كيف أرى الخطية؟
الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة, لكي نموت عن خطايانا فنحيا للبر, الذي بجلدته شفيتم, لأنكم كنتم كخراف ضالة, ولكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها
بطرس الأولى 2: 24-25
تصور أن صديقاً وهبك قصراً جميلاً لتتمتع به, لكنه طلب شيئاً وأحداً قائلاً ” أرجوك أن لا تقفز من البرج لئلا تموت”, ثم أتى عدو إلى قصرك وقال لك: “من منعك من القفز؟ هيا اقفز حتى تشعر شعوراً رائعاً! وتختبر لذة الطيران, وتكون قادراً على رؤية قصرك من زاوية مختلفة, لا تقلق مما سيجري لك عندما تطأ قدمك الأرض, فكر فقط في الأشياء الجديدة التي ستتعلمها في طريقك إلى الأرض”.
هل ستسرع إلى أعلى البرج وتقفز؟ بالطبع لا, إنه من الحماقة أن تثق بعدوك وتعمل بما يقوله لك.
لقد مر آدم وحواء بإختبار مشابه, فقد وضعهما الله في جنة جميلة وأخضع لهما كل شئ, ثم ما لبث أن أتى العدو – الشيطان – وقال لهما أن يأكلا من ثمار الشجرة, وأوهمهما بأن ذلك لن يؤذيهما, فصدقا كلامه بدل أن يصدقا كلام الله ….ياللعجب!
وكما درسنا سابقاً, فقد خُلق الإنسان كاملاً, إلا أنه بموقف عصيانه دخلت الخطية إلى حياته, فما هي الخطية؟ وما هو قصاص الخطية؟ وهل هناك مفر من سلطانها؟
إن الآيات المأخوذة من الكتاب المقدس والواردة في هذا الدرس ستعطينا الإجابات ولتبق قصتنا التي قرأناها في أذهاننا, ولنحاول أن نوجد تعريف للخطية.
ما هي الخطية..؟
لا يمكن لأحد أن يقرأ الكتاب المقدس بكثرة دون أن يدرك عظم الأهمية الموجههة لموضوع الخطية وسببها وعلاجها.
يروي الفصل الثالث من سفر التكوين قصة الزوج البشري (آدم وحواء), فبعد أن وضع الله الزوجين الأولين في الفردوس وسخّر كل شئ لهما, إذ أعطاهما الحيوانات كي يسودا عليها والنباتات ليأكلا منها “ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً” (تكوين 1: 31) وكأن الله قد أعطاهما وصية “وأوصى الرب آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً, أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكلا منها, لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت” (تكوين 2: 16-17). وهذه الوصية ستكون الأداة التي ستستخدمها الحية المجربة للإيقاع بآدم وحواء في شباك الخطية.
ربما يكون رد فعل البعض عندما يقرؤا هذا النص قراءة سطحية هو التعليق بالقول: لو لم تكن هناك وصية لما كانت خطية!
ويضيفون: لماذا أعطى الله مثل هذه الوصية؟ .. وهل ضاقت عينه بثمرة أكلها الإنسان؟
ولعل مبعث هذه الأسئلة هو أننا كثيراً ما نفكر بالخطية على أنها الجريمة والقتل ولكن الخطية في الكتاب المقدس تشير إلى أي شئ يعوزه كمال الله, ففي الرسالة إلى رومية 3: 23 (الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله), ومجد الله يتضمن فكرة الكمال المطلق, لذلك فالخطية هي التقصير عن الوصول إلى الهدف, وجميع الناس بهذا آثمون.
تذكر الخطية في الكتاب المقدس بالأساليب التالية:
1- أن الخطية هي عصيان على شرائع الله:
وهي أن يقول الإنسان لله: ” أنا لست أقل أهمية منك, وأرفض أن أحيا حسب أقوالك”. فالخطية هي التمرد.
قد تقول: ” ليس لأحد الحق في التحكم في بل سأعمل ما يحلو لي”.
أن الحدود التي وضعها الله لنا لها غرض اساسي, وهو مصلحتنا العليا, فالله يعلم مثلاً أن البغض والكراهية ترهقان الأعصاب وتسببان الصداع وأن الرغبة في الإنتقام تؤدي إلى حدوث قرحة بالجهاز الهضمي.
ومواقف كهذه تؤثر على الآخرين أيضاً وتؤذيهم والله أظهر محبته لنا بوضعه بعض الحدود أو الشرائع لحمايتنا, ونحن نخطئ عندما نتجاوز هذه الحدود, نقرأ في (1 يوحنا 3: 4) أن “كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً, والخطية هي التعدي” فهل يجوز إذاً أن افعل أي شئ بشرط أن لا يؤذي الآخرين؟
كلا؟ فكل شئ يكون شرعيا فقط أن كان ضمن الحدود التي وضعها الله, فقد نظن أن شيئاً ما لن يؤذينا أو يؤذي الآخرين فنخطئ الظن, والطريق الوحيد الآمن بالنسبة لنا هو إطاعة الشرائع التي وضعها الله.
