العلامة بنتينوس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
العلامة بنتينوس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
العلامة بنتينوس:
ولد العلامة (Pantaenus) بالإسكندرية، وقد سمّاه تلميذه أكليمندس بـ ” النحلة الصقلية “[1]، ومن هنا قال البعض أنه من جزيرة صقلية. وقد درس بنتينوس الفلسفة الرواقية ثم اعتنق المسيحية على يدي اثيناغوراس الفيلسوف المسيحي مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ثم صار بنتينوس مديراً للمدرسة سنة 180م[2]. وكان أول مدرس، معروف لنا، لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية. ويقال أنه أدخل الفلسفة والعلوم إلى مدرسة الإسكندرية لجذب الهراطقة والوثنيين المثقفين حيث أعد لهم دراسات خاصة تقدم الأساسيات الإيمانية مستخدمة الفلسفة كسلاح للحوار والإقناع، كما قدمت المدرسة دراسات متقدمة عن الحكمة الإلهية والمعرفة الروحية.
ويقول عنه يوسابيوس القيصري: ” ونحو هذا الوقت عهد إلى بنتينوس[3] وهو شخص بارز جداً بسبب علمه، إدارة مدرسة المؤمنين في الإسكندرية. إذ كانت قد أنشئت منذ الأزمنة القديمة مدرسة للتعاليم المقدسة، ولا زالت حتى يومنا هذا، وكان يديرها، كما ما وصل إلى علمنا، رجال في غاية المقدرة والغيرة نحو الإلهيات وبرز بينهم في ذلك الوقت بنتينوس لأنه تهذب بفلسفة الرواقيين، وقد أظهر غيرة شديدة نحو الكلمة الإلهية حتى أنه عُين سفيراً لإنجيل المسيح للأمم في الشرق ووصل حتى بلاد الهند، لأنه كان كثيرون من الكارزين بالكلمة الذين سعوا باجتهاد يستخدمون غيرتهم الإلهية على مثال الرسل لزيادة انتشار وبنيان الكلمة الإلهية.
ولقد كان العلامة واحداً منهم حتى أنه ذهب إلى بلاد الهند ومن المعروف أنه عثر هناك على إنجيل متى الرسول لدى الذين عرفوا المسيح إذ أن برثلماوس، أحد الرسل، كان قد كرز بينهم وترك لهم ما كتبه متى باللغة العبرية واحتفظوا به حتى ذلك الوقت. وبعد أعمال صالحة كثيرة، صار في النهاية على رأس مدرسة الإسكندرية وشرح كنوز التعليم الإلهي بالكلمة الشفاهية وبالكتابة، في هذا الوقت تعلم أكليمندس في الإسكندرية الكتب الإلهية على يد بنتينوس حتى صار مشهوراً “[4].
وكان بنتينوس معلماً لعدد كبير من آباء الكنيسة المؤثرين في موضوعنا هنا، وكان أول مدرس، معروف لنا، لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، كما كان معلماً لأكليمندس الإسكندري خليفته كمدير للمدرسة وأوريجانوس والإسكندر أسقف أورشليم، وكان تأثيره الأكبر على تلميذه أكليمندس الإسكندري، الذي يقول عنه يوسابيوس القيصري ما يلي: ” وفي كتابه (أكليمندس) ” وصف المناظر “، يتحدث عن بنتينوس بالاسم كمعلمه “. بل ويراه من ابرز خلفاء الرسل[5].
ونظرا لعلمه في الكتاب المقدسة قال عنه تلميذه وخليفته أكليمندس الإسكندري معبراً عن ثقته في تفاسيره: حيث كان يكرر عبارة: ” أما بنتينوسنا، فقد قال … “[6]، مؤكداً أنه كان مصدر ثقة في عصره للمعلمين ولأكليمندس نفسه.
كما يقول أكليمندس عن مصدر كتابات العلامة بنتينوس أنه استقاها من عظماء الحكماء والعلماء وعلى قمتهم بنتينوس: ” وحينما جئت إلى الأخير (بنتينوس) كان أولهم في القوة، وقد تتبعته حيث كان مختفياً في مصر، فوجدت الراحة, وهو في الحقيقة النحلة الصقلية التي تجمع رحيق الأزهار من المروج النبوية والرسولية[7]، غارساً في نفوس سامعيه عنصر المعرفة الحية. حسناً فقد حفظوا التقليد للعقيدة المقدسة المأخوذة مباشرة من من الرسل القديسين بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس، فقد استلم الابناء عن الآباء … الذي آتى إلينا أيضاً بإرادة الله كوديعة لهذه البذار الرسولية والتي تعود إلى الأسلاف “[8]. وينقل يوسابيوس: ” أما الكتب المعنونة وصف المناظر فهي بنفس العدد، ويذكر فيها بنتينوس كمعلمه[9]، وينقل اراءه وتعاليمه “[10].
