Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

ألقاب المسيح ”المعلّم” في البشائر الأربعة وملاحظات على الترجمة العربية للكتاب المقدس

ألقاب المسيح ”المعلّم” في البشائر الأربعة

διδάσκαλος ἐπιστάτης καθηγητής وملاحظات على الترجمة العربية للكتاب المقدس

ألقاب المسيح ”المعلّم” في البشائر الأربعة διδάσκαλος ἐπιστάτης καθηγητής وملاحظات على الترجمة العربية للكتاب المقدس

ألقاب المسيح ”المعلّم” في البشائر الأربعة διδάσκαλος ἐπιστάτης καθηγητής وملاحظات على الترجمة العربية للكتاب المقدس

سامح فاروق حنين [1]

 

لقد نالت شهرة المسيح كمعلّم الإحترام والتقدير من الجميع حتى أطلقوا عليه كلمة “رابي” ῥαββί أو “ربوني” ῥαββουνί [2] و ῥαββούνι وذلك من تلاميذه (مر9: 5، 11: 21، يو1: 49)، ومن سامعيه (مر12: 14، يو3: 2)، بل ومن أعدائه (لو10: 25، 11: 45، 19: 39، 20: 28). وقد تقبّل المسيح هذا اللقب باعتباره معبِّراً عن موقعه منهم كالمعلم وهم التلاميذ (يو3: 13، لو6: 40، مت10: 24, 25).

وإن كانت الكلمة الأرامية “رابي” أو “ربوني” تقابل في اللغة العربية كلمة “معلّم” إلا أنه عند تدوين الكتاب المقدس باللغة اليونانية استخدم البشيرون الأربعة مفردات مختلفة لهاتين الكلمتين، حيث وردت في البشائر الأربعة بالكلمة اليونانية الشائعة والأكثر استخدامًا وهى διδάσκαλος (ديداسكالوس)، على حين تفرّد القديس لوقا عن بقية الإنجيليين باستخدام كلمة ἐπιστάτης (إبيستاتيس) والقديس متى بكلمة καθηγητής (كاثيغيتيس). والسبب في عدم وضوح الفرق بين الألقاب الثلاثة يرجع إلى الترجمة العربية للكتاب المقدس، التي، لأسباب غير معروفة أو لأغراض خفية، لم تفرق بين المعاني المختلفة لكلمة “معلّم”.

 

1. الترجمة العربية للكتاب المقدس

في يناير1847م قرّرت لجنة المرسلين الأمريكية ببيروت القيام بترجمة الكتاب المقدس كله من اللغتين العبرية واليونانية، وطلبت من الدكتور القس عالي سميث المرسل الأمريكي أن يكرّسَ وقته لهذا العمل الجليل. فشرع الدكتور عالي سميث في العمل بمعاونة المعلم بطرس البستاني والشيخ نصيف اليازجي اللبناني. وكان المعلّم بطرس البستاني ضليعًا في اللغتين العربية والعبرية، كما كان الشيخ نصيف اليازجي نحويًا قديرًا.

وفي يناير1857م تنيح الدكتور القس سميث، وكان قد أتم ترجمة أسفار موسى الخمسة والعهد الجديد وأجزاء متفرقة من كتب الأنبياء، فواصل العملَ بعده الدكتور كرنيليوس فان دايك، وكان طبيبًا وعالمًا في اللغات (كان يتقن عشر لغات، خمسًا قديمة وخمسًا حديثة) وكان وقتئذ في التاسعة والعشرين من العمر، فراجع كلَ ما ترجمة الدكتور سميث والمعلّم بطرس البستاني مراجعة دقيقة، يعاونه في ضبط الترجمة الشيخ يوسف الأسير الأزهري.

وقد فرغ من ترجمة العهد الجديد في مارس 1860م، ومن ترجمة العهد القديم في 22 أغسطس 1864م وتم طبعها جميعها في 29 مارس 1865م. وقد تمت ترجمة العهد الجديد والعهد القديم عن أدق النصوص اليونانية والعبرية وقد أصدرت دار الكتاب المقدس بالقاهرة نسخة منقحة منها ومعنونة للأناجيل الثلاثة الأول كل منها على حدة في 1986م[3].

 

2. المسيح ”المعلّم” διδάσκαλος

كانت خدمة الرب يسوع المسيح، في أثناء حياته على الأرض، هي خدمة التعليم، سواء للجموع التي احتشدت حوله، أو لتلاميذه، سواء في مجامع اليهود أو الأماكن العامة، أو على مسامع القادة الدينيين (لو5: 17). وكان تأثيرُ يسوع بالغاً على سامعيه حتى بهتوا من تعليمه، “لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة” (مت7 :29، انظر أيضًا لو4 :32). وقد أكد الرب يسوع أنه يتكلّم بما علّمه الآب (يو8 :28)، وأن تعليمه ليس له بل من الآب (يو7 : 16 و17). وكان كثيرًا ما يتكلّم بأمثال (مر4 : 2).

والكلمة اليونانية الأكثرُ استخدامًا في كتب العهد الجديد هى διδάσκαλος (وردت 58 مرة) حيث كانت ُتطلق على كل من يمارس مهنة التعليم. والكلمة مشتقة من الفعل اليوناني διδάσκω الذي يعنى “يعلّم”. وكانت ُتطلق أيضا، في النصوص اليونانية القديمة، على الشعراء المسرحيين باعتبار أنهم كانوا يلّقنون كلَ ممثل دورَه الذي يقوم به[4]. وكان لقب معلّم، في العهد الجديد، ُيطلق على كل من وضعَ عليه الربُ مسئولية التعليم في الكنيسة كما يشهد بذلك سفر الأعمال عن المعلّمين الذين كانوا في مدينة أنطاكية (أع1:13). ويذكر الرسول بولس مرارًا أن الرب جعله ” كارزًا ورسولاً … معلمًا للأمم في الإيمان والحق ” (1تي2: 7، 2تي1: 11)، كما يبيّن هدفه من الكرازة بالمسيح بالقول: “منذرين كل إنسان ومعلمين كل إنسان بكل حكمة، لكي نحضر كل إنسان كاملاً في المسيح يسوع” (كو1: 28).

 

3. المسيح ”المعلّم” ἐπιστάτης

وردت في انجيل القديس لوقا فقط كلمة ἐπιστάτης وقد ُترجمت إلى اللغة العربية بكلمة “معلّم”. وُيعتبر القديس لوقا هو الوحيد الذي استخدم هذه الكلمة حيث وردت في إنجيله 7 مرات في المواضع التالية:

1ـ (لو5:5) “فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ لَهُ: يَا مُعَلِّمُἐπιστάτα [5] قَدْ تَعِبْنَا الَّليْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَة”َ.

2ـ (لو8: 24) “فَتَقَدَّمُوا وَأَيْقَظُوهُ قَائِلِينَ: يَا مُعَلِّمُ ἐπιστάτα، يَا مُعَلِّمُ ἐπιστάτα[6]، إِنَّنَا نَهْلِكُ! فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَتَمَوُّجَ الْمَاءِ، فَانْتَهَيَا وَصَارَ هُدُوٌّ”.

3ـ (لو8: 45) “فَقَالَ يَسُوعُ: مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي! وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يُنْكِرُونَ، قَالَ بُطْرُسُ وَالَّذِينَ مَعَهُ: يَا مُعَلِّمُ ἐπιστάτα، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَقُولُ مَنِ الَّذِي لَمَسَنِي!”.

4ـ (لو9: 49) “فَأَجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: يَا مُعَلِّمُ ἐπιστάτα، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِكَ فَمَنَعْنَاهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُ مَعَنَا”.

5ـ (لو17: 13) “وَرَفَعُوا صَوْتاً قَائِلِينَ: يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ ἐπιστάτα، ارْحَمْنَا”.

والكلمة اليونانية “إبيستاتيس”، كما أشرنا، ُترجمت إلى اللغة العربية في نسخة بيروت بكلمة “معلّم”. ولمعرفة المعنى الدقيق للكلمة “إبيستاتيس” يجدر مراجعتها في النصوص اليونانية القديمة على مر العصور.

