العقيدة في العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
العقيدة في العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
وقبل أن نقدم العقيدة في العهد القديم نوضح أننا نقدمها لا بمفهوم اليهود الضيق لها ولكن بالمفهوم الذي شرحه وأوضحه الرب يسوع المسيح بنفسه لتلاميذه في العهد الجديد، فقد شرح الرب يسوع المسيح لتلاميذه المفهوم الروحي الصحيح وكل ما يختص به في العهد القديم، كما بينّا أعلاه، وقد استشهد العهد الجديد بالعهد القديم وأشار إليه حوالي 2500 مرة، وتنبأ عن المسيح أكثر من 400 نبوّة مباشرة، وقد أظهرت ترجمة Nestle للعهد الجديد أن العهد الجديد اقتبس 224 فقرة من 103 مزمورا مختلفا وإذا حسبنا تكرار بعض هذه الفقرات في العهد الجديد يصبح عدد هذه الاقتباسات 280 اقتباسا منها حوالي 50 اقتباس لنبوات عن الآلام والصلب والقيامة والصعود وانتشار الإنجيل في جميع الأمم. وذلك غير النبوات الرمزية. ونركز هنا على عقيدة العهد القديم من جهة الله والمسيح ككلمة الله وابنه الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور والروح القدس، وملحمة الفداء والخلاص المعد سابقاً قبل تأسيس العالم!!
(أ) عقيدة الله: يعلن لنا العهد القديم حقيقة أن الله واحد لا إله غيره أو سواه فلا إله إلا هو وحده، الكائن الأبدي الأزلي الذي لا بداية له ولا نهاية: ” اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد ” (تث4:6)، ” فاعلم اليوم وردد في قلبك أن الرب هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل. ليس سواه ” (تث39:4)، ” أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحيي ” (تث39:32)، ” قد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس اله غيرك ” (2صم22:7)، ” ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر ” (1مل60:8)، ” أني أنا هو. قبلي لم يصور اله وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب وليس غيري مخلص ” (أش10:43)، ” أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري … فانتم شهودي هل يوجد اله غيري … أنا الرب صانع كل شيء ناشر السموات وحدي باسط الأرض. من معي ” (أش6:44-11 و 24)، ” أنا الرب وليس آخر. لا اله سواي … ليس غيري. أنا الرب وليس آخر … وحدك الله وليس آخر. ليس اله … أنا الرب وليس آخر … أليس أنا الرب ولا اله آخر غيري … لأني أنا الله وليس آخر. بذاتي أقسمت خرج من فمي الصدق كلمة لا ترجع انه لي تجثو كل ركبة يحلف كل لسان ” (اش5:45-23)، ” اذكروا الأوليات منذ القديم لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي. مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلا رأيي يقوم وافعل كل مسرتي ” (أش46:9و10).
(ب) ابن الله وكلمته: كما يعلن لنا العهد القديم ويكلمنا عن وجود كلمة الله في ذات الله، بل ويكلمنا عن ابنا لله ولكن بصورة تبدوا غير واضحة وغير مدركة لأن زمن إعلانها لم يكن قد أتى بعد؛ فيقول في سفر اشعياء: ” أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات. … تقدموا إليّ اسمعوا هذا. لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه ” (أش12:48). وهنا يكلمنا عن وجود كائن في ذات الله أو مع الله بلا بداية ” منذ وجوده أنا هناك “، وقد أرسله الله بروحه، أو الآب وروحه القدوس. وفي سفر الأمثال يقول: ” من صعد إلى السموات ونزل. من جمع الريح في حفنتيه. من صرّ المياه في ثوب. من ثبت جميع أطراف الأرض. ما اسمه وما اسم ابنه أن عرفت ” (أم40:3). وهنا، نرى إشارة واضحة عن وجود ابن لله فيعلن عنه بصيغة السؤال: ” وما اسم ابنه أن عرفت “، الذي كان على الأجيال أن تنتظر مجيئه الفعلي لتدركه، وتعرف أن لله ابن!!
