الكلمة صار جسدا ( يوحنا 1 : 14 ) للقديس كيرلس الإسكندري
الكلمة صار جسدا ( يوحنا 1 : 14 ) للقديس كيرلس الإسكندري [1]
الآن يعلن الإنجيلى التجسد بشكل علنى، فهو يؤكد أن الابن الوحيد جاء، فهو يؤكد أن الابن الوحيد جاء، ودُعى ابن الإنسان. ولهذا السبب بالذات وليس لأجل أى شئ آخر يقول “الكلمة صار جسدا” ومعنى هذه الكلمات لا يزيد عن قوله ” الكلمة صار إنسانًا ” وتعبير الإنجيلى ” صار جسدًا ” ليس غريبًا ولا بعيدًا عن استعمال الأسفار الإلهية، لأنها غالبًا ما تسمى الإنسان كله “جسد” كما جاء فى النبى يوئيل ” سأسكب من روحى على كل جسد” (يوئيل28:2)
ونحن لا نعترض أن النبى يعلن أن الروح القدس قد أُعطى للجسد دون النفس، أو للجسد وحده، فهذا غير معقول بالمرة. ولكن لأننا ندرك الكل عن طريق الجزء يُسمى الإنسان جسدًا، وهذا صحيح. ولا يوجد ما يدعو إلى افتراض أن تسمية الإنسان جسد تعنى عدم وجود النفس، لكن لماذا يُسمى الإنسان جسدًا؟ هذا ما نحتاج شرحه.
الإنسان مخلوق عاقل، ومُركب، من النفس، ومن جسد ترابى قابل للفناء. وعندما خلق الله الإنسان، أتى به من العدم إلى الوجود، دون أن يكون فى طبيعة الإنسان عدم فساد أو عدم فناء (لأن هاتين الصفتين من صفات الله وحده). ولكن الإنسان خُتم بروح الحياة، أى الاشتراك فى اللاهوت فنال الإنسان بذلك الصلاح الذى يفوق الطبيعة الإنسانية، ولذلك قيل إن الله نفخ فى أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفسًا حية (تك7:2).
وعندما عوقب الإنسان على معصيته قيل له بالحق ” تراب أنت وإلى التراب تعود” (تك19:3). فتعرى من النعمة أى نسمة الحياة أى روح ذاك الذى يقول ” أنا هو الحياة ” ففارق الروح القدس الجسد الترابى وسقط للموت، أى موت الجسد وحده.
أما النفس فلم تفقد عدم الموت. لأنه عن الجسد وحده قيل ” تراب أنت وإلى التراب تعود“. ولذلك كانت الحاجة ماسة إلى أن الذى فينا والذى صار فى خطر دائم وتحول إلى الانحلال، أن يتجدد بقوة، وأن يتم نسجه من جديد بنسيج الحياة القادرة بطبيعتها على عدم الموت. وكانت الحاجة إلى رفع عقوبة ” تراب وإلى التراب تعود” أن يتحد الجسد بشكل فائق بالكلمة الذى يحيى الكل.
وعندما يصبح الجسد، جسد الكلمة، فإنه يشترك فى عدم الموت الخاص بالكلمة. ولأنه من غير المعقول بالمرة، أن النار التى لها قدرة وحرارة ذاتية على أن تحوّل الخشب إلى نار، تقف قدرتها ولا يمتد تأثيرها إلى الخشب، وهذا يعنى أننا نتمسك بأن الكلمة الذى هو فوق الكل قد أعطى الجسد من صلاحه أى الحياة، فلم يكتف بتجديد النفس فقط.
لذلك السبب بالذات اعتقد أن الإنجيلى القديس، كان يقصد الجانب الذى تأثر أكثر من غيره فى الإنسان، عندما قال “الكلمة صار جسدا”، لكى نرى فى وقت واحد، الجرح والدواء، المريض والطبيب، ذاك الذى سقط تحت قبضة الموت والذى يقيمه للحياة، ذاك الذى ساد عليه الفساد والذى طرد الفساد، ذاك الذى أمسك به الموت والذى هو أسمى من الموت، ذاك الذى له عدم الحياة وذاك الذى هو واهب الحياة.
ولم يقل الإنجيلى إن الكلمة جاء إلى الجسد مثلما فعل فى القديم عندما جاء إلى الأنبياء والقديسين، واشتركوا فيه وإنما ما يعنيه الإنجيلى، إنه صار جسدًا، أى صار إنسانًا ولكنه هو الله بالطبيعة وهو فى الجسد، وجعله جسده دون أن يفقد لاهوته.
فهذا هو اعتقادنا لأننا نعبده وهو فى الجسد حسب ما هو مكتوب فى إشعياء ” الرجال ذوو القامة سوف يأتون إليك ولك يكونون، سوف يأتون مقيدين بسلاسل وسوف يخرون أمامك ويتوسلون إليك، لأن الله فيك، ولا إله آخر سواك” (إش14:45س) وها هو يقول إن الله فيه، لأنه لا يفصل الكلمة عن الجسد، وأيضًا إنه لا يوجد إله آخر سواه. أى الذى اتحد بالجسد، هيكله الذى أخذه من العذراء لأنه مسيح واحد من الاثنين.
1 شرح إنجيل يوحنا، نصوص الآباء 22، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية بالقاهرة، القاهرة 1989، صفحات 129ـ132.
الكلمة صار جسدا ( يوحنا 1 : 14 ) للقديس كيرلس الإسكندري
- انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
- مختصر تاريخ ظهور النور المقدس
- هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!
- عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث
- عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث