Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

يوم الجمعة العظيمة ثمار ومعاناة – فيليب يانسي

يوم الجمعة العظيمة – فيليب يانسي

ثمار معاناة يوم الجمعة العظيمة – فيليب يانسي

يوم الجمعة العظيمة ثمار ومعاناة – فيليب يانسي

 

“في كل المآسي الدرامية القديمة، سواء التي عاشوها فعلاً أو التي مُثلت على المسرح، نكتشف نفس النموذج: البطل – سواء كان الإسكندر أو أوديب – يصل إلى القمة ثم يهبط ويموت. أما في مأساة يسوع نجد نموذجاً عكسياً: فالبطل يموت لكي يحيا ويقوم”.

توماس كاهيل

في بداية هذا الكتاب اخبرتكم عن صديق قال لي: “ليست لدي أية مشكلة في الإيمان بأن الله صالح. ولكن سؤالي هو: أي صلاح هذا؟ عندما أصرخ طلباً للمعونة، يصعب عليّ معرفة كيف يستجيب. في أي شيء يمكننا أن نعتمد على الله؟” وهذا السؤال يكمن في خلفية كل فصل وهو دافعي الحقيقي لكتابة هذا الكتاب. وفي كل العلاقات الشخصية الأخرى لدينا فكرة عما نتوقع ونستند عليه. ماذا عن الله؟

ووجدت لمحة للإجابة على السؤال في عبارة كتبها دالاس ويلارد، الذي يشتمل كتابه “المؤامرة السماوية” على هذه الكلمات: “لم يحدث أي شيء لنا لا يمكن فداؤه أو يمكن أن يحدث لنا مستقبلاً في طريقنا إلى الأبدية”. العالم حسن وصالح، العالم سقط، العالم يمكن فداؤه. ويؤكد ويلارد أن نفس هذه الخطة تنطبق ليس فقط على هذا الكون ككل ولكن على كل شخص من أتباع الله. لا شيء مما نواجهه خارج نطاق قوة الله للفداء.

وفي أسلوب الله الساخر، ما نعتقد أنه عيب قد يكون ميزة، وهذه هي حقيقة أكدها الرب يسوع في كل قصصه تقريباً وكل اتصالاته الإنسانية. فقد أنقذ السامري الصالح – ولم ينقذه القادة الدينيون – كمثل للرحمة. كما أنقذ المرأة السامرية، المرأة التي كان لها خمسة أزواج والسادس ليس زوجها.

وأشار إلى قائد المئة الوثني كنموذج للإيمان، وخلص جابي الضرائب الشره الذي يدعى زكا وجعله نموذجاً للكرم. وعندما قارب على ترك هذا العالم، ترك إرساليته إلى تلاميذه وهم مجموعة من الفلاحين غير المتعلمين يقودهم بطرس الخائن. وفي كل هذه الاختيارات كان يؤكد على سخرية الفداء.

وبعد تجربة الكثير من المحاولات الفاشلة للعلاج من شرب الخمر، فهم بيك ولسون سخرية الفداء. وتوصل إلى الاقتناع الأكيد بأن السكير يجب أن يُضرب بقوة لكي يرتفع لأعلى. وكتب لزملائه ما يلي: “إنه لامتياز عظيم لنا أن نفهم جيداً هذا التناقض السماوي الظاهري بأن القوة تنبع من الضعف، والذي يحدث قبل القيامة: والألم ليس هو فقط الثمن بل هو حجر الإنقاذ للولادة الروحية”.

وتستمر السخرية عبر الشفاء. ومع أن السكير قد يصلي في يأس لكي يتخلص مما هو فيه، فقليلون من السكيرين أو مدمنين آخرين يحدث لهم شفاء معجزي. ومعظمهم يناضلون ضد التجربة كل يوم في حياتهم. إنهم يختبرون النعمة ليس كجرعة سحرية بل كبلسان تظهر قوته كل يوم بالاتكال الواعي على الله.

