وحدانية الثالوث القدوس
وحدانية الثالوث القدوس
أحد مشكلاتنا في فهم طبيعة الله الواحد في ثلاثة أقانيم تأتي من أن العقل البشري لا يفهم إلا إذا إستطاع أن يضع معني الكلام في صور حسية، ولإن الله غير مرئي ويفوق إدراك عقولنا –وهذا أحد أهم أدلة أن الثالوث القدوس ليس إختراع بشري- فنواجه دائماً مشكلة في فهم الثالوث القدوس. فالثالوث القدوس ليس هو فلسفة أو جدل عقلي لكنه خبرة يتذوقها كل من دخل في شركة معه؛ فمن يحب الله يعرف الله بحسب تعليم القديس يوحنا الإنجيلي: “كل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله.” (1يو4: 7).
هذه الشركة تتأسس بنوال المؤمن سر المعمودية حيث ينال نعمة الميلاد الجديد من الماء والروح فيصير هيكلاً للروح القدس ومسكنًا للثالوث القدوس. بداية يجب أن نعرف أن الله ليس مكون من أجزاء وغير قابل للتقسيم لإنه واحد في ذاته، جوهره واحد منذ الآزل وهذا الجوهر غير محدود بمكان، وهذه أيضاً طبيعة الأقانيم الإلهية في داخل هذا الجوهر إنها غير محدودة بمكان
ولذلك فهم واحد لإنه لا يفصلهم مكان أو حدود، لتقريب هذا الأمر فلنتصور ثلاثة شموس مُتداخلة في بعضها البعض وكل شمس منهم محتوية الأثنتين الأُخرتين، فالحرارة الناتجة منهم هي واحدة والنور واحد إلا أنهم ليسوا شمساً واحدة بل ثلاثة شموس، وفي نفس الوقت لا أقدر أن أقول أنها ثلاثة شموس منفصلة بل هم بالنسبة لي شمس واحدة لإنهم في أحتواء تام وكامل ويصدر عنهم ضوء واحد وحرارة واحدة لذلك هم واحد بالنسبة لي وليسوا واحداً بالمعني الصنمي بالنسبة لعلاقاتهم الداخلية.
وهكذا، فإن لاهوت الإبن ولاهوت الآب ولاهوت الروح القدس هو واحد تماماً لوحدة الجوهر والإرادة والفعل الصادر عنهم. وذلك ما يجعلنا نقول أن كل إقنوم منهم هو كل ما للآخر لإن لهم نفس العمل والإرادة التي لا تنبع من ميول نفسية لأشخاص مُنفصلين بل تنبع من الجوهر الإلهي الواحد.
فالروح القدس له كل ما للآب وكل ما للإبن، والإبن ليس هو جزئاً من الله او شئ منه او حتي كائناً غير منفصلاً عن الله، بل هو كل ما هو الله منذُ الآزل، وذلك لإن الله بكامله وكماله هو في كل إقنوم لإنه لا تقسيم في الله ولا إنفصال، لأن طبيعة الله بسيطة وغير مُركبة من أجزاء.
وهكذا ففيي صلاتنا عندما نذكر إسم الروح القدس فنحن نذكر إسم الآب الذي منه الروح ينبثق والإبن الذي أعطانا شركة الروح. وعندما نذكر إسم الإبن فنحن نذكر ايضاً الآب الذي ولده، والروح القدس الذي سكن فينا لأجل تجسد الإبن. ولذلك نحن نسجد للثالوث سجدة واحدة ونذكر إسم الله مرة واحدة ونأخذ عطايا مصدرها إله واحد لكن في هذا الحوهر الإلهي الواحد ثلاثة أقانيم هم كل ما هو الله منذ الآزل.