2– والخطية هي أن نرفض دعوة الله إلى الحياة معه. في الحب…
فالله دائماً يدعو الإنسان إلى الحب, ولكن الإنسان حر في أن يقبل أو يرفض, وقد قال السيد المسيح عن أورشليم:
” يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها, كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها, ولم تريدوا” (متى 23: 37).
وهذه هي الخطية, فالخطية هي دائماً من نمط رديء, حب مخلوط بحب الذات, أو مجرد رفض الحب.. وذلك طوال حياتنا كلها.
3- والخطية هي أن نرفض التعهد إلى أقصى حد بخلق ذواتنا..
كأن نقول لأنفسنا وللآخرين دائماً (أنا كده ..!!) فنتخذ من اللامبالاة موقفاً ثابتاً لنا تجاه أنفسنا, بل وأيضاً تجاه اخوتنا (كل البشر).
وطاعة الوصية ما هي إلا قبول التعهد الكامل مع الله بأن نحيا وصاياه وقال لهم : “اثمروا واكثروا وأملأوا الأرض..” (تكوين 1: 28). بل أننا نشوه هذا الخلق (شهواتنا..وأعظمها الإمتلاك), أن نخلق ذواتنا لأنفسنا ناسين إخوتنا (أنانية وكبرياء) وذلك بأن نتجاهل كلمة الله لنا حيث تعلن لنا: ” أن كان أخ وأخت عريانين ومعتازين للقوت اليومي فقال لهما أحدكم: امضيا بسلام, استدفئا واشبعا ولكن لم يعطيهما حاجات الجسد فما المنفعة ” (رسالة يعقوب 2: 15-16)
وأيضاً ” نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لإننا نحب الأخوة, من لا يحب اخاه يبق في الموت, كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس, وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة ابدية ثابته فيه, بهذا قد عرفنا المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الأخوة, أما من كان له معيشة العالم ونظر أخاه محتاجا وأغلق أحشاءه عنه فكيف تثبت محبة الله فيه, يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق., وبهذا نعرف أننا من الحق ونسكن قلوبنا قدامه ” (رسالة يوحنا الأولى 3: 14-19).
4- الخطية هي رفض الإعتراف بأن الله هو الغاية العليا لكل فرد, لكل العالم, ورفض اكرامه.
هي أن نجعل أنفسنا آلهه مكان الله, وذلك إذا فكرنا فقط في ذواتنا واتخذنا لنا ما يجب أن يكون للآخرين وله, وهي أن نجعل أنفسنا مركزا للعالم, فنعوق هكذا نمو البشر جميعاً والخلق أيضاً, وأن نخلق الشقاق في العالم ونجعله يتعثر في طريقه نحو غايته.
من كل ما سبق نجد أن الخطية ما هي إلا حالات الرفض, وحالات الرفض هذه ما هي إلا حالات حب فاشل تحيط الإنسان والعالم. لأنها تضعها خارج خطة الله الآب, وهي التي (أي خطة الله الآب) تهدف إلى جمع كل شئ في الحب لإنه لا يوجد في العالم إلا قوتان:
* قوة انتشار نحو الله ونحو الآخرين وهي الحب.
* وقوة تقهقر نحو الذات وهي الأنانية والكبرياء وكل الخطايا الأخرى التي ليست إلا ظواهر خاصة بمسعى هذا الإنسحاب الذاتي. الذي يرتكز على الأنانية.
ملخص تعريف الخطية:
الخطية هي أي موقف من مواقف عدم المبالاة أو عدم الإيمان أو العصيان لإرادة الله المعلنة في الضمير أو في الناموس أو في الإنجيل, سواء ظهر هذا الموقف في الفكر أو في القول أو في الفعل أو في الإتجاه أو في السلوك.
والآن وقد وجدنا تعريفاً محدداً للخطية لنا أن نسأل:
ما هو مصدر الخطية..؟!
الشيطان مصدر الخطية
لقد أغوى الشيطان الإنسان ليخطئ, واستسلم الإنسان لهذا الإغواء. والكتاب المقدس يقدم لنا وصفاً رمزياً لهذا الإغواء, حيث نقرأ في (تكوين 3: 1) ” أحقا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة” وهنا ينبغي لنا أن نسأل: هل هذا الإدعاء صحيح؟ في واقع الأمر هذا كلام دخل عليه تحريف وتزوير, وما قاله الله يختلف عما قالته الحية! (والتي هي هنا رمز الشيطان) وما قاله الله بالحقيقة ” من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكلا منها,لأنك يوم تأكل منها موتا تموت” (تكوين 2: 16-17).
نلاحظ بأن الفارق بين كلام الله وكلام الحية هو كبير. اذ أن الحية تضع لا تأكل في بداية الكلام, فالله يبدو للوهلة الأولى المحرم الذي يمنع عن الإنسان خيراته, في حين أن البداية هي العطاء: ” من جميع شجر الجنة تأكل “, والحية تشوه الحقيقة وتشوه صورة الله, فالوجه المعطي يصبح وجهاً مُحَرِّماً, وكم من الناس خدعوا بالحية وبقيت صورة الله مرتبطة في أذهانهم, بصورة الذي يمنعهم من التمتع بالحياة ويحجب عنهم صورة الله محبة فيحل الخوف والشعور بالذنب مكان الإنطلاق والفرح والرجاء.
