Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

اختبار الإيمان هل أنتم في الإيمان – قداسة البابا شنودة الثالث

اختبار الإيمان هل أنتم في الإيمان – قداسة البابا شنودة الثالث [1]

 

” جربوا أنفسكم: هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم ” (2كو 5:13)

بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية

اختبار الإيمان هل أنتم في الإيمان – قداسة البابا شنودة الثالث

اختبار الإيمان هل أنتم في الإيمان – قداسة البابا شنودة الثالث

هناك طرق كثيرة لاختبار الإيمان، يمكن استنتاجها من كل ما سبق. ونريد أن نقول هنا إن الرسول ـ في حياة الإيمان ـ لا يتكلم عن مجرد الإيمان، أى الاعتراف باسم الرب، وإنما يذكر بالتخصيص:

 

1ـ الإيمان العامل بالمحبة (غل6:5):

    اختبر إذًا إيمانك بالمحبة حسبما شرحها الرسول في (1كو13)…

    ” المحبة تتأنى، وتترفق، ولا تحسد، ولا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبّح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالإثم … وتحتمل كل شئ، وتصدق كل شئ، وترجو كل شئ، وتصبر على كل شئ ” (1كو4:13ـ7).

    فهل توجد فيك كل هذه الصفات، ليكون إيمانك سليمًا؟ لقد قال الرسول: ” إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليست لي محبة، فلست شيئًا ” (1كو2:13). بهذه المحبة يمكنك أن تختبر إيمانك …

    بل إنك تختبر الإيمان بالأعمال عمومًا.

 

2ـ يُختبر الإيمان بالأعمال عمومًا:

    ذلك لأن الرسول يقول: ” وأنا أريد بأعمالي إيماني ” (يع18:2). فبالأعمال تختبر إيمانك هل هو إيمان حيّ أم ميت لأن ” الإيمان بدون أعمال ميت ” (يع20:2). والإيمان الميت لا يقدر أن يخلص أحدًا (يع14:2).

    والقديس بولس الرسول أكثر من تحدث عن أهمية الإيمان، نراه يقول: ” يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه ” (تي16:1).

    وفي رسالته الأولى إلى تيموثاوس يشدد كثيرًا على هذه النقطة، فيقول إن ” الذي لا يعتني بخاصته … قد أنكر الإيمان وهو شر من غير المؤمن ” (1تي8:5). وإن الأرامل اللائي رفضن نذر البتولية قد ” رفضن الإيمان الأول ” (1تي12:5). وإن الذين يحبون المال، قد ” ضلوا عن الإيمان ” (1تي10:6). وإن المهتمين بالكلام الباطل الدنس ” قد زاغوا من جهة الإيمان ” (1تي21:6).

    إذًا سلوك الإنسان يمكن أن يكون اختبارًا لإيمانه.

    هوذا القديس يوحنا الرسول يقول: ” مَن قال قد عرفته، وهو لا يحفظ وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه ” (1يو4:2)، ” من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضًا ” (1يو6:2). وبهذا نقول:

 

3ـ نختبر إيماننا بنقاوة القلب:

    ولماذا؟ لأن الذي يؤمن أن الله كائن أمامه، وأن الله قدوس يكره الخطية، وأنه عادل يجازي كل إنسان حسب أعماله، هذا يخاف أن يخطئ أمام الله، ويستحي أن يخطئ، كما يستحي أن يجرح قلب الله المحب، إن كان يؤمن بمحبة الله.

    هوذا الرسول يقول: ” كل من يخطئ، لم يبصره ولا عرفه ” (1يو6:3). يقينًا إن الذي يخطئ، لا يكون في فكره أثناء الخطية أن الله يرى ويسمع ويسجل … ويقينًا إن الذي يظلم، لا يكون مؤمنًا تمامًا أن هناك إلهًا موجودًا ” يحكم للمظلومين ” (مز7:146). ولذلك إذا قيل لظالم “ربنا موجود” يخاف ويرتعش.

