تاتيان السوري وقانونية العهد الجديد (110 – 172م)
تاتيان السوري وقانونية العهد الجديد (110 – 172م)
كان هذا الرجل تلميذا للقديس يوستينوس الشهيد، ثم أنحرف عن الإيمان السليم. وقد ولد تاتيان من عائلة وثنية حوالي سنة 110م في سوريا بسبب شغفه وحبه للعلم ذهب إلى اليونان ودرس الفلسفة اليونانية ثم سافر إلى روما وهناك تقابل مع القديس يوستينوس وتتلمذ على يديه، وبعد استشهاد القديس يوستينوس أنحرف وأسس مذهب جماعة الممتنعين[1]، إلى جانب هرطقة اللاتجسد[2]. وقد ألف عدداً كبيراً من الكتب لم يتبق لنا منها سوى أثنين، هما الدياتسرون[3] و ” خطاب لليونانيين Oration to the Greeks “.
يقول عنه القديس جيروم: ” ورغم أنه كان خليفة الشهيد يوستينوس ومعروفاً أنه لم يفارق معلمه هذا طوال حياته .. فها هو بعد فترة قد ابتدع هرطقة جديدة تسمى اللاتجسد … كتب تاتيان إلى جانب ذلك عدداً لا يحصى من المجلدات، منها كتاب نافع جداً ضد ” اليونانيين “، وهو أفضل ما كتب من كل مجلداته “[4]. ويقول عنه يوسابيوس القيصري: ” كان ضمن المستمعين إلى القديس يوستينوس، ولم تظهر هذه الآراء مدة وجوده معه. ولكنه ترك الكنيسة بعد استشهاد يوستينوس … جمع مجموعة من الأناجيل … وأطلق عليها اسم دياتسرون، وهي لا تزال في أيدي البعض “[5].
جمع تاتيان فيما بين (166 – 170م) الأناجيل الأربعة في كتاب واحد أسماه ” دياتسرون – (Diatessaron) ” أي الرباعي، وقد أنتشر هذا الكتاب بغزارة في سوريا حتى جمع منه ثيودوريت، أسقف Cyrus بسوريا، سنة 420م أكثر من 200 نسخه في كنائسه وأستبدلها بالأناجيل الأربعة. ويبدأ هذا الكتاب بمقدمة الإنجيل للقديس يوحنا ” في البدء كان الكلمة .. “، وينتهي أيضا بخاتمة الإنجيل للقديس يوحنا ” وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع ..”.
ويشهد هذا الكتاب، الدياتسرون، للأناجيل الأربعة باعتبارها الوحيدة التي كانت الكنيسة تؤمن بوحيها، بل والتي كانت معترفاً بها في كل الكنائس المسيحية كأسفار موحى بها وقانونية في ذلك الوقت المبكر من تاريخ المسيحية، في زمن بدأت فيه الأناجيل الأبوكريفية المزيفة في الانتشار.
يقول عالم النقد الكتابي بروس متزجر: ” يقدم لنا الدياتسرون الدليل على أن كل الأناجيل الأربعة كانت معتبرة ككتب ذات سلطان وإلا لما جرؤ تاتيان أن يضمها في رواية إنجيل واحد. وفي الوقت الذي ظهرت فيه أناجيل كثيرة، فمن المؤكد أن اختيار تاتيان لهذه الأناجيل الأربعة له مغزاه المهم “[6].
وفي كتابه (خطاب للإغريق – Oration to the Greeks) والفقرات الباقية من كتاباته الأخرى أقتبس فيها من ثمانية أسفار من العهد الجديد، هي: الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس يوحنا والرسائل إلى رومية وإلى كورنثوس الأولى وإلى أفسس وإلى تيطس ورسالة بطرس الأولى وسفر الرؤيا (مت13 :44؛ يو1 :3و5؛ 4 :24؛ رو1 :28؛ 1كو2 :14 و15؛ 10 :16؛ 14 :44؛ أف6 :13 و14 و17؛ تي1 :12؛ 1بط2 :17؛ رؤ7 :7؛ 21 :4؛ 22). كما أشار إلى الرسالة إلى العبرانيين.
[1] كانوا يمتنعون عن الزواج ويعتبرونه زنى وامتنعوا عن أكل اللحوم وكذلك شرب الخمر حتى في العشاء الرباني ولذلك استعملوا الماء بدلا من النبيذ في الأفخارستيا.
[2] وهي الهرطقة التي ينادي بها الغنوسيين والتي تقول أن الرب يسوع المسيح لم يتخذ جسداً حقيقياً بل ظهر في شكل جسد.
[3] وهي كلمة يونانية تعني الرباعي أو النغمة الرباعية.
[4] مشاهير الرجال ص 50.
[5] يوسابيوس ك 4 ف 29 :3و6.
[6] Bruce M. Metzger p.115.