وفي سفر المزامير يقول: ” بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها ” (مز33:6). وهنا نرى إشارة واضحة لكلمة الله الخالق ” بكلمة الرب صنعت السموات “، وعمل روحه القدوس ” وبنسمة فيه كل جنودها “. بل ويقول في سفر اشعياء: ” كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له ” (اش55 :11)، وكذلك قوله في مزمور (147 :15) ” يرسل كلمته في الأرض سريعا جدا يجري قوله “. والكلمة هنا مشخصة وتخرج من ذات الله لتعمل ما يرسلها من أجله، كما قال: ” لم أتكلم من البدء في الخفاء. منذ وجوده أنا هناك والآن السيد الرب أرسلني وروحه “. وقد جاءت كلمة الرب هنا، في المزمور (33:6): ” בדבר יהוה – dâbâr yhwh “. وقد ترجم العلماء اليهود الكلمة هنا، منذ أيام عزرا الكاهن والكاتب (في القرن الخامس قبل الميلاد) في الترجوم إلى ” ميمرا – מימרא – Memra أو ma’amar ” في الآرامية والتي تساوي في اليونانية ” لوجوس – logos – λογος “(3).
وكان اليهود بعد عودتهم من السبي يخشون من نطق اسم الله ” يهوه – יהוה ” وذلك بسبب قداسة الاسم الشديدة وعظمته ورهبته بالنسبة لهم، وذلك بسبب الخوف من تحذير الوصية الثالثة القائلة: ” لا تنطق باسم يهوه إلهك باطلاً لأن يهوه لا يُبرى من نطق باسمه باطلاً ” (خر 7:20). وأيضاً بسبب الخوف من الوقوع تحت عقوبة التجديف التي هي الموت رجماً: ” ومن جدف على أسم يهوه (‘hw”hy> – kuri,ou) فإنه يقتل. يرجمه كل الجماعة رجماً. الغريب كالوطني عندما يجدف على الاسم يقتل ” (لا 16:24). ولذا فقد أمتنع اليهود عن النطق به نهائياً منذ ذلك الوقت، وبالغوا في ذلك كثيراً، ودعوه ” بالاسم الذي لا ينطق به ولا يصح ذكره “(%). وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه في النطق بـ ” ynI©doa – أدوناي – Adonai” والذي يعنى ” ربى – My Lord “، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم ” ادوناى ” على الحروف الأربعة ” ى- هـ- و- هـ ” للاسم الذي لا ينطق به، وينطقون ” أدوناي “.
وعندما وجدوا أن الوحي الإلهي يصف الله في الظهورات الإلهية التي ظهر من خلالها للآباء والأنبياء؛ مثل ظهوره وحديثه مع آدم وإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى النبي، بالملاك؛ ملاك الرب (يهوه) وملاك حضرته (اش63 :9)، وملاك العهد (ملا3 :1)، وكما قال يعقوب عندما بارك يوسف: ” الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم واسحق. الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم. الملاك الذي خلصني من كل شر يبارك الغلامين ” (تك48 :15و16)، وكما حدث عند حديث الله مع موسى في العليقة: ” وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليّقة … فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة … ثم قال أنا اله أبيك اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله ” (خر3 :2-6). ولذا فقد وضعوا في كل هذه الظهورات كلمة ” ميمرا – מימרא – Memra أو ma’amar ” كبديل لله، وعلى سبيل المثال فقد ترجموا قوله: ” وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة “. وقد ورد تعبير ” وسمعا صوت الرب الإله ” في العبرية: ” וישׁמעו את־קול יהוה אלהים, wayisme-u et-qol yhwy elohim,” إلى ” ושׁמעו ית קל מימרא – usme-u it qol mimra – وسمعا صوت كلمة الرب “. ويظهر تعبير ” ميمرا – מימרא – Memra أو ma’amar ” كتعبير عن الظهور الإلهي وعمل الله في الخليقة 596 مرة في الترجومات، ويستخدم ترجوم أونكيلوس هذا التعبير 179 مرة، وترجوم يروشاليمي 99 مرة، وترجوم يوناثان 321 مرة. وعلى سبيل المثال فقد ترجم قوله: ” فخلق الله الإنسان على صورته.على صورة الله خلقه ” (تك1 :27)، ” فخلق كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) الإنسان “. وقوله: ” فدعت (أي هاجر) اسم الرب الذي تكلم معها أنت إيل رئي ” (تك16 :13)، إلى ” فدعت كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) “. وقوله: ” فقال إبراهيم الله يرى له الخروف للمحرقة يا ابني ” (تك22 :8)، إلى ” فقال إبراهيم كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) يرى له الخروف للمحرقة يا ابني “. وقوله: ” ونذر يعقوب نذرا قائلا أن كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه وأعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس ورجعت بسلام إلى بيت أبي يكون الرب لي ألها ” (تك28 :20و21)، إلى ” أن كان الله (ميمرا – מימרא – Memra) معي … يكون كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra) لي إلها ” … الخ. واستفاض في ذلك الفيلسوف اليهودي السكندري فيلو(4).