طبقـًا لمعجم Liddell & Scott الكلمة مشتقة من الفعل اليوناني ἐφίσταμαι أو ἐφίστημι بمعنى يقف على (الأمور) بمعنى يشرف أو يراعى، وإذا وردت في النصوص الحربية فإنها تعنى مَـنْ ينظّم صفوف المقاتلين، أو راكب عربة سباق الخيل، وأحيانـًا ترد بمعنى قائد أو رئيس أو مدرّب. وكانت تستخدم قديمًا في مدينة أثينا كلقب ُيطلق على رئيسي مجلس الشعب ومجلس الشورى، ووردت أيضا بمعنى مراقب، ناظر، مباشر، ملاحظ أو مشرف على الأشغال العامة[7]. والفارق بينها وبين كلمة διδάσκαλος هو أن:

Did£skaloj lÒgwn kaˆ ¢retÁj, ™pist£thj d œrgwn[8].

“المعلم (ديداسكالوس) هو معلم الكلام والذفضيلة، أما (إبيستاتيس) فهو معلم الأشغال”.

و(إبيستاتيس) كانت ُتطلق أيضـًا على القائد أو الدليل أو المرشد:

Mag…ster: Did£skale, ™pist£ta. Lšgetai d kaˆ ÐdhgÒj[9].

طبقـًا لمعجم سوفوكليس للغة اليونانية في الفترة من 146 ق. م. حتى 1100 م. كانت الكلمة ἐπιστάτης ُتستخدم للإشارة إلى رئيس الدير (الربيتة)، وفي المجال الحربي كانت تعنى ثاني رجل في رتبة الجنود[10]. أى أن الكلمة عندما كانت ُتستخدم في النصوص اليونانية القديمة كان ُيقصد بها شخصٌ ذو مكانة اجتماعية عالية كسيد أو مولى[11]، وخاصة في أعمال الإشراف والإرشاد. أما في اللغة اليونانية الحديثة فمعنى الكلمة ἐπιστάτης لم يتغير كثيرًا، وتعنى من يقف على شئ أو من يهتم بـ[12]. ويتضّح من استخدام القديس لوقا لهذه الكلمة أن:

1ـ الكلمة وردت في حالة المنادى فقط.

2ـ الكلمة وردت على لسان التلاميذ فقط، أى من الدائرة الضيّقة جدًا المحيطة بالمسيح التي كانت تتخذه معلمـًا ومرشدًا.

والثابت تاريخيًا هو أن المسيح والتلاميذ كانوا يتكلّمون اللغة الأرامية (السريانية أو السريانية الفلسطينية)[13] والتي كانت هى واللغة اليونانية[14] لغتي الحديث اليومي[15] في فلسطين خلال القرن الأول الميلادي[16]، سحابة الجيل الأول الرسولى وما سبقته من أجيال اليهودية حتى المئة الخامسة قبل المسيح[17]. ولكن لأن القديس لوقا البشير، كان يوجه حديثه وإنجيله إلى الأمم رأى أنه من الأنسب أن يستخدم كلمة أخرى غير كلمة “رابى” أو “رابان” التي ربما لا تكون مفهومة جيدًا عند الأمم فاستخدم لذلك كلمة “إبيستاتيس”[18].

وهناك رأى أخر يرى أن القديس لوقا البشير لحسه اللغوي المرهف وامتلاكه ناصية اللغة اليونانية كأحد أبناءها، عند تدوينه إنجيله باللغة اليونانية رأى أن مخاطبة التلاميذ للمسيح لابد أن تختلف عن مخاطبة الجموع له ولذا استخدم هذه الكلمة ἐπιστάτης لتعطى مدلولاً أكثر من مدلول كلمة “معلّم” قاصدًا بذلك أن يخلع على شخص المسيح ُبعدًا آخر وهو أن المسيح، وإن كان عند الجموع بمختلف مستوياتها (جنود، رؤساء الشعب، كتبة، فريسيين الخ) بمثابة مجرد معلم، إلا أنه بالنسبة للتلاميذ فهو معلّمٌ ومرشدٌ وقائدٌ ومشرفٌ. ولذا رأى لوقا أن يجمع كل هذه المعاني في كلمة واحدة وهى ἐπιστάτης. فالتلاميذ كانوا ينصتون جيدًا لكلام المسيح المعلّم، وباستعداد القلب كانوا يطيعون أوامرَه كمرشد[19].

