من هو المسيح – كيف أرى يسوع المسيح ؟
من هو المسيح – كيف أرى يسوع المسيح ؟
قبل أن تقرأ هذا المقال
الكثيرون منا، وبالأخص الذين إذ يسمعون إسم يسوع أو يقرأون عنه، لا يسمعوا أو يقرأوا إلا ما يتوافق مع مورثاتهم العقائدية بلا تفكير أو تدبر، ما هو الحق؟!! وكأن ما ورثوه هو أصح الصحيح، ويرفضون أنيسمعوا ما يقوله الله عن يسوع المسيح. يل أنهم يؤولون ما يسمعونه على هواهم، لتصير كل الحقائق ملونة بلونهم الخاص. وبالطبع يكونون معطلين لأهم عطايا الله لهم، ألا وهو “العقل”.
والإنسان الذي لا يستخدم عقله هو طفل كبير، فهو لا يقرأ ولا يفكر ولا يعرف فن التأمل ولا يتذوق متعة الجلوس إلى النفس، فهو لا يستطيع أن يفجر طاقات فكره وعقله وله أعصاب تتوطر لأتفه الأسباب.
أما الإنسان الذي يفكر ويعطي لعقله الدور الذي رسمه له الخالق، فهو يحاول دائماً أن يعطي لحياته معنى إنسانياً، وذلك بأن يتفحص كل ما يقرأه بذهن الحياد، وكما كتب د/كمال قلته في كتابه “الانسان هو القضية الانسان هو الحل” جميع قضايا الإنسان، تتلخص في قضية واحدة: “الإنسان” وقضية الإنسان، تتلخص في قضية واحدة: هل يستخدم “عقله”؟
لذا فكل ما أأمله منك أيها القارئ أن تفحص ما أعلنه من خلال هذه السطور عن إيماني، فليس المطلوب أن تتفق معي في “إيماني” ولكن المكلوب أن تتفق معي في “منهج الحوار”، هذا المقال دعوة لك .. فهل تقبل!!
هذا السؤال الهام لهو خير ما نبتدئ به سطورنا تلك .. لأنه وكلما حاولنا الحديث عن المسيحية “كديانة” سنحد أنفسنا ملزمين بالحديث عن شخص “يسوع المسيح”. وهو أيضاً الشخص الوحيد الأكثر جدلاً حول طبيعته، بل وحتى طبيعة رسالته !!.
حتى أننا نجد أن كثرون يرونه “شخصية أسطورية” إبتدعها الخيال اليهودي (نقصد البعض منهم الذين أطلق عليهم فيما بعد المسيحيون) فيشككون في تاريخيته، وكأنه خرافة، فيقارنون بينه وبين أساطير الشرق الأقصى، أو الأساطير المصرية (إيزيس وأزوريس .. على سبيل المثال) …
والبعض لا يراه أكثر من نبي أو رسول، أرسل من قبل الله برسالة خاصة إنتهى جزء منها، والجزء الباقي مؤجل بقرب مجئ الساعة، حيث يظهر من جديد (ولا نعلم كيف؟) ليقضي على المسيح الدجال !!
والبعض يراه معلماً، مفوهاً وحكيماً، وهذا – كما يرون – ما خلد ذكراه، على مثال أرسطو وافلاطون، من فلاسفة الزمان الغابر، فيقارنون بينه وبين سقراط على وجه الخصوص..!!
والبعض يراه الله الظاهر في الجسد، متمماً مقاصد الله، بذاته، وفي ذاته !!
ولكن .. وقبل كل هذا من
أين تبدأ القصة لهذه
الشخصية الفريدة ؟!!
تبدأ القصة من حوالي ألفي سنة حيث دخل يسوع المسيح جنسنا البشري من خلال عائلة يهودية صغيرة كان عضواً في عائلة فقيرة تنتمي إلى إحدى الأقليات، سكنت في واحدة من أصغر بلاد العالم، عاش حوالي ثلاثة وثلاثين سنة تضمنت السنوات الثلاثة الأخيرة منها خدمته العامة، لتكتمل بحادثة صلبه، ثم قيامته، وصعوده.
كان هذا في هدوء .. وأيضاً رحل عن عالمنا في هدوء .. إلا أنه لا يوجد شخص ثار حوله كل هذا الخلاف مثل شخص المسيح. إلا أننا إذا تابعنا حياة يسوع المسيح وأثره، فإننا نلاحظ أنه حيثما إنتشرت رسالته حدث تغيير عظيم في حياة البشر والأمم.
غالباً ما يسمع المرء أن التاريخ هو قصته، قصة رجل واحد، فأنت إن رفعت أسم يسوع المسيح من التاريخ فإن التاريخ يصبح قصة مختلفة.
وصف كاتب تأثير يسوع المسيح قائلاً: “تسعة عشر قرناً جاءت ومضت، واليوم هو يحتل قلب البشرية ويقود قافلة التقدم، وأني لا أخطئ إن كل جيوش العالم التي اشتركت في المعارك، وكل الأساطيل البحرية، وكل المجالس النيابية التي أجتمعت، وكل الملوك الذين حكموا لم يؤثروا في حياة الإنسان كما فعل شخص واحد هو يسوع الناصري (نسبة إلى مكان ولادته”.
لقد إنقسم الناس عبر العصور حول هذا السؤال: ” من هو يسوع ” فلماذا كل هذا الخلاف حول شخص واحد؟
قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نطرح سؤال هان، ألا وهو:
لماذا ينفرد يسوع بلقب “السيد المسيح” حتى أنه صار ملازماً لإسمه؟!
