الكتاب المقدس – القديس يوحنا الدمشقي
الكتاب المقدس – القديس يوحنا الدمشقي [1]
إنّه الله الأحد المنادى به في العهدين، القديم منهما والجديد، والمسبَّح والممجّد في ثالوثه هو المقصود في قول الرب: “أنا لم آتِ لأحلّ الناموس والأنبياء لكن لأتّمم” (متى 17:5). فإنّه هو نفسه الذي صنع خلاصنا الذي من أجله كان كلّ كتاب وكلّ سرّ. ويقول الربّ أيضاً: “فتّشوا الكتب، فإنّها هي نفسها تشهد من أجلي”. ويقول الرسول: “إنّ الله الذي كلّم الآباء قديماً في الأنبياء كلاماً متفرّق الأجزاء، مختلف الأنواع، كلّمنا في هذه الأيام بالابن” (عبرانيين 1: 1-2). فبالروح القدس إذاً قد تكلّم الناموس والأنبياء والأنجيليّون والرسل والرعاة والمعلّمون.
إذاً فإنّ الكتاب كلّه قد أوحى به من الله. ومن ثمّ هو مفيد…” (2 تيموثاوس 16:3). لذلك يحسن ويفيد جداً البحث في الكتب الإلهيّة، فكما الشجرة المغروسة على مجاري المياه هي النفس أيضاً المرتوية من الكتاب الإلهيّ، فتتغذّى وتأتي بثمر ناضج، أعني الإيمان المستقيم، وتزهو بأوراقها الدائمة الاخضرار أعني بها أعمالها المرضية لله. ونحن إذا سرنا على هدىً من الكتاب المقدّس نخطو في طريق السيرة الفاضلة والأستنارة الصافية، فنجد فيها مدعاة لكلّ فضيلة ونفوراً من كلّ رذيلة. وعليه إذا كنّا نحبّ معرفتها تكثر فينا هذه المعرفة.
وبالاجتهاد والكدّ والنعمة التي يعطيناها الله يتّم إصلاح كلّ شيء، “لأنّ من يسأل يُعطى ومَن يطلب يجد ومَن يقرع يُفتَح له” (لوقا 10:11). فنقرع إذاً باب الكتب المقدّسة، الفردوس الأبهى الذكي الرائحة الفائقة العذوبة الجزيل الجمال والمطرب آذاننا بمختلف أنغام طيوره العقليّة اللابسة الله، النافذ إلى قلبنا فيعزّيه في حزنه ويريحه في غضبه ويملأه فرحاً لا يزول.
وهو الذي يجعل ذهننا على متن الحمامة الإلهيّة المذهّب والبراّق (مزمور 14:76) بجناحيها الساطعَي الضياء سرّاً على الابن الوحيد وارث زراع الكرم (متّى 38:21) العقليّ، وبالابن تبلغ به إلى الآب، أبي الأنوار. وهنا فلنقرعنّ بلا تباطؤ وبلجاجة كبرى وثبات. ولا نكفنّ عن أن نقرع. وهكذا يُفتَح لنا.
وإذا قرأنا مرّة ومرّتين ولم نفهم ما نقرأه فلا نملّ من أن نقرع، بل فلنثبت ونتأمّل ونسأل، لأنّه قال: “سلْ أباك ينبئك وأشياخك يحدّثونك” (تثنية 7:32)، “فليس العلم في جميع الناس” (1 كورنثوس 7:8). لنغترفنّ إذاً من ينبوع الفردوس مياهاً جاريةً صافية “تنبع إلى الحياة الأبديّة” (يوحنّا 14:4).
لنتنعمّنّ من دون أن نرتوي من التنعّم، لأنّ النعمة في الكتب المقدّسة مجّانيّة. وإذا استطعنا أن نجني فائدة ما ممّا في خارج هذه الكتب فليس ذلك من المحاظير. ولنكن في ذلك صيارفة حاذقين نحتفظ لنا بالذهب المعروف والصافي ونرمي منه ما كان مغشوشاً. لنأخذنّ من الكلام أجوده ونلقِ إلى الكلاب آلهتهم الهزيلة وخرافتهم الغريبة. فإنّنا لنستطيع أن نقتني منها قوّة ضدّهم….
وأسفار العهد الجديد هي الأناجيل الأربعة لمتّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وأعمال القدّيسين للوقا الإنجيليّ، والرسائل الجامعة السبع: واحدة ليعقوب واثنتان لبطرس وثلاث ليوحنّا وواحدة ليهوذا، ورسائل بولس الأربع عشرة ورؤيا يوحنّا الإنجيليّ، وقوانين الرسل القدّيسين بواسطة إقليمنضس.
[1] من “المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسيّ” للقدّيس يوحنّا الدمشقيّ. عرّبه عن النصّ اليونانيّ الأرشمندريت أدريانوس شكور. سلسلة الفكر المسيحيّ بين الأمس واليوم -5. بيروت: 1984، منشورات المكتبة البولسيّة. 25-252.