أبحاث

كل هذا لأجلى – القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات

كل هذا لأجلى – القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات [1]

كل هذا لأجلى - القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات
كل هذا لأجلى – القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات

كل هذا لأجلى – القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات

 

ذلك هو كلمة الله ذاته ـ  الأبدى الذي هو قبل كل الدهور، وهو غير المنظور، غير المفحوص وغير الجسدى، البدء الذي من البدء، النور الذي من النور، مصدر الحياة والخلود، صورة الجمال الأصلى الأول، الختم الذي لا يزول، الصورة التي لا تتغير، كلمة الآب وإعلانه[2]، هذا أتى إلى صورته[3]، وأخذ جسدًا لأجل جسدنا، ووحَّد ذاته بنفس عاقلة لأجل نفسى لكى يطّهر الشبه بواسطة شبهه، وصار إنسانًا مثلنا في كل شئ ماعدا الخطية إذ وُلد من العذراء التي طُهّرت أولاً نفسًا وجسدًا، بالروح القدس (لأنه كان يجب أن تُكرم ولادة البنين وأيضًا أن تنال العذراوية كرامة أعظم)، وهكذا حتى بعد أن اتخذ جسدًا ظل إلهًا، إذ هو شخص واحد من الاثنين، يا له من اتحاد عجيب، الكائن بذاته يأتى إلى الوجود، غير المخلوق يُخلق[4]، غير المحوى يُحوى بواسطة نفس عاقلة تتوسط بين الألوهة والجسد المادى.

ذاك الذي يمنح الغنى يصير فقيرًا، فقد أخذ على نفسه فقر جسدى، لكى آخذ غنى ألوهيته. ذاك الذي هو ملئ يخلى نفسه، لأنه أخلى نفسه من مجده لفترة قصيرة، ليكون لى نصيب في ملئه. أى صلاح هذا؟! وأى سر يحيط بى؟! اشتركت في الصورة؛ ولم أصنها، فاشترك في جسدى لكى يخلّص الصورة ولكى يجعل الجسد عديم الموت. هو يدخل في شركة ثانية معى أعجب كثيرًا من الأولى، وبقدر ما أعطى حينئذ الطبيعة الأفضل، فهو الآن يشترك في الأسوأ[5]. هذا العمل الأخير (التجسد) يليق بالله أكثر من الأول (الخلق)، وهو سامى جدًا في نظر الفاهمين.

 

هل تنظر إليه على أنه صغير بسبب أنه اتضع لأجلك؟ وهل تعتبره صغيرًا لأنه هو الراعى الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو11:10)، والذي أتى ليطلب الخروف الذي ضلّ فوق التلال والجبال والتي كانت تقدم فيها ذبائح لآلهة غريبة، وعندما وجده، حمله على منكبيه ـ اللتين حمل عليهما خشبة الصليب، وأعاده إلى الحياة الأسمى، وعندما أعاده حَسبَه مع أولئك الذين لم يضلوا أبدًا؟ هل تحتقره لأنه أضاء سراجًا الذي هو جسده، وكنس البيت، مطهرًا العالم من الخطية، وفتش عن الدرهم، أى الصورة الملكية التي دُفنت وغطتها الشهوات.

وجمّع الملائكة أصدقاءه؛ عندما وجد الدرهم جعلهم شركاء في فرحه والذين جعلهم أيضًا مشاركين في سر التجسد؟ فبعد سراج السابق الذي أعّد الطريق، يأتى النور الذي يفوقه في البريق، وبعد “الصوت” أتى “الكلمة” وبعد صديق العريس جاء العريس، صديق العريس الذي أعدَّ الطريق للرب شعبًا مختارًا، مطهرًا إياهم بالماء ليجهزهم للروح القدس؟ هل تلوم الله على كل هذا؟ هل على هذا الأساس تعتبره وضيعًا لأنه شدَّ الحزام على وسطه وغسل أرجل تلاميذه (يو4:13)، وأظهر أن التواضع هو أفضل طريق للرفعة؟

لقد اتضع لأجل النفس التي انحنت إلى الحضيض لكى يرفعها معه، تلك النفس التي كانت تترنح لتسقط تحت ثقل الخطية؟ كيف لا تتهمه أيضًا بجرم الأكل مع العشارين وعلى موائد العشارين (انظر لو27:5)، وأنه يتخذ تلاميذ من العشارين، لكى يربح… وماذا يربح؟ خلاص الخطاة. وإن كان الأمر هكذا، فيجب أن نلوم الطبيب بسبب أنه ينحنى على الجروح ويحتمل الرائحة النتنة لكى يعطى الصحة للمرضى، أو هل نلوم ذاك الذي من رحمته ينحنى لكى ينقذ حيوانًا سقط في حفرة كما يقول الناموس (انظر تث40:22، لو5:14).