والحية لا تكتفي بهذا فقط, بل أنها تخطو خطوة أخرى على طريق زعزعة الثقة وزرع الشك بين الله والإنسان, ونتناول هذه المرة مقاصد الله وغايته من الوصية, فتقول لحواء: ” لن تموتا, بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر “.
كلام الحية هذه المرة يهدف إلى إثارة الشكوك في نوايا الله الحقيقية وفي موقفه من الإنسان الذي خلقه فمقصد الله من الوصية ليست حماية الإنسان من الموت “لئلا تموتا” بل حماية الله من الإنسا
فالله يمتلك امتيازات ومعارف يريد إبعاد الإنسان عنها وعدم مشاركته فيها, أنه يريد الإحتفاظ بها لنفسه, أن الله يريد منع آدم وحواء من أن يصيرا “كالله” فالغيرة والحسد يدخلان في العلاقة بين الإنسان والله… الله يحرص على ما يملك من إمتيازات, والإنسان يشتهي ما عند الله, ويسعى إلى إمتلاكه, وهذا ما يجعله يكذب ولا يقول الحقيقة, فنتيجة المعصية ليست الموت كما يدعي الله, بل المعرفة التي تجعله مساوياً له” لذا فهي (أي الحية) تقول: ” لن تموتا …تكونان كالله”.
فهل هذا الإدعاء صحيح أم أن المجرب (إبليس) ” أبا الكذاب” يسقط على طبيعته بالذات؟
إذا عدنا إلى الفصل الأول من سفر التكوين نجد نقيض هذا الإدعاء, إذ خلق الله الإنسان على صورته ومثاله: ” فخلق الله الإنسان على صورته, على صورة الله خلقه, ذكراً وأنثى خلقهم ” (تكوين 1: 27).
أن الله لم يخلق الإنسان كسائر المخلوقات, فالإنسان مخلوق على صورة الله – أن جاز لنا التعبير – خلقه شبيهاً به, وليعطيه حياته الإلهية بالذات, هذه القرابة التي تحول الإنسان إلى شريك لله, هذا هو مشروع الله الأساسي ” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى..لكي تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية ” (2 بطرس 1: 3-4), فالله يدعونا إذاً لنصير شركاء معه, وهذه الشراكة ليست شراكة في الخيرات أو الممتلكات, بل “بذاته الإلهية” وتحقيق هذه الشراكة يبقى مشروع الله حيال الإنسان, وإكتمال هذا المشروع بتجسد الله الإبن (يسوع المسيح).
أن الشيطان هو الذي جلب الخطية إلى العالم, لكن هذا لا يبرئ الإنسان ولا يعفيه من المسئولية. كان على آدم أمام إغواء الشيطان, كان عليه أن يتمسك بالمحبة, بالوجود الدائم مع الله ونحن نعلم أن الإغواءات لا تأتي من الله, كما جاء في (يعقوب 1: 13-14) ” لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله, لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً).
إذا فابليس (والذي رمزه في الكتاب المقدس “الحية القديمة”) هو مصدر الخطية, ولكن ما هي نتائج الخطية؟!
نتائج الخطية:-
يقول القس الياس مقار في كتابه إيماني: وفي قصة خيالية أن أحدهم تصور نفسه وكأنه يقف إلى جانب أمنا حواء عندما مدت يدها لتأخذ الثمرة المحرمة من شجرة معرفة الخير والشر, وإذا به يصيح:
أي أمنا حواء! انك لا تعلمين ماذا تفعلين؟ إنك لا تعلمين بأنك ستقودين موكب البشرية بأجمعه إلى بحار من الدم والدموع والعرق والتعاسة والشقاء, أن الملايين من أبنائك سيصرخون في شتى العصور والأجيال من وراء هذه الأكلة صرخات الوجع والتلم والعار, في أنين مروع وحزن رهيب, بل هلا ذكرت أكثر من هذا منظر ابن الله في جثسيماني وهو منبطح على وجهه ينضح بالعرق الممزوج بالدم حيث كان عليه أن يتحمل آلام الورى وتعاسات الناس!؟ وهلا عرفت آخر الأمر بأن فريقا من أبنائك سيقضي عليه في عذاب دائم إلى أبد الآبدين!؟.
أي أمنا حواء كفّي يدك عن أكل الثمرة!
غير أن حواء أكلت واعطت زوجها فأكل! وسقط الجنس البشري كله بالتبعية من جراء هذا السقوط.
الخطية تحدث تبدلاً وتغييراً في الوجود الإنساني, إذ تخلق وضعاً انسانياً جديداً يحرفه عن وضعه الأصلي, وهكذا ينقسم زمن الوجود الإنساني إلى زمنين: زمن ما قبل الخطية وزمن ما بعدها, والفرق بين الزمنين هو ثمرة الخطية.
كما أن هذا الفرق يشير إلى أن الوضع البشري الحالي الخاطئ لم يكن عند انطلاق البشرية ولا يدخل في بنية الخطيئة والشر والموت في العالم.
