يوستينوس الشهيد والفيلسوف – الأب جورج رحمة
يوستينوس الشهيد والفيلسوف – الأب جورج رحمة
بين الذين وقفوا حياتهم للدفاع عن المسيحية وتعاليمها، يعتبر القديس يوستينوس الشهيد في الطليعة، نظراً الى أنه كرس القسم الأكبر من حياته التعليمية والتبشيرية لهذا الأمر. فهو ذلك الأنسان الذي تميز بسعة الاطلاع على جميع التيارات الفلسفية التي كانت منتشرة في ذلك الزمان، وقارن بينها وبين تعاليم المسيح، وفندها، وبين قصورها في الجواب على الطروحات العقلية التي يتوقف عندها كل باحث عن الحقيقه الماورائية. لذلك أعتبره المؤرخون والفلاسفة واللاهوتيون مرجعاً مهما لمرحلة كانت من أهم المراحل التي مرت بها المسيحية في القرن الثاني الميلادي، وبالتالي الشاهد التاريخي على تطور الكنيسة في قلب الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطرف.
يعرف يوستينوس عن نفسه في كتابه “الدفاع الأول”، الفصل الأول، أنه ولد في مدينة “فلافيا نيابوليس” (Flavia Neapolis) في فلسطين، المعروفة اليوم بمدينة “نابلس” الواقعة على الضفة الغربية لنهر الأردن، وكان والدهُ “بريسكوس” (Priscus)، ابن “باكيوس” (Bacchius)، من أحدى المدن الإيطالية التي كانت خاضعه للسيطرة اليونانية، كما يذكر ذلك “لاغرنج” في كتابه “القديس يوستينوس”، لكنهُ أصبح رومانياً بعد انتقاله إلى فلسطين، الأمر الذي أكدهُ هو في كتابه “الحوار مع اليهودي تريفون”، 1،3 أنهُ كان شابا خلال حرب اليهود وثورة “باركوشيبا” (Bar-Kocheba)، أيام حكم الإمبراطور “أدريانوس” (Publius Aelius Hadrianus)، ما بين سنة 132 و 135 مسيحية، وكان قد أطلع على بعض التيارات الفلسفية التي كانت تدرس في مدارس الشرق والغرب.
أما سبيله الى المسيحية فلقد جاء متشعباً: عبر محطات كثيره، أولُها مدرسة أحد الفلاسفه الرواقيين، وثانيها مدرسة أحد الفلاسفه الأرسطاطاليسيين، وثالثها مدرسة أحد الفلاسفه الفيثاغوريين. لكن أحداً من هؤلاء الثلاثه لم يستطع أقناعه بمبادئ فلسفته وبصحة نظرياتها. فالرواقى فشل أذ عجز عن تقديم أي تفسير لكينونة الله، وألح الأرسطاطاليسي (المشائي) إلحاحاً سمجاً، وبسوء مصادفه على أن يتقاضى أجر دروسه مسبقا، فرد عليه يوستينوس بتخيله عن الدرس والمدرس.
وأما الفيثاغوري ففرض عليه، قبل البدء بالدراسه، أن يتقن علم الموسيقي وعلم الفلك وعلم الهندسة، علوم لم تلق هوى في نفسه، الأمر الذي دفعه للانتقال الى مدرسة أحد الفلاسفه الأفلاطونيين الذي أستوقفهُ زمناً طويلاً وتأثر به الى حد بعيد (الحوار مع اليهودي تريفون، الفصل الثاني). لكن العناية الألهية أرادتهُ لرسالة أخرى ولفلسفة هى أسمى وأشمل من جميع الفلسفات البشرية، فإلتقى على شاطيء البحر، وهو في فترة تأمل، شيخاً جليلاً أقنعه بعجز تلك الفلسفات التي لا ترضي العقل والقلب، ولفته إلى قراءة كتب “أنبياء بشروا وحدهم بالحقيقه”.
