Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

المصادر التاريخية – البحث الكتابي المعاصر

المصادر التاريخية – البحث الكتابي المعاصر

المصادر التاريخية – البحث الكتابي المعاصر


تعود أصول النقد الكتابيّ إلى قرون، وجذوره هي في خمسة تيّارات متفاعلة في التقليد:

تراث آباء الكنيسة التفسيريّ. يمكننا أن نجد عند أوريجنس بدء الدراسة النظاميّة للكتاب المقدّس عبر دراسة اللغات الأصليّة ومقابلة المخطوطات واستعمال المنهجيّات المتوفّرة كما التأمّل في مبادئ التأويل النظرية. يدين أوريجنس بهذه الأمور لعلماء اللغة والمفسّرين الإغريق واليهود. فيما انحسرت دراسة العبرانّية والمقابلة النقديّة للمخطوطات، ترك آباء الكنيسة تراثاً تفسيريّاً لافتاً.

أحد أكثر ثمار هذا التقليد قيمةً هو التركيز على المبدأ اللغويّ-القرينيّ في التفسير الذي مارسه أثناسيوس، وباسيليوس وجيروم وثيودور الموبسويتيّ وكيرلس الإسكندريّ وآخرون. لقد كان هذا المبدأ، مطبّقاً بشكل أكثر نظاميّة وتحليلاً، القوّة الموجّهة الرئيسة خلف نجاح الدراسات الكتابيّة الحديثة.

مُثُل الحركة الإنسانيّة في العصور الوسطى. نشوء الجامعات والسعي وراء المعرفة للمعرفة بحد ذاتها، وحافز النهضة (Renaissance) لإعادة إحياء الدراسات الكلاسيكيّة عوامل أسّست أطراً احترافيّة وسابقات أثّرت في التعليم والتربية ككلّ.

وقد أدّت هذه العوامل، في القرون الأخيرة، وبشكل لا مناص منه، إلى الاختصاص وتقسيم فروع الدراسة. كما جعلت هذه العوامل الصفّ والنقابة أسس العمليّات. في الدراسة الكتابيّة، أبعد الكتاب المقدّس تدريجيّاً عن حياة الكنيسة، وحوّل من نبع حيّ للتنشئة الرعائيّة إِلى موضوع تحليل أكاديميّ.

الإصلاح.  ركّز الإصلاح على سلطة الكتاب المقدّس المطلقة والحقّ في التفسير الشخصيّ بمقابل الكنيسة والتقليد، إضافةً إلى نتائجه البالغة التأثير كنسيّاً واجتماعيّاً وسياسياً. لم يطوّر لوثر، ولا غيره من المصلحين، أيّ منهجيّات جديدة.

ولكن قوّة هذين العاملين – سلطة الكتاب المطلقة وحريّة الأفراد في التفسير – أدّت، من جهة، إلى تركيز فكريّ هائل على الكتاب، ومن جهة أخرى، إلى تنّوع في التفسير كثير المشاكل. إذاً، أصبح التشويش وإعادة اكتشاف الكتاب المقدّس من السمات المميّزة للدراسة الكتابيّة الحديثة التي أكثر ما تكرّست في البروتستانتيّة.

التنوير. عنى شعار التنوير: “تجرأ أن تفكّر”، لصاحبه الفيلسوف الألمانيّ عمانوئيل كانط، رفض كلّ سلطة في البحث عن الحقيقة “الموضوعيّة” وتوّج العقل المستقلّ كمعيار أولّ في كلّ الأمور. فقّوى هذا التأكيد فرديّة الإصلاح. إلى جانب تطوّر الطريقة العلميّة التجريبيّة، تمّ التوصل إلى إنجازات مذهلة في الحضارات الغربيّة، من بينها توسيع حقول الدراسة في مختلف أنواع العلوم والآداب. الجانب الآخر من هذا النجاح الاستثنائيّ كان مجمل المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة التي تحدق بالعالم المعاصر.

إلى هذا، حملت روح التنوير المستقلّة الخلاّقة عداءً للتقليد والدين والوحي وحتّى لله: أيّ لكلّ أشكال السلطة. وما زالت هذه الروح تفسد “موضوعيّة” الكثير من المفكّرين المعاصرين. أكثر الأمور إثارة للمشاكل والجدل في الدراسة اللاهوتيّة والكتابيّة هو إرث التنوير الفكريّ الذي يشدّد على تفوّق العقل ويجتثّ مفهوم الإعلان الإلهيّ وبهذا يكون مصدراً لكثير من التشويش في المنهجيّة ونتائج البحث.

ثورة الدراسات التاريخيّة. فكّ مغاليق الهيروغليفيّة (1827) والحروف المسماريّة (1846) فتح باب دراسات المدوّنات المصريّة والبابليّة وساهم في تسريع تكديس المعرفة التاريخيّة حول الحضارات القديمة. في دراسات القرن التاسع عشر التاريخيّة، ساد افتراض بأنّ المؤرّخين، هم مثل العلماء الذين يدرسون الطبيعة، قادرون على إعادة إنتاج قصّة موضوعيّة حول الماضي تماماً كما حدثت (التاريخانيّة Historicism).

وقد تتابعت الاكتشافات التاريخيّة والأثريّة بشكل جيّد إلى القرن العشرين، بما فيه اكتشاف أوراق البردي الإغريقيّة في مصر (القرن التاسع عشر)، لوحات أوغاريت في راس شمرا (سوريا، 1929)، الوثائق الغنوصيّة ونَجْع حمادي (مصر، 1945)، والأدراج الغنوصيّة في قمران قرب البحر الميت (1947-1956).

الحصاد الغني في المعرفة التاريخيّة سلّط ضوءً جديداً على خلفيّة تطوّر اليهوديّة وأصول المسيحيّة. فضلاً عن ذلك، لقد أشعف العلمُ، ولفترة زمنيّة طويلة، الإيمان المتعلّق بنظرة الكتاب إلى خلق العالم وعمر الكون والعجائب ولم يعد يُنظَر إلى الكتاب المقدّس كإعلان منفصل عن التاريخ والحضارة القديمين. لقد نشأ وعي تاريخيّ حول التطوّر والتنوّع في العمليّة التاريخيّة المعقّدة التي تستوعب كلّ الأمور البشريّة.

توصّل الباحثون، بشكل أوسع، إلى استيعاب إمكانيّة حدوث الأحداث التاريخيّة أو نسبيّة الحقيقة التاريخيّة وهما أمران لا يزالان من الشؤون الأساسيّة في التأويل الكتابيّ.

المصادر التاريخية – البحث الكتابي المعاصر

Exit mobile version