المسيح أُرسل، لكنه أُرسل كإنسان لأنه من طبيعة مزدوجة[6]. لأنه شعر بالتعب وجاع وعطش وتألم وبكى حسب طبيعة كائن له جسد. وإذا استعمل تعبير “أُرسل” عنه، فمعناه أن مسرة الآب الصالحة يجب أن تعتبر إرسالاً، فهو يرجع كل ما يختص بنفسه إلى هذه الإرسالية، وذلك لكى يكرم المبدأ الأزلى وأيضًا لأنه لا ينبغى أن يُنظر إليه على أنه مضاد لله.

فقد كتب عنه أنه سُلم بخيانة وأيضًا سلّم ذاته، وأيضًا كتب عنه أنه أُقيم بواسطة الآب وأنه أُصعد، ومن جهة أخرى أنه أيضًا أقام ذاته وصعد. فما ذكر أولاً في كل عبارة فهو من إرادة الآب (أنه سُلِّم وأنه أُقيم)، أما الجزء الثانى من كل عبارة فيشير إلى قوته هو. فهل تفكر في الأمور الأولى التي تجعله يبدو وضيعًا، أما الثانية التي ترّفعه فأنت تتغافل عنها. وتضع في حسابك أنه تألم، ولا تحسب أن هذا الألم تم بإرادته…

 

كل هذا لأجلى:

بعد قليل سوف ترى يسوع ينزل ليتطهر في الأردن (مت17:3) لأجل تطهيرى أنا، أو بالحرى ليقدس المياه بطهارته (لأنه لم يكن في احتياج إلى التطهير ذاك الذي يرفع خطية العالم). وانشقت السماوات، وشهد له الروح الذي من نفس الطبيعة الواحدة معه؛ وسنراه يُجرب وينتصر على التجارب ويُخدم من الملائكة (انظر مت1:4ـ11)، ويشفى كل مرض وكل ضعف (مت23:4)، ويمنح الحياة للأموات (وليته يهبك الحياة أنت الذي مُتَّ بسبب هرطقتك)، ويطرد الشياطين (مت33:9) أحيانًا بنفسه وأحيانًا أخرى بواسطة تلاميذه.

ويُطعم بخبزات قليلة آلاف من البشر (مت14:14)، ويمشى على البحر كأرض جافة (مت25:14)، ويُسلّم ويُصلب صالبًا خطيتى معه، وقُدِّم ذبيحة كحمل، وأيضًا قدَّم ذاته ككاهن يقدم ذبيحة، ودُفن كإنسان وقام ثانية كإله، ثم صعد إلى السموات لكى يعود ثانية في مجده. كم من الأعياد توجد لأجلى في كل سر من أسرار المسيح! وغاية كل هذه الأسرار تجديدى وتكميلى أنا، لكى أرجع إلى حالة آدم الأولى.

إذًا، أرجوكم اقبلوا حمله في داخلكم (كما حملته العذراء في بطنها)، واقفزوا فرحًا أمامه إن لم يكن مثل يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه (لو1:1)، فعلى الأقل مثل داود أمام تابوت العهد (2صم 14:6). وعليك أن تحترم الاكتتاب الذي بسببه كُتبت أنت في السموات. واسجد للميلاد (لو1:2ـ5) الذي بواسطته فُككت من ولادتك الجسدية. وأكرِم بيت لحم الصغرى التي أرجعتك مرة أخرى إلى الفردوس. واسجد لطفل المزود الذي به تغذيت باللوغوس (الكلمة) بعدما كنت ضالاً.

اعرف قانيك كما يعرف الثور قانيه، والحمار معلف صاحبه، حسب قول إشعياء (3:1)، ذلك إن كنت من الطاهرين الذين يكرمون الناموس وينشغلون بترديد أقواله باجترار، واللائقين للذبائح. أما إن كنت من أولئك الذين لا يزالون نجسين ولم يكن يحق لهم أن يأكلوا من المقدسات، وغير لائقين لتقديم الذبائح، وهم من الأمم الوثنيين، فاسرع مع النجم وقدِّم هدايا مع المجوس ذهبًا ولبانًا ومرًا كما لملك وإله، ولواحد قد مات لأجلك.