فإذا أردنا أن نفهم لما تتآمر أمة على أمة, ولماذا تنقسم العائلة على نفسها, ولماذا تمتلئ صحفنا بأنباء العنف والإجرام والبغضاء, فلا بد لنا من الرجوع من جديد إلى البداءة لنرى القصة التي يرويها الفصل الأول من سفر التكوين عن آدم حينما كان في جنة عدن.
يظن بعض الناس أن قصة الخلق, كما يرويها الكتاب المقدس ليست سوى خرافة قد يصدقها الأطفال! لكنهم مخطئون في ما يزعمون, اذ أن ما يرويه الكتاب المقدس هو صادق كل الصدق. فهو يروي لنا بأمانة ودقة ما حدث بالفعل في أول الأمر, ثم يروي لنا كيف, ولماذا مضى الإنسان في سيره منذ تلك اللحظة في طريق الدمار والخراب.
خلق الله هذا الكون كاملاً لا نقص فيه ولا علة. خلقه كامل الجمال والإنسجام….ونحن اليوم نتوق إلى ذلك العالم.
في هذا العالم الكامل وُضع الإنسان كاملاً, وهل يعقل أن يصنع الله شيئا إلا كاملا؟! ثم سكب الله في آدم اعظم الهبات وأثمنها, وهي الحرية, حرية الإختيار. كان آدم كامل النضوج في جسمه وعقله, سائراً مع الله ومتمتعاً بالشركة المباركة معه. وكان من المقرر أن يكون ملكاً على الأرض يحكم وفق إرادة الله.
في جنة عدن نرى سمو حالة الإنسان الكامل, الإنسان الأول الذي تفرد بين سائر مخلوقات الله بهبة الحرية, حرية كاملة. فله أن يختار وله أن يرفض, له أن يطيع وصايا الله وله أن يعصيها, له أن يسعد نفسه أو يشقيها. ولكن مجرد إمتلاك الحرية لا يكفي لإسعادنا, وإنما ما نختار فعله بحريتنا هو الذي يقرر ما إذا كنا سنجد أم لا السلام مع أنفسنا ومع الله.
هذا هو جوهر المشكلة لأنه حالما توهب الحرية للإنسان يجد نفسه مخيراً بين طريقين اثنين. إذ لا معنى للحرية إذا كان هناك طريق واحد لاتباعه, الحرية تتطلب أن يمتلك المرء حق الإختيار وحق تقرير ما ينوي أن يفعله.
نعرف رجالاً ونساء ذوي استقامة وأمانة ولكن ليس ذلك منهم عن اختيار حر, لأنه لم تتح لهم الفرصة ليكونوا غير ما هم عليه. وكثيراً ما يفتخر الناس بأنهم طيبون, بينما هم في الواقع مدينون في صلاحهم إلى البيئة المحيطة بهم, وإلى نمط الحياة التي يحيونها. وكيف نفاخر بمقاومة التجربة إذا لم نواجه أية تجربة؟!
وقد اعطى الله آدم تمام الحرية ليختار ما يشاء, كما هيأ له افضل فرصة ليمارس تلك الحرية. العالم كافة كان خاضعا له رهن اشارته, وتاريخ البشرية كان في قبضة يديه, اشبه بصفحة ناصعة البياض, ينتظر أن يخط عليها آدم الفصل الأول…وجاءت التجربة العظيمة التي كانت بمثابة اختبار لادم الذي كان له ملء الخيار والحرية في اختيار السبيل الخطأ. ولم يكن أمامه سبيل واحد لابد من اتباعه, بل كان أمامه سبيلان, وقد اختار أحدهما بمحض ارادته.
لقد جرى اختياره فتحمل نتائج ذلك الإختيار ووضع النموذج الذي كان لابد للإنسانية من اتباعه ” بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة ” (رومية 5: 18).
وما اشبه آدم بالينبوع الذي انبثقت منه الإنسانية بأسرها. وقد كان بإمكان ذلك الينبوع الصافي الرقراق أن يختار مصيره بين أن يصبح نهرا صافيا يجري بين المراعي الخضاء المخصبة ليرويها وينعشها, أو أن يصبح نهرا موحلا قذرا يتسرب بين الصخور القاسية, منحدرا في الفجوات والكهوف المظلمة, فيصبح هو نفسه شقياً كما يصبح عاجزاً عن حمل الفرح والقدرة على الإخصاب لما يمر به من الأماكن والأراضي.
لايجوز أن نلوم الله بسبب ما نراه في العالم من فوضى واضطراب مستعصيين لأن الغلطة ترجع في أصولها إلى آدم وحده. فقد مُنح حق الإختيار في أن يصغي إلى أكاذيب الشيطان, أو أن يصدق قول الله.
ويتخلص تاريخ الجنس البشري منذ ذلك اليوم حتى الآن في محاولاته لاستعادة الوضع الذي خسره بسبب سقطة آدم.