وهناك حقيقة هامة وهي إيمان معظم آباء الكنيسة في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني أن كل الظهورات الإلهية التي كانت في العهد القديم والتي كلم فيها الله الآباء والأنبياء كانت ظهورات للكلمة، كلمة الله، المسيح قبل التجسد، وذلك بناء على ما أكده العهد الجديد أيضا أن المسيح هو الذي كلم الأنبياء في العهد القديم والعهد الجديد(5). وقد كان اليهود يدركون هذه الحقيقة جيدا باعتبار أن الذي عمل وظهر في العهد القديم هو كلمة الرب (ميمرا – מימרא – Memra)، كما فهم هؤلاء الآباء العبارات التي تكلم فيها الله بصيغة الجمع مثل: ” وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ” (تك1:26)، ” وقال الرب الإله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر ” (تك2:22)، ” هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم ” (تك7:11)، ” فأمطر الرب (يهوه – hw”©hy) على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب (يهوه – hw”ßhy>) من السماء ” (تك19: 24). على أنها تعبر عن التعدد في الذات الإلهية لله الواحد، وقالوا أن الله كان يتكلم مع كلمته وابنه.
وما يوضح ذلك بصورة جلية ما جاء في (مزمور110 :1): ” قال الرب لربي (ynI©doal;( hw”“hy> – ku,rioj tw/| kuri,w| mou) اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك “. والذي يجلس عن يمين الآب هو الابن، الرب يسوع المسيح، كما أكد الكتاب المقدس في مناسبات عديدة(6). ففي كل الآيات المذكورة أعلاه يخاطب الآب الابن، خطاب في الذات الإلهية مثل قوله له في المعمودية ” أنت ابني الحبيب الذي به سررت ” (مر1 :11).
(ج) روح الله: يكلمنا العهد القديم عن روح الله وعمله سواء في الخليق أو في الإعلان الإلهي: ” روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني ” (أي3:4)، وقبل خلق الأرض ” وكانت الأرض خربة وخالية وروح الله يرف على وجه المياه ” (تك1:1)، وحلوله على الأنبياء ” وحلّ روح الرب على داود ” (1صم13:16)، وكما قال داود النبي بالروح ” روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني ” (2صم23:2)، وكما قال حزقيال النبي ” وحلّ عليّ روح الرب وقال لي ” (حز11:5). والقديس بولس الرسول: ” حسنا كلم الروح القدس آباءنا باشعياء النبي ” (أع28 :25).
وهكذا تظهر ملامح الثالوث الأقدس في الذات الإلهية في العهد القديم بوضوح من خلال الحديث عن الله (الآب) والابن (الكلمة) والروح القدس، وتمايز كل منهما في الذات الإلهية، فالكلمة هو كلمة الله الخارج من ذات الله والموجود في نفس الوقت في ذات الله، والروح القدس الذي هو روح الله الذي في ذات الله ومن ذات الله.
(د) الإعلان عن تدبير التجسد والفداء؛ من خلال محورين هما؛ النبوات التي تتكلم عن مجيء الفادي الذي سيقدم الفداء والخلاص الأبدي للبشرية، والرموز التي تمثلت بالدرجة الأولى في الذبائح الدموية التي كانت تقدم كفدية وكفارة عن الخطايا نيابة عن الخطاة، فقد كانت الذبائح تقدم نيابة عن الخطاة وكان دمها يكفر عنهم: ” لأن نفس الجسد هي في الدم فانا أعطيتكم إياه على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يكفّر عن النفس ” (لا17 :11)، وكما يقول الكتاب أيضا: ” وكل شيء تقريبا يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة ” (عب9 :22). وتنبأ اشعياء النبي عن تقديم المسيح لذاته كذبيحة كفارية عن خطايا العالم كله: ” وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره (بجلدته) شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعنا … جعل نفسه ذبيحة أثم … بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها … انه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ” (اش53)، ومن هنا يقول العهد الجديد: ” الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر. الذي بجلدته شفيتم ” (1بط2 :24)، وأيضاً: ” وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديا ” (عب9 :12)، ” فبهذه المشيئة نحن مقدّسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة ” (عب10 :10).