ويضيف يوستينوس قائلاً: “إن الرجل أسمعني هذه الأقوال والكثير غيرها مما لم يحن وقت الأفصاح عنها، ثم تركني ومضى بعد أن نصحني بالتأمل بكل ما سمعتُه منه. ولم تشاهدهُ عيناي بعد ذلك اليوم. غير أن ناراً أشتعلت فجأة في داخلي، فأحببت أولئك الأنبياء حملة الحقيقة، كما أحببت جميع أصدقاء المسيح. وعندما أمتلأ تفكيري بهم، وحللت محتوى اقوالهم وفحواها، أدركت أن فلسفتهم هي الحقيقه والمفيده. تلك هي الأسباب التي قادتني الى الفلسفه وجعلتني فيلسوفاً. ولكم أتنمى أن ينعم الجميع بهذه المشاعر ولا يبتعدوا عن تعاليم المخلص الألهي”.
(الحوار….الفصل الثامن). وفي كتابه “الدفاع الثاني” الفصل الثاني، العدد 12،13، يقول: “عندما كنت من تلامذة أفلاطون أستوقفتني التهم الموجهه الي المسيحيين، ثم شاهدتهم يواجهون الموت ويجابهون كل ما يخشاه الآخرون بتلك الشجاعه العجيبه، فأقتنعت بأنهم على حق، إذ يستحيل أن يكون أمثالهم على ضلال أو أن ينغمسوا في الملذات …. وعندما رأيت بعدئذٍ أن الشياطين الشريره كانت تسعى لإفساد الآخرين، وابعادهم عن تعاليم المسيح الألهيه، سخرت من الأكاذيب والوشايات المغرضة وموقف الجماهير ضد المسيحيين، معترفا هنا أنني كنت أصلي وأحاول جاهداً، وبكل ما أوتيت من قوة، ان يعلم الجميع أنني مسيحي”.
المؤرخ (أوسابيوس القيصري) يؤكد في كتابه “التاريخ الكنسي”، 4، 18، إن القديس يوستينوس كان أعتنق المسيحية قبل حرب اليهود ما بين سنة 132 و135، وربما كان ذلك في مدينة “إزمير” وبعد اعتناقه المسيحية أرتدى المعطف الخاص بفلاسفة الأغريق، وبدأ رحلته كأستاذ متجول، حاصراً كل اهتمامه في الدفاع عن تعاليم المسيح. ورغم أنه لم يصبح كاهناً، فلقد كان يجاهر دائماً بان كل أنسان عليه ان يبشر بالحقيقه ويدافع عنها لأن الله سيدين من يتقاعس عن ذلك (الحوار، 82، 3).
وهكذا، فلقد كرَّس حياته للتبشير وللتعليم، متبعاً طريقة “سقراط” الفيلسوف، خصوصاً في مدرسته التي أسسها في روما، عاصمة الإمبراطورية، حوالي سنة 138 م، بالقرب من حمامات “تيموثاوس” على تلة الـ”فيمينال” (Viminal)، حيث كان يُدرس العقيدة المسيحية لكلاً من رغب بذلك ولقد اشتهرت مدرسته، بنوع خاص، خلال السنوات الأخيرة من حكم الإمبراطور “ادريانوس”، وطوال حكم الإمبراطور “انطونيوس بيوس” (Antoninus Pius)، لأنها كانت سنوات سلام للكنيسه في الإمبراطورية.
وكان في عداد تلامذته (تاتيانوس السرياني) الذي دخل بعدئذٍ صفوف المدافعين عن العقيدة المسيحية، كما التقي هناك عدوه الألد الفيلسوف “كريشينس” (Crescens) الذي سبق ليوستينوس ان كشف جهله ونعته بالأمي الجاهل. ولم يكتفِ بالتعليم، بل كانت تلك المرحله مرحلة أنتاج فكري إذ كتب دفاعه الأول الذي وجهه الى الإمبراطور، والى مجلس الشيوخ، والى الشعب الروماني، سنة 150 مسيحية. ولقد صدر دفاعه بما يلي: “الى أصدقاء العلم، الإمبراطور تيتوس إيليوس أدريانوس انطونيوس بيوس أوغسطس القيصر، والى ابنه الفيلسوف فيريسموس، والى الفيلسوف لوسيوس ابن القيصر بالطبيعة وابن بيوس بالتبني، والى مجلس الشيوخ، والى كل الشعب الروماني، لصالح جميع البشر المكروهين والمضطهدين ظلماَ، من يوستينوس ابن بريسكوس، ابن باكيوس، المولود في فلافيا نيابوليس في سوريا – فلسطين، موجَه هذا الالتماس وهذا الخطاب” (الدفاع الاول، 1،1).
فالإمبراطور الذي وجه إليه هذا الخطاب هو “انطونيوس بيوس”، والقيصر هو “ماركوس أوريليوس” الذي جعله الإمبراطور شريكاً له في الحكم سنة 138 مسيحية، وابن “انطونيوس بيوس” بالتبني هو “لوسيوس فيروس” (Lucius Verus). ولم تكن المرة الأولى التي يتوجه فيها المسيحيون الى الأباطرة للدفاع عن عقيدتهم، بل سبق يوستينوس الى ذلك “كوادراتوس” (Quadratus) في دفاعه الموجه للأمبراطور “أدريانوس”، و”أريستيدوس الأثيني” (Aristide d Athenes) في دفاعه الموجه للأمبراطور “انطونيوس بيوس”. ورغم اخفاق هاتين المحاولتين، فلقد أصر يوستينوس في محاولته على التأكيد بأنه من واجب المسيحي اعلان عقيدته امام الجميع.
وبهذا المعني يقول: “علينا أن نعلن امام الجميع عن حياتنا وعن تعاليمنا، مخافة ان نكون مسؤولين امام ضميرنا عن الخطايا التي تقترفونها بجهل. فعليكم أن تسمعوا لنا، كما يفرض ذلك العقل فأذا لم تحققوا العدل وأنتم قد أستنرتم بما نعلن، فأنكم تصبحون مسؤولين أمام الله، (الدفاع الأول، 3،4-5). والى السنوات اللاحقه وضع كتابه فحوى حواره الذي كان قد حصل قبل عشرين سنه بينه وبين اليهودي “تريفون” الذي قال عنه “أوسابيوس القيصرى” إنه كان “المع يهوديي عصره” (التاريخ الكنسي، 6، 18). وهذا الحوار يبرهن لنا كم كان يوستينوس متحمساً لاعلان تعاليم الكنيسه وموقفها من تعاليم اليهود.
ولكن هذه التعاليم التي كانت موجهة بجرأة كبيرة للوثنيين ولليهود على السواء لم تترك الحساد والمناهضين ليوستينوس غير مبالين، لذلك تصدى له الفيلسوف الوثني “كريشينس” بعنف، الأمر الذي دفع بيوستينوس للقول: “وانا ايضاً معرض، وهذا ما أعرفه حق المعرفه، الى دسائس ومؤامرات البعض من الذين قلت عنهم إنهم شياطين ويسعون لادخالنا السجن، وعلى رأسهم “كريشينس”، الفيلسوف المتبجح وصديق الضوضاء.
فكلمة فيلسوف لا توافق هذا الرجل الذي يشكونا علناً، بينما هو لا يعرفنا حق المعرفه، وبالتالي يتهم المسيحيين بأنهم ملحدون كافرون لكي يرضي عدداً كبيراً من الذين هم على ضلال…ولقد طرحت عليه بعض الأسئله، وحاورته، ولكننى اقتنعت اخيراً انه لا يعرف من الفلسفة سوى الإسم” (الدفاع الثانى، 3،1 – 2، 4). هذا الهجوم الصاعق على “كريشينس” دفع بالأخير لأن يشكو يوستينوس أمام الحكام، الأمر الذي اضطره للابتعاد عن روما لفترة زمنيه وجيزه. وعندما تسلم “ماركوس أوريليوس” الحكم سنة 161 مسيحية، بعد موت “انطونيوس بيوس”، رجع الى روما، أملاَ منه بأن الإمبراطور الجديد سيكون متفهماَ وضع المسيحيين نظراَ لحكمتة ولعمقه الفلسفي. وفي تلك السنة كتب دفاعه الثاني الذي بين فيه ان الفلسفه الرواقيه، التي كان اعتنقها “ماركوس أوريليوس” تلتقي مع المسيحية في بعض تعاليمها الأساسية.