وثمة رأى آخر يرى أن كون القديس لوقا هو الوحيد دون البشيرين الذي خصّ المسيح بهذا اللقب إلاّ أن الأمر لم يمنع من إطلاق لقب معلّم διδάσκαλος على المسيح حيث وردت كلمة διδάσκαλος في إنجيل القديس لوقا سبعة عشر مرة، ستة عشر مرة منها على لسان الجموع، ومرّة واحدة على لسان التلاميذ. في المرة الواحدة التي خاطب فيها التلاميذ ُالمسيحَ مستخدمين كلمة διδάσκαλος كانت عندما سألوه عن علامات انقضاء العالم وخراب أورشليم (متى3:24)، والسبب هو أن التلاميذ هنا في موقف َمنْ يحتاج إلى أن َيعلم أو يتعلّم شيئًا عن نهاية العالم، ففي هذه الحالة المسيح معلم.

وثمة استثناء آخر في إنجيل لوقا وهو استخدامه لكلمة ἐπιστάτης على ألسنة أناس خارج دائرة التلاميذ وذلك في حادثة شفاء العشرة رجال البرص (لو13:17، 14)، حيث يروى القديس لوقا قائلا “وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعُوا صَوْتاً قَائِلِينَ: يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ ἐπιστάτα، ارْحَمْنَا”. فكل الذين يطلبون معونة من يسوع يجب أن يؤمنوا به سيدًا ومعلّمًا. أما لمن يطلبون الخلاص فيسوع مخلّصٌ وفادٍ[20] ولأن الموقف هنا ليس موقف تعليم بل تضرع وطلب معونة (شفاء) من مرض كان يقتضى العزل أو الإقصاء عن المجتمع ويجعل كلَ من ُيصاب به لا يقترب من الأصحاء (لا 46:13). وقد اعتبر الآباءُ البرص رمزًا للهرطقة أكثر منه رمزًا للخطايا الأدبية ولذا فالمسيح هنا مرشد إلى الشفاء.

 

4. المسيح ”المعلّم” καθηγητής

الكلمة مشتقة من الفعل اليوناني καθηγέομαι وتعنى “أقود إلى” أو “أهدى أو أرشد إلى”. وقد وردت ثلاث مرات فقط في العهد الجديد وذلك في إنجيل القديس متى “وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ [21]καθηγηταί لأَنَّ καθηγητήςمُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ” (مت10:23). وطبقـًا لمعجم Liddell & Scott[22] ترد الكلمة في النصوص اليونانية القديمة بمعنى “قائد ومرشد”، وُتستخدم الآن بمعنى “أستاذ في المؤسسات التعليمية العليا: جامعة أو معهد عالي”. والكلمة لا تعنى فقط التعليم الذي يقومُ على التلقين ويتناسب وسنَ الصغار بل على مستوى عالٍ من القيادة والإرشاد. ولأن المسيح يغار على مجده، وله وحده القيادةُ والإرشاد في الكنيسة، وهو وحده معلّمُ الصلاح والكلمة والنور والحق الذي ينير كل حيّ، فقد نهى المسيح تلاميذه عن أن يكونوا قادةً باعتبار أنه هو الوحيد المخلّص والفادي الذي يتكلّم بروحه في قلوب الجميع[23].

فالرب يسوع المسيح القائم من الأموات ” أعطى البعضَ أن يكونوا رسلاً والبعضَ أنبياءَ والبعضَ مبشرين والبعضَ رعاةً ومعلّمين لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح” أي الكنيسة (أف4: 11، 12).