ويعطينا وصفا كاملا ودقيقا لكل صفاته وأعماله وجوهر تعليمه، فيحدد مجيئه من نسل المرأة ” واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وأنت تسحقين عقبه ” (تك3 :15)، ونسل إبراهيم ” ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض ” (تك22 :18 مع غل3 :16)، واسحق ” تتبارك في نسلك جميع أمم الأرض ” (تك26 :4)، ويعقوب ” ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض ” (تك28 :14)، ومن سبط يهوذا ” لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون (حرفياً شيلوه، أي الذي له الحكم) وله يكون خضوع شعوب ” (تك49 :10)(7)، فرع يسى: ” ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدا ” (اش11 :10)، ويكون ابنا لداود ويجلس على كرسيه: ” قطعت عهدا مع مختاري. حلفت لداود عبدي إلى الدهر اثبت نسلك وابني إلى دور فدور كرسيك ” (مز89 :3و4)، كما تنبأ اشعياء النبي: ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر ” (اش9:6و7)، وأيضاً: ” واقطع لكم عهدا أبديا مراحم داود الصادقة. هوذا قد جعلته شارعا للشعوب رئيسا وموصيا للشعوب ” (اش55 :3و4)، وارميا النبي: ” ها أيام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من ارض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب ” (أر31 :31و32)، وأيضا: ” ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الأرض. في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا ” (ار23 :5و6)، ” ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلى بيت إسرائيل والى بيت يهوذا. في تلك الأيام وفي ذلك الزمان انبت لداود غصن البر فيجري عدلا وبرا في الأرض. في تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الرب برنا ” (أر33 :14-16). وحزقيال النبي: ” وأقيم عليها راعيا واحدا فيرعاها عبدي داود هو يرعاها وهو يكون لها راعيا. وأنا الرب أكون لهم إلها وعبدي داود رئيسا في وسطهم. أنا الرب تكلمت ” (حز34 :23و24).
كما تنبأ عن مكان تجسده ” أما أنت يا بيت لحم افراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل ” (مي5:2). وميلاده من أم عذراء ” ولكن يعطيكم السيد نفسه آية.ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل ” (اش7 :14)، وذهابه إلى مصر وعودته منها ” ومن مصر دعوت ابني ” (هو11 :1)، مع ” لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني ” (مت2 :15)، وعن كونه الإله القدير الأزلي الذي لا بداية له والرب الجالس عن يمين الله الآب: ” لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا مشيرا إلها قديرا أبا أبديا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر ” (اش9:6و7)، ” قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ” (مز110:1). وقد طبق هذه النبوة الرب يسوع المسيح نفسه على نفسه وأكدها كل من القديسين بطرس وبولس على الرب يسوع المسيح (مت22:42-44؛مر12:36؛أع2:34؛أع1:13). وتنبأ دانيال النبي عن كونه المعبود الذي تتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة: ” كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض ” (دا7 :13و14).
كما تنبأ العهد القديم أيضاً عن تفصيلات القبض عليه ومحاكمته وآلامه وصلبه وموته على الصليب وقيامته في اليوم الثالث وصعوده إلى السموات، والكرازة باسمه في كل المسكونة، خاصة في مزمور 22 واشعياء 53. فيقول اشعياء النبي بالروح:
” من صدق خبرنا ولمن استلعنت ذراع الرب. نبت قدامه كفرخ (كنبتة) وكعرق من ارض يابسة (قاحلة) لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. محتقر ومخذول (منبوذ) من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر (محتجبة) عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولا. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره (بجلداته) شفينا. كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعنا. ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه. من الضغطة ومن الدينونة أخذ. وفي جيله من كان يظن انه قطع من ارض الأحياء انه ضرب من اجل ذنب شعبي. وجعل مع الأشرار قبره ومع غني عند موته. على انه لم يعمل ظلما ولم يكن في فمه غش أما الرب فسرّ بان يسحقه بالحزن (بالأوجاع). أن جعل نفسه ذبيحة أثم يرى نسلا تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها. لذلك اقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من اجل انه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ” (إش53).
ويقول داود النبي في سفر المزامير وهو يصف عملية صلبه وتسمير يديه ورجليه بالمسامير بل واقتسام ثيابه وإلقاء قرعة على لباسه، بالروح: ” أحاطت بي ثيران كثيرة. أقوياء باشان اكتنفتني. فغروا عليّ أفواههم كاسد مفترس مزمجر. كالماء انسكبت.انفصلت كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي والى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني.ثقبوا يديّ ورجليّ. أحصي كل عظامي.وهم ينظرون ويتفرسون فيّ. يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون ” (مز22 :12-18).