يلزمنا أن نعرف معنى كلمة “المسيح”، حيث نعرف من الكتاب المقدس بلإن هذه الصفة تطلق، في العهد القديم، على الشخصيات التي تمسح بالزيت: الملك ( 1 صموئيل 7:24) وعظيم الكهنة (لاويين 4:2). وكانت تدل أيضاً، بالمعنى التوسعي على من اختاره الله للقيام بمهمة خاصة. وهذا اللقب كان ذا طابع خاص لدى اليهود، حتى أنهم اعتبروا يسوع المسيح “قد جدف” حين سألوه قائلين: “إن كنت أنت المسيح فقل لنا … أفأنت ابن الله؟” (لوقا 22: 67-70). لماذا؟
حين بدأ يسوع حياته العلنية كانت الأمة اليهودية تئن تحت النير الروماني، وكان الصولجان قد انتزع من يد سبط يهوذا، ولذا كانت الآمال بظهور المسيح تتفاعل في النفوس أكثر من أي وقت مضى، وفقاً للنبوات.
وكان هناك حزبان كبيران في صراع مرير على النفوذ: وهما الصدوقيون والفريسيون. فالصدوقيون كانوا متعاطفين مع السلطة الرومانية الإستعمارية، وأصحاب الوظائف الكهنوتية العليا التي منها رئاسة الكهنوت.
أما الفريسيون فلم تُدركهم حظوة الحكام وكانوا قبل كل شيء حزباً دينياً تميز بالتشدد في حفظ أحكام الناموس والنفور الجامح من كل اتصال بالأجنبي الوثني. وقد خرجت منهم فئة تدعى الغيورين، وهؤلاء عُرفوا بتقيدهم الصلب بالناموس وتفسيرهم الضيق له. وقد ناصبوا يسوع العداء وقاوموه وطاردوه بلا هوادة. وكثيراً ما اضطر يسوع ازاء تسميمهم روحية الشعب أن يفضح رياءهم وكبرياءهم.
فلا عجب اذن، ازاء مصالح هذه الأحزاب المتناقضة وتطلعاتها المتضاربة، اذا عثرنا على تقييم مختلف للرجاء بظهور المسيح. فإن الصدوقيين كانوا راضين بالوضع القائم وغير مستعجلين الخلاص المنتظر خوفاً من حدوث اضطرابات أو تغييرات وبالاً عليهم.
أما الفريسيون الذين كانوا يئنون تحت نير أجنبي ثقيل يذلهم ويتركهم بلا امتيازات فكانوا بالعكس ينتظرون بفارغ صبر مجئ ملكوت المسيح، هذا المجئ الذي يجعل العالم كله تحت سيطرة يهوه وشريعة موسى، ويقيم الأمة اليهودية في مكان الصدارة بين الأمم فيخفق علمها الظافر في أجواء الأرض كلها.
ولكن آراء اليهود كانت تنقسم حينما كان يثار الموضوع لمحاولة تحديد ميزة الملكوت الآتي. فبعضهم كان يشدد على ناحيته الأدبية والدينية ويعتبره انتصار الأبرار واليوم العظيم الذي يحصل فيه كلّ على ما يساوي استحقاقه.
وبعضهم – وكان السواد الأعظم – كان يعتبره مجداً زمنياً وازدهاراً دنيوياً ويرى في المسيح مفتتحاً جباراً وبطلاً حربياً عظيماً يظهر فجأة على سحاب السماء ويدخل ظافراً مدينة القدس، وهو على كل حال لم يكن في نظرهم على الأطلاق مسيحاً معذباً يحرر النفوس في الدرجة الأولى ويكّفر عن الخطية بذبيحة لها قيمة لا متناهية. ومن كل ما سبق، نعلم قيمة لقب “المسيح”، ونعلم لماذا اعتبر اليهود “يسوع المسيح” قد جدف حين أطلق على نفسه لقب “المسيح”.
وإن كان رفض اليهود لـ “يسوع” على أنه المسيح هكذا، ترى ما هي مواصفات المسيح في النبوات، كما ذكرت بالكتاب المقدس؟
سنستعرض هنا أهم النبوات عن المسيح الواردة في أسفار العهد القديم:
1- النبوات المتعلقة بأصل المسيح وصفاته الشخصية:
- يكون من ذرية سام: “وقال (نوح): مبارك الرب إله سام، وليكن كنعان عبداً لهم” (تكوين 26:9)
- ومن نساء ابراهيم: “وقال الرب لإبرام: …. وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” (تكوين 3:12)
- ومن سبط يهوذا: “لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب” (تكوين 10:49)
- وسيكون وارثاً لعرش داود: “ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم والمشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب …” (إشعياء 11: 1-5)
- يكون أبن الله: “أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قُدسي. إني أخبر من جهة قضاء الرب، قال لي : أنت ابني، أنا اليوم ولدتك، اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك” (مزمور 2: 6-8)
- يكون كاهناً على رتبة ملكي صادق: “قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك … أفسم الرب ولن يندم، أنت كاهن على رتبة ملكي صادق” (مزمور 110: 1-4)
2- النبوات المتعلقة بزمن مجيئه:
- سيظهر بعد زوال القضيب من يهوذا: “لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب” (تكوين 10:49)
- سبعون أسبوعاً من السنين تمضي بعد الجلاء من بابل، قبل مجيئه: قال الملاك جبرائيل لدانيال: “إني خرجت الآن لأعلمك الفهم في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب، فتأمل الكلام وافهم الرؤيا. سبعون أسبوعاً قضيت على شعبي وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين” (دانيال 9: 23-24)
- سيظهر مشتهى كل الأمم قبل تدمير الهيكل: “قال رب الجنود: هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة. وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً، قال رب الجنود” (حجي 2: 7-10)
3- النبوات المتعلقة بميلاد المخلص وطفولته:
- سيولد من عذراء: “يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل” (اشعياء 14:7)
- يولد في بيت لحم: “أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل” (ميخا 2:5)
- سيقتل الأطفال لدى ميلاده: “هكذا قال الرب: صوت سُمع في الرامة، نوح بكاء مرً، راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين” (إرميا 15:31)
- سيهرب إلى مصر: “لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني” (هوشع 1:11)
4- النبوات المتعلقة بحياته العلنية:
- سيكون له سابق: “ها أنذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي ويأتي إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تُسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود” (ملاخي 1:3)
- سيبشر خاصة في الجليل: “ولكن لا يكون ظلام للتي عليها ضيق، كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالي يكرم الأخير طريق البحر عبر الأردن، جليل الأمم. الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور” (إشعياء 9: 1-2)
- سيصنع المعجزات: “قولول لخائفي القلوب تشددوا، لا تخافوا، هوذا إلهكم، الإنتقام يأتي، جزاء الله، هو يأتي ويخلصكم، حينئذ تنفتح عيون العمي وأذان الصم تتفتح، حينئذ يقفز الأعرج كالأيل ويترنم لسان الأخرس لأنه قد انفجرت في البرية مياه وأنهار في القفر” (إشعياء 35: 4-6)
5- النبوات المتعلقة بآلامه وموته:
- سيدخل المدينة المقدسة على أتان: “ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتي إليك عادل منصور ووديع وراكب على حمار وعلى جدش ابن أتان” (زكريا 9:9)
- سيحمل أحزاننا وأوجاعنا: “لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروج لأجل معاصينا مسحوق لأجل أثامنا، تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا” (إشعياء 53: 4-5)
- يخونه أحد أحبائه: “أيضاً رجل سلامتي الذي وثقت به أكل خبزي، رفع عليّ عقبه” (مزمور 9:41)
- سيباع بثلاثين من الفضة: “فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا، فوزنوا اجرتي ثلاثين من الفضة، فقال الرب: ألقها إلى الفخاري، الثمن الكريم، الذي ثمنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب” (زكريا 11: 12-13)
- تلاميذه وأحبائه سيتركونه: “استيقظ يا سيف على راعيّ وعلى رجل رفقتي يقول رب الجنود، اضرب الراعي فيتشتت الغنم وأرد يدي على الصغار” (زكريا 7:13)
- سيصلبوه وتثقب يداه ورجلاه: “فيقول له ما هذه الجروح في يديك، فيقول: هي التي جرحت بها في بيت أحبائي” (زكريا 6:13)
“أما أنا فدودة لا إنسان، عار عند البشر ومحتقر الشعب. كل الذين يرونني يستهزئون بي، يفغرون الشفاه وويتنغصون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سر به….أحاطت بي كلاب، جماعة من الأشرار اكتنفتني، ثقبوا يديّ ورجليّ. أُحصى كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون فيّ. يقتسمون ثيابي وعلى لباسي يقترعون..” (مزمور 22: 1-19)
- سيطعن بالحربة: “وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمو والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له، ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره” (زكريا 10:12)
6- النبوات المتعلقة بقيامته وحياته المجيدة:
- سيقوم من الموت: “من يد الهاوية أفديهم من الموت أخلصهم. اين أَوباؤك يا موت، اين شوكتك يا هاوية..” (هوشع 14:13)
- سيصعد بمجد إلى السماء: “صعدت إلى العلاء، سبيت سبياً، قبلت عطايا بين الناس…” (مزمور 18:68)
- سيجلس عن يمين الله: “قال الرب لربي اجلس عن يمين حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك” (مزمور 1:110)
- سيرسل الروح القدس: “ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى، وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الأيام” (يوئيل 28:2)
كانت هذه بعض النبوات المحفوظة لنا في العهد القديم، ولا عجب أن نراها وقد تحققت في العهد الجديد، ورغم كل هذا فقد رفض من قبل اليهود، وحتى الآن، مازال اسمه يسبب الضيق..
فلم لا يتضايق الناس عند ذكر أسماء أشخاص كبوذا وكنفوشيوس وغيرهما؟ يرجع السبب إلى أن أياً من هؤلاء الأشخاص لم يَدع أنه الله لكن يسوع زعم ذلك، وهذا ما يميزه عن غيره من القادة الدينيين.
يوجد أناس لا يؤمنون بأن يسوع هو أبن الله المخلص، بعضهم من كبار العلماء في العالم، ولكن أشد ما يثير دهشتي وعجبي عندما أقرأ وأتحدث إلى بعضهم عن المسيح وأكتشف أنهم في معظم الأحيان يجهلون الحقائق الأساسية للإنجيل، فهؤلاء الكُتَّاب كتبوا في موضوع لا يفهمونه فهماً كاملاً. لقد نصبِّبوا تماثيل من القش ثم راحوا يهدمون ما صنعوا.
ولم أقابل شخصاً بحث بجدية موضوع الأثباتات التي تتعلق بيسوع المسيح، ثم أستمر يقول أنه ليس أبن الله لقد إلتقيت بكثيرين لا يؤمنون، ولكن في أثناء الحديث وابحث معهم إعترفوا بإخلاص قائلين: “إننا لم نكرس وقتاً كافياً لقراءة الكتاب المقدس والبحث في الحقائق التاريخية المتعلقة بيسوع” رفضهم ليسوع مبني على ميراث فكري، عقائدي قد ورثوه، وبكل أسف فإن بعضهم يرفض المسيح بناء على تجارب أو صدمات من بعض المسيحيين الغير أمناء، إلا أنهم أيضاً، لم يبحثوا وبإخلاص في شخص يسوع المسيح وحقه في التملك على حياتهم.
وفي أحد الآيام صرخ في وجهي صديق لي سائلاً عدة أسئلة:
من هو يسوع ؟
كيف يمكن أن يكون إلهاً وإنساناً في نفس الوقت؟
وماذا يفعل الأن؟
إن أفضل الأجوبة على هذه الأسئلة موجودة في الكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله، وفي هذا الدرس سنعالج هذه الأسئلة التي أراد صديقي معرفة إجابتها، وربما تشغلك أنت أيضاً.
يقول القديس إلياس مقار في كتابه الهام “إيماني” من السمات المسيحية الواضحة واعتدادها بعظمتها ويقينها وثباتها، أنها لا تفزع أو تضطرب يوما ما، مما يمكن أن يقال عن سيدها..كيف لا والمسيح نفسه يشجع الحرية الفكرية على الدوام في أقصى مداها، ولم يُعرف عنه يوماً أنه أرغم إنسان على الإيمان به..”ومن هنا كانت الآراء المختلفة حول شخصة”.
ترى ما هي الأكثر الآراء شيوعاً..؟
يلخصها لنا صاحب كتاب “إيماني” حيث يقول: “…من أقدم الآراء ذلك الرأي الذي نادى به الغنوسيون ممن أنكروا فكرة التجسد بالمعنى الشائع المعروف عند جمهور المسيحيين، وأقروا لاهوت المسيح دون ناسوته ومنهم “الدوسيتيون” والكلمة من أصل يوناني معناه “يتراءى أو يظهر”، وقد قالوا: أن المسيح ظهر فقط في هيئة إنسان دون أن يكون له حقيقة جسد اإنسان، وهو لم يولد بالحقيقة ولا تألم ولا مات، إذ كان جسمه طيفاً أو خيالاً منظوراً، وقد اعتنق هذا المذهب في القرن الخامس أحد أساقفة الإسكندرية المدعو “كيرل” ممن قال في معرض أحاديثه ذات ملاة:
“من أجل قائدة سامعيه تظاهر المسيح أنه لا يعرف”..ومن الغنوسيين من قال: أنه ملك سماوي، ولعل الذي شجع مثل هذه الآراء عند هؤلاء وأولئك هو الظهورات المتكررة في العهد القديم والتي يظهر فيها الله في شبه صورة إنسان، وإعتقادهم إلى جانب ذلك أن الجسد شر في أصله مناف لجلالته وعظمته ومجده.. وضعف هذه الآراء أنها آراء عاطفية تفتقر إلى الدليل، والمنادون بها على الأغلب ظنوا أنهم يمجدون المسيح، ينفي خضوعه لما يخضع له سائر الناس أجمعين، مع أن لغة الكتاب المقدس ضدها على خط مستقيم، كما أن الذين رأوا المسيح وعاشوا معه، وعاصروه ولمسوا حياته كإنسان ينفونها نفياً قاطعاً.
وقريب من هذه الآراء أيضاً مذهب “الأبوليناريين”، ومن ابتدعوا فكراً عن المسيح من غير سند، متأثرين بأراء أفلاطون في الانسان وقوله أنه (أي الإنسان) مكون من الجسد والنفس والروح الناطقة، ومرجع الضعف على هذا الرأي، أنه آمن بالرأي الأفلاطوني كحجة من غير جدال وفي الوقت عينه، قلبه جزئياً مبتوراً ناقصاً، إذ رفض وجود الروح الناطقة في المسيح كلإنسان ولم يبين كيف يتفق هذا مع قول المسيح على الصليب: “يا أبتاه في يديك أستودع روحي” (لو 46:23) ومن أجل هذا رفضت الكنيسة جميع هذه الآراء وعدتها ضلالات في مجمعي القسطنطنية عام 381م وخلقدونية عام 541 واعتبرت مبدعيها هراطقة لا يمكن أن يعبروا عن الوحي والعقيدة المسيحية.
وأيضاً، هناك أريوس صاحب البدعة القائلة أن المسيح إله، ولكنه من دون الله، إذ هو والروح القدس مخلوقان في البدء قبل أية خليقة أخرى وطبيعتهما تشبهان طبيعة الله، وأن المسيح بهذا المعنى ليس إلهاً بذاته، ولكنه صار بمنزلة إله نظراً إلى ارتقاء طبيعته، وأن الله أوكل إليه خلق العالم وهو كخالق وملك يستحق العبادة الإلهية، وقد وجدت هذه الآراء عند البعض الرأي المضاد، وهو الإيمان بناسوت المسيح دون لاهوته، إذ قالوا أن المسيح هو “الإنسان الكامل”، الإنسان الذي هو في عرف البعض: “قد يكرم كأعظم قائد وأروع بكل وأمجد شهيد ولكنهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يربطوا أنفسهم به أو يتأصلوا فيه أو يخضعوا حياتهم له بدون قيد أو شرط، وبالتالي لا يمكن أن يجعلوه مركز عقيدتهم وأساسها”.
ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى الرأي النسطوري، الذي حاول به “نسطور” وأتباعه التوفيق بين هذه الآراء المتعارضة، فأنتهى به التفكير إلى أن المسيح “بين بين” فلا هو بالإنسان الكامل أو الإله الكامل، إذ فصل “نسطور” بين الانسان في المسيح وبين اللاهوت، إذ لكل منهما شخصية مستقلة متميزة عن الأخرى، والمسيح هو ذلك الإنسان الذي يختلف عن جميع البشر، الذي حل فيه لاهوت الله حلولاً كاملاً، بينما يحل الله في غيره من الناس حلولاً جزئياً، ولعل الذي دفع “نسطور” إلى ذلك، أو في تعبير أدق “ورطة” فهو لم يكن يبحث أصلاً في العلاقة بين الناسةت واللاهوت، بل جاء بحثه وليد نزاع بينه وبين غيره حول “مركز العذراء من المسيح” فخرج رأيه ممسوخاً مشوهاً، لفظته الكنيسة مع غيره من الضلالات..وعيب عليه ما أغفل من أزلية المسيح السابقة على التجسد.
أما الرأي الذي عاش في الكنيسة من البدء وحتى يومنا هذا فهو، بأن للمسيح طبيعتين تامتين كاملتين، إذ هو إله وإنسان تام، إتحدا في شخصه الواحد.
فالمسيح يسوع هو إعلان الله المنظور عن نفسه للإنسان، فقد اختار الله أن يأخذ صورة إنسان لكي نستطيعأن نفهم الله بشكل أفضل، ونفهم خطته لخلاصنا، وباختباره أن يأخذ صورة إنسان أصبحت ليسوع طبيعتان في شخص واحد، وعما الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية.
نقرأ في (رومية 1: 3-4) الآتي:- “عن أبنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين أبن الله من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات”.
(1) الطبيعة الإنسانية:
ولد يسوع من عذراء تدعى مريم. “فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله وها أنت ستحبلين وتلدين أبناً وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيماً وأبن العلي يدهى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية” (لوقا 1: 30-33)
وهذا يعنى بأن المسيح الإنسان جاء إلى الأرض وعاش فيها وسار في بيدائها واختبر من أختبارات الحياة ما يمكن أن يختبره جميع الناس من ضيق وتعب بشدة وفقر وألم وحزن وما أشبه من التعاسات والعذابات التي يعانيها البشر في كل جيل وعصر، بل أنه وصل في الواقع إلى أعماق فيها هيهات أن يصل إليها مخلوق بشري، وذلك لأنه وهو الوحيد بين الناس الذي لم يعرف خطية، كان لابد أن يكون محرراً من البلادة التي تنشئها الخطية في حياة الناس.
كما أن صراعه ولا شك كان الصراع الأقسى والأكبر، إذ أن صراعنا في الأغلب صراع إجباري مفروض علينا، أما هو فقد كان صاحب الصراع الآختياري الدائم، وهل هناك ما هو أقسى من أن يحتمل القوي هوان الضعفاء وهو القادر على كل شيء؟
وأمام إنسانية المسيح يتعثر الكثيرون، كما يتعثرون أمام لاهوته. وقد عرضنا بعضاً من مواقفهم فيما سبق، ولكن تبقى حقيقة المسيح الإنسان الكامل. أجل هذا هو المسيح الإنسان بكل ما في الكلمة (إنسان) من معنى ومداول.
(ب) الطبيعة الالهية:-
فقد ولد من الله الآب..وحتى ما نقرب إلى فهمك هذا الحق تعالى نقرأ ما يقوله قانون الإيمان: أن المسيح هو أبن الله مولود غير مخلوق. ويضيف قائلاً: إنه مولود قبل كل الدهور.
فليكن واضحاً لديك أن لا علاقة بين هذا القول وولادة المسيح على الأرض كإنسان أبن عذراء، ولسنا هنا بصدد الولادة من عذراء بل نبحث في ما سبق خليقة الطبيعة قبل بدء الأزمنة. لقد ولد المسيح قبل كل العالمين ولم يُخَلق، فما معنى ذلك؟
عندما نقول “وُلِد” نعني “أصبح والداً” وكلمة “خُلَق” تعني “صُنِعَ” والفرق بينهما هو هذا: إن الذي يِلَدْ، إنما يَلِد من جنسه، فالإنسان يلد إنسان، والأرنب يلد أرنباً، والطير يلد طيراً، وأما الذي يصنَع، فَيَصنع ما يختلف عن نفسه، فالطير يصنع عشاً والأرنب يصنع جحراً والإنسان يصنع سيارة، أو قد يصنع شيئاً أشبه بنفسه..، ولا يتنفس ولا يفكر وليس حياً.
لذا يشدد قانون الإيمان على عبارة “مولود غير مخلوق”.
تمرين للتطبيق
1- لم لا يتضايق الناس عند ذكر أسماء كبوذا وكنفوشيوس وغيرعما، بينما يثرون عند ذكر أسم يسوع المسيح ويتجادلون حوله؟
2- أكاب وبإختصار بعضاً من الأقوال المختلفة حول شخص المسيح، ذاكراً رفض الكنيسة لهذه الآراء..!
3- لماذا يكون ألم يسوع المسيح كإنسان يفوق كل ألم عن كل البشرية؟
4- لماذا ينفرد “يسوع” وحده بلقب “المسيح”؟
5- أذكر بعض النبوات التي ذكرت في العهد القديم عن المسيح، مستعيناً بما درست.
6- لماذا اعتبر اليهود أن يسوع قد جدف حين قال عن نفسه أنه المسيح؟
1- إن أسم يسوع يشير إلى لاهوته، عندما قال الملاك أن اسم الطفل يسوع كان ذلك لسبب خاص جداً، فيسوع يعني “مُخَلِص” نقرأ في (متى 21:1)
“فستلد إبناً وتدعو اسمه يسوع، لأنه يخلص شعبه من خطاياهم”
2- كذلك فلقب “المسيح” له معنى خاص لأنه “الممسوح” أو “المسيا” وفي الماضي يقع الاختيار على إنسان ليصبح ملكاً، كان الزيت يسكب على رأسه خلال الاحتفال بتنصيبه وانسكاب الزيت كان يسمى “مسحاً” وهكذا فإن لقب “المسيح” أو “الممسوح” يعني أنه ملك. فالمسيا هو اللقب الذي أطلقه اليهود على الملك والمخلص الذي كانوا ينتظرونه، وسمعان بطرس إعترف به كملك إذ قال “أنت المسيح أبن الله الحي” (متى 16:16)
3- وأول عبارة تقابلنا في بشارة مرقس هي: “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله” (مرقس 1:1) وهذه العبارة تشد انتباهنا إلى أنه مثل الله، الذي رأه رأى الله (يوحنا 9:14) لقد قال المسيح إن الذين يصلّون لأجل الذين يسيئون إليهم هم أبناء الآب السماوي لانهم يتصرفون مثله، فهو يشرق شمسه على الأشرار والصالحين (متى 45:5)، وهو أيضاً قد قال عن نفسه (أكثر من مرة) أنه ابن الله..“أتؤمن بأبن الله؟” راجع في ذلك الشواهد التالية:
(يوحنا 9: 35-37، يوحنا 10: 31-36)، ومن الأكيد أن أعداء يسوع اتخذوا لقب “ابن الله بمعناه الحقيقي: “أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لآجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً” (يوحنا 33:10) وحكام يسوع في المحكمة العليا، يصرخون كلهم بعد اعتراف يسوع الشخصي “لقد جدف” وأنه مستوجب الموت (متى 26: 65-66) ولم يكن من المعقول أن ينزاوا حكماً كهذا بمتهم يدعي البنوة بالتبني شأنه في هذا شأن رجال الله والأنبياء.
وبعد كل هذا ماذا نقول لمن يسأل معترضاً: “لو أراد يسوع أن يقدم ذاته للبشر كابن حقيقي لله، لأكد ذلك بعبارة واضحة.
وعلى هؤلاء نجيب:
1- ان الحقائق الدينية لا يُترك أمر البت فيها للذكاء وحده، فان الإرادة لها حصتها أيضاً. وهذا ضروري ليصبح الإيمان ذا أجر، فينتج إذ أن المرء بمقدوره رفض فعل الإيمان. إن يسوع يتصرف هنا كما يتصرف في باقي الأمور، أي أنه يظهر من الحقيقة الكافية لتفرض ذاتها على النية السليمة، ويخفي منها القدر الضروري ليصبح رفض الإيمان ممكناً للإرادة الشريرة.
2- ويسوع كشف بشكل تدريجي عن مسيحيته وألوهيته، فكان يختار بحكمة فائقة، لهذا الإظهار، الفرصة المناسبة. فلم يشأ أن يفجر ألوهيته دفعة واحدة لئلا يثير الهلع بدل المحبة. فدرب البشر على اعتبار الزمن الذي هم فيه خطوة بالغة وأن الله قد أرسل لهم المسيح المنتظر، وان هذا المسيح هو إله يلطف الالوهة بإنسانية جذابة.
3- وإعلان يسوع عن لاهوته كان واضحاً كل الوضوح حتى أن تقليد المجتمع اليهودي، حول هذا الموضوع، ثابت حتى الأن، وفحواه: أن يسوع قد حُكم عليه بالموت لأنه نيب نفسه إلى الألوهة. ويقول كاهين في هذا المعنى: “إن يسوع بإعلان نفسه ألهاً، مساوياً نفسه بالله، زعزع فجأة وبصورة غير منتظرة عقائد معاصريه، وصدم صدمة عنيفة معتقدات الشعب التقليدية”.
ومن كل هذا ألا يكون تصريح يسوع المسيح عن نفسه، بأنه ابن الله واضحاً وجالياً…؟!!!!
ولكن ألا يطرح هذا سؤالاً..؟!
ألا يدعو الكتاب المقدس المؤمنون “أبناء الله” (رومية 14:8)
فما هو الفرق بين المسيح ابن الله. وبين المؤمنين أولاد الله؟
يقول الدكتور القس/ منيس عبد النور في كتاب (ألقاب المسيح): “الفرق الأول أن المسيح لبن الله من الأصل بالطبيعة منذ الأزل. أما المؤمنون فهم أبناء بالتبني، إذ رضى الله في رحمته أن نكون أبناء له! والمسيح هو الابن الوحيد..الذي وحده يقدر أن يقول: “أنا والآب واحد” يوحنا 30:10) وهو وحده الذي يقدر أن يقول: “الذي رآني فقد رآى الآب” (يوحنا 9:14)
أما المؤمن فهو يرى الله في المسيح “الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر” (يوحنا 18:1)
تمرين للتطبيق
1- إن الجمل التي على اليسار هي أوصاف ليسوع، أقرأ الآيات التي على اليمين ثم ضع رقم الوصف المناسب أمام كل آية.
…أ) فيليبي 7:2 1) أبوه هو الله
…ب) يوحنا 7:10 2) ولد من أمرأة
…ج) فيليبي 6:2 3) هو المخلص
…د) غلاطية 4:4 4) صار مثلنا وأخذ صورتنا
…هـ) أعمال 12:4 5) إنه إله وله طبيعة الله
1- موته (خلاص الخطاة من الدينونة)
لقد جاء المسيح يسوع إلى العالم ليخلص الإنسان من الخطية، ورد في (لو 10:19) القول: “لأن أبن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك”، وكان أمامه طريق واحد لكي يخلصنا به، وهو بذله حياته لأجلنا “لأن أبن الإنسان لن يأت ليُخَدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين” (مرقس 45:10).
إن معنى “يفدي” هو ” يحرر” أو “ينقذ” أو “يخلص” أو “ينجي” وهذا وعد رائع للبشرية جمعاء.
لكن لماذا كان على يسوع أن يموت؟!
إذا رجعنا إلى قصة آدم وحواء، نتذكر أن الله قال لهما إن الخطية ستؤدي إلى الموت، والله لا يقدر أن يتراجع عن حكمه على الخطية، فطالما ارتكبت الخطية فلابد أن يتبعها الموت.
ولكن قبل أن نستمر دعنا ننتبه إلى حقائق يجب أن نعيها هنا جيداً، وهي دائماً مصدر رئيسي لسوء الفهم الذي يؤدي غالباً إلى تشويه صورة الله ورفض عمل المسيح لأجلنا.
“منذ الأزل صورة الإنسان الكامله عند الله هي “ابنه” – “يسوع المسيح” فمشروع الله الفريد لم يوجد أولاً في حالة “فشل” وذلك بسقوط “آدم” في الخطية، ثم “أستدراك” بمحاولة علاج الخطأ “بالمسيح” فالفداء “أصلي” قبل الخطية والعذاب، واندرج في الزمن بحياة يسوع وآلامه، أي أن الفداء متزامن مع الخلق، وهذا ما توضحه جلياً رسائل بولس الرسول، وخاصة (أفسس 1: 3-14، كولوسي 1: 15-20) إن يسوع المسيح “بكر كل خليقة…الكل به وله خلق الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل” (كولوسي 1: 15-16) يعمل عبر كافة الآزمنة في البشرية بروحه القدوس، قائداً إياها نحو الله، وهذه المسيرة – مسيرة الإنسانية جمعاء على مدار التاريخ – من الله وإلى الله في أبنه الوحيد.
“البعض يتصور أن الله هو “إله دموي” ثار غاضباً من الإنسان وطالب بعدالة القصاص- وكان الحل عنده هو الموت، وهذه الكلمة بالذات “الموت” جعلت الكثيرين يرسمون في أذهانهم صورة مشوهة عن الله، وأيضاً يصور البعض لنا على أن “يسوع المسيح” كباحث عن العذاب والموت.
فالموت قد يعني لهؤلاء “النهاية” كعقاب، هذا إذا كان مقروناً بالألم مثلما حدث للمسيح، لذا تتكاثر هنا علامات الإستفهام بل وتتعداها إلى الإستنكار، ولكن يسوع نفسه يقدم لنا تفسيراً للموت مخالفاً لهذا المعنى، بل وبرهاناً على أنه ما هو إلا عبور إلى الأبد (راجع يوحنا 12: 23-24، 32-33)
وموت المسيح قد أعلن حب الله اللامنتاه لكل البشر (يوحنا 16:3) فهو الذي كان جالساً على عرشه وحوله الملائكة جاهزة لتنفيذ أوامره، وهو الذي خلق السموات والأرض والإنسان، لكنه صار عبداً وسمح لخليقته أن تهينه وتختقره وتصلبه على صليب الجلجثة لكي يهبها الخلاص.
نقرأ في (1 بطرس 1: 18-19) الآتي:
“عالمين أنكم أفتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أة بذهب…بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح”.
هل جميع الناس خلصوا الآن بموت يسوع من أجلهم؟
كلا، فالله لم يسلبهم حرية الإختيار والله لا يفرض خلاصه عليهم، ولا يزال على الإنسان إتخاذ القرار بنفسه، وقبول يسوع كمخلص شخصي له، قال يسوع لأتباعه:
“إذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزُوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن وأعتمد خلص ومن لم يُؤمِن يُدن” (مرقس 16: 15-16)
” لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن بإسم الله الوحيد” (يوحنا 3: 16-18)
لقد مات يسوع عوضاً عنا، ومع ذلك فلم يكن هناك من رجاء لنا لو بقى يسوع داخل القبر.
لقد أقامت ديانات كثيرة المزارات والأضرحة عند قبور قادتها المكرمين، وبداخلها توجد عظامهم، لكن قبر يسوع فارغ نتيجة المعجزة التي حدثت بعد ثلاثة أيام من صلبه، إذ قام من الأموات وظهر عدة مرات بعد قيامته.
“وأنه دفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للإثنى عشر وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باق إلى الآن ولكن بعضهم قد رقدوا، وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين” (1 كورنثوس 15: 4-7)
إن قيامة المسيح هي أحد البراهين على كونه ابن الله، ورد في (رومية 4:1) “تعين أبن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات” وبعد أن أظهر نفسه للكثيرين ووجه إليهم كلمات التعزية والتشجيع، صعد إلى السماء ليس بصورة خفية، بل على مرأى من تلاميذه.
“وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم أنفرد عنهم وأصعد إلى السماء” (لو 24: 50-51)
لقد قام يسوع من الأموات كما قال وظهر لمئات من المؤمنين به، ثم صعد إلى المجد وبصعوده أسترد المقام الذي كان له من البدء عن يمين الآب، وهو الآن يشفع فينا عند الآب، ولنلق على ثلاث آيات تخبرنا عن ذلك.
- “وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات” (عبرانين 1:8)
- “وأن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار” (1 يوحنا 1:2)
- “فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم” (عبرانين 25:7)
كم هو عظيم أن ندرك أن ثمن فدائنا الباهظ قد دفع عنا، وأكثر من ذلك، فإن يسوع بعد موته على الصليب وقيامته من القبر وصعوده إلى الآب لم ينسنا، وهو مهتم بنا إلى اليوم ويريد أن يساعدنا على قدر ما تعطيه الفرصة لذلك.
تمرين للتطبيق
1- ضع دائرة حول الحرف المقابل لكل تكملة صحيحة للجملة التالية
مات المسيح على الصليب لكي
أ) يمنح الخلاص لكل من يقبله كمخلصز
ب) يعطينا حياة أبدية.
2- أقرأ (لو 24: 46-47)، يخبرنا العدد (46) عن صلب يسوع وقيامته، كما يخبرنا العدد (47) لماذل ينبغي أن يموت ويقوم من الأموات، فما هو السبب الذي يقدمه العدد (47)؟
3- ضع دائرة حول الحرف المقابل للإجابة الصحيحة للسؤال التالي
ما هو الدور الذي يقوم به يسوع الآن حسب كلمة الله؟
أ) يهتم بخلائق أخرى.
ب) يشفع فينا لدى الآب.
ج) يقرر الذين سيحصلون على الحياة الأبدية والذين لن يحصلوا عليها.
4- توجد أربعة براهين على أن يسوع المسيح قد قام حقاً من الأموات “أقرأ الشاهد (الآيات المشار اليها) وأكتب بأسلوبك صياغة للبرهان.
البرهان الأول: تنبأ يسوع المسيح “ابن الله” عن قيامته سلفاً
1- ماذا قال يسوع لتلاميذه في (لوقا 18: 31-33)؟
2- إذا قال يسوع بوضوح بأنه سيقوم من الأموات، ثم أخفق في ذلك، فماذا نستنتج إذاً عنه؟
البرهان الثاني: إن القيامة هي التفسير المعقول الوحيد لقبره الفارغ
1- ماذا فعل أصدقاء يسوع ليكونوا على ثقة بأن جسده لن يؤخذ. (مرقس 46:15)؟
2- ماذا فعل أعداء يسوع ليكونوا على ثقة بأن جسده لن يؤخذ. (متى 27: 62-66)؟
البرهان الثالث: إن القيامة هي التفسير الوحيد المعقول لظهور يسوع لتلاميذه.
1- اذكر الأفراد أو الجماعات الذين رأوا يسوع المقام حقاً بحسب ما كتبه بولس في (1 كورنثوس 15: 4-8)
2- إذا لم يقم يسوع من الأموات، فماذا يجب إذاً أن نستنتج عن كل هؤلاء الشهود؟ (1 كورنثوس 15: 14-15)؟
3- لماذا ترى أن الجواب السابق خطأ ولا معنى له؟
4- أي شيء آخر يمكن أن يكون صحيحاً إذا لم يقم المسيح من الآموات ( 1 كورنثوس 17:15)؟
5- عندما ظهر المسيح لأتباعه، ماذا فعل ليبرهن لهم بأنه ليس خيالاً ( لوقا 24: 36-43)؟
البرهان الرابع: إن القيامة هي التفسير الوحيد لبداية الكنيسة المسيحية
1- يشير بطرس في يوم الخمسين، بعد بضعة أسابيع من قيامة المسيح، وابتدأت الكنيسة المسيحية. ماذا كان موضوع العظة الرئيسي (أعمال 2: 29-32)؟
2- ولكن كيف تجاوبوا معه (أعمال 2: 37، 38، 41، 42)؟
هذا الذي حُوكِم كمذنب أمام منبر بيلاطس، وحُكِم عليه ظلماً وسُخِر به وصُلِب مع الأثمة سوف يأتي بقوة ومجد عظيمين وتجتمع أمامه كل شعوب البشر وأجيالهم ليسمعوا من فمه القضاء الأخير عليهم، فيرتفع لدى كل الخلائق العاقلة ويكون قاضيهم المطلق المنظور، فيدين الأحياء والأموات وستكون شريعة الدينونة بحسب ناموس (قانون) الله على كل ما كُتِب في القلب أو أُعِلنَ في الكتاب المقدس، فَيِدان الذين كان عندهم الكتاب بالإعلان المكتوب، وأما الذين لم يكن عندهم إعلان خارجي فَيَدانون حسب النور الذي كان لهم.
“والأن هل أنت مستعد لمجيئه أيها الأخ الحبيب؟ كان هذا الموضوع درسنا، ونحن نهنئك على إتمامه، وسننتظر أن ترسل إجاباتك على مسابقة الدراسة، على أن نعيدها إليك مرة ثانية بعد مراجعتها”
نحن في درسنا هذا لم نقدم كل شيء عن “المسيح” ولكن تعريف موجز بإيماني المسيحي، وأنني أرجو لك المزيد من الفائدة، أثبت هنا بعضاً من الكتب التي استعنت بها في تحرير هذا المقال، وهي هامة جداً:
1- بين العقل والإيمان (الجزء الثالث) تأليف: د. هيرمان بافينك ترجمة: سعيد باز.
2- إيماني تأليف: القس إلياس مقار.
3- ألقاب المسيح تأليف: د. القس منيس عبد النور.
4- قاموس الكتاب المقدس.
5- نجار وأعظم تأليف: جوش مكدويل ترجمة: سمير الشوملي.
6- ثقتي في السيد المسيح تأليف: جوش مكدويل ترجمة: د. القس منيس عبد النور.
7- يسوع الفريد (سلسلة النضج المسيحي) المقدمة تأليف: بل برايت.
ستمكنك أسئلة المسابقة من استرجاع ما درسته، وستعطيك قدرة على إمتحان ما تعلمته بهدوء وتروي…