يعيش كل إنسان على الأرض وله حالته المتفردة والخاص من الصعوبات: فقد يظل أعزباً بينما الزواج هو هدف دائم، أو يعاني من إعاقة جسدية، أو فقر إيذاء جسدي في طفولته، تفرقة عنصرية، مرض مزمن، تفكك عائلي، إدمان، طلاق، فإذا نظرت إلى الله كما يراه Zeus (كبير الآلهة لدى اليونان) يطلق الصواعق على البشر البائسين الذين على الأرض، فسوف أوجه كل غضبي وضيقي نحو الله لأنه السبب الرئيسي لكل متاعبي.

ومن الجانب الآخر، إذا تخيلت أن الله يعمل من وراء ستار على الأرض، وهو يدعونا من خلال كل ضعف أو عدم مقدرة، فسوف أهيئ إمكانية الفداء لذات الشيء الذي أكرهه كثيراً في حياتي.

“إن الخير والشر – بالمعنى الأخلاقي – لا يوجدان في الأشياء بل دائماً في الإنسان نفسه”. فالأشياء والأحداث سواء كانت طيبة أم رديئة، هي ببساطة كما هي، محايدة أخلاقياً. والمهم في الأمر كله هو أسلوب تفاعلنا معها. ونادراً ما  نسيطر أو نتحكم في الأحداث ولكن – مع أولئك الذين يساعدوننا – نحن مسؤولون عن ردود أفعالنا… فالأحداث قد تمنحنا الألم أو الفرح، ولكن نمونا يتوقف على استجابتنا الشخصية لكل منها بمشاعرنا الداخلية”.

هذا ما كتبه بول ترونر وكطبيب بشري عارض ترونر موضوع الألم والمعاناة وبذلك قصارى جهده ليقنع مرضاه بهذا ويخفف عنهم. وكمستشار، استفاد من ذلك، ووجهه برفق مرضاه نحو استجابة تقودهم لأن ينمو من خلال الألم والمرض.

وكتب ترونر كتاباً عنوانه “المعاناة المبدعة” لكي يكتشف ظاهرة جديدة سببت له الحيرة دائماً: إن معظم الناجحين نشأوا في عائلات غير سعيدة. وأجرى أحد زملاء الدارسة بحثاً في حياة القادة الذين كان لهم تأثير عظيم في تاريخ العالم واكتشف أن معظمهم – تضمنت قائمة الأسماء 300 اسماً ومن بينهم الاسكندر الأكبر، يوليوس قيصر، لويس الرابع عشر، جورج واشطن، نابليون، الملكة فيكتوريا – اشتركوا في أمر واحد: لقد كانوا يتامى.

وتحير ترونر، فهو الذي أمضى وقته في إلقاء المحاضرات عن أهمية الأب والأم وتعاونهما في إقامة البيئة الصالحة للأسرة، وجد أن كل هؤلاء القادة كانوا محرومين من الحنان العاطفي في الأسرة. وكيتيم، بدأ ترونر ينظر إلى الصعوبات لا كأمر يحاول التخلص منه بل بالحري كأمر يُهده ويقوده للفداء الذي يحول الشر إلى خير.

وفي كتابه “نفوس عظيمة” أجرى الصحفي ديفيد أكمان تقييماً للقرن العشرين بحثاً عن أفراد تمتعوا بقوة روحية وأخلاقية. وتوصل إلى ستة أشخاص هم: الأم تريزا التي عملت بين أكثر الناس فقراً ومعاناة، وألكسندر هنشتاين Alexander Solzhenitsyn مؤرخ، جولاج Gulag، إيلي ويسل الذي ظل حياً من محرقة اليهود، ونيلسون مانديلا الذي سجن لمدة 27 عاماً، والبابا يوحنا بولس الثاني الذي نشأ تحت حكم النازي والشيوعيين، والمبشر بيللي جراهام.

