الوثيقة الموراتورية وقانونية العهد الجديد (170م)
الوثيقة الموراتورية وقانونية العهد الجديد (170م) [1]
وجدت هذه الوثيقة الموراتورية أو المخطوطة الموراتورية[2]، والتي تعتبر أقدم قائمة معروفة لأسفار العهد الجديد، في المكتبة الامبروسية (the Ambrosian Library) بميلان سنة 1740م، في مخطوطة ترجع للقرن الثامن الميلادي، ونشرها العالم الإيطالي لودوفيكو أنتونيو موراتوري (Ludovico Antonio Muratori) فدعيت باسمه[3]. وكانت مكتوبة باللاتينية. ثم وجدت أربع جزئيات في أربع مخطوطات للقانون من القرنين الحادي عشر والثاني عشر في مونتيكاسينو (Montecassino) سنة 1897م[4].
وترجع نصوص هذه المخطوطة، التي كتبت أصلاً باليونانية، كما تؤكد هي نفسها، في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي حيث تقول الوثيقة ” كتب هرماس (كتابه) الراعي حديثاً جداً في زماننا في مدينة روما عندما كان يجلس شقيقه الأسقف بيوس Pius على كرسي الكنيسة في روما “[5]. وكانت سطورها الأولى مفقودة وتبدأ بعبارة عن الإنجيل الثاني الذي للقديس مرقس وتقول ” الذي فيه كان حاضراً وقد دونه (وضعها في رواية) “، ثم تتحدث عن الإنجيل الثالث الذي للقديس لوقا مما يؤكد أنها تحدثت في السطور المفقودة عن الإنجيل للقديس متى ثم الإنجيل للقديس مرقس والذي تبقى منه هذا السطر المذكور أعلاه.
” الذي كان حاضرا فيها وهكذا أنطلق. الكتاب الثالث للإنجيل، الذي بحسب لوقا، هذا الطبيب لوقا بعد صعود المسيح (قيامته؟). أخذه بولس معه كخبير في الطريق (التعليم)، دونه باسمه حسب الإيمان [العام]، مع أنه لم ير الرب في الجسد، ولأنه كان قادراً على التحقق منه، فقد بدأ يروى القصة من ميلاد يوحنا.
الإنجيل الرابع هو الذي ليوحنا [أحد] التلاميذ. الذي عندما حثه تلاميذه وأساقفته قال: صوموا معي من اليوم ولمدة ثلاثة أيام وما يعلن لكل واحد فلنقله بعضنا لبعض. وفي نفس الوقت كُشف لأندراوس، أحد الرسل، أن ما ينجح (يفحص) الكل فيه يجب أن يدون يوحنا كل شيء باسمه.
ولذا فعلى الرغم من وجود عناصر متنوعة تعلم في كتب الإنجيل المتفردة (أي الأناجيل الأربعة) إلا أن هذه الأمور لا تسبب اختلافاً لإيمان المؤمنين، لأن كل ما فيها أُعلن بالروح الواحد.
فكل شيء معلن في الكل: ما يختص بالميلاد وما يختص بالآلام وما يختص بالقيامة وما يختص بالأحاديث مع التلاميذ، ما يختص بمجيئه الأول محتقر في تواضع، والثاني ممجد في قوة ملوكية. فما العجيب إذا في أن يورد يوحنا نقاط خاصة في رسائله أيضاً، فهو دائماً صادق مع نفسه، إذ يقول هو نفسه ” الذي رأيناه بعيوننا وسمعناه بآذاننا ولمسته أيدينا نكتبه لكم “. فهو يعترف هكذا أنه ليس شاهد عيان فقط بل كاتب أيضاً لكل عجائب الرب بالترتيب.
ولكن أعمال الرسل مكتوبة في كتاب واحد. دون لوقا للعزيز ثاوفيلس الأمور العديدة التي حدثت في حضوره كما بين بوضوح بعدم ذكر استشهاد بطرس وأيضا رحيل بولس من مدينة روما عندما سافر إلى اسبانيا. أما عن رسائل بولس الرسول فهي واضحة للراغبين في الفهم, ما هي؟ ومن أي مكان ولماذا كتبت.
الأولى إلى أهل كورونثوس لمنعهم عن الانشقاقات الدينية المضللة والثانية إلى أهل غلاطية ضد الختان, ثم الرسالة إلى أهل رومية شارحا بإسهاب عن النظام (أو الخطة) من الكتب المقدسة وعن أن المسيح هو المبدأ بالنسبة لهم (أو الموضوع الأساسي لهم), ومن الضروري لنا أن نناقش هذه الرسائل واحدة واحدة حيث أن الرسول المبارك بولس متبعا سلفه يوحنا كتب باسمه إلى سبع كنائس فقط بالترتيب الآتي: الأولى إلى أهل كورونثوس, الثانية إلى أهل أفسس, الثالثة إلى أهل فيلبى, الرابعة إلى أهل كولوسى, الخامسة إلى أهل غلاطية, السادسة إلى أهل تسالونيكى والسابعة إلى أهل رومية. ومن المعلوم انه كتب مرة أخرى إلى أهل كورونثوس وإلى أهل تسالونيكى للتحذير ورغم ذلك فانه من السهل التمييز أن هناك كنيسة واحدة انتشرت في كافة أرجاء الأرض.
ومع ذلك فيوحنا أيضا كتب بالوحي لسبع كنائس, على الرغم من هذا تكلم للجميع. وكتب بولس من نبع المودة والحب واحدة إلى فليمون وأخرى لتيطس واثنتين لتيموثاوس وهذه الرسائل مقدسة في احترام الكنيسة الجامعة (الكاثوليكية) من أجل ضبط النظام الكنسي. ويوجد حاليا أيضا رسالة إلى أهل لاودكية وأخرى إلى أهل الإسكندرية وكلتاهما منسوبتان زورا إلى القديس بولس من اجل هرطقة ماركيون ورسائل أخرى عديدة غير مسلم بها (غير معتمدة) من قبل الكنيسة الجامعة, حيث انه لا يليق أن يُخلط المر بالعسل.
علاوة على ذلك فأن رسالة يهوذا ورسالتين مما ذكر أعلاه (تحمل أسم يوحنا) محسوبة (أو مستخدمة) في الكنيسة الجامعة (الكاثوليكية) وكتاب الحكمة الذي كتبه أصدقاء سليمان في شرفه.
لقد استلمنا فقط رؤيا يوحنا وبطرس, ومع ذلك البعض منا غير راغب في قراءة الأخير في الكنيسة. ولكن هرماس كتب الراعي مؤخرا في زمننا هذا في مدينة روما في حين كان يشغل أخوه الأسقف بيوس الكرسي الكنسي لمدينة روما فلذا بالحقيقة كان ينبغي قراءته ولكن لا يمكن قراءته لجموع الشعب في الكنيسة, لأنه كتب بعد زمن الأنبياء والرسل الذين اكتمل عددهم, ولكننا لم نقبل ما لارسينوس, فالانتينوس أو لميلتيادس الذين ألفوا كتاب مزامير جديد لماركيون مع أيضا باسيليدس المؤسس الأسيوي للمونتانيين “.
وتتحدث الوثيقة أو المخطوطة هنا عن الأناجيل على الرغم من أن سطورها الأولى التي تتكلم عن الإنجيلين للقديسين متى ومرقس مفقودة. وتؤكد الوثيقة أن القديس لوقا كان عاملاً مع القديس بولس، كما يصفه القديس بولس بذلك أيضاً: ” لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي” (2تي4 :11)، ” وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي ” (فل1 :24). وتصفه بالطبيب، كما وصفه بذلك القديس بولس نفسه: ” يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ لُوقَا الطَّبِيبُ الْحَبِيبُ ” (كو4 :4).
وتؤكد الوثيقة أن القديس يوحنا كان حريصاً على أن يهب التلاميذ الاثنى عشر الإنجيل، كما تؤكد حرصه على أن تأكيد دوره كشاهد عيان، وهذا ما أكده القديس في الإنجيل نفسه حيث يقول: ” وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَق، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ ” (يو19 :35)، وتأكيد دور الكنيسة، تلاميذه وأساقفته ومن تبقى من التلاميذ والرسل، في الشهادة له ككاتب الإنجيل: ” هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ ” (يو21 :24).
كما تؤكد الوثيقة أن الأناجيل الأربعة هي وحدة واحدة تتكلم عن موضوع واحد هو ما يختص بشخص الرب يسوع المسيح: ” فكل شيء معلن في الكل: ما يختص بالميلاد وما يختص بالآلام وما يختص بالقيامة وما يختص بالأحاديث مع التلاميذ، ما يختص بمجيئه الأول محتقر في تواضع، والثاني ممجد في قوة ملوكية “، وقد أغلقت بالإنجيل الرابع، وأنه لا يوجد أي إنجيل قانوني، موحى به، غير هذه الأناجيل الأربعة، وذلك لتسد الطريق على أي شخص يدعي غير ذلك، خاصة ماركيون الذي لم يأخذ منها إلا الإنجيل للقديس لوقا فقط، والغنوسيين الذين الفوا عدداً من الكتب المزيفة أسموها أناجيل ونسبوها للرسل مثل إنجيل ويهوذا وإنجيل مريم المجدلية وإنجيل بطرس وإنجيل فيليب 00 الخ[6]. ولذا تقول الوثيقة عن بعض مؤلفي هذه الكتب المزيفة: ” ولكننا لم نقبل ما لارسينوس, فالانتينوس أو لميلتيادس الذين ألفوا كتاب مزامير جديد لماركيون مع أيضا باسيليدس المؤسس الأسيوي للمونتانيين “.
كما تؤكد الوثيقة أن سفر أعمال الرسل دونه القديس لوقا والذي كتب جميع الامور التي حدثت في حضوره وكان شاهداً عليها: ” ولكن أعمال الرسل مكتوبة في كتاب واحد “. وأن كان قد ركز، بعد الإصحاح الخامس عشر، على كرازة القديس بولس لأرتباطه به في كل رحلاته الكرازية لتسد الطريق على ماركيون الذي يقبل هذا السفر، وبقية كتاب الغنوسية الذين كتبوا عدداً كبيراً من الكتب المزيفة أسموها بأعمال بولس وأعمال بطرس وأعمال برنابا 00 الخ.
كما قبل جميع رسائل القديس بولس عدا الرسالة إلى العبرانيين التي آمنت الكنيسة الأولى بقانونيتها ووحيها وأن البعض قد نسبها للوقا أو برنابا. وقبلت الوثيقة رسالتين للقديس يوحنا والرسالة إلى يهوذا، وتتكلم عن رؤيا يوحنا ورسالة يهوذا. ولكن الشيء الذي لا نعرف له سبب، بل والغريب جداً أنها لا تذكر الرسالتين الأولى والثانية للقديس بطرس، وخاصة الأولى التي قبلها الجميع في كل العصور. ثم تتحدث عن بعض الكتب الأبوكريفية، أي المزيفة. وتؤكد لنا هذه الوثيقة ثلاث حقائق جوهرية هي:
(1) إيمان الكنيسة في القرن الثاني للميلاد بقانونية أسفار العهد الجديد ووحيها وكتابتها وتدوينها بالروح القدس.
(2) وأنها أسفار مقدسة وذات سلطان إلهي.
(3) كما تميز تماماً بين هذه الأسفار المقدسة وبين الكتب المزيفة التي قالت عنها أنه ” لا يمكن أن تقبل (الكتب الأبوكريفية، المزيفة) في الكنيسة الجامعة. لأنه لن يخلط الخل مع العسل “.
(4) وبرغم ذكرها لرؤيا بطرس الأبوكريفية مع رؤيا يوحنا فهو يقول: ” , ومع ذلك البعض منا غير راغب في قراءة الأخير (رؤيا بطرس) في الكنيسة “، دلالة على عدم موثوقيتها في نظرهم.
(5) كما تؤكد أن كتاب الراعي لهرماس مكتوب في أيامه، بعد متصف القرن الثاني، ولم يكتبه أحد من الرسل ولذا لا يقرأ لجموع الشعب: ” ولكن لا يمكن قراءته لجموع الشعب في الكنيسة, لأنه كتب بعد زمن الأنبياء والرسل الذين اكتمل عددهم “.
وعلى الرغم من أن هذه الوثيقة لا تذكر الرسالة إلى العبرانيين وكذلك الرسالة الثالثة للقديس يوحنا ورسالة يعقوب ورسالتي بطرس فهذا لا يدل على عدم الإيمان بوحيها وقداستها أو إنكارها لأن هذه المخطوطة لم تذكر هذه الرسائل لا بين الأسفار المقدسة الموحى بها ولا بين الأسفار المزيفة فقد ذكرت هذه الرسائل في كثير من كتابات الكثير من آباء القرن الثاني الميلادي الذين استشهدوا بآياتها واقتبسوا نصوصها وشهدوا لها. يقول العلامة الإنجليزي وستكوت أن عدم ذكر هذه الرسائل قد يرجع لوجود فجوة أو شق في المخطوطة نفسها. وعلى أية حال فهذه الرسائل مستشهد بها جيداً وبدرجة كافية في مصادر أخرى[7].
[1] Geoffrey Mark Hahaneman, The Muratorian Fragment And The Develping The canon, PP.5-33.
[2] The Muratorian Fragment
[3] Bruce M. Metzger p.192.
[4] http://www.ntcanon.org/Muratorian_Canon.shtml
[5] M. Frag. James R. Adair , Jr. http://www.ntcanon.org/Muratorian_Canon.shtml
[6] أنظر كتابنا ” ابوكريفا العهد الجديد، كيف كتبت؟ولماذا رفضتها الكنيسة؟ ج 1 “، والجزء الثاني تحت الطبع.
[7] Westcott. Inspiration. and Canonicity, 205.