    ويقينًا إن المتكبر، أو المنتفخ بالمديح، لا يشعر مطلقًا أنه قائم أمام الله. إن هيرودس لما خاطب الشعب ومدحوه قائلين: ” هذا صوت إله، لا صوت إنسان ” فابتهج بهذا المديح، لم يكن عنده إيمان أن الله أمامه، لذلك ” ضربه ملاك الرب، لأنه لم يعط مجدًا لله. فصار يأكله الدود ومات ” (أع21:12ـ23).

    المؤمن الحقيقي يمكن اختباره أيضًا بالزهد وعدم اشتهاء الأمور التي في العالم، فالمؤمنون مكتفون بما هم فيه (في11:4).

    وبالنسبة لاحتياجاتهم، لا يحتجون على شئ، ولا يحتاجون إلى شئ. نقطة أخرى في حياة الإيمان هى:

 

4ـ يُختبر الإيمان بما يمنحه من قوة:

    هل لديك قوة الإيمان التي تشعر بها أن كل شئ مستطاع؟

    وكما قال الرب ” كل شئ مستطاع للمؤمن ” (مر23:9). هل تشعر أن هناك شيئًا صعبًا أو مستحيلاً، أو لا يصدق إيمانك بأن الله يمكن أن يعمله؟ هل تقف في شك أمام الأشياء التي تحتاج إلى معجزة؟! هل يمكنك أن تقول كما قال القديس بولس الرسول:  ” أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني ” (في13:4). هل تهزك العقبات والصعوبات بحيث تقول “لا فائدة” ؟! هل يحاربك اليأس؟

    إن اليأس ضد الإيمان، وضد الرجاء، من كل ناحية.

    لا شك إن المنتحرين فقدوا إيمانهم ورجاءهم، وشعروا أنه لا حل، كما فقدوا الإيمان بحقيقة الحياة بعد الموت في الأبدية ومصير المنتحرين فيها.

    وكذلك الذين استسلموا للأمر الواقع، أو للضغوط الخارجية، وخضعوا للخطية، لم يؤمنوا إطلاقًا أن هناك قوة يمكن أن تسندهم وتخلّصهم.

    إن الإيمان قوة لمن يستطيع أن يستخدمها في ثقة بلا شك.

    أخشى أن يكون الإيمان في أيدي البعض كعصا أليشع في يد جيحزي (2مل31:4). وأخشى أن يكون الصليب في أيدي البعض كذلك: يحسنون حمله ورشمه، وليس الإيمان به. معهم الصليب وليست معهم قوته التي هى كامنة في الإيمان به وبعمله…

    هل تظنون أن عصا موسى هى التي شقت البحر الأحمر؟ أم هو إيمان موسى حامل هذه العصا ومستخدمها باسم الرب؟

    فهل لك قوة الإيمان التي كانت لموسى حينما ضرب البحر بعصاه؟

    إنك كثيرًا ما تصلي. ولكن هل في صلاتك الإيمان الذي يعطى لهذه الصلاة قوة؟ ما أعجب قول الكتاب حين قال عن إيليا إنه “صلى صلاة ” (يع17:5). وهذه الصلاة لم تكن عادية كصلوات باقي الناس، إذ أنها استطاعت أن تغلق السماء مرة، وأن تفتحها مرة أخرى…

    اختبر إيمانك إذًا بالقوة التي لك نتيجة علاقتك بالله.

 

5ـ اختبار الإيمان في الضيقة:

    الضيقات تحل بكل أحد. ولكن هناك فرقًا كبيرًا بين المؤمن وغير المؤمن في الروح التي تُستقبل بها الضيقة.

    إن كانت الضيقة تفقدك سلامك، فاعرف أن إيمانك ضعيف.

