الإعلان الإلهى في العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
الإعلان الإلهى في العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
الإعلان الإلهى في العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
عن كتاب: التوراة كيف كتبت وكيف وصلت إلينا؟ للقمص عبد المسيح بسيط
1- ما معنى الإعلان وما هو؟
تعنى كلمة إعلان فى العهد القديم، إعلان الله لذاته وإرادته وغايته، خاصة للإنسان الذى هو، أصلاً، سبب الإعلان. وقد أتت كلمة إعلان فى العهد القديم من الفعل العبرى “جالا ـ gala” والذى يعنى “يكشف”، “يستعلن”، “يعلن” كما توضح ذلك الآيات التالية :
- “أن السيد الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يكشف سره لعبيده الأنبياء(1)”.
- “لأن الرب أستعلن لصموئيل فى شيلوة بكلمة الرب(2)”.
- “فأعلن فى أذنى رب الجنود(3)”.
وهو يعبر دائماً عن معنى لاهوتى عندما يكون موضوع الإعلان هو الله، وأيضا عندما يكون الموضوع المعلن عنه دينياً وأخلاقياً ويتضمن الإعلان كشف للأسرار التى يريد الله ذاته الإعلان عنها من جهة البشرية “حينئذ لدانيال كشف السر فى الليل .. هو يكشف العمائق والأسرار .. يوجد إله فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك .. ما سيكون فى الأيام الأخيرة … وكاشف الأسرار يعرفك بما سيكون(4)”.
2- طبيعة الإعلان :
خلق الله الإنسان على صورته ومثاله(5)، كتاج لخليقته وخليفة له فى الأرض، ليستمتع بنعمة الوجود فى الحياة ككائن حى وبنعمة الوجود فى الحضرة الإلهية، فيعرف الله ويحبه ويعبده كمخلوق يقدم الحمد والشكر والمجد لخالقه، وأعطاه السلطان على كل شئ على الأرض، “على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض(6)”.كان الإنسان صورة الله وخليفته على الأرض، عرف الله وتحدث معه واستمتع بالوجود فى حضرته.
وبعد السقوط فى الخطية وطرد آدم من جنة عدن، فصلت الخطية بينه وبي الله وحرم من نعمة الإعلان الإلهى المباشر، فقد جعلت الخطية آدم يتصور أنه يخفى نفسه ويختبئ من الله(7)، ولم يعد يحتمل الوقوف فى حضرة الله، وصارت هناك هوة عميقة بين الإنسان والله.
ولكن الله الذى أحب البشرية حتى المنتهى(8) والذى يجد لذته فى بنىآدم(9) لم يفرط فى الإنسان فبادر هو بذاته تعالى للاتصال بالإنسان والإعلان عن ذاته “بأنواع وطرق كثيرة(10)”، ومن ثم فقد أعلن ذاته فى التاريخ كما أعلن فى المستقبل.
3- إعلان الله لذاته فى التاريخ :
الله بطبيعته وقدرته الكلية ووجد المطلق، غير المحدود فى المكان أو الزمان أو القدرة، لا يستطيع العقل البشرى المحدود إدراكه، إذ لا يمكن للمحدود أن يعرف غير المحدود، ولا يستطيع أحد أن يعرف شيئاً عن الله ألا هو ذاته، وهو وحده تعالى الذى يعلن عن ذاته، بكلمته “وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن. ومن أراد الابن يعلن له”، “الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر(12)”، وأيضا بروحه القدوس “لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله(13)”.
والإعلان لا يقدم لنا مجرد حقائق مجردة عن الله، مجرد نصوص، لأن كلمات الله وأعماله لا يمكن أن تكون مجرد حقائق منفصلة عن شخصه الحى، فغاية الإعلان هى عودة الإنسان إلى الله، إلى علاقته مع الله، العلاقة التى فصلتها الخطية. فالاعتقادات والحقائق والحقوق مهمة ولكن لا يجب أن تكون مجرد فرائض وتعاليم وطقوس لمجرد الحفظ والممارسة لأن هدف الإعلان وغايته هو العودة بالإنسان إلى الله وإعادة المياه إلى مجاريها كما كانت قبل السقوط والطرد من الحضرة الإلهية.