وكأن داود النبي واشعياء النبي كانا واقفين عند الصليب يسجلان ما يحدث له!! كما تنبأ العهد القديم عن حفظ جسده من الفساد وقيامته من الأموات وصعوده إلى السماوات ” لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي.جسدي أيضا يسكن مطمئنا. لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيّك يرى فسادا ” (مز16 “10و11).
والخلاصة هي أن العهد القديم قدم لنا صورة تفصيلية للعقيدة المسيحية قبل التجسد وقبل المسيح؛ فقدم لنا الله في ذاته وكلمته وروحه وألمح لوجود ابن الله بصورة تساؤل ” من هو اسم ابنه أن عرفت؟ “، كما أعلن من خلال نبوات الأنبياء عن المسيح الآتي؛ ابن الله، المسيح الرئيس، الذي من نسل داود الذي سيملك على بيت داود الروحي إلى الأبد، والذي سيؤسس العهد الجديد، ويقدم نفسه فدية عن حياة الإنسان ويتحمل الآلام نيابة عن البشرية. وهو في ذاته الأزلي الإله القدير الرب الجالس عن يمين القوة في السماوات، رب داود، ابن الله وكلمته الذي به خلق السموات والأرض … الخ.
(3) أقرأ الفصل 0000
(%) Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500.
ويعقب الفيلسوف اليهودي فيلون Philo (20ق.م-40م) على لاويين (15:24) ” كل من سب إلهه يحمل خطيئته “، بقوله ” إذا كان هناك أحد، لا أقول أنه يجدف على رب الناس والآلهة، بل يجرؤ فقط على أن ينطق باسمه في وقت غير مناسب فليتوقع الموت ” (” المتنيح الأنبا أغريغوريوس أنت المسيح ابن الله الحي” جـ 90:5).
وقال أيضاً ” الاسم يهوه لا يجوز أن ينطق به إلا الذين تطهرت بالحكمة آذانهم وألسنتهم، وبشرط أن يسمعوه وينطقوا به في مكان طاهر ” (السابق ص 90). وجاء في القاموس الدولي للدين ” هذا الاسم (يهوه) مقدس لدرجة أن اليهود لم ينطقوه عالياً أبداً ودائماً يستبدلونه بلقب آخر ” (The Int. Dic. Of Religion P. 99.)، ويقول التلمود البابيلوني ” أن اليهود امتنعوا أن يلفظوا الاسم، بل والكهنة أيضاً لم يعودوا ينطقون به حتى في تلاوة البركة ” (أنت المسيح جـ 91:5.). ويقول التلمود الأورشليمي أنه كان مشروعاً لرئيس الكهنة أن ينطق بالاسم في احتفالات يوم الكفارة (المرجع السابق). وكان ينطق به بصوت خفيض في قدس الأقداس حتى لا يسمعه أحد خارجاً. وبلغت المبالغة في الخوف من نطق الاسم أن يقول أحد الربيين، كما ينقل د.ت. بيرسون D. T. Pierson، أن من يجرؤ على النطق بهذا الاسم (يهوه) سيفقد مكانه في العالم الآتي (All D. Names P. 18 .)، أي يحرم من السعادة الأبدية.
ومن ثم فقد دعوه بـ ” الاسم – Ha Shem ” و ” الاسم العظيم المهوب ” و ” الاسم الخاص ” و ” الاسم المنفصل” و ” الاسم الذي لا ينطق به ” و ” الاسم الذي لا يوصف ” و ” الاسم المحفوظ، و ” الاسم المقدس ” و ” الاسم المتميز ” و ” الاسم الذي من أربعة أحرف ( ى . و . هـ Y H W H) ” (Ibid 17.). وغالباً ما يسمى بالكلمة اليونانية ” تتراجراماتون –Tetragrammaton τετραγράμματον ” أي الاسم ذو الحروف الأربعة (YHWH, JHVH) (The Levicon Web. Dic. Vol. 2. P. 1017).
