القبر الفارغ ليسوع – جاري ر. هابرماس
القبر الفارغ ليسوع – جاري ر. هابرماس
حدث تطور مثير في البحث اللاهوتي الحديث وهو أن الغالبية العظمى من الباحثين المنتقدين المعاصرين تظهر بأنها تدعم إلى درجة ما على الأقل وجهة النظر القائلة بأن يسوع دفن في قبر وبعد ذلك وجد القبر فارغاً. أحب أن أعدد بعضاً من أكثر من عشرين حجة تم بناؤها لدعم حقيقة القبر الفارغ.
الحجج الرئيسية عن القبر الفارغ
(1) ربما تتعلق أقوى حجة في تفضيل القبر الفارغ بموقعه والأحداث المحيطة به. تُجمِع أحداث الإنجيل على أن يسوع دفن في قبر موجود في أورشليم. وقليلون هم المنتقدون الذين ينكرون ذلك بل يعتقدون بأن يسوع مات ودفن في المدينة. وتوافق الأغلبية أيضاً على أن مواعظ المسيحيين الأوائل جرت هناك، وقادت إلى ولادة الكنيسة. ولكن الموقع القريب لقبر يسوع هو بالضبط ما يسبب مشكلة كبيرة في أن يكون غير فارغ. لو لم يكن القبر فارغاً لتم دحض الوعظ المسيحي المبكر في الحال. كيف يمكن الوعظ بأن يسوع أقيم من الموت إذا ما كان الجسد المنتن يتحدّى الرسالة بكل وضوح؟ فكشف الجسد يقتل الرسالة ويدحض المسيحية حتى قبل أن تكسب انطلاقتها. وهكذا إن لم يكن القبر فارغاً فإن أورشليم هي المكان الأخير الذي تكسب فيه التعاليم المسيحية المبكرة موطئ قدم. ومجرد مشوار في يوم الأحد إلى القبر سيسوي الأمر كله بطريقة أوبأخرى. ربما يأتي جواب خلاق يفترض أنه ربما كان الجسد في القبر ولكن بعد ذلك بقليل لم يكن التعرف عليه بسبب إنتانه. أو أن القبر كان لايزال مغلقاً بدون أن يتم فتح بغاية التحري.[1] ولكن هذه الأسئلة تفوتها تماماً نقطة الوعظ المسيحي بأن القبر فارغ. لذلك لو وجد في قبر يسوع أي إنسان، يسوع أو غيره، أو لو كان القبر مغلقاً، فهذا سيتناقض مع التعليم القائل بأن القبر كان فارغاً. وسيكشف الخطأ في أورشليم بسرعة رهيبة.
(2) إن الحجة الأكثر ذكراً في دعم أحداث الإنجيل هو المواقفة الجماعية على أن النساء كن أول شاهدات على القبر الفارغ. ومع أنه ليس صحيحاً تماماً أنه لم يُسمَح للنساء بالشهادة في قاعة المحكمة فإنه من الواضح أنه وجد تحيّز ضد شهادة النساء في الأمور الهامة. [2] وتؤكد أحداث الإنجيل على إعلانها بأن النساء كن الشاهدات اللامعات عن القبر الفارغ بدون مسايرة لذلك الموقف الشائع. ولكن لماذا يسلط هؤلاء الكتاب النور على شهادة المرأة إن لم تكن النساء فعلاً أول المكتشفين لتلك الحقيقة؟ إن عملاً كهذا سيضعف من حالتهم بشكل مهم في أعين السامعين. وإن درسنا هذه الحالة في فلسطين وفي القرن الأول الميلادي فإننا لن نستنتج إلا أن كتاب الأناجيل كانوا مقتنعين حقاً بأن النساء اكتشفن القبر الفارغ. لقد اهتموا بأن يخبروا بالحق أكثر من اهتمامهم بتجنب الانتقاد. وهذه الحجة معروفة بشكل واسع وقلما يتحداها الباحثون وهذا ما يشهد لقوتها.
(3) مع أن أحداث القبر الفارغ في الأناجيل هي متأخرة زمنياً عن كتابات بولس، فإنه من الجدير بالملاحظة أن كثيرين يشهدون للقبر الفارغ. وبكلمات أخرى، فإنه مهما اختلفت وجهة نظر الإنسان الرئيسية لمصادر الإناجيل فإن حوارات القبر الفارغة تنجم عن أكثر من مصدر. وفي الحقيقة يعتقد العلماء أنه يمكن أن يوجد ثلاثة أو أربعة تقاليد في الأناجيل، تزيد بشكل ملحوظ من احتمالية كون تقارير القيامة مبكرة وتاريخية أيضاً. أظن أن هذه بالإضافة إلى الموقع الأورشليم وشهادة النساء هي أقوى الحجج في دعم القبر الفارغ.
(4) يظهر أن كثيرين من العلماء المعاصرين يوافقون على أن بولس مع أنه لم يذكر القبر الفارغ فإن التقليد المبكر الذي أخبر هذا الرسول الآخرين به في كورنثوس الأولى 15: 3-4 يفترض قبراً فارغاً. وينتقل في سرده لمحتوى الإنجيل من موت يسوع إلى دفنه ثم إلى قيامته من الموت وظهوراته. وهذا التتابع مهما تغير شكله يشير بقوة إلى أن جسد يسوع الذي مات ودفن هو نفسه الذي قام فيما بعد. وهكذا فإن من وضع في الأرض هو نفسه الذي قام. أي باختصار من نزل هو أيضاً الذي صعد. ينجم عن هذه العملية خلو القبر الذي دفن فيه المسيح. وإن عدم ذكر بولس للقبر الفارغ بشكل محدد يمنع أن تأخذ هذه النقطة في أقوى شكل. ومع ذلك فإنه من الواضح أنه من الغريب أن تتم أحداث دفن جسد يسوع الميت وقيامته وظهوره بدون أن يتم إخلاء القبر أثناء تتابعها.