والله، حسب قول بولس الرسول، هو الذي وضع المعلّمين في الكنيسة ” أولاً رسلاً، ثانيًا أنبياءَ، ثالثـًا معلمين” (1كو28:12)، (أف11:4)، والمسيحُ يسوعُ أرسلَ، أثناء خدمته على الأرض، تلاميذَه ليعلموا الشعبَ (مر6: 30)، وبعد قيامته من الأموات، أمرهم أن يذهبوا ويتلمذوا جميعَ الأمم ويعلّموهم أن يحفظوا جميعَ ما أوصاهم به (مت 28: 19، 20)، وبعد يوم الخمسين، بدأ الرسلُ في تعليم الشعب والكرازة لهم بقيامة يسوع من الأموات (أع 4: 2).

وقد أمرَ رؤساءُ اليهود الرسولين بطرسَ ويوحنا ” ألا يعلما باسم يسوع ” (أع 4: 18)، ولكنهما واصلا كرازتهما حتى في الهيكل نفسه (أع 5: 21 و24 و25). ورغم التهديد الشديد، واصل الرسلُ كرازتهم “في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح (أع 5: 42) حتى ملأوا أورشليم بتعليمهم (أع 5: 28).

فمن كل هذه النصوص الكتابية يتضح أن المسيحَ أرسلَ هو نفسُه الرسلَ كمعلّمين إلى كل المسكونة، ونهيه لهم كان عن التباهى بالألقاب وعن أن يكونوا قادةً بمعنى القيادة بما يحيط بها من مظاهرِ التباهِ والغطرسة والاستبداد.

فكل من ُيدعى ُمعلمًا أو قائدًا أو مرشدًا عن غير أهلية يسلبُ المسيحَ كرامتَه كالمعلم والقائد والمرشد الأوحد إلى طريق الخلاص: ” فدعاهم يسوعُ وقال أنتم تعلمون أن رؤساءَ الأممِ يسودونهم والعظماءَ يتسلطون عليهم ” (مت20 :25). فكلماتُ الرب هنا يمكن أن ُتفهم على النحو التالي: ” ولا ُتدعوا معلمين (لا َتدعوا أنفسكم قادةً أو مرشدين) لأن قائدَكم ومرشدَكم بتعاليمه إلى طريق الخلاص واحدٌ وهو (أنا) المسيح “[24]، ” الذي إن تبعتموه فلن تضلوا أبدًا “[25].

ويلاحظ القديس يوحنا ذهبي الفم أن المسيح يقدم لتلاميذه مثلاً ُيحتذى في التواضع حيث لم يُشر إلى ذاته قالاً :” لأن معلمكم واحد وهو أنا “[26]، فإن كان هذا هو حال الرب من التواضع وإنكار الذات فهل يمكن لأحد، حتى وإن كان تلميذًا، أن يدعو نفسه قائدًا أو مرشدًا؟

 

[1] مدرس مساعد بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بآداب القاهرة.

* أود أن أتقدم بجزيل الشكر لجناب الأب المكرّم الأرشمندريت يوحنا غسالى ممثل وكاهن الكنيسة السريانية بالعاصمة اليونانية أثينا لتفضّله بمراجعة النصوص اليونانية على النصوص السريانية من الترجمة المسماه “البشيطة” أو”فشيطتا” التي هي الفولجاتا السريانية. و”البشيطة” كلمة سريانية في صيغة المؤنث، معناها “البسيطة” أي “سهلة الفهم”. ويبدو أنه قد ُسميت كذلك لترك البلاغة في نقلها وتمييزًا لها عن الترجمات الأخرى المعقدة. وعلى أي حال، لا نجد هذا الاسم في أي كتابات سريانية قبل القرنين التاسع والعاشر. انظر: دائرة المعارف الكتابية، الترجمات السريانية. وقد ُأحصيتْ خمسٌ وخمسون نسخة سريانية من الترجمة “البشيطة” مكتوبة في القرن الخامس والسادس والسابع، مقابل 22 نسخة لاتينية و10 نسخ يونانية. انظر في ذلك:

