هل تُعلمنا المسيحية الدعاء على الأعداء الظالمين؟
هل تُعلمنا المسيحية الدعاء على الأعداء الظالمين؟
الدعاء والصلاة إلى الله بالطبع هو شيء جيد.. وينبغي على الكل أن يطلب وجه الله، ولكن، عندما أتحدث مع رئيس الجمهورية مثلاً، فهناك أسلوب معين ينبغي أن استخدمه، وألفاظ ينبغي أن أختارها بعناية، وأن أحاول أن أرضيه من خلال ما يقول من قوانين، فلا أقول ما هو ضده إذا كنت أحبه.. وهذا بالضبط ما ينبغي أن نفعله مع الله، فهل الدعاء على الآخرين هو ما يريده الله؟!
الكتاب المقدس يقول: “الذي يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون” (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 4: 2).. ويقول كذلك: “يشرق شمسه على الأشرار والصالحين” (إنجيل متى 45: 5)..
وفي المسيحية، يأمرنا السيد المسيح قائلاً: “أحبوا أعدائكم.. باركوا لاعنيكم.. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم” (أنجيل لوقا 28،27: 6).. ويقول الله كذلك: “لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء.. إن كان الله معنا فمن علينا” (روميه 19: 12).. وأيضاً: “باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا” (رومية 14: 12). فالمسيحية هي دين الحب للجميع، فأنا لا أكره الخاطئ، ولكنني أكره الخطية.. وهناك فرق.
فلماذا أدعو ضد أعدائي؟! لماذا لا أصلي لأجلهم حتى يحولهم الله بقدرته العظيمة إلى أصدقاء؟! فأكون ربحت من الجانبين.. لماذا لا أقاوم الشر بالخير؟
فكما يرى القديس أغسطينوس في تفسيره للموعظة على الجبل، أن السيد المسيح عندما قال “لا تقاوموا الشر” (انجيل متي 38: 5) قد أدخل الكمال المسيحي كأعلى درجات الحب التي تربط الإنسان بأخيه.. إذ يرى أن العلاقة التي تقوم بين البشر تأخذ ست درجات:
- الدرجة الأولى: تظهر في الإنسان البدائي الذي يبدأ بالاعتداء على أخيه.
- الدرجة الثانية: فيها يرتفع الإنسان على المستوى السابق، فلا يبدأ بالظلم، لكنّه إذا أصابه شر يقابله بشرٍ أعظم.
- الدرجة الثالثة: وهي درجة الشريعة الموسويّة التي ترتفع بالمؤمن عن الدرجتين السابقتين فلا تسمح له بمقاومة الشرّ بشر أعظم، إنّما تسمح له أن يقابل الشرّ بشر مساوٍ. أنها لا تأمر بمقابلة الشرّ بالشرّ، إنّما تمنع أن يرد الإنسان الشرّ بشرٍ أعظم، لكنّه يستطيع أن يواجه الشرّ بشر أقل أو بالصمت أو حتى بالخير إن أمكنه ذلك.
- الدرجة الرابعة: مواجهة الشرّ بشرٍ أقل.
- الدرجة الخامسة: يقابل الشرّ بالصمت، أي لا يقابله بأي شر، أي عدم مقاومته.
- الدرجة السادسة: التي رفعنا إليها السيّد وهي مقابلة الشرّ بالخير، ناظرين إلى الشرّير كمريض يحتاج إلى علاج.
ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على مقاومة الشر بالخير، قائلاً: [لا تُطفأ النار بنارٍ أخرى، وإنما بالماء… ليس ما يصد صانعي الشرّ عن شرّهم مثل مقابلة المضرور ما يصيبه من ضرر برقّة. فإن هذا التصرّف ليس فقط يمنعهم عن الاندفاع أكثر، وإنما يعمل فيهم بالتوبة عما سبق أن ارتكبوه، فإنهم إذ يندهشون بهذا الاحتمال يرتدّون عما هم فيه. هذا يجعلهم يرتبطون بك بالأكثر، فلا يصيروا أصدقاءً لك فحسب، بل وعبيدًا عِوض كونهم مبغضين وأعداء.]
“سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوّك، وأما أنا فأقول لكم أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات…” (آنجيل متى 43-45).
هاك بعض أقوال الآباء حول موضوع محبة الأعداء:
* “لو لم يكن شريرًا ما كان قد صار لكم عدوًا. إذن اشتهوا له الخير فينتهي شرّه، ولا يعود بعد عدوًا لكم. إنه عدوّكم لا بسبب طبيعته البشريّة وإنما بسبب خطيّته! كان شاول عدوًا للكنيسة، ومن أجله كانت تُقام صلوات فصار صديقًا لها. إنه لم يكف عن اضطهادها فحسب، بل وصار يجاهد لمساعدتها. كانت تُقام صلوات ضدّه، لكنها ليست ضدّ طبيعته بل ضدّ افتراءاته. لتكن صلواتكم ضدّ افتراءات أعدائكم حتى تموت، أما هم فيحيون. لأنه إن مات عدوّكم تفقدونه كعدوّ ولكنكم تخسرونه كصديق أيضًا. وأما إذا ماتت افتراءاته فإنكم تفقدونه كعدوّ وفي نفس الوقت تكسبونه كصديق”. (القدّيس أغسطينوس)
* “عندما تعانون من قسوة عدوّكم تذكّروا قول الرب: “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لوقا 23: 34)” (القديس أغسطينوس)
* “لا تفيدنا الصلاة من أجل الأصدقاء بقدر ما تنفعنا لأجل الأعداء!… فإن صليّنا من أجل الأصدقاء لا نكون أفضل من العشّارين، أمّا إن أحببنا أعداءنا وصليّنا من أجلهم فنكون قد شابهنا الله في محبّته للبشر”. (القدّيس يوحنا الذهبي الفم).
* يجب أن نتجنّب العداوة مع أي شخص كان، وإن حصلت عداوة مع أحد فلنسالمه في اليوم ذاته… وإن انتقدك الناس (على ذلك) فالله يكافئك. أمّا إن انتظرت مجيء خصمك إليك ليطلب منك السماح فلا فائدة لك من ذلك، لأنه يسلبك جائزتك ويكسب لنفسه البركة”. (القديس يوحنا الذهبي الفم).