(5) يقر كثيرون من العلماء أيضاً أن أعمال الرسل 13 قد يحوي تقليداً آخر مبكراً، وهو سجل لعظة مبكرة يحتويه سفر كُتِبَ في وقت لاحق. ونجد هذا التقرير المنسوب إلى بولس في أعمال الرسل 13: 29-31، 36-37، ويعلم بوضوح بأنه تم وضع جسد يسوع في قبر. ثم بعد ذلك أقيم وظهر لأتباعه بدون أن يتعرض جسده لأي فساد. وإن كان الأمر كذلك فإن أمامنا نص يقر فيه بولس بالقبر الفارغ بشكل أقوى لأن يسوع ظهر ولم يتعرض جسده لأي فساد.
(6) لقد حاول قادة اليهود على مدى قرنين تقريباً أن يفسروا أن القبر كان فارغاً لأن تلاميذ يسوع سرقوا جسده وهذا بحسب التقارير الواردة في متى 28: 11-15، وبحسب يوستنيانوس الشهيد[3] وترتليانوس[4]. وهذا يعني أنه حتى حكام اليهود أنفسهم قد اعترفوا بحقيقة عدم وجود جسد يسوع! ومع ذلك، فإنه حتى المشككين أنفسهم يدركون بأن الشرح الذي قدمه قادة اليهود ضعيف جداً. فلو سرق تلاميذ يسوع جسده، فكيف يمكننا أن نعزي تغييرهم العجيب مثل ترك عائلاتهم لسنين وكذلك أعمالهم وصحتهم وحتى سلامهم، كل ذلك لتتم مطاردتهم لعقود حول الإمبراطورية الرومانية لمجرد الوعظ برسالة يعرفون بكل وضوح أنها قصة خرافية؟ وأكثر من ذلك، كيف يمكننا أن نفسر استعدادهم للموت من أجل ما عرفوا أنه ادعاء كاذب عن قيامة يسوع؟ وأيضاً، كيف يسمح لنا هذا التفسير بأن نفسر تغيير يعقوب أخي يسوع الذي سبق فرفض رسالة يسوع من قبل؟ وكذلك ليس لدينا أي سبب مقنع لتغير بولس من اليهودية. هل كل هذا من أجل تأمين قصة بديلة يتضح بسهولة أنها غير مقنعة، فحتى قادة اليهود أنفسهم اعترفوا بالقبر الفارغ!
(7) يجب أن نقول شيئاً عن أطروحة البحث التي قام بها ن. ت. رايت N.T. Wright [5] وآخرون. فإنه في العالم القديم سواء كان وثنياً، أم يهودياً أم مسيحياً- كانت الكتابات التي ترجع حتى إلى القرن الثاني الميلادي متفقة تماماً مع تعريف القيامة الدقيق بأنه حركة ظاهرة جسدية. وفي الحقيقة، سادت هذه النظرة القديمة بشكل شامل بأن الإقامة من الموت هي أمر-إن حدث- فإن يحدث فقط للجسد. إذاً كان لها هذا المعنى نفسه طيلة العهد القديم وفترة أحداث الإنجيل وكذلك أثناء كتابات بولس وباقي تعليم العهد الجديد عن يسوع. وهذا يشير بأن قيامة يسوع تمت في طريقة جسدية، مستلزمة أن يكون القبر فارغاً.[6]
خاتمة
هذه بعض الأسباب التي لأجلها يدرك معظم العلماء المعاصرون حقيقة القبر الفارغ. ويمكن تأمين بعض الحجج الأخرى أيضاً كذلك. لذلك يستنتج المؤرخ مايكل غرانت بأن “لا يمكن للمؤرخ… أن ينكر القبر الفارغ بعدالة” لأنه إن طبقنا نفس المقياس التاريخي الذي نستخدمه في مكان آخر فعندها “فإن الدليل قاطع وممكن بما يكفي ليلزم الاستنتاج بأن القبر كان بالحقيقة فارغاً.”[7]
يبدو من الصعب جداً أن نتجنب هذا الاستنتاج في ضوء حجج كهذه التي قدمناها. يشير التطبيق العمليّ للقوانين التاريخية عن المعلومات المختلفة بأن قبر يسوع وجد بالحقيقة فارغاً بعد فترة قصيرة من موته.
الملاحظات الختامية
[1] من ناحية الاقتراح بأن يسوع لم يدفن أبداً في قبر، انظر الانتقادات التسعة في Gary R. Habermas, The Historical Jesus: Ancient Evidence for the Life of Christ (Joplin, MO: College Press, 1996), pp. 127-129.
[2] يوجد نقاش ممتاز لهذه القضايا يظهر في Carolyn Osiek, “The Women at the Tomb: What are they Doing There?” Ex Auditu, Vol. 9 (1993), pp. 97-107.
[3] أنظر Dialogue with Trypho, 108.
[4] أنظر On Spectacles, 30.
[5] أنظر The Resurrection of the Son of God (Minneapolis: Fortress Press, 2003)..
[6] أنظر Wright, pp. 32-479, especially pp. xix, 31, 71, 82-83, 201-206, 273, 314, 710.
[7] أنظر Michael Grant, Jesus: An Historian’s Review of the Gospels (New York: Macmillan Publishing Co., 1992), p. 176