إن هدف الإعلان وغايته هو إعلان حب الله المستمر للبشرية “تراءى لى الرب من بعيد. ومحبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة(14)”، وإعلانه البحث عنها، فهو يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون(15)”.
لذا بحث الله بنفسه عن آدم وجاء بنفسه إلى إبراهيم(16) وجعله خليله وتكلم مع موسى “وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه(17)”، وقال له “لأنك وجدت نعمة فى عينى وعرفتك باسمك(18)”، وكشف له عن أسمه “يهوه” الدال على وجوده الأزلى الأبدى وكونه موجد كل شئ(19)، كما أعلن ذاته بواسطة العديد من أنبيائه، “الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة(20)”، على مدى العصور والأزمان.
1- إعلان الله هو إعلان الفداء :
الله يعرف ضعف البشرية ولذا لم يتعامل مع الإنسان على أساس ضعف بشريته وميله للانحراف عن عبادته تعالى، نعم لقد كره الخطية ولكنه لم يكره الخاطئ بل عطف عليه وبحث عنه ودبر له الوسيلة للخلاص منها، لقد تعامل مع الخطية بقصد تخليص الإنسان منها ومن نتيجتها التى هى الموت الأبدى فدبر له الفداء فى “ملء الزمان(21)”، فى الوقت الذى شاءت إرادته الإلهية أن يكون والتى رأت أنه الوقت المناسب، فاختار إبراهيم أبو الأباء ووعده بأن يكون “أباً لجمهور كثير من الأمم(22)”، وأن يجعل من نسله الآتى فى “ملء الزمان” بركة لجميع قبائل وشعوب وأمم الأرض “وتتبارك فى نسلك جميع قبائل الأرض(23)”.
وكما أعلن عن حبه أعلن عن غفرانه ورحمته ونعمته، فهو الإله الرحيم، الغفور، المنعم “الرب إله رحيم ورؤوف بطئ الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الآثم والمعصية والخطيئة(24)”، أم كما يقول المرنم بالروح “الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة، لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه … كما يترأف الآب على البنين يترأف الرب على خائفيه، لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب(25)”.
2- إعلان الله هو إعلان إرادته لشعبه :
الله قدوس وبار، وقداسته قداسة مطلقة وبره غير محدود ولذلك فقد أعلن عن ذاته كالإله القدوس البار “قدوس قدوس قدوس رب الجنود(26)”، وكانت إرادته أن تتقدس البشرية ويكون البشر قديسين “لأنى قدوس أنا الرب مقدسكم(27)”. “تكونون قديسين لأنى أنا قدوس(28)”، ولكن البشرية، بضعفها لا تستطيع ذلك، فلن يكون أحد كاملاً فى بره أمامه، ويصرخ المرنم معبراً عن هذه الحقيقة “لا تدخل فى المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حى”.
وهنا تأتى الحاجة إلى المصالحة وإلى الوسيط الذى يقوم بهذا الصلح الذى بحث عنه أيوب البار “ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا(29)”، ومن ثم فقد وضع أمله وأمل البشرية فى أن الله سوف يدبر هذا الوسيط المصالح “أن وجد عنده مرسل وسيط واحد من ألف ليعلن للإنسان استقامته، يترأف عليه ويقول أطلقه من الحفرة قد وجدت فديه(30)”.
ثم أعلن الله الناموس بواسطة موسى كليمه ليعيش الشعب بمقتضاه ويعرف حدود الخطية وما هو البر، فيرفض الخطية ويعيش باراً، يعرف ما هى الواجبات التى عليه تجاه الله وما هو حق الله عليه. وارتبط الناموس بعهد بين الله والإنسان، كان عهد الله أولا مع إبراهيم “وأقيم عهدى بينى وبينك وبين نسلك من بعدك فى أجبالهم عهداً أبدياً .. لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك(31)”، ثم أعطى العهد مجدد مع الشعب بواسطة موسى، هذا العهد الذى أرتبط بالناموس والوصايا “فالآن إن سمعتم لصوتى ولحفظتم عهدى تكونون لى خاصة من بين جميع الشعوب(32)”.
وأعطى الله بنفسه الوصايا والشرائع لموسى وكلمه “فما لفم” وكتب بنفسه الوصايا العشر على لوحين من الحجر(33)، وأراد أن يكتب هذا الناموس على قلوب شعبه(34).
4- الإعلان الماضى والحاضر والمستقبل :
وإعلان الله هو إعلان عن ماضى البشرية وحاضرها كما هو أيضا إعلان عن مستقبلها. أنه إعلان عن الماضى السحيق حتى من قبل أن يوجد الإنسان وإعلان الحاضر الذى عاصر الإعلان الإلهى وإعلان عن المستقبل الحالى أو القريب والمستقبل البعيد المتصل بالأمم فى تاريخ الفداء وحتى الأبدية.
أنه إعلان للماضى الذى عاشته البشرية منذ فجرها وإعلان للحاضر المعاش وإعلان للمستقبل الذى يقع خارج القدرات البشرية المحدودة والذى يتحدى به أشعياء الأوثان التى عبدتها البشرية من دون الله “اعلمونا المستقبلات. اخبروا بالآتيات فيما بعد يعرف أنكم آلهة(35)”.
والإعلان بالمستقبل نابع من سلطان الله الكلى المطلق على الكون باعتباره خالقه ومدبره وكونه الإله الواحد “أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيرى .. وضعت الشعب القديم. والمستقبلات وما يأتى(36)”.
فأعلن لموسى أنه سيخرج بنى إسرائيل من مصر بواسطته(37)، وأعلن لجدعون أنه سيستخدمه لخلاصهم من المديانيين(38)، واستخدم الطفل صموئيل ليعلن لعالى الكاهن سقوط بيته وموت ولديه(39)، وأعلن بواسطته إيليا موت إيزابل(40)، وجعل أشعياء ينبأ بخلاص بنى إسرائيل من الآشوريين(41)، ويتنبأ أيضا بهزيمة بابل النهائية برغم أن تصور ذلك فى وقته كان محال(42). هذا الإعلان المستقبلى يعبر عنه عاموس النبى بالقول “الرب لا يصنع أمراً إلا وهو يعلن سره لعبيده الأنبياء(43)”.
وكان هذا الإعلان المستقبلى مرتبطاً بعلاقة الله بشعبه من حيث ارتدادهم عنه وعودتهم إليه. كما تنبأ الأنبياء أيضا خاصة أشعياء وأرمياء وحزقيال ودانيال على مستقبل أمم كثيرة مثل مصر وبابل وآشور وصور وصيدا .. الخ. كما كان إعلان المستقبل الحالى أو القريب يرمز فى بعض صوره للمستقبل النهائى عندما يتم الفداء وحتى الدينونة.
وكان قمة الإعلان هو الإعلان عن الفداء العظيم بمجئ المسيا الفادى والذى حدد صفاته وأعماله والأم التى ستلده والقرية التى سيولد منها والزمن الذى سيولد فيه. وهذا ما عبر عنه السيد المسيح نفسه بقوله “لأنه لابد أن يتم فى جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير(44)”.
فهرس الكتاب:
التوراة العبرية والسامرية والترجمة السبعينية والترجمات الحديثة – القمص عبد المسيح بسيط
النقد الأعلى وقانونية أسفار العهد القديم – القمص عبد المسيح بسيط
الاعتراضات على كتابة موسى للتوراة .. والرد عليها – القمص عبد المسيح بسيط
(1) ى 7:3
(2) 1صم 21:3
(3) أش 14:22
(4) دا 19:2-29
(5) تك 27:1
(6) تك 28:1
(7) تك 8:3
(8) يو 1:13
(9) أم 31:8
(10) عب 1:1
(12) يو 18:1
(13) 1كو 10:2
(14) أر 3:31
(15) 1تى 4:2
(16) تك 1:12-2
(17) حز 11:33
(18) حز 17:33
(19) حز 13:3-15
(20) عب 1:1
(21) غل 4:4
(22) تك 5:17
(23) تك 3:12؛ 18:18؛ 18:22
(24) خر 6:34،7
(25) مز 8:103-13
(26) أش 3:6
(27) لا 8:21
(28) مز 2:143
(29) أى 33:9
(30) أى 23:33،24
(31) تك 7:17
(32) حز 5:19
(33) حز 18:31
(34) أر 33:31
(35) أش 21:41،22
(36) أش 6:44،7
(37) حز 3
(38) قض 14:6
(39) 1صم 27:2-37
(40) 1مل 3:21
(41) أش 21:37-35
(42) أش 22:41،23
(43) ى 7:3
(44) لو 44:24