حقوق المرأة السياسية فى المسيحية
حقوق المرأة السياسية فى المسيحية
بدءًا ببشارة القيامة , وطبقا للاناجيل , فكثير من النساء يتحقق فيهن معيار الرسولية , وكلمة رسول تحمل فى النصوص البولسية معنى شخص تم اختياره ليخدم كشاهد للاجيل كما أن كلمة ( دياكونيا – Diakonia ) اى – عبد او خادم – تعنى سفيرا و او ممثلا للمسيح ( رومية 1:1 , 16 : 1-2 , 1 كورنثوس 3: 5 )[1] . وكلمة خادم , كما يفسرها البابا يوحنا بولس الثانى , هى من خدمة , وخدمة تعنى السيادة , السيد المسيح خادم “الرب ” سيعلن ما للخدمة من كرامة ملكية , ترتبط ارتباطا وثيقا بالدعوة التى دعى اليها كل انسان [2] .
وكان يشار الى النساء فى تاريخ كنيسة العهد الجديد على انهن خادمات المسيح ورسولات وشاهدات له ( رومية 16: 7 ) , لكونهن كن اولى الشهود على القيامة ” وقد اسرعن ليعلن الاخبار السارة ” ( لوقا 24 : 1-10 ) . لاسيما مريم المجدلية , حاملة البشارة الاولى , والتى سميت برسولة الرسل[3] . ان هذا الحدث يتوج , على وجه ما , ارادة المسيح فى اشراك المرأة الى جانب الرجل فى تحمل مسؤولية الكنيسة .
ومن ثم , فان السيد المسيح ” عندما كان الرسل يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم ام يسوع واخوته ( اعمال 1:14 ) حلت عليهم قوة من الروح القدس واطلقتهم ليكونوا شهودا للرسالة الجديدة فى اورشليم وفى كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض “. (اعمال 1: 8 ) . ها هو اذا يتشكل اول برلمان فى كنيسة العهد الجديد , يضم بين اعضائه النسوة ويتجاوز الانفصال فى الانسان[4].
وفى تلك المرحلة بالذات , أنعم الله على النسوة بروح النبوة . والنبى هو الشخص الذى يتحدث نيابة عن الله الى الشعب (عبرانيين 1 :1 )[5]. ويذكر القديس بطرس ان الرب يسوع سكب من روحه على البشر , فتتنبأ بنوه وبناته ( أعمال 2 : 17 ) . وفى ( اعمال 21 : 17 ) ورد ذكر بنات فيلبس الاربعة فقد كن نبيات وخدمن فى اسيا الصغرى . وقد كان لنبية مدينة مدينة ثياتيرا ( رؤية 2 : 20 ) سلطان وقوة عظيمين فى المجتمع[6] . وفى الرسالة الى رومية ( 16 : 1 ) كان لفيبة دور قيادى فى كنيسة كنخريا .
وقد لقبت بخادمة الكنيسة . هذا يعنى أنها كانت برتبة مساعد أو معاون أو ضابط أو رئيس أو حاكم[7] . تقول مالك هافى : ” لقد اخذت النساء دور النبيات فى الكنائس الاولى حيث لم تكن هناك رساة للانبياء فى جماعات الكنائس , ولكن الروح القدس كان يوحى لهم ويلهمهم للخدمة من مكان الى اخر[8] . ويحلل الاب نجم هذا الواقع بقوله : ” لقد كانت المرأة بهذا عضوا حيا فى الكنيسة الرسولية , ورائدة فى الاقتناء المزدوج لمواهب الروح القدس . من هنا تكون المرأة فى الكنيسة متساوية بالرجل فى العضوية ؛ ولعلها سباقة فى الحصول على مواهب الروح[9] ” .
من جديد , هناك ما يؤكد , فى الروح القدس , على المساواةبين الرجل والمرأة ويوضحها [10]. أكثر من ذلك , فان النسوة ساهمن فى التعبير عن ارادتهن الحرة فى الاختيار . اشتركن مع المؤمنين فى التصويت على انتخاب الاثنى عشر شماسا الذين كلفوا بحمل الرسالة ونشرها ( اعمال 6 : 2-6 )[11]. ولم يمض وقت طويل حتى أكدت المرأة جدارتها وأثبتت فعلا لا قولا بأنها كما وصفها البابا شنودة ” المرأة لم تكن تنقصها القيادة التى هى من صفات الرجال , ولا السجاعة التى هى من صفات الرجال , ولا الخدمة التى أخذ الرجال نصيبا كبيرا منها .