  1. H. Mar Ignatius Yacoub III, The Syrian Orthodox Church of Antioch, Damascus 1980, p. 14.

2 وهي كلمة أرامية بمعنى “سيد أو معلم”، كان يستخدمها العبيدُ اليهودُ في مخاطبة سادتهم، واستخدمها اليهود أيضا في مخاطبة عظمائهم ومعلميهم المؤهلين -أكاديميـًا- بدراسة كتب العهد القديم والتلمود للقيام بدور المرشدين الروحيين أوالمعلمين الدينيين في المجتمع اليهودي احترامًا وتعظيمًا لشأنهم. وقد ُاستخدمت مرّةً ليوحنا المعمدان، واثنتي عشرة مرة للرب يسوع. وقد ُترجمت في مواضع كثيرة بكلمة “سيدي” (مت 23: 7، 26: 25 و49، مر9: 5، 10: 51، 11: 21، 14: 45) وُترجمت في إنجيل يوحنا بكلمة “معلِّم” (يو1: 49، 3: 26، 4: 31، 6: 25، 9: 2، 11: 8). كما ُذكرت مرةً بلفظها الأرامي “ربِّي الذي تفسيره يا معلِّم”( يو1: 38). وفي مطلع القرن الثاني الميلادي أصبح لقب “ربى” ُيطلق على الحكماء والفلاسفة أى مفسري الشريعة اليهودية (الناموس)، وظهر شكلٌ أخرُ للكلمة وهو “ربونى” “الذي تفسيره يا معلِّم” (يو20: 16)، على حين أن رؤساء مجمع السينهدريم كان ُيطلق عليهم لقبُ “رابان” بمعنى “سيدنا”، راجع :

Encyclopedia Britannica, 15th ed., The University of Chicago 1989, vol. 9, p. 871.

3 انظر: دائرة المعارف الكتابية، الترجمة العربية.

[4] Liddell and Scott’s Greek–English Lexicon, Oxford 1980, p. 169.

5 في النص السرياني (الأرامى) من الترجمة المسماه “البشيطة” ترد كلمة “رابى”، والتي ُترجمت إلى اليونانية بكلمة “ابيستاتيس”. 

6 في الأعداد من 2ـ5 ترد في النص السرياني (الأرامى) من الترجمة المسماه “البشيطة” كلمة “رابان”، والتي ُترجمت إلى اليونانية بكلمة “إبيستاتيس”.

[7] Liddell and Scott’s Greek–English Lexicon, p. 261.

[8] Ecloga Nominum et Verborum Atticorum, ed. F. Ritschl, Thomae Magistri sive Theoduli monachi ecloga vocum Atticarum. Halle: Orphantropheus, 1832, p. 97, 7.

[9] Etymologicum Magnum, ed. T. d Gaisford, Oxford: Oxfor University Press, 1848, p. 572, 51-52.

[10] Sophocles, Greek Lexicon of the Roman and Byzantine Period (From B. C. 146 – A. D. 1100), Cambridge 1914, σ. 511.

[11] Oxford Classical Dictionary, Oxford, Clarendon Press, 2nd ed. 1970, p. 400.

[12] Γ. Μπαμπινιώτης, Λεξικὸ τῆς Νέας Ἑλληνικῆς Γλώσσας, Ἀθήνα 1998, σ. 661.

[13] اللغة الأرامية هى ذاتها اللغة السريانية، إحدى اللغات السامية، وهي أقرب ما تكون للعبرية والفينيقية، ولكنها تنفرد ببعض الخواص، كما أنها مازالت حية في لهجات مختلفة. وكانت اللغة الأرامية هى لغة الآراميين منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد الذين استقروا فى بلاد أرام دمشق وأرام ما بين النهرين ولكنها انتشرت شمالاً وغرباً، وأصبحت اللغة الرئيسية في أقطار كثيرة واسعة. وبعد الرجوع من سبي بابل فى القرن الخامس ق.م. حلت الأرامية محل اللغة العبرية كلغة حديث يومى لليهود في منطقة فلسطين، حتى أن اليهود كانوا يعرفون الأرامية أكثر من معرفتم للغتهم العبرية الرسمية أى لغة المجمع. انظر:

  1. H. Mar Ignatius Zakka I Iwas, The Syrian Orthodox Church of Antioch at a glance, Studia Syriaca, Aleppo 1983, pp. 12-14.