مجّده مع الرعاة، وسبحه مع خورس الملائكة، ورتل تسابيحك مع رؤساء الملائكة. فليكن هذا الاحتفال مشتركًا بين القوات السماوية والقوات الأرضية. لأننى أؤمن أن الأجناد السماوية يشتركون في التمجيد معنا، ويحتفلون بالعيد العظيم معنا اليوم، لأنهم يحبون البشر ويحبون الله، كما كتب داود عن أمثال هؤلاء الذين صعدوا مع المسيح بعد آلامه لكى يستقبلوه وهم ينادون أحدهم الآخر ان يرفعوا الأبواب الدهرية (مز7:24ـ9).

 

بيت لحم والصليب والقيامة:

هناك أمر واحد فقط مرتبط بمناسبة ميلاد المسيح، أريدكم أن تبغضوه، ألا وهو قتل الأطفال على يد هيرودس، أو بالحرى يجب أن تكرموا أيضًا، هؤلاء الذين ذُبحوا وهم من نفس عمر المسيح، هؤلاء صاروا ذبيحة قُدمت قبل الذبيحة الجديدة (أى الصليب).

 

كن ملازمًا للمسيح:

عندما يهرب إلى مصر اهرب أنت معه؛ ورافقه فرحًا في المنفى. إنه عمل عظيم أن تشترك مع المسيح المضطهد. وإن أبطأ كثيرًا في مصر فادعوه من هناك بتقديم عبادة خاشعة له هناك. اتبع المسيح بلا لوم في كل مراحل حياته وكل صفاته. تطَّهر واختَتِن؛ انزع البرقع الذي كان يغطيك منذ ولادتك. بعد ذلك علّم في الهيكل واطرد التجار من هيكل الله، اسمح لهم أن يرجموك لو لزم الأمر، فإنى أعرف جيدًا أنك سوف تفلت من بين هؤلاء الذين يرجموك مثل الله (انظر يو59:8). لأن الكلمة لا يُرجم. إن جاءوا بك إلى هيرودس لا تعطيه إجابة عن أغلب أسئلته؛ فسوف يحترم صمتك أكثر من احترامه لأحاديث الشعب الكثيرة.

إذا جلدوك اطلب منهم أن يتمموا كل الجلدات. ذُق المر واشرب الخل؛ واطلب أن يبصقوا على وجهك؛ اقبل منهم اللطمات والشتائم، وتوَّج رأسك بإكليل الشوك، أى بأشواك حياة التقوى. البس ثوب الأرجوان وأمسك القصبة في يدك، واقبل السجود بسخرية من أولئك الذين يسخرون من الحق؛ أخيرًا فلتُصلب مع المسيح واشترك في موته ودفنه بفرح لكى تقوم معه وتتمجد معه وتملك معه. انظر إلى الله العظيم الذي يُسجد له ويمجد في ثالوث، ودعه ينظر إليك وليته يظهر الآن بوضوح أمامك، بقدر ما تسمح قيود الجسد، بيسوع المسيح ربنا الذي له المجد من الآن وإلى الأبد آمين.

 

[1] عن كتاب “ثيئوفانيا: ميلاد المسيح” للقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات، ترجمة د. جورج عوض، ود. نصحى عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسى للدراسات الآبائية، ديسمبر 2003م.

[2] انظر القداس الغريغورى الذي يخاطب المسيح الكلمة بقوله “الذي لا ينطق به، غير المرئى، غير المحوى، غير المبتدئ، الأبدى، غير الزمنى، الذي لا يُحد، غير المفحوص، غير المستحيل (أى غير المتغير)”. وهذا يوضح أن القداس هو من وضع القديس غريغوريوس نفسه الذي تفوه بهذه العظة وغيرها من الخطب والعظات المعروفة باسمه.

[3] أى إلى الإنسان الذي خلق على صورته.

[4] بناسوت خلقه هو فى أحشاء العذراء.

[5] فى الخلق خلق الله الإنسان “على صورة الله”، بينما في التجسد أخذ الجسد: “أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له”.

[6] طبعًا من جهة طبيعته التي فيها اللاهوت متحد بالناسوت.

انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

 

كل هذا لأجلى – القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات