النقد النصي وصحة أسفار العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
النقد النصي وصحة أسفار العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
عن كتاب: التوراة كيف كتبت وكيف وصلت إلينا؟ للقمص عبد المسيح بسيط
من أهم مصادر البحث في صحة نصوص وآيات أسفار العهد القديم والتأكد من مصداقيتها ووصولها إلينا صحيحة كما كتبها كتاب الوحى الأصليون، هو دراسة المخطوطات العبرية المنقولة عن النص العبرى الأصلى والمخطوطات العديدة التي نسخت عنها في مناطق جغرافية مختلفة، ودراسة المخطوطات المنقولة عن الترجمات القديمة والاقتباسات التي أقتبسها الآباء الأولين سواء في اليهودية أو المسيحية، خاصة وأن العهد الجديد يستشهد بالعهد القديم أكثر من 250 مرة، وذلك إلى جانب دور علو اللغة (الفيلولوجى) المقارن للغات السامية المختلفة. وندرس في هذا الفصل المخطوطات العبرية وصحة العهد القديم.
أولاً : المخطوطات العبرية :
يوجد في متاحف العالم عشرات الألوف من المخطوطات والجزيئات لأسفار العهد القديم والتى يوجد منها في كامبردج (100.000) كما يوجد الكثير جدا في مكتبة لينينجراد بروسيا، وذلك إلى جانب المتحف البريطانى الذي يضم 161 مخطوطة، والكتبة البودليانية التي تضم 146 مخطوطة كل منها يحتوى على عدد كبير من الجزيئيات. ويوجد في الولايات المتحدة وحدها عشرات الألوف من المخطوطات والجزيئيات السامية والتى تشكل النصوص الكتابية 5% منها (أكثر من 500 مخطوطة).
وقد نشرت جامعة أكسفورد (عام 1776-1780م) أول مجموعة من هذه المخطوطات وتحتوى 615 مخطوطة، ثم نشر جيوفانى دى روسى (عام 1784-1788م) 731 مخطوطة. وتم اكتشاف 200.000 مخطوطة وجزيئية في جنيزة القاهرة بمعبد بن عزرا بمصر القديمة (عام 1890م) منهم حوالى 10.000 لنصوص كتابية.
وأهم هذه المخطوطات هى :
1- لفائف البحر الميت :
بدأ اكتشاف هذه اللفائف سنة 1947م في خرائب خربة قمران القديمة على الشواطئ الشمالية الغربية للحر الميت. وتعتبر هذه اللفائف، برغم حداثة اكتشافها، من أثمن اكتشافات القرن العشرين لأنها ترجع إلى القرون الثلاثة الأولى قبل الميلاد والقرن الأول الميلادى ( من 250 ق.م. الى 100م) وتزيد في متوسطها عن أقدم مخطوطة كانت بين أيدينا بحوالى 1350سنة، وتزيد أقدمها عن أقدم مخطوطة كانت بين أيدينا بحوالى 1350 سنة.
وهى بذلك تعتبر قريبة جداً من نسخ العهد القديم التي كانت بين أيدى آخر أنبياء بنى إسرائيل، حجى وزكريا وملاخى، وأيدى رجال المجمع العظيم وعلى رأسه عزرا الكاهن والكاتب، ونحميا الذي انشأ مكتبة كاملة من أسفار العهد القديم بحوالى 200سنة، وقبل السيد المسيح بثلاثة قرون. وتشمل هذه اللفائف كل أسفار العهد القديم عدا سفر أستير. وذلك الى جانب الكتب الدينية الأخرى التي لطائفة الأسينيين اليهودية.
وترجع أقدم اللفائف وهى لأسفار اللاويين والخروج وصموئيل إلى ما قبل سنة 250م ق.م، إذ يرى العلماء لفة الخروج ) من كهف 4) ترجع لسنة 250م ويرى بعضهم أن لفة لسفر صموئيل ترجع لحوالى 280ق.م، ويرى أحد العلماء أن هناك لفة لسفر اللاويين ترجع لسنة 400ق.م.