ولم تكن تنقصها الهيبة والوقار التى يتصف بها الرجال[12] . لا بل أصبحت مساوية للرجل فى المركز والفرصة والسلطان والعمل[13] ” . وثمة حقيقة واقعة تصعب المماراة فيها : لقد انفتحت المرأة على المسيحية على نحو أيسر , وأعمق بكثير من انفتاح الرجل عليها[14] .
وما كانت الكنيسة ستتمكن من تحقيق مهمتها بذلك الانتشار الواسع , لو لم تجد المرأة أكثر المعاونين فعالية , حسبنا ان نذكر بهذا الصدد , على سبيل المثال لا الحصر , الدور الذى ادته بين القرنين الخامس والسادس , الاميرة الرومانية بلاسيديا لدى القوط[15] والقديسة جينفياف امام قبائل الهون[16] والملكة كلوتيلدا لدى الفرنج [17] ; وحسبنا أن نذكر , أيضا , باتيلدا الامة السابقة التى اصبحت ملكة , والتى حسنت مصير رفقها القدامى فى البؤس والشقاء[18] .
وكذلك الاشعاع العظيم للرهبنة النسوية حيث كانت رئيسات الاديرة فى فرنسا ,ألمانيا ,اسبانيا , ايطايا وانكلترا ,فى ذلك العصر , يتمتعن بسلطة عظيمة حتى على الصعيد السياسى ; فقد كن يشاركن , شأن رؤساء الأديرة والأساقفة والنبلاء فى المجتمعات المحلية[19].
أما فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر , تتابع مونيك بيتر , فلقد أتيح للمرأة فرصة الارتقاء الى مناصب مسؤولة . وقد اضطرت الهيئات العليا فى الكنيسة الى أن تعهد الى ملكات والى وصيات على العرش بمهمات زمنية , بل روحية ايضا مع منحهن سلطات قضائية . وقد اعترف البابا أينوشتسيوس الثالث بذلك , بمنحه المكلة اليانور فى العام 1203 حق محاكمة الناس [20]. نكتفى بهذه النماذج الدالة على مكانة المرأة السياسية فى مسيحية القرون الاولى والوسطى , وننتقل لنستكشف موقعها فى سياسة كنائس اليوم .
الكنائس البروتستانتينية , فى لبنان , كما يقول القس د. ونيس سمعان , تمارس حق رسامة الشيخات ليكن عضوات عاملات فى عمد الكنائس . ووظيفة شيخ ( شيخة تعنى معاونة راعى الكنيسة فى فى رعاية الكنيسة المحلية روحيا وتدبير جميع الأمور الروحية فى تلك الكنيسة ) ; ويتابع قائلا ” منذ سنتين , رسمت قسة فى الولايات المتحدة الاميريكية لتتابع عملها فى احدى الكنائس الانجيلية فى بيروت .
والان فى غياب راعى الكنيسة تتحمل هى مسؤولية رعاية الكنيسة بجدارة واحترام [21]. وأيضا القس صموئيل حبيب , يؤكد أن المرأة تشترك مع الرجل فى انتخاب القسيس فى الكنيسة الانجيلية . وكم من النساء , بحسب قوله , كان لهن الدور الاول فى أى وجود لأى شخص من الكنيسة [22] .
أما فى الكنيسة المشيخية الانجيلية فى مصر , فيقول القس د. أنور ذكى حنا , ان المرأة تشارك بالمساواة مع الرجل فى اختبار رعاة الكنيسة المنتخبين من قبل أبناء الكنيسة مباشرة . وبالنسبة الى المجالس التى تهتم بتنفيذ الكثير من أعمال السنودس , فان أعضائها المنتخبين يهتمون بالشؤون التالية : الأمور الروحية , التعليم المسيحى , الخدمات الاجتماعية والتنمية , التمويل , مجلس كلية اللاهوت , مجلس المدارس , شؤون القسس , مجلس كلية اللاهوت , مجلس المدارس , مجلس الشؤون القضائية ورابطة السيدات .
