معجزة إقامة لعازر من الموت – حيرة ديدات – ردا على احمد ديدات
معجزة إقامة لعازر من الموت – حيرة ديدات – ردا على احمد ديدات
أتابع مع ديدات، مسلسل حيرته مع معجزات المسيح، التي جعلته يدور في كل اتجاه، يتلمس الظلام، ليزور في سلطان المسيح وقدرته الإلهية، فظل يدور ويدور، بحثاً عن أي شيء عدا النور الذي في المسيح.
أصلً الآن في الرد على ديدات إلى المحطة الأخيرة التي توقف عندها قطاره، وهي معجزة إقامة المسيح للعازر بعد موته بأربعة أيام.
تحت عنوان (الازاريوس) “أي لعازر” وفي ص 94، كتب ديدات الكثير من المغالطات، وحيث أنه لا يبدأ المعجزة من أولها، وإنما تناولها من منتصفها لأغراضه الإجرامية المعتادة، فأنا أجد نفسي سعيداً لشرح أبعاد المعجزة من بدايتها للقارئ الكريم، ولإظهار أهم الجوانب اللاهوتية التي فيها، والتي هرب منها ديدات. على أن نصل إلى منتصف المعجزة، فنتقابل مع ديدات هناك.
أولاً: قبل المعجزة بأيام
لا يمكن لديدات أن يبدأ من أول الآيات، لا أن ينتهي بها، في أي موضوع يتناوله. فقد جاء بالوحي المقدس (وكان إنسان مريضاً وهو لعازر من بيت عنيا، من قرية مريم ومرثا أختها، وكانت مريم التي كان لعازر أخوها مريضاً. هي التي دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرها، فأرسلت الأختان إليه قائلتين: يا سيد هو ذا الذي تحبه مريض، فلما سمع يسوع قال: هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به) (يوحنا 11: 1-4).
من هذه الآيات الرائعة ترتسم أمامنا طبيعة ألوهية المسيح.
- العلم المطلق بالمستقبل: في هذه الآيات الأولية لحدث المعجزة العظيم، يبدأ المسيح في تحضير أذهان الناس وخاصة تلاميذه لهذا الحدث الكبير، وهذه المعجزة المدهشة المبهرة، وهي إقامة لعازر من الموت بعد أربعة أيام من موته بقوة سلطان لاهوته، وبسلطان الكلمة الآمرة للعازر، فيقوم من الموت.
فيقول لتلاميذه: (هذا المرض ليس للموت) كيف يتجرأ أي شخص، ويعلن بأن هذا المرض أو ذاك، لن يكون نهايته الموت ونهاية هذا الإنسان؟ ولكن المتكلم هنا هو المسيح، وهو ليس أي شخص. فهو العالم بما سيحدث من أدق الأمور لأعظمها. فكل التفاصيل التالية، والمختصة بمرض لعازر وموته، وأنه هو من سيقيمه من الموت، وسيقيمه بعد أربعة أيام، كل هذا ماثل أمام المسيح، فهو يرى المستقبل بعين الحاضر. لأنه من الصعب أن يتفوه أي شخص بأمور المستقبل من باب التخمين، فيدخل نفسه في حرج كبير. إذا مات لعازر مثلاً في هذه الحالة التي نحن بصددها، موته الأخير النهائي. ولكننا هنا نحن أمام سيد الأرض كلها، ومالك أمور الحياة وضابط الكل. وبعد ذلك يسخر منه الناس والتلاميذ، إذا كلامه غير صحيح، أو لو أن لعازر كان قد مات حقاً موتاً نهائياً ولم يقمه منه.
- واهب الحياة وقابضها: ومن المهم أن تربط كلام السيد المسيح بقضية الموت التي يتكلم هو عنها، فلا أحد يعرف متى سيموت الناس ولا نهاية حياتهم كيف ومتى وأين ستكون؟ غير الله فقط. فكيف للمسيح أن يعرف بأن لعازر لن يموت بسبب هذا المرض؟ إلا لو أنه هو بذاته واهب الحياة ذاتها للعازر وغيره من الناس، وهو قابضها أيضاً، وقتما وكيفما يشاء.
- لمن المجد؟!: في هذه الآيات الابتدائية لحدث المعجزة العظيم، يكشف المسيح عن صفة ألوهية أخرى، ولكن بأكثر عمق، فيقول لهم: (هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله به) (يوحنا 11: 1-4).
هذه من أقوى العبارات اللاهوتية، ففي هذه الكلمات نرى المسيح يُدمج تعبيرين في معنى واحد، فيقول (لأجل مجد الله، ليتمجد ابن الله) فمن هو سيتمجد؟! هل الله أم ابن الله؟! ففي الجزء الأول من الآية يقول (لأجل مجد الله) ومنها نفهم أكثر من أمر. أركز على اثنين منهما. الأول: التركيز على عِلْمِه بأن هناك حادثة ستحدث، وسيتمجد الله من خلالها. فهنا إذن يثبت المسيح علمه المطلق حتى بنتائجها وهي: مجد الله. والثاني: حيث يقول (ليتمجد ابن الله به!) وهنا، فإنه لابد أن تستوقفنا هذه العبارة وتستوقف كل باحث أمين مدقق عن الحق، ولنا أن نسأل: مَن الذي ستمجد الله أم ابن الله؟!