وقد كتبت هذه اللفائف في معظمها بالخط الآرامي، المربع، وهناك 10 لفائف تضم أسفار موسى الخمسة وأيوب كتبت بالخط العبرى القديم. وكتب الاسم الإلهي “يهوه” أحيانا بهذا الخط القديم في بعض اللفائف الأخرى، وحالما جاء عام 1965م كان قد وجد الأعداد التالية من كهوف قمران الأحد عشر:
15 مخطوطة لسفر التكوين و5 للخروج و8 للاويين و6 للعدد و 25 للتثنية و2 ليشوع و3 للقضاة و4 لراعوث و 4 لصموئيل (الأول والثانى) و4 للملوك (الأول والثانى) وواحد لأخبار الأيام (الأول والثانى) وواحد لسفر عزرا – تحميا و4 لأيوب و27 للمزامير و 2 للأمثال و 2 للجامعة و4 لنشيد الإنشاد و18 لأشعياء و 4 لأرميا و4 للمرائى و6 لحزقيال و8 لدانيال و 8 للأنبياء الصغار.
وأشهر هذه الأسفار هى تكوين والخروج والتثنية وأشعياء والمزامير ومن أحسن وأهم هذه المخطوطات لفتين لأشعياء وأجزاء كاملة من سفر صموئيل ولفة للمزامير وتفسير لسفر حبقوق.
2- برديات ناش:
وترجع للقرن الثانى الميلادى، حصل عليها ناش في مصر سنة 1902، وكانت تعتبر أقدم مخطوطة قبل اكتشاف لفائف البحر الميت. وتحتوى على نص ليتورجى للوصايا العشر وجانب من الشما (من خر 2:20،3، تث 6:5، 7، 4:6،5). والشما ومعناها “أسمع” هى الكلمة الأولى من تث 4:6 وهى تعتبر “رقيب إيمان إسرائيل”، إعلان وحدانية الله وتفرده كما جاء في تث 4:6 “اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد” أى أنها اعتراف أو قانون إيمان. وقد كانت تمارس الشما يوميا في الصلاة بشكل صارم حوالى سنة 200م.
3- مخطوطات جنيزة القاهرة :
وجدت بمجمع بن عزرا بمصر القديمة سنة 1890م (وهو مبنى على أطلال كنيسة اشتروها من الأقباط سنة 882م)، وتتكون من 200.000 جزيئية ومخطوطة، منها حوالى 10.000 لنصوص كتابية وترجع إلى القرن السادس والقرن التاسع.
4- المخطوطات الماسورية :
توجد كميات كبيرة من المخطوطات الماسورية التي نسخها علماء الماسورا (التقليد)، الماسوريين، في الفترة من 500 إلى 950 م وأهم مخطوطاتها :
أ- مخطوطة القاهرة : وهى على كتاب بصفحات نسخها موسى أبن أشير في طبرية بفلسطين سنة 895م وتحتوى على أسفار يشوع، وقضاة وصموئيل 1،2، وملوك 1،2 وأشعياء وأرمياء وحزقيال والاثنى عشر. وموجودة لدى جماعة الكارايت بالقاهرة.
ب- مخطوطة المتحف البريطانى : (شرقيات 4445) وهى نص كامل لأسفار موسى الخمسة (تك 20:39 إلى تث33:1) وترجع إلى سنة 820-850م.
جـ- مخطوطة اليبو : وتحتوى على العهد القديم كاملاً وتؤرخ بسنة 900-925م وهى الآن بالقدس (أورشليم).
د- مخطوطة لينينجراد (ب3) : وتحتوى على أسفار أشعياء وأرمياء وحزقيال والاثنى عشر وترجع لسنة 916م.
ز- مخطوطة لينينجراد (ب19) : وتحتوى على العهد القديم كاملا وقد نسخت سنة 1008-1009م على يد صموئيل بن ياكوب بالقاهرة من مخطوطة كتبها هرون بن موسى بن أشير سنة 1000م.
ثانياً : المخطوطات غير العبرية :
هناك العديد من المخطوطات للترجمات القديمة التي ترجمت للعهد القديم وأهمها الفاتيكانية التي ترجع للقرن الرابع الميلادى والإسكندرية التي ترجع للقرن الخامس، وهما للترجمة السبعينية اليونانية، وقد وجد ضمن لفائف قمران في كهف 4 مخطوطات للترجمة السبعينية أيضا تحتوى على أسفار الخروج واللاويين والعدد وترجع لسنة 100ق.م. أي بعد الترجمة بحوالى 150 سنة واكتشفت أيضا مخطوطة يونانية للأنبياء الصغار في منطقة وادى خبرا.
وهناك مخطوطة للبشيتا السريانية مؤرخة بسنة 464م بالمتحف البريطانى، ومخطوطة للسريو هيكسابلا ترجع للقرن الثامن. وهناك مخطوطة على ورق البردى للترجمة القبطية باللهجة الصعيدية ترجع إلى سنة 300م بالمتحف البريطانى، وهناك جزيئيات ترجع للقرن الرابع والخامس باللغة القبطية باللهجتين الأخميمية والفيومية، إلى جانب مخطوطة باللغة العربية ترجع للقرن الثامن. وتمتلئ مكتبة الفاتيكان بالمخطوطات القديمة للترجمة اللاتينية خاصة الفولجاتا.
ثالثاً : التوراة السامرية :
لم تكن التوراة السامرية إلى وقت قريب معروفة إلا من خلال كتابات الآباء مثل يوسابيوس وجيروم ولكن أعيد اكتشاف نصها في دمشق سنة 1616م وتوجد منها كميات كبيرة في مكتبة لينينجراد العامة بروسيا، وجامعة كامبردج. ولكن أهم هذه المخطوطات هو درج الابيش الموجود مع جماعة السامريين بنابلس والذى ترجمه إلى العربية الكاهن السامرى أبو الحسن اسحق الصورى.
رابعاً : طبيعة مخطوطات العهد القديم :
انتقلت أسفار العهد القديم من جيل إلى جيل عن طريق النسخ اليدوى بدقة متناهية، وكان الكهنة واللاويون والأنبياء والملوك والكتبة واتباع الفرق الدينية المختلفة، كالاسينيون الذين وجدت لفائفهم في كهوف قمران، ينقلون نسخهم الخاصة من النسخة الرسمية المعتمدة التي كانت تحفظ عادة إلى جوار تابوت عهد الرب وفي الهيكل.
1- الكتبة وتاريخ نسخ ونقل العهد القديم :
كان الكتبة موظفين رسميين يعينهم الملك في البلاط والجيش والهيكل(1). وكان الكتبة المتخصصين في نسخ أسفار العهد القديم، وخاصة أسفار موسى الخمسة، هم عادة من الكهنة واللاويين التي كانت وظيفتهم منذ موسى النبى هى تعليم الشعب الأحكام والوصايا، الناموس(2).وكان تلاميذ الأنبياء أيضا يكتبون ما يمليه عليهم الأنبياء، فقد كان باروخ تلميذ أرمياء النبى يكتب كلمة الله التي كان يمليها عليه أرمياء ويقرئها للشعب بتكليف منه(3)،
وكان عزرا الكاهن “كاتب ماهر في شريعة موسى(4)” وقد قام مع نحميا والشيوخ بعد السبى بقراءة التوراة أمام الشعب وترجمتها شفويا إلى الآرامية(5) وذلك إلى جانب تعليم الشعب للناموس والوصايا. وقد ازداد دورهم بعد السبى كمعلمين ومفسرين لكلمة الله. وقد دعاهم العهد الجديد “بالناموسيين(6)” و”معلمى الناموس(7)”.
وكانوا هم علماء اليهودية والحراس على نصوص وآيات العهد القديم وحفظها. وكانوا يقضون وقتا كبيرا في نسخ ونقل أسفار العهد القديم. فقد كانوا كتبة بالمعنى الحرفي. وكانوا قضاة للناموس.
وكان يليهم أزواج من العلماء النصيين (زوجوس) في القرنين الأول والثانى قبل الميلاد، ثم “التنائيم” أى المكررين أو المعلمين الذين قد عملهم إلى سنة 200م، وقد دون عملهم في التلمود “التعليم” والذى انقسم بعد ذلك إلى المشنا “التكرارات” والجيمارا “المسألة التي تعلم”. وقد دون في التلمود بالتدريج من سنة 100 إلى 500م.
2- الماسوريون ودورهم في الحفاظ على نصوص وآيات العهد القديم :
وأستمر الكتبة من السبى إلى سنة 500م في الحفاظ على نص العهد القديم ونطقه الصحيح شفويا حتى قام جماعة منهم دعوا بالماسوريين أى التقليديين أى حملة التقليد “ماسورا” الذي تسلموه من أسلافهم وعملوا في الفترة من سنة 500 إلى 950م على وضع العلامات المتحركة وحركات النطق والتى أثبتت كشوف قمران أنها استمرار لما تم في القرون السابقة للميلاد، كما أضافوا ملحوظات في الهوامش. وكان لهم مركزين في فلسطين وبابل كان كل منهم مستقل عن الآخر بدرجة كبيرة(8).
وقد أثبتت لفائف قمران دقة هؤلاء الكتبة والماسوريين المذهلة، فعلى الرغم من الفترة الزمنية الواسعة التي تصل إلى 1000 سنة فقد ثبت للعلماء مدى أمانة ودقة هؤلاء الكتبة المتناهية في نسخ ونقل آيات العهد القديم من جيل إلى جيل.