[14] يقول الأستاذ غ. باترونوس إنه في منطقتى بيت صيدا والجليل، أى بالقرب من مدينة الناصرة حيث كان يقطن المسيح، كانت هناك ما أسماه “حركة ثقافة شبيبية” لتـَعـَُلم اللغة اليونانية التي كانت منتشرة في منطقة فلسطين والتي، بعد فتوحات الاسكندر الأكبر، انتشرت شرقـَا وغربـًا، وأصبحت لغة الثقافة والعلم والتجارة في العالم القديم. من هذه “الشبيبة” تكونت النواه الأساسية لتلاميذ يوحنا المعمدان ثم من بعده تلاميذ المسيح الاثنى عشر انظر:

 Γ. Πατρώνου, Ἑλληνισμὸς καὶ Χριστιανισμός, Ἀθήνα 2003, σ. 19

[15] ناقش كثيرٌ من الباحثين احتمال أن يكون المسيح، كابن حضارة عصره، يعرف ويتكلّم اللغة اليونانية ولكن من الصعب قبول فكرة استخدامها في الحديث اليومىمع تلاميذه. فيسوع علّم في منطقة “العشر مدن” وهى منطقة يونانية وكذلك في منطقتى صور وصيدا وهما منطقتان يونانيتان وكذلك في منطقة الجليل التي كان يقطنها أمم يتكلّمون اليونانية. أما الأدلة على أن المسيح كان يعرفاللغة اليونانية هو أن اقتباساته الواردة في إنجيل متى من كتب العهد القديم مأخوذة من الترجمة السبعينية على حين أن اقتباسات القديس متى نفسه من كتب العهد القديم مأخوذة من الكتب العبرية. وليس بالأمر الهين أن نقول متى كان المسيح يتكلم اليونانية ومتى الآرامية، الأمر الذي كان يتوقف أولا وأخيرًا على الجموع التي كانت تستمع إليه، راجع:

International Standard Bible Encyclopaedia, AGES Software Albany, USA Version 1.0 © 1996, vol. 7, pp. 44, 45; O. E. Alana, “Jewish–Hellenistic Magical Influence on Some of Jesus Healing Techniques: An Appraisal”, Bulletin of Biblical Studies 19, (2000), pp. 90-102.

[16] Gabriel M. Sawma, A Study in the Aramaic Language of Jesus, Kolo Suryoyo 136, (2002), p. 85

[17] H. H. Mar Ignatius Yacoub III, The Syrian Orthodox Church of Antioch, p. 5.

[18] Π. Ν. Τρεμπέλα, Ὑπόμνημα εἰς τὸ κατὰ Λουκᾶν Εὐαγγέλιον, Ἀθήνα 1952, σ. 175.

[19] Clarke’s Commentary NT, Vol. 5a Matthew–Luke, AGES Software, Albany, OR USA Version 2.0 © 1996, 1997, p. 760.

[20] Π. Ν. Τρεμπέλα, Ὑπόμνημα εἰς τὸ κατὰ Λουκᾶν Εὐαγγέλιον, σ. 496.

 21 في النص السرياني (الأرامى) من الترجمة المسماه “البشيطة” ترد كلمة “مدبرونو” = “مدبرون” والتي ُترجمت إلى اليونانية “كاثيغيتيس”. 

[22]Liddell and Scott’s Greek–English Lexicon, p. 339.

[23] Clarke’s Commentary NT, Vol. 5a Matthew–Luke, p. 425.

[24] Π. Ν. Τρεμπέλα, Ὑπόμνημα εἰς τὸ κατὰ Ματθαῖον Εὐαγγέλιον, Ἀθήνα 1951, σ. 422.

[25] Charles H. Spurgeon, A Popular Exposition to the Gospel According to Matthew, AGES Software, Albany, OR USA Version 2.0 © 1996, 1997, pp. 401, 402.

[26] In Matthaeum (Homiliae 1-90), MPG 58:670, 39.

ألقاب المسيح ”المعلّم” في البشائر الأربعة

Exit mobile version