الصلاة والبنوة عند القديس كيرلس الأسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الصلاة والبنوة عند القديس كيرلس الأسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
الصلاة والبنوة عند القديس كيرلس الأسكندري – د. نصحى عبد الشهيد
1 ـ المسيح يعلمنا الصلاة بمثاله:
يقول القديس كيرلس إن المسيح يعلمنا الصلاة بمثاله ويذكر هذا الأمر فى:
أ ـ وقت معمودية يسوع:
إذ يقول الإنجيل ” وإذ كان يصلى انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس .. إلخ ” (لو22:3). فيقول القديس كيرلس [.. وحينما اعتمد صلى لكى تتعلموا أنتم يا أحبائى أن الصلاة بلا انقطاع هو أمر مناسب جدًا لأولئك الذين حُسبوا أهلاً للمعمودية المقدسة .. لذلك فإذ قد اتخذنا المسيح كمثال لنا فلنقترب من نعمة المعمودية المقدسة لكيما نحصل على دالة الصلاة بلا انقطاع ونرفع أيادى مقدسة لله الآب لكيما يفتح السماء علينا نحن أيضًا، ويرسل علينا الروح القدس، ولكى يقبلنا كأبناء .. إلخ ] (لوقا جـ1 عظة 11 ص76).
ب ـ صلاة المسيح على الجبل وقضاؤه الليل كله فى الصلاة:
ويذكر أيضًا أن المسيح مثال لنا فى الصلاة عندما يتحدث عن ذهاب المسيح إلى الجبل للصلاة وقضائه الليل كله فى الصلاة فى (لو12:6) وهنا يتحدث عن الطريقة التى نتعلمها من المسيح فى تقديم صلواتنا لله بأن نصلى فى الخفاء ولا نطلب مجدًا من الناس بل ” رافعين أيادى مقدسة ” (1تى8:2). وأن نصلى بدون اضطراب متخلين عن الهموم العالمية وبدون تقلب، بل بجدية وغيرة وبصبر كثير استنادًا على قول الإنجيل أن يسوع لم يُصَلِّ فقطن بل إنه أيضا قضى الليل كله فى الصلاة (أنظر عظة 23 على لو6: 12 الجزء الأول ص142، 143).
ج ـ يسوع يصلى على انفراد:
وأيضًا يتحدث فى شرح الصلاة الربانية عن المسيح كمثال لنا أنه: ” كان يصلى على انفراد” (لو18:9)، فيقول إن المسيح كان يصلى ليس لأنه محتاج إلى شئ إذ هو ابن الله وهو ممتلئ من كل صلاح مثل الآب، ولكن لأنه صار إنسانًا يأكل ويشرب وينام، فهو يقدم الصلاة أيضًا كإنسان. ويقول إن المسيح قد صلى لكى يعلمنا ألاّ نتراخى فى الصلاة، بل بالحرى نداوم عليها وبإلحاح شديد، وأن نتعلم منه ” أن نصلى على انفراد مثله، وبهدوء بيننا وبين الله وحده بذهن نقى غير مشتت “.
ويشير إلى تعليم الرب فى (مت5:6ـ6) عن الصلاة فى المخدع، فى الخفاء إلى الآب، وألاّ نطلب مدح الناس كأننا نصلى لهم وليس لله (أنظر لوقا جـ3 عظة70 ص14ـ17).
د ـ المسيح مثال لنا فى صلاته فى جبل الزيتون ليلة آلامه:
وهنا يتحدث القديس كيرلس لماذا انفصل المسيح عن التلاميذ نحو رمية حجر وصلى بمفرده فيقول إن هذا كان [ ليعلمنا نوع الصلاة التى تُسرّ الله أى بدون استعراض أنفسنا أمام الناس مثل الكتبة والفريسيين] ويشير أيضا إلى تعليم الرب ” أدخل إلى مخدعك وصلى فى الخفاء ” (مت6:6).
وهنا أيضا يشير إلى (1تى2: 8) ثم يتحدث عن توسلات المسيح فى البستان، ويقول إنه [ لم يكن فى حاجة إلى قوة أو عون من آخر، وإنما فعل هذا لكى نتعلم نحن بمقتضى هذا القانون؛ بأن نتخلى عن الإهمال فى الصلاة ] وأنه [ عندما تداهمنا التجارب والاضطهادات وأخطار الأعداء، فإن الوسيلة الفعالة لخلاصنا هى أن نصحو ونجثو على ركبنا طالبين المعونة من فوق ] .