3- عملية نسخ ونقل العهد القديم عبر الأجيال :
تقول المشنا، أبوت 1:1 “استلم موسى التوراة في سيناء وسلمها ليشوع، ويشوع سلمها للشيوخ، والشيوخ سلموها لرجال المجمع العظيم وقالوا ثلاثة أشياء : كن مترويا في القضاء، أقم تلاميذ كثيرين، واعمل سورا حول التوراة”.
وضع الكتبة الماسوريون على مر الأجيال قواعد صارمة لضمان نقل آيات العهد القديم من مخطوطة إلى أخرى بدقة شديدة حتى لا يقعوا في أي خطأ. ويقول السير فردريك كنيون في كتابه “كتابنا المقدس والمخطوطات القديمة” وف.ف. بروس في كتابه “الكتب والرقوق”، أنهم أحصوا عدد الآيات والكلمات والحروف في كل سفر، كما حددوا الكلمات الوسط والحروف الوسطى في كل سفر، وحددوا الحرف الأوسط في أسفار موسى الخمسة والحرف الأوسط في العهد القديم كله، وعرفوا الآيات التي تحتوى كلماتها على كل حروف الأبجدية.
وهذه أهم القواعد والخطوات التي اتبعوها كما يذكر التلمود وكما نقلها قاموس الكتاب المقدس لصموئيل دافيدسون :
- الدرج المستعمل في الكتابة في المجمع يجب أن يكون مكتوباً على جلد حيوان طاهر.
- يجب أن يجهزه يهودى لاستعماله في المجمع.
- تجمع الرقوق معا بسيور مأخوذة من حيوان طاهر.
- يجب أن يحتوى كل رق على عدد ثابت من الأعمدة في كل المخطوطات.
- يجب أن يتراوح طول كل عمود ما بين 48-60 سطرا، وعرض العمود يحتوى على ثلاثين حرفا.
- يجب أن تكون الكتابة على السطر، ولو كتبت ثلاثة كلمات على غير السطر ترفض المخطوطة كلها.
- يجب أن يكون حبر الكتابة أسود، لا أحمر ولا أخضر ولا أى لون آخر، ويتم تجهيزه طبق وصفة ثابتة.
- يتم النقل بكل دقة من مخطوطة صحيحة تماما.
- لا يجب كتابة كلمة أو حرف أو نقطة من الذاكرة، يجب أن ينقل الكاتب كل شئ من المخطوطة النموذجية.
- يجب ترك مسافة شعرة أو خيط بين كل حرفين.
- يجب ترك مسافة تسعة حروف بين كل فقرتين.
- يجب ترك مسافة ثلاثة سطور بين كل سفرين.
- يجب إنهاء سفر موسى الخامس بانتهاء سطر. ولا داعى لمراعاة ذلك مع بقية الأسفار.
- يجب أن يلبس الناسخ ملابس كهنوتية كاملة.
- ويجب أن يغسل جسده كله.
- لا يبدأ كتابة اسم الجلالة بقلم مغموس في الحبر حديثا.
- لو أن ملكا خاطب الكاتب وهو يكتب اسم الجلالة فلا يجب أن يعيره أى التفات.
وكل مخطوطة لا تتبع فيها هذه التعليمات تدفن في الأرض أو تحرق أو ترسل للمدارس لتقرأ فيها ككتب مطالعة، ولا تستعمل في المجامع ككتب مقدسة.
وقد أثبتت لفائف قمران اتباع مثل هذه القواعد والتعليمات منذ القديم. وقد بينت مقارنة بين لفة لسفر أشعياء (أش أ) ترجع لسنة 125ق.م. وأخرى للماسوريين ترجع لسنة 916، وبفارق زمنى قدره أكثر من 1000 سنة، الدقة المتناهية، بل والمذهلة في نقل نصوص وآيات العهد القديم عبر الأجيال. فقد وجد في 166 كلمة من ص 53 تساؤل حول 17 حرفا، عشرة حروف منها في الهجاء وأربعة في طريقة الكتابة، دون تأثير على المعنى، وثلاثة حروف في كلمة “نور” الموجودة في آية 11 والتى وجدت في الترجمة السبعينية. وقد وجدت لفة أخرى مع اللفة الأولى لسفر أشعياء (أش ب) تتفق بصورة أدق وأروع مع المخطوطة الماسورية.