فى كل هذه الكجالس هناك تمثيل للمرأة كعضو مشارك مشاركة كاملة فى صنع القرار ووضع السياسة [23]. وفى الكنيسة الأرثوذكسية , وعن اجتماع عقد فى رودس 1988 , ضم حوالى 60 لاهوتيا , من اساقفة وكهنة وعلمانيين , تقول اليزابيث بيير – سيغل , ان حوالى ثمانى عشرة امرأة ساهمن فى هذا المؤتمر , فقدمن مداخلات , وشاركن فى المناقشات , وفى التصويت تساوى صوت المرأة بصوت اسقف [24] .
وهكذا , أكدت كنائس العهد الجديد , والمسيحية بشكل عام , فى عقيدتها الانثربولوجية وتعليمها المساواة فى الحقوق السياسية بين المرأة فى والرجل , وهى مساواة أساسها كل كائن بشرى هو مخلوق على صورة الله[25] . ولكن ماذا بالنسبة الى حقوق المرأة فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية .
إقرأ أيضا: حقوق المرأة الاجتماعية والاقتصادية فى المسيحية
[1] قداسة البابا يوحنا بولس الثانى ؛ 1988 , ص : 19 .
[2] Russel , Letty M , Human liberation in a feminIst perspective theology,1974,P:140-142
[3] King,U, 1987 , p: 46 – 47 .
[4] Jewett, P, The ordination of women , 1982 , P : 22.
[5] Mac Haffie B , 1986 . P : 30 .
[6] Christ – C , 1979 . p : 30 .
[7] Mac Haffie B , 1986 . P : 30 .
[8] الاب نجم , م , المرأة عند أباء الكنيسة , عن المرأة فى اللاهوت الكنسى . 1980 , ص : 215 .
[9] Bilezikian , G , Beyond sex roles : a guide for the study of female roles in the Bible , 1985 , p : 175
[10] جبور , س , المرأة فى نظر الكنيسة , 1994 , ص : 66 .
[11] قداسة البابا شنودة , 1979 , ص : 66 .
14 صبحى , م , المرأة فى الكتاب المقدس , عن المرأة فى الكنيسة والمجتمع , 1979 , ص ك 86 .
[13] فاخورى . م , 1987 , ص : 24 .
[14] غالا بلاسيديا : أميرة رومانية حكمت أمبراطورية الغرب كوصية عا ابنها فالانتينانوس ( نحو 390 – 450 م ) .
[15] القديسة جينفياف : شفيعة باريس وحامية سكانها من جواتريلا , ملك قبائل الهون التى اجتاحت غاليا ولم تدقر لوتيس , التى ستعرف فى ما بعد باسم باريس , عملا بنبوءة القديسة جينفياف كما تقول تقول الاسطورة ( نحو 422 – 502 م ) .
[16] كوتيلدا : قديسة وملكة الفرنج وزوجة كلوفيس الاول , ساهمت فى اهتداء زوجها الى الكاثوليكية ( نحو 475 – 545 م) .
[17] باتيلدا : أميرة وقديسة فرنجية , تزوجت كلوفيس الثانى وحكمت كوصية على ابنها (توفيت سنة 680 م ).
[18] بيتر, م, 1979, ص: 123-141.
[19] بيتر , م , 1979 , ص : 123 – 141
[20] سمعان , و . المرأة فى علوم الاجتماع الدينى , عن المرأة فى اللاهوت الكنسى , 1980 , ص : 41 .
[21] حبيب , ص , فلتعط الكنيسة المرأة القيادة فى الخدمة , عن المراة فى الكنيسة والمجتمع , 1979 , ص: 123 .
[22] حنا .أ . ز , 1995 , ص : 122 – 123 .
[23] Behr – Siged . E.La consultation interroorthodox de Rhodes ” Contacts” 1989 ,P :81-93.
[24] قداسة البابا يوحنا بولس الثانى , 1997 , ص : 76 -77 .
[25] أسعد . م , ان أعطيت المراة المجال فهى واحد مع الرجل فى التنمية , عن المرأة فى الكنيسة والمجتمع , 1979 , ص : 137 .