    المؤمن يستقبل الضيقة مؤمنًا أنها للخير، وأن الله سيحلها. فلا يتضايق في داخله، ولا يضطرب، ولا تنشغل أفكاره بها، ولا يتعب قلبه بالحزن والألم. إنما يواجه الضيقة بثلاث آيات هى ” كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الرب ” (رو28:8)، و ” إحسبوه كل فرح يا إخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة ” (يع2:1). وأيضًا ” كل شئ مستطاع للمؤمن ” (مر23:9). وبهذا الإيمان يفرح قلبه في الضيقة، ويتعزى الناس بفرحه.

    المؤمن يضع الله بينه وبين الضيقة، فتختفي الضيقة ويظهر الله.

    ويذكر يد الله التي كانت مع القديسين في كل ضيقاتهم ” وملاك حضرته خلصهم ” (إش9:63). يذكر ما حدث لموسى ويوسف وداود وأيوب ودانيال وللثلاثة فتية. وكل هذه الذكريات تزيده إيمانًا بالله وثقة في تدخله وعمله. وهكذا لا يتزعزع في الضيقة، ولا يشك ولا يحزن ولا يحمل همًا … بل يقول مع المرتل ” نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا، عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض ” (مز124).

    يقول الرب: مادمت أنت موافق على الضيقة، فأنا أفرح بها.

 

    ليس فقط أقبلها، أو أرضى بها، إنما أحسبه كل فرح أن الرب يعطيني بركة هذه الضيقة … ما أجمل ما قيل عن الآباء الرسل بعد أن جلدوهم ” وأما هم فذهبوا فرحين … لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه ” (أع41:5).

    المؤمن مهما بدت كل الأبواب مغلقة، يرى باب الله مفتوحًا.

    إنه يؤمن بالله، الذي بيده مفاتيح السماء والأرض ” الذي يفتح ولا أحد يغلق ” (رؤ7:3). ويرتل هذا المؤمن مع القديس يوحنا الرائي قائلاً ” بعد هذا نظرت، وإذ باب مفتوح في السماء ” (رؤ1:5). بل اختبار الإيمان بأن ترى جميع الأبواب مفتوحة أمامك. وكلما ترى أمامك بابًا مغلقًا، تقول: ليس هذا هو الباب الذي يريدني الله أن أدخل منه. هناك أبواب أخرى كثيرة مفتوحة عند الله. وهناك أبواب مغلقة الآن سيفتحها فيما بعد … وبهذا الإيمان تستريح.

 

6ـ اختبار الإيمان ببعض الوصايا:

    أ ـ من الوسائل التي يُختبر بها الإيمان: العشور أو العطاء عمومًا. وبخاصةً إذا كان هذا المؤمن محتاجًا، أو مطلوب منه أن يعطي من أعوازه. ضعيف الإيمان يقول: ” إن كان المرتب كله أو الإيراد كله لا يكفي، فكيف يكون الحال إن نقص أيضًا عشرة؟! “. أما المؤمن فإنه يقول: إن إعطائي العشور، يجعل الباقي مباركًا فيكفي ويزيد…

    إن العشور اختبار روحي عرضه الرب نفسه في سفر ملاخي فقال: هاتوا جميع العشور … وجربوني بهذا، قال رب الجنود: إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع … (ملا10:3). فإن كان الشخص ـ على الرغم من هذا الوعد الإلهي ـ لا يدفع، فلا شك أن إيمانه يكون ضعيفًًا في وعد الله وفي بركته. وقبل ذلك في وصيته…

    إن كان هذا في العشور، فماذا عن وصيته: مَن سألك فاعطه؟ (مت42:5). وماذا عن وصية ” اذهب بع كل مالك واعطه للفقراء ” (مت21:19). وماذا عن وصية     ” بيعوا أمتعتكم (أو مالكم) واعطوا صدقة ” (لو33:12)؟

    بهذا يختبر إيمانك: هل الله قادر أن يعولك بما يبقى بعد دفع نصيب الفقراء؟ وأيضًا هل هو قادر أن يعولك دون أن تكنز لك كنوزًا على الأرض (مت19:6).

    ب ـ من الوصايا التي يختبر بها الإيمان أيضًا: حفظ يوم الرب.

    هل أنت تفرح بيوم الرب لكي تقضيه مع الرب؟ أم أنت تفضل عليه مشغوليات أخرى عديدة؟ هل أمورك العالمية أهم في نظرك؟ وهل تأجيلها أمر لا تحتمله ولا تستطيع ترتيبه بتنظيم وقتك؟ إنه اختبار لإيمانك.

    ج ـ وكذلك من الاختبارات الهامة: مدى محبتك للصلاة:

    هل تنساها وتمر عليك أوقات كثيرة لا تصلي فيها؟ وهل إذا وقفت للصلاة، تفكر كيف تنتهي منها لتنشغل بأمور أخرى تهمك بالأكثر؟ وهل أثناء صلاتك تسرح في أمور أخرى، وتنسى أنك واقف أمام الله تخاطبه؟ إن كنت كذلك فلا يكون إيمانك قويًا بالله وبعشرته وبلذة الحديث معه…

    وهكذا إن وضعنا باقي أمور الصلاة، وباقي بنود العمل الروحي، لتكون مجالاً لاختبار إيمانك.

 

7ـ اختبر إيمانك بمدى اهتمامك بأبديتك:

    هل أنت مركز كل فكرك وقلبك في هذا العالم الحاضر، ومدى نجاحك فيه، ومدى تمتعك به؟ أم أنت تهمك أبديتك، ويهمك مصيرك في العالم الآخر، وتعد العدة لتلك الحياة كما يقول الرب ” لتكن أحقاؤكم ممنطقة، ومصابيحكم موقدة. وأنتم تشبهون أناسًا ينتظرون سيدهم متى يرجع من العرس، حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت. طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين ” (لو35:12ـ37).

    إن السهر الروحي اختبار عميق للإيمان.

    أما الغافل عن أبديته، فأين هو إيمانه؟! أين إيمانه بالحياة الأخرى، والاستعداد لها بالتوبة والعمل الصالح، وبعشرة الله ومحبته، وبالزيت جاهزًا في مصباحه…؟!

 

8ـ اختبر إيمانك بصحة العقيدة:

    هل هو إيمان سليم بعيد عن البدع وأخطاء العقيدة، وعن المفاهيم الخاصة؟ وهل هو ” الإيمان المسلّم مرة للقديسين ” (يهو3). الذي أودعه الرسل أناسًا أمناء كانوا أكفاء أن يعلموا آخرين أيضًا (2تي2:2). وهل هو موافق لكل تعليم الكتاب، أم تتبع فيه أناسًا يعلمون فكرهم الخاص؟ بهذا اختبر إيمانك.

    أقول هذا لأن العقيدة لها تأثير عملي في حياة الإنسان الروحية.

 

9ـ اختبر إيمانك بصفات الإيمان السليم:

    هل إيمانك عملي؟ هل هو ثابت لا تزعزعه الظروف؟ هل هو لا يضعف ولا يشك؟ هل هو مملوء بالسلام لا يعرف خوفًا؟ وهل تعرف حياة التسليم وطاعة الإيمان، وهل إيمانك إيمان حيّ مثمر؟ وهل هو ينمو ويزداد؟ وهل…

    لست أريد أن أذكر باقي صفات الإيمان لتمتحن بها نفسك.

    إنما إن أردت مزيدًا من الموازين، يمكن أن تعيد قراءة هذا الكتاب[2] من أوله.

 

+++++++

 

[1] عن كتاب حياة الإيمان، لقداسة البابا شنودة الثالث، الطبعة السابعة أبريل 2001، ص105ـ112.

2 البابا شنودة الثالث، سلسلة الإيمان والمحبة والرجاء: حياة الإيمان، القاهرة أبريل 2001م.

اختبار الإيمان هل أنتم في الإيمان – قداسة البابا شنودة الثالث

Exit mobile version