قد تقول في نفسك: ” إن هذا ليس من الإنصاف في شئ! فما جنينا نحن حتى نتالم؟ هل ينبغي أن نتالم اليوم لمجرد أن الإنسان الأول قد أخطأ منذ عهد بعيد؟ ولماذا لم يتمكن الإنسان من التخلص من تلك الحالة وإستعادة وضعه الذي كان فيه؟ ولماذا نستمر نحن في تحمل الجزاء يوما بعد يوم؟”
لنعد ثانية إلى قصة النهر البارد المظلم الذي يجري أسفل الممر العميق بين الفجوات والكهوف. لماذا لا يستطيع ذلك النهر أن يرجع ويصعد إلى الحقول المبهجة الممتدة فوقه؟ ولماذا لا يترك طريقه المحزن وينقلب إلى جدول خرار كما كان عندما انبثق من الأرض لأول مرة؟
أنه لا يفعل ذلك لأنه لا يستطيع. وهو لا يمتلك بذاته القدرة على أن يفعل خلاف ما اعتاد أن يفعله دائماً. فما أن انحدر إلى ممره المظلم مرة حتى لم يعد بوسعه الإرتفاع إلى الأراضي المشرقة الممتدة فوقه. فالوسيلة للإرتقاء متوفرة, وكذلك الطريق, لكن النهر لا يعرف كيف يستفيد منها. ولا شك أن ذلك يتطلب حدوث معجزة. أن تلك المعجزة اللازمة مهيأة دائماً وهي كفيلة بتحويل نهر الإنسانية من الشقاء الذي يسير فيه لتجعله يسير مرة أخرى في مجرى السلام الدافئ المتالق, لكن النهر لا يرى ولا يسمع, وهو يظن أنه لا يستطيع سوى الإستمرار في طريقه الملتوي إلى أن يتلاشى اخيراً في بحر الدمار.
وقصة النهر هي قصة الإنسان منذ عهد آدم. فما زال يتمادى في مسيره بين الفجوات والكهوف مستمراً في انحداره نحو الظلمة المرعبة. ونحن أنفسنا بالرغم من أصواتنا التي تصرخ طالبة النجدة, مانزال نختار بمحض حريتنا الطريق الخطأ كما فعل آدم. وحين يدركنا اليأس والقنوط نلتف إلى الله وننحي باللائمة عليه بسبب مشكلتنا المستعصية, ونشك في حكمته وقضائه, وننتقص من رحمته ومحبته.
الإصحاح الثالث من سفر التكوين (وهو الكتاب الأول من التوراة), نتائج الخطية:-
1– فقد الإنسان بفعل الخطية شفافيته وعلاقته الآليفة والصداقة بالله, وحل محلها الخوف والإنطواء على النفس..
فبعدما تناول آدم وحواء من الثمرة ” انفتحت أعينها وعلما أنهما عريانين” (تكوين 7:3) وهذا العري يولد الخوف ” سمعت صوتك في الجنة فخشيت لإني عريان فأختبأت ” (تكوين 10:3), مع أن حالة العري هذه ليست جديدة, ولكن الخطيئة أحدثت تغيراً في نظرة الشريكان الأولين أحدهما نحو الآخر, وفي نظرتهما نحو الله, ” وكانا كلاهما عريانين آدم وأمراته وهما لا يخجلان ” (تكوين 25:2).
وأول ما يسرع الإنسان إلى فعله هو ستر عريه كي يحمي نفسه من الآخر: ” فخاطا أوراق تين وصنعا لإنفسهما مآزر ” (تكوين 7:3), فالعري ما قبل الخطية لم يكن مدعاة للخجل أو الإضطراب, لان النعمة كساء لهما, وحالة النعمة هي الوضع الطبيعي للإنسان, أي هي حالة الألفة والإنسجام مع الآخر, ولكن الخطية أضعفت هذه الحالة الكيانية بين الله والإنسان, بل بين الإنسان وذاته!
نعم فالضعف يربك العلاقات الإنسانية ويدفع البشر إلى الناتج وهو تكوين حواجز دفاعية من الآخرين, وإنتحال أقنعة مختلفة لستر هذا النقص الأساسي الناتج عن ابتعاد الإنسان عن مصدر حياته ووجوده, كما أن الخجل هو تعبير عن حالة إنطوائية, فيتقوقع الإنسان على ذاته باحثاً عن صورته في وجه الآخر بدلا من أن يعكس له وجه الآخر صورة الله.
إن العري الإنساني يكشف درجة إنخداع الإنسان وانطلاء الحيلة عليه, فالبون شاسع بين وعد الحية ” تنفتح أعينكما وتكونان عارفين الخير والشر ” (تكوين 5:3) وحالة العري التي انفتحت أعينهما عليها.
2– التعالي عن رؤية الذات الخاطئة وإلقاء تبعتها على الغير..
فآدم يتهم إمراته ويمس اتهامه الله ذاته: ” المرأة إلى جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت ” (تكوين 12:3), فهو يتهم الله لإنه اعطاه شريكه لحياته.
والمرأة تتهم الحية التي أغوتها. فحين لا يعترف الإنسان بخطيته فإنه سيلقي تبعتها بالضرورة على الآخر, والباحث بإستمرار عن القذي في عين أخيه هو المتعامي عن الخشبة التي في عينه.
3– العقاب في ذات وظائف الإنسان (الرجل والمراة)..