ويقول إن المسيح مخلصنا هو النموذج الذى نتطلع إليه فى الصلاة أيضا، فى التسليم لمشيئة الآب عندما صلى قائلاً ” إن شئت فلتُجِزْ عنى هذه الكأس ولكن لتكن لا إرادتى بل إرادتك“، وذلك عندما تقابلنا الصعوبات والضيقات، لكى نصلى [ أن يتمم الله الأمور بحسب مشيئته الصالحة وليس بحسب مشيئتنا، إذ هو يعرف ما هو مناسب لفائدة أرواحنا وما هو ملائم لأولئك الذين يحبونه] (تفسير لوقا عظة 147 على لو22: 39ـ42 الترجمة الإنجليزية) .
2 ـ المسيح يوصينا أن نصلى لله الآب كأبناء:
أ ـ فى تعليم المسيح لتلاميذه عن الصلاة فى (لوقا1:11ـ4):
يقول القديس كيرلس إن تعليم المسيح لنا أن نصلى كأبناء هو جودٌ فائقٌ ولطفٌ لا يبارى وأنه بذلك يمنحنا مجده الخاص، ويستشهد على نوال نعمة البنوة من (مز6:81س) ” أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلى كلكم ” وأنه بذلك حررنا من العبودية وأدخلنا فى مرتبة البنين، ويستشهد أيضًا عن نوال البنوة بـ(يو11:1ـ13) ” وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله .. الذين وُلدوا من الله “
وأيضًا بـ(1بط23:1) ” مولودين ثانية بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد “، وأيضًا بـ(يع18:1) ” شاء فولدنا بكلمة الحق “، ويشير القديس كيرلس إلى الولادة الروحية التى يتحدث عنها المسيح فى (يو5:3) ” إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله “، وهو بإشارته هذه يقصد أننا ننال البنوة بواسطة المعمودية (أنظر لوقا جـ3 عظة71 ص18،19).
وبعد ذلك ينتقل القديس كيرلس ليتكلم عن مسئولية الذين يدعون الله ” أبًا “، وكأنه يقول إنه فى مقابل امتياز وكرامة البنوة لله، هناك مسئولية تنبع من هذا الامتياز وهى [ إنه ينبغى أن نسلك بسيرة مقدسة وبلا لوم وأن نحيا هكذا كما يرضى أبانا ] (أنظر عظة71 ص20). ويستشهد فى ذلك بقول الرسول بطرس ” وإن كنتم تدعون أبًا الذى يحكم بغير محاباة .. فسيروا زمان غربتكم بخوفٍ ” (1بط17:1).
ويحذر من [ خطورة إحزان الله أبانا وإغضابه بالانحراف وراء الأمور غير المستقيمة، وأن من لا يراعى نفسه ولا يبالى بسخاء النعمة التى أًعطيت له، فإنه يكون محبًا للذّة أكثر من حبه للآب السماوى، وأن الذين يتمردون على الآب يرتكبون جرمًا عظيمًا. وبالعكس فإن الذين يخضعون للآب ويطيعونه ويكرّمونه، فإن الآب يكرمهم ويجعلهم شركاء فى الميراث مع ابنه الوحيد بالطبيعة؛ وإذ نسلك بطريقة تليق بمن أكرمنا هكذا، فإنه سيقبل ابتهالاتنا التى نقدمها فى المسيح ] (أنظر عظة71 ص21،22).
ب ـ أبانا، ليتقدس اسمك:
يشرح القديس كيرلس قول الأبناء للآب ” ليتقدس اسمك ” بأن [ الله ليس محتاجًا إلى مزيد من القداسة، منا إذ هو كُلىَّ القداسة وهو مانح القداسة للخليقة ]. بل إن ليتقدس اسمك معناها [ليت اسمك يُحفظ مقدسًا فينا، فى أذهاننا وإرادتنا]. [وإن من يصلى قائلاً ليتقدس اسمك، فهو يطلب أنه هو نفسه يقتنى ذهنًا مقدسًا وإيمانًا، لكى يشعر بأن اسم الله مكرم وقدوس، فالتقديس هو مصدر الحياة وسبب كل بركة ].
وإن [ من يصلون بجد معتمدين على محبته، فإنهم لا يطلبون التقديس لأنفسهم فقط، بل لأجل كل سكان الأرض سواء الذين آمنوا أو الذين لم يقبلوا الإيمان بعد، لكى يشرق عليهم نور الحق ويعرفون الله أنه قدوس ]. ويقول إن عبارة [ الله يتقدس بواسطتنا هو اعتراف منا بأنه ” قدوس الأقداس “] ويستشهد بقول إشعياء النبى ” قدسوا الرب فيكون مخافتكم، ويصير قداسة لكم ” (إش13:8س). ويقول إن ما يعلّمه لنا الرب فى الصلاة هو: آمنوا إنه قدوس .. وهكذا سيصير هو نفسه واسطة تقديسكم (أنظر لوقا جـ3 عظة72 ص23ـ26).
ج ـ أبانا، ليأتِ ملكوتك:
الذين يدعون الله أبًا يطلبون مجىء الملكوت، بمعنى مجىء المسيح بملكه الكامل لأنهم ينتظرون الأكاليل عند مجيئه، ويقتبس ” تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت.. ” (مت34:25)، لأنهم جاهدوا وصاروا أنقياء، واحتملوا الآلام والاضطهادات لأجل مجد المسيح، و(2تى12:2) ” إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه ” و(فى21:3) ” سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده ” . وإنهم آمنوا بما قاله عن نهاية العالم أنهم ” سيضيئون كالشمس فى ملكوت أبيهم ” (مت43:12) (أنظر لوقا ج3 عظة73 ص29ـ32).
د ـ أبانا، لتكن مشيئتك ..:
الذين يصلون كأبناء، يطلبون أن تتم مشيئة الله على الأرض بمعنى أن يحيوا هم أنفسهم بلا لوم .. وكذلك سكان الأرض أن يهبهم [ الله القوة ليصنعوا مشيئته، ويتمثلوا بالملائكة فى السماء.. يصلون أن يروا توقف الخطية ولا يتبعوا مشيئتهم الخاصة. فالأبناء يبتهلون من أجل جميع الناس.. ليُحسبوا أهلاً للسلام الذى من فوق.. ويجدوا راحة القلب.. وهم مثابرون على التمثل بالجمال الروحانى للأرواح السماوية..] (أنظر لوقا جـ3 عظة73 ص33ـ37).
هـ ـ أبانا، أعطنا كل يوم خبزنا الضرورى:
والذين يُصَلُّون للآب كأبناء، يمكن أن يطلبوا منه الخبز الضرورى للحياة اليومية. ويقول القديس كيرلس إن هذا الخبز الذى يطلبه القديسون، هو الخبز الروحى النازل من السماء، هذا أولاً، ولكن من جهة أخرى، يقول إنه لا لوم عليهم البتة أن يطلبوا مجرد الخبز العادى اللازم لاحتياجات الجسد يوم بيوم، ويقول إن هذا يليق بتقوى حياتهم على أساس أن القديسين الذين يطلبون خبز يوم واحد، فهذا برهان واضح على أن الرب لا يسمح لهم بامتلاك أى شئ
ولا يريدهم أن يبتغوا الغنى الأرضى كما قال فى مناسبة أخرى ” لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون … لأن أباكم يعلم أنكم تحتاجونها ” (مت25:6،32).
ويشرح الكلمة اليونانية ” إيبى أوسيوس epiousios” ويقول إن معناها ما هو ضرورى وكافى، ويقول إن طلب الخبز الضرورى لليوم الواحد مرتبط بالتجرد من الهموم الدنيوية والشهوات الجسدانية ومن الغنى، لتكون حياتهم نقية من محبة المال ويثقون أن الآب سيعطيهم ما وعد به ويسد احتياجهم روحيًا وجسديًا عندما يسألونه ما يكفى لحياتهم من طعام وكساء . (أنظر لوقا جـ3 عظة75 ص38ـ42).
و ـ أبانا، أغفر لنا خطايانا، كما نغفر نحن للمسيئين إلينا:
المسيح يعلّم تلاميذه بعدما يطلبون الخبز الضرورى من الآب أن يطلبوا كأبناء ” اغفر لنا خطايانا ” . ويقول القديس كيرلس إنهم بعدما يسألونه غفران خطاياهم بعد ذلك يعترفون أنهم يغفرون للذين يسيئون إليهم، فنوال الغفران يستلزم الاعتراف أولاً بالخطايا أمام الله، ويقتبس قول إشعياء ” اعترف أولاً بتعدياتك لكى تتبرر ” (إش26:43س) ومزمور(5:32) ” قلت اعترف للرب بذنبى وأنت غفرت آثام خطيتى “.