كما أثبتت عملية نقل أسماء الملوك الأجانب إلى اللغة العبرية، كما يذكر روبرت ويلسون في كتابه “بحث علمى على العهد القديم”، من اللغات المصرية والآشورية والبابلية والموآبية في 144 حالة، وكذلك نقل الأسماء العبرية في 40 حالة إلى هذه اللغات، أى 184 حالة، عبر فترة زمنية تتراوح من 2300 إلى 3900 سنة، أنه لم يحدث خطأ واحد في نقل الأسماء بكل دقة. كما ظهر في العهد القديم أسماء حوالى 40 ملكا في الفترة من 400 إلى 200 ق.م.
جاءت كلها في تسلسل تاريخى مضبوط تماما سواء بالنسبة لملوك الدولة الواحدة، أو بالنسبة للملوك المعاصرين في الدول الأخرى، مما يبين الدقة المتناهية والحرص الشديد في نقل العهد القديم عبر آلاف السنين.
4- أسفار العهد القديم والنقد النص الحديث :
وعلى الرغم من الدقة المتناهية في نقل آيات ونصوص العهد القديم، خاصة النص الرسمى، الذي كان يحفظ في الهيكل، الذي نقل بعناية عظيمة ودقة متناهية فقد وجدت قراءات متنوعة بها تساؤل حول بعض حروف الهجاء، كما بينا في مقارنة سفر أشعياء. وقد نتجت هذه القراءات المتنوعة بسبب عملية الإملاء، التي كانت تحدث أحيانا عند النسخ من مخطوطة لأخرى، بسبب تماثل بعض الكلمات في النطق مع اختلاف المعنى مثل كلمتى to / tow في الإنجليزية وكلمة “حمام وحمام” في اللغة العربية، وسوء قراءة بعض الحروف المتماثلة في الشكل أو سوء قراءة الحروف المتحركة للساكنة، أو دمج كلمتين منفصلتين إلى كلمتين منفصلتين إلى كلمة واحدة أو العكس، أو عدم تكرار كلمة أو مقطع أو حرف أو العكس، أو تغيير مكان الحرف أو الكلمة.
وقد أمكن العلماء من تحديد القراءات الأصلية بوضع قواعد استنبطوها من دراستهم الشديدة للمخطوطات وخبرتهم الطويلة في ممارسة النقد النصي، وهى :
- تفضيل القراءة الموجودة في المخطوطة الأقدم لأنها أقرب إلى الأصل.
- تفضيل القراءة الصعبة عن القراءة السهلة لضمان دقتها وعدم محاولة تبسيطها.
- تفضيل القراءة التي توضح القراءات الأخرى التي بها شئ من التنوع في حروف الهجاء.
- القراءة التي تؤيدها مخطوطات وترجمات من مناطق جغرافية مختلفة، هى الأفضل، لعدم وجود احتمال تأثير هذه المخطوطات من بعضها البعض.
- تفضيل القراءة التي تماثل أسلوب كاتب النص الأصلى المعتاد بدرجة كبيرة.
- تفضيل القراءة التي لا تتأثر بالعقائد الطائفية.
وهكذا يتضح لنا أن العهد القديم الذي بين أيدينا اليوم، هو هو، كما كتبه كتاب الوحى الأصليون بدون زيادة أو نقص أو إضافة. وصدق قول الوحى الإلهى القائل :
“لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكى تحفظوا وصايا الرب إلهكم الذي أنا أوصيكم به” (تث 2:4).
“كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه. لا تزد عليه ولا تنقص منه” (تث 32:12).
“كل كلمة من الله نقية … لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذب” (أم 6:30).
- أنظر 2صم 17:8؛ 1مل 3:4؛ 2مل 18:18
فهرس الكتاب:
-
التوراة العبرية والسامرية والترجمة السبعينية والترجمات الحديثة – القمص عبد المسيح بسيط
-
النقد الأعلى وقانونية أسفار العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
-
الاعتراضات على كتابة موسى للتوراة .. والرد عليها – القمص عبد المسيح بسيط
(2) 2أخ 10:30؛ 3:35
(3) أر 36
(4) عز 7:6
(5) نح 8:8
(6) لو 25:10
(7) اع 34:5؛ 1تى 17:1
(8) وكان أشهر هؤلاء العلماء الذين عاشوا في طبرية موسى بن أشير وأبنه هرون، وبن نفتالى في القرنين 9،10م. ويعتبر نص بن أشير هو النص المقياس للنص العبرى اليوم وتمثله بصورة جيدة مخطوطة لينينجراد (ب19) ومخطوطة اليبو.