فالمراة تصاب بوظيفتها الأساسية وهي نقل الحياة بالولادة: ” وقال للمرأة: تكثيراً أكثر اتعاب حبلك بالوجع تلدين أولاداً “
كما تصبح علاقتها بالرجل علاقة انقياد وسيطرة ” وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك ” (تكوين 16:3). أما آدم, فيمس بوظيفته الأساسية وهي العمل, فالعمل ليس عقاباً على الخطية كما يتصور البعض. إذ وجد قبل الخطية: ” وأخذ الرب آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها ” (تكوين 15:2), لكن العمل بعد الخطية يترافق بالمشقة والعرق: ” ملعونة الأرض بسببك, بالتعب تأكل كل أيام حياتك, وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل ..” (تكوين 3: 17-18).
وواضح للعيان بأن حياة الإنسان الآن ما هي إلا صراع وعناء شديد من اجل البقاء.
إن هذه الرواية التي يقصها الكتاب المقدس عن تجربة آدم وحواء لا تهدف إلى تصوير ما جرى من الأحداث في الماضي السحيق فوراء هذه الصور والرموز تكمن حقائق وأسئلة أساسية موجهه إلى الإنسان, ذلك لإن الحقائق حاضرة في كل زمان ومكان.
أن ما شغل ويشغل الأجيال المتلاحقة من البشرية هو التساؤل عن مصدر الشر والخطية, ولماذا الألم والموت. ولماذا العذاب والمشقة, والكتاب المقدس يقدم الإجابة عن هذه التساؤلات المصيرية, يؤكد أن الله ليس مسئولا عن الخطية والموت والألم في العالم, لإنه معطي الحياة, بل هو نصير للإنسان في صراعه مع قوى الموت والخطية, وإذا كان الله منزهاً عن الخطية والموت, فمعنى ذلك أن الإنسان مسئول خاصة عن ذلك, والكتاب المقدس يربط بين الخطية وحرية الإنسان وعظمته وفي الوقت نفسه بؤسه, أنه في حالة اختيار ومدعو إلى اختيار الحياة.
تمرين للتطبيق
اقرا مرة اخرى الفقرة السابقة (مع قراءة الإصحاحين الثاني والثالث من سفر التكوين) واكتب باسلوبك انت ..
* ما تحدثه الخطية من تبدل وتغير في الوجود الإنساني
* نتائج الخطية
هل التعرض للتجربة خطية ..؟!
ليس التعرض للتجربة خطية في ذاته, فحتى الرب يسوع قد تجرب من قبل إبليس, لكنه لم يخطئ ابداً, حتى وإن كنا نشعر بشئ من التلوث بعد تعرضنا للتجربة, لكن علينا أن نتذكر أن التجربة في ذاتها ليست خطية, ولكن الخطية تأتي عندما نضعف أمام التجربة.
كم كان سيختلف حال العالم لو لم يستسلم آدم للتجربة والإغواء. وينبغي أن نعلم بأن قصاص الخطية في يومنا هو نفس القصاص الذي نالاه آدم وحواء, أي الموت والآية الواردة في (رومية 12:5) تخبرنا: ” وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس ” وأيضاً نقرا في (رومية 23:6) ” لان أجرة الخطية هي الموت “, وبالطبع لا يموت الخاطئ جسديا في اللحظة التي يرتكب فيها الخطية, بل على العكس, فأحيانا يبدو أنه آل إلى الأفضل, لكن رغم ذلك فالموت يأخذ طريقه إليه, وأخيراً سوف لا يموت جسدياً فقط بل روحياً أيضاً, والموت الروحي يعني الإنفصال الأبدي عن الله.
تمرين للتطبيق
اختر الإجابة المكملة لكل جملة في التمارين الآتية, ضع دائرة حول الحرف المقابل لاختيارك.
دخلت الخطية العالم
- عن طريق الشيطان الذي يخطئ من البدء.
- لان آدم استسلم لإغراء الشيطان.
ج) عندما تعمد آدم عصيان الله.
بما أن الخطية دخلت العالم:
- لم يعد الشيطان بحاجة لإغواء أحد.
- فالجميع خطاه ومعرضون للسقوط في التجربة.
ج) أصبح هناك موت جسدي وموت روحي أيضاً.
اكتب رايك في هذا القول:
ليس لنا ذنب في خطية آدم, وأيضاً ” الله غفور رحيم”
الحية المجربة
تنسب بعض الديانات القديمة كالمانوية وجود الشر في العالم إلى مبدأين يقوم عليهما الكون:
المبدأ الصالح, وهو إله الخير. والمبدأ االشرير, وهو إله الشر.
هذان المبدأن هما في حالة صراع مستمرة ويتخذان من الكون ساحة للصراع بينهما. ففي المخلوقات يختلط الشر بالخير, والخلاص يكون بالخروج من العالم الروحي اللامادي للتحرر من الشر والدخول في العالم الروحي اللامادي.
لكن الكتاب المقدس لا يعترف إلا بوجود إله واحد كلي المحبة والخير, ويفسر وجود الحرية والإختيار عنده. أن الحرية تفترض إمكانيه الإنزلاق نحو الشر, وإلا لساد القهر والجبر أفعال الإنسان وتصرفاته, وما دام الشر مرتبطاً بالحرية والإختيار, فمعنى ذلك أنه دخيل على العالم وليس اساساً فيه. فالحرية, كقوة اختيار وتغيير, تنفي عن الإنسان مبدأ الضرورة في المجال الأخلاقي, ومثلما يقع الإنسان في الشر بسبب خيار خاطئ, فهو يستطيع الخروج منه بتصحيح الإختيار.