فطريق الخلاص هو الإقرار بالذنوب وأن نطلب من الذى يبرر الأثيم قائلين ” اغفر لنا خطايانا “. ويقول القديس كيرلس إن الرب اهتم بأن يضيف بعد ” اغفر لنا خطايانا ” قوله [ إننا نحن أيضًا قد غفرنا لكل من أساء إلينا] لأن الذين يصلون هكذا يتحلُون بطول الأناة ويغفرون للمسيئين (لوقا ج3 عظة76 ص43،45ـ48).
ز ـ أبانا، لا تدخلنا فى تجربة:
الأبناء الذين يصلون للآب السماوى يعلّمهم الرب أن يختموا صلاتهم قائلين: ” ولا تدخلنا فى تجربة”. ويقول القديس كيرلس إن طلب عدم الدخول فى التجربة لا يعنى الجبن أو التكاسل، بل يعنى اعترافًا بخطورة التجارب التى يسوقها الشيطان، فيقول [ إن عنف التجربة قد يهز أحيانًا عقل أشد الناس شجاعة ]، ويحذر من الثقة فى النفس بزيادة بل [ يجب أن نعرف ضعف ذهننا ]، ويقول [ فلنصل أن لا نُجَرَّبْ .. ولكن إذا ما دعت الضرورة وأُلقينا فيها رغمًا عنان فلابد أن نبذل أقصى جهدنا ونصارع من أجل نفوسنا .. طالبين معونة الرب لنا ]. ويذكر نوعين من التجارب:
1 ـ تجارب تأتى من الهراطقة .
2 ـ تجارب الخطية .
ويقتبس (1بط19:4) ” الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعون أنفسهم لخالق أمين “، (1بط15:4) [ إن كان يتألم كمسيحى فلا يخجل بل يمجد الله ]، وأن الذين يحتملون هذه الآلام ينالون الأكاليل. ” جاهدت الجهاد الحسن .. وأخيرًا وُضع لى إكليل البر ” (2تى7:4). وعن تجارب الخطية يقتبس (يع13:1ـ15) ” كل واحد يُجرب إذا انجذب ينخدع من شهوته..“. وهناك أيضًا تجارب ” حب الربح المادى ” و” حب الاكتناز الخسيس “.
[ لذلك يليق بنا حسنًا نحن المُعَرَّضين لمثل هذه الشرور الخطيرة حتى إن لم نكن قد سقطنا فيها بعد، أن نصلى قائلين ” لا تدخلنا فى تجربة لكن نجنا من الشرير“]. والله الذى نحبه أكثر من أى شئ سوف يعيننا ويهبنا النصرة فهو مخلص الكل (أنظر لوقا جـ3 عظة 77 ص54،53،52،51،50).
3 ـ ينبغى أن يُصلى كل حين ولا يُمل (لو1:18ـ8):
وعن الصلاة كل حين بدون ملل فى مثل ” القاضى والأرملة ” يقول إن المسيح يعلمنا بواسطة هذا المثل ألاّ نكون متكاسلين فى الصلاة بل بالحرى أن نفرح لسبب الحرية التى منحها الله لنا فى الاقتراب منه، إذ يريدنا أن نتحدث معه كأبناء مع أبيهم، وأن هذا امتياز عظيم وكرامة حقيقية جديرة بأن نربحها . ويقول إن المسيح هو وسيط لنا فى الصلاة وهو يمنحنا مع الآب استجابة لكل توسلاتنا ويشير إلى وعد المسيح “ إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمى، اطلبوا تأخذوا ” (يو24:16)، ” لأنه هو وسيطنا وكفارتنا ومعزينا والواهب لكل ما نطلب … فمن واجبنا أن نصلى بلا انقطاع ” (1تس17:5).
ويقول إن الطلب ينبغى أن يكون بإيمان، ويقتبس (يع6:1،7). ويقول إنه إن كانت لجاجة المرأة المظلومة قد تغلبت على القاضى الظالم [ حتى أنصفها رغمًا عن إرادته فكيف، من يحب الرحمة ويبغض الإثم ويقدم المعونة دائمًا لمن يحبونه، كيف لا يقبل أولئك المتقدمين إليه نهارًا وليلاً ولا ينصفهم، إذ هم مختاروه ] (أنظر لوقا جـ4 عظة 119 على لوقا1:18ـ8 ص149،150).