(27) د. موريس تاوضروس ص 67 و د. عثمان أمين ص 204.
(28) Kittel. Vol.iv.p,82.
(29) Ibid. p,83.
(31) فيرلين د. فيربروج القاموس الموسوعي للعهد الجديد ص 400.
(32) المرجع السابق ص 400.
(33) السابق.