لذلك لا يتمتع الشر بصفة الوجود بحد ذاته, ولا ينتمي إلى بنية الخلق الأساسية. إنه متطفل عليها, ولكن كما رأينا أن الإنسان إنزلق إلى الخطية بفعل الغواية, لذلك ليس مسئولاً مئة بالمئة عن خطيئته, فهناك التاثيرات الخارجية, والحية تلعب دور هذا المؤثر الخارجي, وهي تمارس تأثيرها بالحيلة والغواية: ” الحية غرتني فأكلت ” (تكوين 13:3). الحية كما رأينا تشوه الحقائق وتزيفها. إنها الحيلة والخداع, إنها بناء وهمي يقوضه النور, فلذلك تحب الظلمة.
لكنها تمارس عملها بالغواية المرتبطة بضعف الإنسان وسعيه الدائم لملء نقصه الأساسي ككائن مخلوق بالأشياء والممتلكات والملذات, في حين أن الذى يملأ هذا النقص هو الله. فالغواية هي إقناع الإنسان عن طريق الحيلة بأن هناك أشياء يمكنها ملء هذا النقص الأساسي فيه عوضاً عن الله.
والتجربة تستند إلى نفاذ صبر الإنسان ومحاولته سد هذا النقص باللحظة الآنية. التجربة هى إلغاء للزمن وبالتالي إلغاء للوعد الذي تحمله كلمة الله, وهو الوعد الذي يفتح أفق المستقبل, في حين أن وعد المجرب آني يجعل من العلاقة بالآخ علاقة استهلاكية. أما العلاقة الحقيقية فتتطلب احترام الآخر لذاته لا السعي لإستملاكه وإستهلاكه. فالخطية هي ثمرة إنزلاق الإنسان نحو علاقة استملاكية بالله والمخلوقات تحت تأثير غواية الحية.
إن الحية تبقى نزعة شر خارجة عن الإنسان, لكنها لا تبلغ الوجود إلا من خلاله, إذ يعطيها إمكانية تجسد فى العالم, ولكن عندما يغلق الإنسان أذنيه وقلبه عنها فهي تفقد صفة الوجود. لذا فإن طبيعة الشر طفيلية لا تعيش إلا بالإستيلاء على إرادة الإنسان وحريته عن طريق الحيلة والخداع. إنها تحول قلب الإنسان إلى ساحة صراع فتخلق فيه الإضطراب والقلق وتفقده السلام الداخلي.
لكن الله لا يترك الإنسان وحيداً في هذا الصراع, والمخلص جاء لينقذ الإنسان من هذه القوى, فينتصر عليها في نهاية المطاف. ويصور الرسول يوحنا في رؤياه هذا الانتصار بقوله ” ورأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفاتيح الهاوية, وسلسلة عظيمه على يده. فقبض على التنين, الحية القديمة, الذي هو إبليس والشيطان, وقيده ألف سنة وطرحه في الهاوية وأغلق عليه ” (رؤيا 12:2). وهذا الإنتصار نرى جذوره في الوعد الذي أعطاه الله منذ لحظة السقوط, إذ تحل لعنة الرب على الحية وحدها:
” فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا, ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية ” (تكوين 14:3). كما أن الصراع الذي يخوضه الإنسان مع الحية المجربة يحمل في طياته رجاء الإنتصار, وتحمله البشرية من جيل إلى جيل: ” وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها, هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ” (تكوين 15:3). فالجرح الذي يصيب الإنسان في عقبه له دواء, في حين أن رأس الحية المسحوق لا شفاء له. هذا الرجاء سيحققه آدم الجديد للإنسانية التي تنتظر تحررها من عبودية الخطية, كإنتظار الولادة الجديدة التي تحمل في آلام مخاضها ساعة خلاصها:
” فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن وليس هكذا فقط, بل نحن الذين لنا باكورة الروح, نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا, متوقعين التبني فداء أجسادنا ” (رومية 8: 22-24).
فإذا كان آدم القديم قد جمع البشرية فى الخطية, فإن آدم الجديد يجمعها في الخلاص. لذلك فقصة السقوط الأول ودخول الخطية إلى العالم لا ندرك حقيقتها إلا في ضوء الخلاص الحقيقي الذي حققه يسوع المسيح.
والولادة الجديدة هي الإنتقال من حالة آدم القديم إلى حالة آدم الجديد, والله لا يخلص البشرية بمحو البشرية القديمة, بل بإخراجها من البشرية القديمة.
فبين البشريتين يقف المسيح كجسر يدعو كل إنسان إلى العبور به.
الحل لمشكلة الخطية:
هل تتذكر القصة التي بدأنا بها هذا الدرس؟
لابد للشخص الذي يقفز من برج القصر أن يموت ولكن, ماذا لو أن صديقاً نصب شبكة قوية تحت النافذة؟
إنه سينجو من الموت إذا وقع داخل الشبكة.
لقد رتب الله علاجاً لكى لا يتعذب الناس عذاباً أبدياً على خطاياهم, فأرسل ابنه إلى العالم ليعد طريقاً لنجاة الإنسان, ولد الرب يسوع المسيح من مريم العذراء ولم يرث طبيعة آدم الخاطئة, فكان الإنسان الوحيد بلا خطية البتة, وعلى صليب الجلجثة احتمل بإرادته عقاب الخطية ووفّى جميع مطالب الله المقدسة, وبما أن عقاب الخطية قد تسدد فإن الله يستطيع الآن أن يعطى الحياة الأبدية لكل خاطئ يعترف بأنه خاطئ ويقبل الرب يسوع المسيح رباً ومخلصاً له.
الخلاصة..
في ختام هذا العرض, نختصر موضوع الخطية كقضية في النقاط التالية:
1- عندما نتحدث عن الخطية الأصلية نخلط عادة بين حقيقتين:-
– حقيقة الخطية التي حدثت أولاً, أي خطية الإنسان الأول باختياره واتباعه صوت المجرب بحثاً عن استملاك الحياة, في حين أنها عطية الله نتلقاها بالعلاقة الحميمة معه.
هذه الخطية شكلت البداية الإفتتاحية لعصر الخطية.
– وحقيقة الإنسان الذي ينزع إلى الخطية منذ مولده. لذا فإن الخطية الأصلية لا تعني فعلا فردياً معيناً, بل تشير إلى الواقع البشري الذي تراكمت فيه سلبيات الخطايا عبر العصور, والذي يدفعنا إلى ارتكاب الخطايا نحن أيضاً, مثلما يؤثر الجو الملوث في صحة السكان الذين يعيشون فيه.
هذا الواقع لا ينزع إلى الإنفتاح على صداقة الله ومحبته والمشاركه في حياته…فالخطية ليست أصلية بالمعنى التاريخي للكلمة, بقدر ما هي نزعة متأصلة في الإنسان بابتعاده عن الله وارتكابه المعاصي. فآدم يرمز إلى الوجه المشترك للإنسانية, إذ يرى كل منا فيه ملامحه. إنه يعبر عن البعد التضامني للبشرية. فإذا كان آدم القديم تشير إلى هذا التضامن ببعده السلبي, فالمسيح هو آدم الجديد يشير إلى بعده الإيجابي.
2- ولكن يجب ألا نعزل حقيقة الخطية الأصلية عن الإطا العام للتاريخ الخلاصي, بجعلها حقيقة مستقلة قائمة بحد ذاتها ونقطة انطلاق لعلاقة الله مع الإنسان. بل يجب فهمها على ضوء الخلاص الذي حققه يسوع المسيح بموته وقيامته, والذي كشف لنا عن محبة الله اللامتناهية التي تبقى هي الأصل. وهذا ما بينّاه مطولاً فى عرضنا.
لذا يجب إعادة النظر في مكانة هذه الخطية ضمن إطار التعليم المسيحي وإعادتها إلى حجمها الحقيقي.
3 – من المؤسف ألا نرى في تجسد المسيح ورسالته الخلاصية سوى حادث ناتج عن الخطية الأصلية, خطيئة آدم. وحدث مجئ المسيح إلى عالمنا وكأن الخطية هي الحدث الأساسي الذي يفسر سر الخلاص, في حين أن الحدث الأول الأصلي هو حب الله الذي يتجلى في الخلق وفي الخلاص. فالمسيح هو كلمة الله الذي كان منذ البدء والذي به كُون كل شئ. فالمحرك الأول لتاريخ الخلاص ليس سقوط آدم, بل مبادرة الله المُحبِة التىي تسبق الخطيئة وتتجاوزها.
4- إن الكتاب المقدس لا يتحدث عن دينونة إلهية لإنسان كُتبت عليه الخطيئة قضاءً وقدراً, بل عن ثمار أعمال الإنسان المتولدة عن اختياراته الحرة. فوراء الخطية نكمن مسئولية الإنسان المتولدة عن اختياراته الحرة. فوراء الخطية تكمن مسئولية الإنسان ومأساة حريته. والواقع أن الكتاب المقدس فى أسفاره كافة عندما يتكلم عن الخطية يذكر في الوقت عينه الدعوة إلى التوبة, كأمكانية مفتوحة أبداً أمام الإنسان الخاطئ. والكتاب المقدس لا يتحدث عن خطية بالمعنى الوراثي للكلمة, بل عن تلوث عام بالخطية ينتقل من جيل إلى جيل. فخطية الأبناء لا يحددها سلوك الآباء, بل يضرس الأبناء بالمرارة التي تفرزها خطايا الآباء.
وفي النهاية يمكننا القول إن الخطية الأصلية هي الجذر العميق الذي نجده في كل خطية, في كل مرة نقول فيها “لا” لنعمة الله ومحبته الفياضة, عندما يرفض الإنسان تلقي حياته كهبة من الله, معتبراً إياها غنيمة يستولي عليها. ومهما يكن فإن نعمة الله ومحبته تبقيا هما جوهر العلاقة التي تربط الإنسان بالله والتي فاضت وتكاثرت, خصوصاً عندما كثرت الخطية.