وكانوا عند قراءة يهوه يستبدلونه بـ ” أدوناي – Adonai” والذي يعنى ” ربى – My Lord “، ويضعون التشكيل والحركات التي للاسم “ادوناى” على الحروف الأربعة “ى.هـ.و.هـ” للاسم الذي لا ينطق به، وينطقون ” أدوناي “. وهكذا تركوا الحروف الساكنة الأربعة ليهوه، في النص، ووضعوا معهم الحروف المتحركة أدوناي (a – o – a). ومن هذا جاء الاسم الهجين ” جيهوفاه – Jehovah ” المستخدم في الانجليزية والفرنسية والألمانية، وهو الشائع الآن. كانت اللغة العبرية تتكون من 22 حرفاً ساكناً وليس بها حركات أو حروف متحركة. وكان القارئ يدرك النطق الصحيح ويضع الحروف المتحركة من الذاكرة تقليدياً، ومع عدم نطق اسم يهوه فقد ضاع النطق الصحيح له. وبدأت الحركات والحروف المتحركة تدخل اللغة العبرية، حتى تم ذلك على أيدي المأسورين، أي حملة التقليد (ماسورا) فيما بين 500 إلى 950م (كتاب التوراة كيف كتب وكيف وصلت إلينا) للمؤلف ص 29 و 73.
وقد فقد النطق الصحيح للاسم من التقليد اليهودي أثناء العصور الوسطى (Theo. Dic. OT Vol. 5 P. 500). وصار ينطق بأشكال مختلفة أهمها: ” ياهفيه أو يهفيه – Yahveh, Yeheveh ” أو ” ياهفي – Yahve ” أو “جيهوفا – Jehova” (The Pulpit Com. Vol. 1 Ex. 57. See also Clarke’s Com. Vol. 1 P. 475.).
يقول المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس (36 – 100م) أنه غير مشروع له أن يقول شئ عن هذا الاسم المقدس ونطقه (Ant. B. 2:4). أقرأ كتابنا ” هل المسيح هو الله أم ابن الله أم هو بشر؟ ” ف 1-3.
(4) أنظر الفصل ال 00000
(5) ” وإما انه صعد فما هو إلا انه نزل أيضا أولا إلى أقسام الأرض السفلى. الذي نزل هو الذي صعد أيضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلا والبعض أنبياء والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلّمين ” (أف4 :9-11)، ” الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها انتم الآن بواسطة الذين بشروكم في الروح القدس المرسل من السماء التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها ” (1بط1 :10-12).
(6) عندما سأل رئيس الكهنة الرب يسوع المسيح في المحاكمة أن كان هو المسيح ابن الله ” فقال يسوع أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتيا في سحاب السماء ” (مر14 :62)، وفي قوله ” جالسا عن يمين القوة ” يشير إلى ما جاء مزمور 110، ويوضح القديس لوقا ” منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسا عن يمين قوّة الله ” (لو22 :69). وبعد صعوده يقول الكتاب ” ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله ” (مر16 :19). وعند رجم استيفانوس يقول الكتاب ” وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأى مجد الله ويسوع قائما عن يمين الله. فقال ها أنا انظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله ” (أع7 :55و56). ويكرر الكتاب ذلك بقوله ” الذي هو أيضا عن يمين الله الذي أيضا يشفع فينا ” (رو8 :34)، ” فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله ” (كو3 :1)، ” جلس في يمين العظمة في الأعالي ” (عب1 :3)، ” جلس في يمين عرش العظمة في السموات ” (عب1 :8)، ” جلس إلى الأبد عن يمين الله ” (عب10 :12)، ” فجلس في يمين عرش الله ” (عب12 :2)، ” الذي هو في يمين الله إذ قد مضى إلى السماء ” (1بط3 :22). والرب يسوع نفسه اتخذ من هذه النبوة دليلا على ألوهيته أمام رؤساء اليهود عندما سألهم ” ماذا تظنون في المسيح ابن من هو؟ فقالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربا قائلا قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك. فان كان داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه ” (مت22 :42-45، أنظر مر12 :36ولو2042). وأتخذ منها القديس بطرس دليلا على قيامة الرب يسوع المسيح وصعوده وجلوسه عن يمين الآب ” لان داود لم يصعد إلى السموات. وهو نفسه يقول قال الرب لربي اجلس عن يميني ” (أع2 :34). وأتخذ منها القديس بولس دليلا على إلوهية المسيح ” ثم لمن من الملائكة قال قط اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك ” (عب1 :13).
(7) أنظر كتابنا ” هل تنبأ الكتاب المقدس عن نبي أخر يأتي بعد المسيح؟ “.