القانونية اصلها، معناها وتطبيقها – القمص عبد المسيح بسيط
القانونية اصلها، معناها وتطبيقها – القمص عبد المسيح بسيط
عندما نستخدم تعبير قانونية، في تعبيري قانون العهد القديم وقانون العهد الجديد، ماذا نقصد؟ وما معنى هذا التعبير؟ وللإجابة نقول أن المقصود هو الأسفار التي كتبها أنبياء العهد القديم، من موسى إلى ملاخي النبي، والتي كتبها تلاميذ الرب يسوع المسيح ورسله بوحي الروح القدس. والسؤال الثاني هنا: ما هي الأسفار الموحى بها بالروح القدس؟ والتي يجب ان نعترف بها ككلمة الله ووحيه الإلهي؟
وهل كان هناك أسفار موحى بها وفقدت؟ وهل كان هناك كتب غير موحى بها ولا يجب ان توضع في الأسفار المقدسة؟ وهل يتساوى العهد الجديد بأسفاره الـ 27 مع أسفار العهد القديم، التي كان معترفا بها من اليهود والمسيحيين؟ وماذا كانت نظرة آباء الكنيسة ومدافعيها لهذه الأسفار؟ في نهاية القرن الأول ثم القرون الثلاثة التالية، الثاني والثالث والرابع؟ ولكي نجيب على هذه الأسئلة نبدأ بتعريف قانون أو القانونية:
كلمة قانون (Canon – kanon – kanώn) هي كلمة يونانية، ويقابلها في العبرية ” كانيه – kaneh – ָקֶנה (qaneh) ” والأكادية (qanu). وتعنى ” معيار قياس الاستقامة “، ” قضيب أو عصا مستقيمة “، ” قاعدة للقياس أو للحكم “، ” مسطرة قياس يستخدمها البناء أو النجار “.
وقد استخدمت الكنيسة هذا المصطلح تاريخياً كناية عن القانون أو المعيار أو القياس. وبمرور الزمن تم تطبيق مصطلح القانون والقانونية على قائمة الأسفار المقدسة الموحى بها من الله[1]. فقد استخدمتها الكنيسة في القرون الأولى وبصفة خاصة منذ أن أستخدمها القديس اثناسيوس الرسولي في رسالته الفصحية سنة 367م للتعبير عن الأسفار المعترف بها كأسفار موحى بها من الله؛ ” الأسفار المقدسة ” الموحى بها من الله؛ ” كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ “[2]،
حرفياً ” كل الكتاب هو ما تنفس به الله – πᾶσα γραφὴ θεόπνευστος – All Scripture is God breathed) ” (2تي3 :16)، سواء أسفار العهد القديم أو أسفار العهد الجديد، وتمييزها، كأسفار مكتوبة بالروح القدس وكلمة الله، عن غيرها من الكتب الدينية الأخرى غير الموحى بها، مثل التلمود اليهودي وكتب آباء الكنيسة الأولى.
والسؤال الآن هو: ما الفرق بين أن نقول أن هذا السفر كلمة الله المكتوبة بالروح القدس وأن هذا السفر قانوني أو غير قانوني وغير موحى به؟ والإجابة هي:
(1) ” موحى به – مكتوب بالروح القدس “؛ يعنى أن السفر وما جاء به أعلنه الله بروحه وأوحى به لأنبيائه ورسله، بالروح القدس، شفاهه كما أوحى لهم بكتابته في كتب مسوقين بالروح القدس، أي كلام الله الذي كلمنا به من خلال الأنبياء شفاهه وكتابة 00 الوحي 00 كلمة الله؛ ” لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ ” (2بط1: 21).
(2) أما تعبير ” سفر قانوني ” فيعنى معرفة وتحقق شعب الله المعاصر للنبي أو الرسل في العهد القديم، ومعرفة الكنيسة الأولى التي عاصرت تلاميذ المسيح ورسله أن هذا السفر هو نفسه كلمة الله التي سبق أن أعطيت لهم بواسطة هؤلاء الأنبياء والرسل أنفسهم سواء شفاهه أو مكتوبة وكانوا يحفظونها 00 أي قبول السفر ككلمة الله وحيه الإلهي، المكتوب بالروح القدس 00 تحقق الشعب المعاصر للأنبياء والرسل من حقيقة كون السفر إلهياً وقبولهم له ككلمة الله ” كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ (حرفياً = ما تنفس به الله) ” (2تي3: 16).
وقبل أن نبدأ دراستنا في هذا الموضوع يجب أن نذكر بعض الأسئلة التي لابد منها وهى؛
(1) من الذي قرر صحة ووحي وقانونية كل من أسفار العهد القديم وأسفار العهد الجديد وكونها كلمة الله الموحى بها والمكتوبة بالروح القدس، الكنيسة أم تلاميذ المسيح ورسله؟
(2) ولماذا رفضت الكنيسة الكتب الأخرى التي انتشرت في أوساط الهراطقة، والتي لم يقبل، آباء الكنيسة، أي كتاب منها في يوم من الأيام كسفر قانوني؟
(3) وهل الكنيسة هي التي قدمت للمؤمنين هذه الأسفار بعينها دون غيرها، أو بمعنى آخر؛ هل الكنيسة هي أم القانونية وحاكمتها وقاضيتها ومنظمتها وسيدتها، كما يتصور البعض من النقاد، أم أنها تسلمتها من رسل المسيح وتلاميذه؟
(4) هل حافظت الكنيسة على ما تسلمته من الرسل، أم زودت عليه أو نقّصت منه؟
(5) ولماذا رفضت الكتب الأبوكريفية ولم تقبل أي منها ككتاب قانوني في أي وقت من الأوقات؟ ما هي الأسباب والدوافع التي أدت إلى رفضها؟
(6) هل اختارت الكنيسة أسفارا ورفضت أخرى بصورة عشوائية، أو بحسب ما يتناسب معها ويرضي قادتها، كما يزعم البعض، أم أنها قبلت فقط ما تسلمته من الرسل؟
(7) هل اختارت عدداً محدداً من كم كبير من الكتب والأسفار التي كانت موجودة أمامها، أم تسلمت من رسل المسيح ورسله أسفاراً محددة ورفضت ما جاء من خارج دائرة الرسل والكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية؟
والإجابة التي يؤكدها التاريخ والتقليد والأسفار المقدسة نفسها هي؛ أن الكنيسة كانت مبنية على أساس كلمة الله في هذه الأسفار المقدسة التي تسلمتها من الرسل وليست مقررة للقانونية، كما يقول الكتاب نفسه: ” مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ ” (أف2: 20). فقد أقرت الكنيسة الأولى بصحة ووحي هذه الأسفار، التي تسلمتها من الرسل، وأنها مكتوبة بالروح القدس، وأدركتها وشهدت لها وبشرت بها وحفظتها بالروح القدس وسلمتها للأجيال التالية كما تسلمتها هي من الرب يسوع المسيح ورسله ولم تقررها.
[1] Merrill F. Unger, Introductory Guide to the Old Testament P. 47.
[2] يتصور البعض خطا أن النص هنا حرفيا هو ” πασα γραφη θεοπνευστος = كل كتاب موحى به من الله ” وبالتالي لا يكون المقصود بالعبارة الأسفار المقدسة؟!! إذا فماذا يقصد النص؟ والإجابة هي أن الآية السابقة لهذا النص مباشرة يقول فيها القديس بولس لتلميذه تيموثاؤس ” وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ = και οτι απο βρεφους τα ιερα γραμματα، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ ” (2تى3 :15). فهو يتكلم عن الأسفار المقدسة التي يعرفها تيموثؤس منذ طفوليته، وكل هذه الأسفار المقدسة موحى بها من الله، أو ما تنفس بها الله.