وهذا الدفاع كان آخر ما كتبه يوستينوس قبل إستشهاده هو ورفاقه. ويذكر “اوسابيوس القيصري” في كتابه “التاريخ الكنسي، 4، 16، 8،” عن لسان “تاتيانوس السورى” ما يلي: “إن كريشينس، الذي كان يسكن في المدينه الكبيره (هكذا كانوا يسمون روما في الماضي)، تفوق على الجميع بشروره الكثيره، وببخله، وبنزعته لاقتراف كل ما هو ضد الطبيعه. وهو، الذي كان يدعو الى أحتقار الموت، كان يخاف جداً من الموت، حتى أنه سعى جاهداً، امام الحكام، لحملهم على قتل يوستينوس ورفاقه”. وفي الواقع، ففي سنة 165 مسيحية، أوقف “يوستينوس روستيكوس” (Junius Rusticus) (163 – 167) الذي قدمهم للمحاكمة على أنهم مسيحيون ولا يقدمون الضحايا للآلهه.
اما يوستينوس فقد اعترف علناً مع رفاقه أنه لا يؤمن إلا بالمسيح، رافضاً تقديم الضحايا لآلهه روما. وامام هذا الاعتراف الصريح أعلن الوالي الحكم التالي: “إن الذين رفضوا تقديم الضحايا للآلهه، وطاعة اوامر الأمبراطور، فليجلدوا اولاً، ثم تقطع رؤوسهم حسب شريعة الامبراطوريه” وهكذا كان. والذي كتب سيرة يوستينوس ورفاقه يزيد قائلاً: “إن الشهداء القديسين، الذين مجدوا الله، سيقوا الى المكان الذي كان الرومان أعدوه لذلك.
وبعد جلدهم طويلاً قطعوا رؤوسهم، مستشهدين في سبيل ايمانهم بالمسيح” (راجع كتاب استشهاد يوستينوس ورفاقه في مجموعة، الآباء اليونان، م 6، عمود 1572 ب). والكنيسه اللآتينيه تُعيد لهُ في الرابع والعشرين من نيسان، كما أعلنهُ بعدئذٍ البابا لاوون الثالث عشر قديس الكنيسه الجامعه سنه 1882.
وبالاستناد الى ما تقدم يمكننا القول: إن يوستينوس هو في طليعة آباء القرن الثاني لأنه أوفر هؤلاء عظمةً وأوسعهم شهرةً. فيلسوف يوحي بالاعجاب والتقدير، ومفكر علماني تدين له الكنيسه بالتمهيد للحوار مع كلٍ من جماعتي الوثنيين واليهود. وقف حياته كلها على البحث عن الحقيقه ففي اعماله المدونه بخشونه وصلابه. دون أية محاوله للزخرفه الانشائيه، تتجسد شهادة ضاعفت الأجيال المتعاقبه عظمتها. فالمسيحية ليست، في رأيه، مذهباً، بل هي إنسان هو “الكلمه” المتجسد يسوع المصلوب. فيلسوف مسيحي يعود بنا القهقرى الى ثمانية عشر جيلاً، نجد عنده صدى أبحاثنا، ورجع اعتراضاتنا، وكذلك يقيننا وكل ما في نفوسنا من ايمان.
فنحن اذ نكتشف نفسه الرحبه، نلمس بالأنامل الدقيقة ارادته الصادقة في تقبل أفكار سواه وميله الى الحوار. صفات حببته الى الآخرين وجذبتهم إليه. ولئن كان معظم أعماله الحميمه كافٍ للكشف عن ظروفه الحياتيه، من نشاته حتى اليوم الذي استشهد فيه على أسم المسيح. ولقد استفاد يوستينوس من حق المواطنيه التي اكتسبها الفلاسفه في روما التي ظلت، رغم انتصارات جيوشها، تابعه للحضاره الشرقيه ولاختمار الدين في بلاد الشرق. فاساتذة الفكر كانوا يأتون من آسيا بغية التدريس في عاصمة القياصرة. اما الرومان فلقد شغفوا يومئذٍ بفلسفة اليونان، وبتعاليم الديانات القائمه على الأسرار.
وكانت روما قد سيطرت على امبراطوريات بأسرها، فاضطرت بالتالي الى استيعاب آلهة تلك الامبراطوريات وإدخالها “البانتيون” المعبد الذي دشنه قدماء الرومان لإكرام جميع الآلهه. وعندما تملك الرومان الملل من ديانتهم الوثنية التي كانت تفتقر الى الروح الشاعريه، أقبلوا على الفلسفه يجعلونها مدريه روحيه تزهو بالسلم وبصفاء الروح، واتجهوا الى الفلاسفه يعتمدونهم مرشدين وآباء روحيين ولقد حذا الإمبراطور “ماركوس أوريليوس” حذو رعيته فتدثر بأخلاقية “الرواقيه” (stoicism)، الفلسفه القائلة بأن كل شيء في الطبيعة إنما يقع بالعقل الكلي، ويقبل مفاعيل القدر طوعاً. وقد صادف اعتناق يوستينوس الدين المسيحي اجتياز الكنيسة.
مرحلة قلقٍ وغليان، ولم يكن الغريب عنها، مثل الوثني القادم من روما أو من إزمير، فإستطاع الاهتداء بسهوله الى “كنيسة بطرس” في خضم تلك المدارس، او البدع التي تكاثرت من حولها وتشعبت بسرعه تفوق التطور. وكان الوثني، في تلك الأيام، شأنه شأن غير المسيحيين في يومنا هذا، ضائعاً وسط شيع متعدده، متباينة الاتجاهات، تدعي جميعها الالتزام بتعاليم المسيح.
اما داخل الكنيسه فلم تكن القرارات الحاسمه قد اتخدت بعد، نظراً الى أن العرف ما زال حديث الولاده ومن المرجح أن يوستينوس أستطاع لقاء رجال عايشوا الرسولين بطرس وبولس، وربما التقى، في مدينة إزمير، مسيحيين سمعوا يوحنا الرسول صاحب “الرؤيا” ويومها كانت المسيحية في مطلع شبابها، حاره الأيمان تحتضن أبناءها بدفء الأم وحنوها فيما تحاول صيغة عقيدتها والتعبير عن إيمانها.
ولقد أعرب يوستينوس عن فكره خلال ما رواه في سيرته الذاتيه إذ أقام الحُجه وجادل في الوقت عينه، وشهد في كتاباته للأيمان الذي أختاره، الأمر الذي دفع ببعض الفلاسفه وأبناء الطبقه الحاكمه، مثل الأشراف والنبلاء، لتقبل سر المعمودية، ولاعتناق المسيحية على يديه.
وهذا ما أثار نقمة الكتاب الوثنيين عليه، فتوالت أنتقاداتهم لهُ، وكثرت أتهاماتهم الكاذبه الموجهه الى المسيحيين من خلاله، فجابه الصعاب بأيمانه الفتي، ورفع شعاره الشهير: “الأعمال لا أقوال”، ترديداً لصدا كلام (منيسيوس فليكس): “لا نبتغي كلاماً مرصوفاً، بل نحن نريد الحياه” وعندما وقف أسياد المجتمع الروماني للحؤول دون بلوغ كلمة المسيح الى الناس، وأدعى الأقاقون ان أتباع المخلص هم عبدة اله مشوه، وهم فجار وفاسقون يقيمون ولائم تشابه ولائم آكلة لحوم البشر، وسعى الفلاسفه والكتاب متصنعون الى أنتزاع النفوذ ممن أعتبروهم منافسين خطرين لهم، أنبرى يوستينوس رجل حوار من اجل توضيح الحقيقه وتوطيد العلاقه بين الايمان والفكر.
ولعل كلمة الكاتب “بويش” (puech) في كتابه “المدافعون اليونان في القرن الثاني المسيحي) تختصر شخصية يوستينوس العظيمه، إذ يقول: “إن الذي يجذبنا في شخصية يوستينوس هو اسميه بشفافية نفسه الصادقة والصريحة والمضطرمة في كل شيء…والذي يشدنا إليه هو أنه طرح، وللمره الأولى، ما ستطرحه، فيما بعد، مدرسة الأسكندريه عن العلاقه القائمه بين الفلسفه والأيمان. فحياة يوستينوس المسلكية والعقلية في نبع فياض من الأيمان والفكر لأنه عاش الأثنان معاً، دون أن يضحي بواحده في سبيل الأخرى. لقد كان مثالاً للأجيال اللاحقة” (المدافعون اليونان في القرن الثاني المسيحي، 52 – 53)