ويقول عنه القديس جيروم أنه: ” فيلسوف من المدرسة الرواقية … ولقد كان من كبار العلماء وكانت له فطنة كبيرة ودراية بكل من الإنجيل والعلوم الدراسية “[11]. ويضيف إلى ما قاله يوسابيوس عن وجود الإنجيل للقديس متى في الهند: ” وعندما عاد بنتينوس إلى الإسكندرية أحضر هذه النسخة معه والمكتوبة بالعبرية “[12].
ومن ابرز أعماله أنه قام مع تلميذيه أكليمندس وأوريجانوس بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة القبطية مستخدمين الحروف اليونانية مضافاً إليها سبعة حروف غير موجودة في اليونانية.
من ذلك يتضح لنا حقيقة إيمان العلامة بنتينوس بوحي أسفار الكتاب المقدس بعهديه بما فيها الرسالة إلى العبرانيين. ولكن للأسف فقدت جميع كتاباته، عدا جذاذة صغيرة.
وينقل يوسابيوس ما نقله أكليمندس عن استاذه بنتينوس عن الرسالة إلى العبرانيين[13]: ” والآن يقول الشيخ لأن الرب رسول القدير أرسل إلى العبرانيين، فأن بولس إذا أُرسل إلى الأمم لم يشأ أن يعتبر نفسه رسول العبرانيين وذلك تأدباً منه. وهو إذ كان سفيراً ورسولاً للأمم لم يكتب إلى العبرانيين إلا لغزارة مادته “[14].
وترجع قيمة بنتينوس بالنسبة لنا لكونه معلما لعدد كبير من آباء الكنيسة المؤثرين في موضوعنا هنا، فقد كان معلماً لأكليمندس الإسكندري خليفته كمدير للمدرسة والإسكندر أسقف أورشليم وكذلك أوريجانوس، وكان تأثيره الأكبر على تلميذه أكليمندس الذي يتكلم عنه بكل احترام ويصفه بـ ” النحلة الصقلية ” التي قد تكون إشارة إلى مكان ميلاده[15]، ومن يوسابيوس نعرف أن أكليمندس كان خليفة له: ” وفي ذلك الوقت عهد إلى أكليمندس تعليم الإيمان في الإسكندرية خلفاً لبنتينوس[16]. وكان رأي بنتينوس في الأسفار المقدسة هو ما قبله تلاميذه، خاصة، أكليمندس وأوريجانوس[17].
وقد قدم لنا العلامة بنتينوس، وهو ما قبله تلميذاه أكليمندس وأوريجانوس، نوعين من الاعتراف برسائل القديس بولس؛ واحد يضم رسائل بولس الثلاث عشرة، بدون الرسالة إلى العبرانيين، والثاني يتكون أربع عشرة رسالة، تضم الرسالة إلى العبرانيين[18].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
[1] Stomata, I,1.
[2] وسلم إدارة المدرسة لتلميذه اكليمندس سنة 190م عندما قام برحلته الكرازية للهند.
[3] يقول مترجم الترجمة الإنجليزية أن العلامة هو أول مدرس عرفناه لمدرسة الإسكندرية.
[4] يوسابيوس ك 5 ف 10 و11. الترجمتين العربية والإنجليزية.
[5] يوسابيوس ك 5 ف 11 :2.
[6] العلامة بنتينوس الإسكندري، ترجمة وإعداد أنطون فهمي جورج ص 11.
[7] يقصد مثل بقية الآباء أسفار العهدين القديم والجديد.
[8] Stomata, I,1.
[9] Strom. I. 1.
[10] يوسابيوس ك 6 ف 13 :2.
[11] مشاهير الرجال ص 55.
[12] مشاهير الرجال ص 56.
[13] Bruce M. Metzger, p130.
[14] يوسابيوس ك 6 ف 14 :4.
[15] The Church History Of Eusebius, B. 5, 10, note, 1.
[16] يوسابيوس ك 6 ف 6 :1.
[17] Ibid.
[18] Bruce M. Metzger, p130.