ومن بين الستة الذين ذكرتهم بيللي جراهام فقط هو – رجل عادي من الطبقة الوسطى. ومع ذلك فيعتبر هؤلاء الستة في قمة القادة الروحيين في القرن العشرين.

وبالرغم من أنه ليس لنا الحق في أن نفرض على الآخرين وصفات منهجية لكي يتغلبوا على المعاناة بنعمة الفداء، كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل شهادة أولئك الذين يصرون على هذا الحق. وأنا كصحفي شاهدت عن قرب قوة التحرر من الصعوبات. وأتذكر أنني التقيت جوني أريكسون عندما كانت في سن المراهقة، بعد عدة شهور من الحادث الذي تعرضت له، وكانت تتأمل في مستقبلها من خلال ضباب اليأس والارتباك.

كيف يمكنها أن تخدم الله وهي على كرسي متحرك ولا تستطيع حتى أن تطعم نفسها، أو ترتدي ملابسها بدون مساعدة آخرين؟ قالت لي: “أنت لا تستطيع أن تتخيل العار والذل الذي أنا فيه”. ما هو الخير الذي يمكن أن يأتي من هذه المأساة؟ والآن، بعد ثلاثين سنة من هذا الحادث، تتذكر جوني اليوم الذي كُسرت فيه عنقها وهي تقفز في مياه الخليج Chesapeake Bay وتدعو يوم الجمعة العظيمة كأفضل يوم في حياتها. لقد سمحت لله أن يعمل فيها ويفتديها ويحررها من هذا المأساة، لكي يخرج الخير من الشر.

وأتذكر أيضاً شخصاً يدعى سادان وهو أحد مرضى البرص بمستشفى الدكتور بول براند في الهند. إنه يشبه غاندي: نحيل، أصلع وضع ساقاً على الأخرى وهو مستلق على حافة السرير. أخبرن بعض القصص المؤلمة عن ماضيه وقال: “زملائي في المدرسة عذبوني، والسائق رفسني بحذائه خارج أتوبيس عام، كثيرون من أصحاب العمل رفضوا توظيفي بالرغم من موهبتي والتدريب الذي حصلت عليه وحتى المستشفيات طردتني بسبب مخاوف لا أساس لها.

ثم بدأ سادان يعدد العمليات الجراحية التي تعرض لها – تغيير أو نقل الوتر، إزالة عصب، بتر أطراف، عملية مياه بيضاء بالعين – وقام بها الدكتور براند وزوجته. واستمر يتحدث لمدة نصف ساعة يتحدث عن حياته التي هي عبارة عن كتالوج من المعاناة الإنسانية. ولكن ونحن نشرب آخر فنجان شاي بمنزله، قال سادان عبارته المدهشة: “يجب أن أقول أنني سعيد الآن أنني عانيت من هذا المرض”.

فسألته باندهاش: “سعيد!!؟”

أجاب: “نعم، لولا البرص لكنت إنساناً عادياً ولي عائلة عادية أسعى وراء الثروة والمركز في هذا المجتمع. ما كان بإمكاني معرفة مثل هؤلاء الناس المدهشين مثل الدكتور براند والدكتور مارجريت، وما كنت عرفت الله الذي يعيش فيهما”.

مثل أخير. في عام 1984 أصبت بحزن شديد عند سماعي بإصابة رونالدز برس بالسرطان، وهو من قادة كتّاب القصة في ولايات الجنوب، كما كتب في النقد الأدبي والتأملات الروحية. وبعد عشر سنوات قرأت الفقرة التالية في مذكراته عن مرضة والشلل الذي أُصيب به:

“نعم لقد حدثت الكارثة، بالنسبة لي هي لبرهة – ولكن في الواقع لمدة أربع سنوات. بالتأكيد هي كارثة، بعض أجزاء جسدي فُقدت تماماً من داخل ومن خارج. ولكن لو طلب مني عمل تقييم بأمانة لحياتي الحاضرة بجانب حياتي الماضية قبل إصابتي بالمرض – السنوات من 1933 (ميلاده) وحتى 1984 (إصابته بالمرض) والسنوات التي بعد ذلك، فإنني يجب أن أقول، بالرغم من الخمسين سنة المرحة من حياتي الأولى، فإن هذه السنوات الأخيرة التي أصبت فيها بالمرض هي أفضل بكثير إذ تمتعت فيها بالكثير من الحب والرعاية والمعرفة والصبر وأنجزت الكثير من العمل في وقت أقل”.

إن برس يمتدح المرض المرعب الذي قاده إلى نعمة الله المدهشة. وعلاقتنا مع الله لا تعطينا الوعد بأن نتحرر تماماً من الصعوبات التي تواجهنا ولكن باستخدامها لخيرنا بطريقة غير عادية.

في معظم المحاولات الإنسانية نحن نقدر قيمة “الأسلوب أو الطريقة” بالنظر إلى نتيجة المجهود الذي بُذل. فالباحث الذي يفشل في إيجاد “جين معين gene” بعد إجراء أبحاث لمدة ثلاثين سنة يشعر أنه أضاع وقته. والكيميائي الذي يجمع المركبات معاً لا يشعر بالنجاح الحقيقي إلى أن يستفيد شخص ما من هذا المركبات. وفوق الكل يريد الروائي أن تُنشر قصته. والمنقب عن المعادن يحفر بهدف واحد في ذهنه وهو: تحديد مكان الذهب.

أما العلاقات الإنسانية فلها أسلوب مختلف. وعندما أفكر في بعض أصدقائي فسأقول: “أعتقد أنني سأكون صديقاً مع تيم سكوت، رينر. ولنرى ما سيحدث، إنني أحتاج إلى خطة لتحقيق هدفي”. هذه الصداقات تنمو من حولي دون توقع “تيم” وسكوت” كانا زميلاي في الكلية و”رينر” كان يقيم معي في نفس الحجرة بالجامعة. أما في العلاقات “فالطريقة أو الأسلوب” ذاته هو الهدف. وتخلق الخبرات المشتركة الألفة، كما أن الأوقات الصعبة تقوي روابط العلاقة وتجعلها أكثر أماناً.

قال الرب يسوع: “أنا هو الطريق والحق والحياة”. الحق والحياة يمنحانا الدوافع للطريق، ومع ذلك ففي النهاية تأتي العلاقة والشركة مع الله، ومثل أية علاقة أخرى فهي تؤدي إلى “الطريق” ودعوتنا اليومية لله لأن يتدخل في تفاصيل وجودنا وحياتنا. وشبّه سورين كيركجارد بعض المؤمنين بطلبة المدارس الذين يريدون معرفة حل بعض المسائل الرياضية في نهاية الكتاب. إننا لا نستطيع تعلم حل المسائل الرياضية خطوة خطوة.

وفي كتاب سياحة المسيحي الذي كتبه جون بنيان يظهر لنا أنه عن طريق تتبع الطريق والتقدم فيه من خلال أفراحه وصعوباته ومنحنياته الصعبة استطاع السائح أن يصل إلى الوجهة التي يقصدها.

لدي صديق غير متزوج ويصلي بكل حماس لله لكي يقلل أو يُزيل قوته الجنسية. إنها تتسبب في سقوطه الدائم في التجربة كما يقول. ويدهشه الأدب الإباحي إذ حينما يقرأه يتسبب في سقوطه ويحطم حياته المكرسة. وبكل لطف أقول له إنني أشل في استجابة الله لصلاته كما يريد هو بإعادة تقويم مادة ومستوى التستوسترون. ولكن من الأفضل أن يتعلم الإخلاص والأمانة كما يتعلمها الآخرون ويتحكم في ذاته.

ولأي سبب من الأسباب، سمح الله لهذا العالم المكسور أن يبقى في حالة السقوط لفترة طويلة. وبالنسبة لنا نحن الذين نعيش في هذا العالم، يبدو أن الله يقيّم ويقدر شخصيتنا أكثر من راحتنا، مستخدماً نفس العناصر التي تسبب إزعاجنا كأدوات لتشكيلنا. إنها قصة قد كُتبت بنهاية نتلمسها بصعوبة. فإما أن نثق في مؤلف القصة أو أن نظل بمفردنا.

وفي حياتي الروحية الخاصة، أحاول أن أكون منفتحاً على حقائق جديدة، فلا أوجه اللوم إلى الله عندما لا تتحقق توقعاتي، بل أثق في أنه سيقودني من خلال فشلي نحو التجديد والنمو وإنني أثق تماماً في أن الآب يعرف الأفضل عن كيف يُدار هذا العالم. وعندما أفكري أزمنة العهد القديم، أرى أنني إذا أردت من الله أن يتعامل معي بطريقة علنية وصريحة فهذا لا يحقق النتائج التي أتوقعها. وعندما أرسل الله ابنه – بلا خطية مملوء نعمة وشفاء – قتلناه. إن الله يسمح بما لا يفضله هو لكي يحقق هدفاً أعظم.

كتب جون ميلتون في “الفردوس المفقود” عن آدم الذي رأى كل التاريخ الذي سيأتي. وأخيراً رفع رأسه من الذنب واليأس وغنى قائلاً:

يا له من صلاح غير محدود بل وهائل

إن الخير يخرج من الشر

والشر يتحول إلى خير أكثر ورحمة

من ذلك الذي خُلق في البداية

نور يخرج من الظلمة! وأقف وأنا مملوء بالشك،

هل أتوب عن خطاياي التي ارتكبتها، أم أفرح أكثر وأكثر للصلاح والخير الآتي….

“يا له من ذنب يجلب السعادة” إنها أغنية من لاهوت العصور الوسطى وما زالوا يرددونها في قداس يوم السبت المقدس. وهي ببساطة تعني، أننا بطريقة غامضة أصبحنا في حالة أفضل بكثير مما كان قبل “سقوط آدم”. والفصل الأخير من القصة – الفداء – حقق حالة أفضل جداً من الفصل الأول. وقد عبر عن ذلك أوغسطينوس: “لقد تصرف الله بحكمة فائقة إذ جلب لنا الصالح من الشر كما لو أننا لم نعان شراً على الإطلاق”. وسوف تُثبت النتيجة النهائية أن كل هذا يستحق الثمن الذي دُفع فيه:

وبالتأكيد نحن أفضل على الأقل من جانب واحد: نحن لنا المسيح، الذي في حياته وموته حقق للعالم كله نفس قصة الفداء التي وعد بها كل واحد منا على حدة. وقد ركزت على علاقتي مع الله من الناحية الإنسانية، وهي فقط التي أمتلكها. ومع ذلك، فأنا متنبه لحقيقة أنه يجب أن “نعرف الله معرفة شخصية” وكذلك الله يجب أن يعرفنا نحن. وفي الحقيقة، يجب على الله أن يسير في نفس الخطة. وتحدث المؤمنون من الكتّاب الأوائل عن المسيح كالذي “أعاد” ثانية الدراما الإنسانية.

ورأى الله ذلك أنه حسنٌ. هذا ما قاله الله في نهاية كل يوم في الخليقة. وحتى في حالة السقوط، رأي الله أن العالم (نحن) يستحق المجهود والتضحية والموت لإنقاذه. العالم سقط في الخطية. لقد وعد الله بأن يقضي على المعاناة والفقر والشر والموت. وسيلته لكي يحقق ذلك تتضمن أن يعاني من نفس تلك الأشياء في جرعات قوبية. ومع ذلك فالله قد لا يمنع صعوبات هذا العالم الحر والخطير ولا يحقق لهم مناعة شخصية منها. وعمداً وطواعية سلم ابن الله الرب يسوع المسيح لكل ما هو سيئ في هذا العالم الساقط.

ثمار معاناة يوم الجمعة العظيمة – فيليب يانسي

وأخيراً، يمكن لهذا العالم أن يُفتدى، وكان هذا هو الهدف الوحيد من مجيء المسيح إلى هذه الأرض. وفي قمة هذه السخرية، حول الله الشر إلى خير، وبدأ يعمل من خلال عنف الإنسان وكراهيته لكي يحقق الفداء. وعبر عن ذلك الرسول بولس: “الذي إذ جرد القوات والسلاطين من سلاحهم أشهرهم جهاراً منتصراً عليهم بالصليب”.

وتغير التاريخ للأبد كنتيجة لفداء المسيح. واتضحت خطة الله للعالم كله: وما على التاريخ إلا أن يكتب التفاصيل. ومرة أخرى يقول بولس: “إن كان الله معنا فمن علينا؟ الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا مع كل شيء؟ من سيفصلنا عن محبة المسيح؟”

واليوم، نحن نشير إلى اليوم الذي مات فيه المسيح “بالجمعة العظيمة” وليس “الجمعة الحزينة أو المظلمة” إذ بجلدته شُفينا.

بعد الدموع يأتي السكون:

الضوء البطيء والوقت الحزين الساكن،

المغسول، الفارغ والذي له طعم الملح،

انقضى كل هذا في انتظار بلا أمل

وبعد الليل يأتي الحمل:

كوكب الصبح المنير، ومعه الماء الحي

مجاناً، وكان هذا ثمرة معاناة يوم الجمعة.

ن. ت. رايت

تقوم زوجتي جانيت بقيادة اجتماع صغير في بيت رعاية للمسنين. وتحضره سيدة مريضة بالزهايمر تُدعى بيتسي وتجلس طوال الساعة وهي فترة الاجتماع. وهي سيدة نحيلة ذات شعر أبيض وعيون زرقاء وابتسامة جميلة. وفي كل أسبوع تعرف جانيت نفسها لهم، وكل أسبوع أيضاً تسألها بيتسي عن اسمها كما لو أنها لم ترها من قبل. وعندما يضحك أحد الحاضرين على طرفة ما يضحك بيتسي حتى وأن لم تفهم الطرفة. وطوال الوقت تجلس هادئة ناظرة إلى لا شيء مستمتعة بتغيير المناظر ولكنها لا تفهم شيئاً مما يدور حولها.

بعد بضعة أسابيع، علمت جانيت أن بيتسي لم يعد لديها القدرة على فهم ما تقرأه. وغالباً ما كانت تحمل معها بطاقة معايدة كانت ابنتها قد أرسلتها لها منذ عدة شهور وهي تحملها معها كما لو أنها وصلتها بالأمس. وهي لا تفهم ما تقرأ وقد تُعيد قراءة السطر مرة تلو الأخرى حتى يشجعها أحد على مواصلة القراءة. ولكن في أيام أخرى يمكنها أن تقرأ فقرة كاملة بصوت واضح وقوي. وبدأت جانيت تطلب منها قراءة ترنيمة كل أسبوع.

وفي أحد أيام الجمعة طلب منها الحضور أن تقرأ ترنيمة محفوظة منذ الطفولة عن الصليب. وبعدما قرأت السطر الأول توقفت وقالت “لا أستطيع الاستمرار. يا له من أمر محزن للغاية”. وتنهد أحد الحضور وحملق فيها أخرون. وطوال سنوات حضورها لهذا المكان لم تتمكن بيتسي ولو لمرة واحدة أن تفهم الكلمات التي تقولها. ولكن الآن في هذه المرة بدأت تفهم.

وهدأت جانيت من روعها وقالت لها: “هذا جميل، يا بيتسي، لا داعي لأن تقرأي أكثر من هذا إذا كنت لا تريدين ذلك”.

“نحن نعلم يوم الجمعة العظيمة الذي تتمسك به المسيحية بعمل الصليب. ولكن غير المسيحي والملحد يعرفه أيضاً. أي أنه يعرف عن الظلم والمعاناة والنهاية الوحشية الغامضة، والتي تكّون ليس فقط البعد التاريخي للحالة الإنسانية بل وأيضاً التكوين اليومي لحياتنا الشخصية ونعرف الألم الذي لا يمكن تجنبه، وفشل المحبة والوحدة التي هي تاريخنا ومصيرنا الخاص. ونعرف أيضاً يوم الأحد. هذا اليوم بالنسبة للمؤمن يعني نوعاً من الخصوصية والود الذي هو مؤكد ومشكوك فيه أيضاً، وهو واضح وفوق مستوى الفهم أيضاً، عن القيامة والعدل والمحبة التي هزمت الموت. وسمات يوم الأحد تحمل اسم الرجاء.

ولكن أيامنا هذه التي نعيشها هي رحلة اليوم الطويل…. يوم السبت.

جورج شتاينر

وبعد برهة بدأت القراءة ثانية ثم توقفت عند نفس السطور التي توقفت عندها من قبل. وبدأت الدموع تنساب على خديها وهي تقول: “لا أستطيع مواصلة القراءة. إنه لأمر محزن”. ولم تدرك أنها قالت نفس الكلمات من فترة وجيزة. وحاولت ثانية ولكنها صُدمت وحزنت لعدم قدرتها على القراءة.

وعندما قارب الاجتماع على النهاية تحرك الحضور من المسنين متجهين إما لغرفهم أو للكافتيريا. وتحركوا ببطء كما لو كانوا في كنيسة ناظرين إلى بيتسي بشيء من الخوف. وعندما حضر عمال المكان ليعيدوا ترتيبه توقفوا وحملقوا في بيتسي التي لم يروها من قبل في مثل هذه الحالة من الوعي واليقظة.

وأخيراً قادتها جانيت إلى المصعد لكي تعود إلى غرفتها. ولدهشتها بدأت بيتسي ترنم الترنيمة من ذاكرتها. وبدأت الدموع تنساب مرة أخرى ولكن في هذه المرة لم تتوقف بيتسي بل واصلت الترنيم وبقوة.

وفي مكان ما في هذا الذهن الممزق قد تضرب الخلية العصبية على شبكة اتصالات قديمة لكي تُحس المعاني في ذهن بيتسي. وفي ارتباكها هذا ظهر أمران: المعاناة والخجل.

وهاتان الكلمتان تلخصان حالة الإنسانية نفسها، الحالة التي تعيش فيها كل يوم من حياتها الحزينة. ومن يعاني من أكثر مما تعانيه بيتسي؟ وبالنسبة لها، أجابت الترنيمة على هذا السؤال إنه يسوع.

وتنتهي الترنيمة وتنتهي القصة المسيحية بالوعد أن الفداء سيتم يوماً ما، والله سوف يثبت نفسه بقوة لإعادة الخلق وأن معرفة الله الشخصية سوف تكون مؤكدة بأقوى علاقة نعرفها على الأرض. “لأننا الآن ننظر في مرآة، ولكن عندئذ وجهاً لوجه، الآن أعرف بعض المعرفة ولكن عندئذ سأعرف كما عرفت”.

وتنتهي القصة المسيحية بالوعد أن بيتسي سوف تحصل يوماً ما على عقل جديد يتذكر المعاناة والخجل كشيء من الماضي. ولمن هم على شاكلة بيتسي، تبدو أيام السبت يوم رحلة طويلاً وهم يحملون حملاً ثقيلاً. وقد يقدم يوم الجمعة العظيمة نوعاً من الصحبة و الزمالة. ومع ذلك فإن تذكر المعاناة والخجل وذهناً قد تغطيه سحلة من عدم الفهم، فوعد يوم الأحد يبدو غائماً وغير قريب. ولكنه حقيقي.

يوم الجمعة العظيمة ثمار ومعاناة – فيليب يانسي

Exit mobile version