هنا يؤكد المسيح أنه كلمة الله. فالمجدي الذي سيعود على الله، هو مجده هو ذاته، لأنه هو اللوغوس عقل الله الكلمة، وعقل الله هو الله. فالمجد واحد لذات الإله الواحد.
ثانياً: قبل السفر لقرية لعازر
قبل السفر إلى قرية لعازر، قال المسيح لتلاميذه (لعازر حبيبنا قد نام، لكن أذهب لأوقظه. فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يشفى. وكان يسوع يقول عن موته، وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم، فقال لهم يسوع حينئذ علانية: لعازر مات وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك، لتؤمنوا، ولكن لنذهب إليه) (يوحنا 11: 11-15).
ما الذي يفهمه القارئ عن طبيعة المسيح، فقط من خلال هذه الآيات الرائعة؟! لنرى
- رقة المشاعر: نلاحظ هنا أن المسيح بمشاعره الرقيقة، لم يرد أن يصدم التلاميذ بخبر موت لعازر مباشرة، إنما مهد لهم الخبر في البداية بتعبير (لعازر حبيبنا قد نام)، وليس (قد مات)، وفي هذا يعطينا درساً عملياً في الأسلوب الأصلح والأنجح، في توصيل مثل هذه الأخبار لأصحابها.
- العلم المطلق بين الإرادة والقوة الذاتيين: أيضاً من هذه الآيات الرائعة نلاحظ أن المسيح يعلن عن طبيعته اللاهوتية بكل وضوح وقوة، ولهذا لم يرد ديدات أن يرى هذه الآيات. فعبر عن معجزة إقامة لعازر من الموت، وكأنه لم ير هذه الآيات مطلقاً.
فالمرسلون الذين أتوا من أختي لعازر، أتوا وقالوا (لعازر مريض)، بينما يصرح المسيح بعد ذلك، بأن لعازر قد مات. ويعني هذا أن علم المسيح، علم ذاتي ومطلق، لأنه في البداية يقول (هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به). فهو يتقدم الأحداث قبل أن تحدث، أما الجديد في الآيات السابقة (لعازر حبيبنا قد نام، لكن أذهب لأوقظه) فهو يكشف لنا ثلاثة أمور على الأقل
الأول: علم ذاتي يقيني بأن لعازر الذي كان مريضاً قد مات (لعازر حبيبنا قد نام). وما هو أبعد من ذلك علمه الذاتي، بأنه سيقيمه من الموت (لكني أذهب لأوقظه).
الثاني: إرادة ذاتية، وهو أمر عظيم جليل أيضاً في قوله (لكني أذهب لأوقظه) فلم يقل الله سيوقظه. بل أنا! وقد يسأل البعض فيقول: من أنت حتى تعطي لنفسك هذا الحق؟! كيف تتجرأ وتنسب لنفسك حق الإرادة المطلقة الذاتية في إقامة لعازر من الموت؟ أليست الإرادة لله في إحياء الناس أو موتهم؟! نعم إنها لله، ولا عجب فأنا عقل الله خالق هذه الحياة، وأنا الذي أريد وأقرر في خليقتي ما أشاء.
الثالث: والإرادة غير القوة، لأنه يكشف هنا أيضاً عن قوته الذاتية وليست المكتسبة. فهو يقر بأنه هو وبقوته الذاتية من سيقيم لعازر! وأيضاً قد يسأله البعض: أنت مَن سيقيم لعازر؟! من أنت؟!
أو ليس من الأكرم المسيح لو أنه نبي – وحاشاه فهو ليس كذلك – أن يُرجع المجد والفضل لله، ويقول (لأن الله سيقيمه بقوته، أو الله سيقيمه عن طريقي). لم يقل ذلك، بل إنه قصد أن يشير إلى قوته الذاتية، حتى يفهم التلاميذ والسامعين، بأنه كما يعلم أيضاً علم اليقين بأنه سيقيمه، وأن ذلك سيتم وفق إرادته الذاتية (لكني أذهب لأوقظه)، لذلك ربط علمه الذاتي بمشيئته الذاتية أيضاً. والملفت للنظر أن هذه الحقائق مجتمعة – وغيرها – يعرفها المسيح قبل حتى مرض لعازر، وهذا ما ورد بالإنجيل!
إنه من الخطر والمخاطرة أن يتفوه إنسان بمثل هذه التصريحات الإعجازية خاصة في مجال الدين، لو لم يكن له الثقة الأكيدة من خلال علم ذاتي، بأنه يعلم ويريد ويمتلك القوة لتنفيذ ما يريد وما يقول. وحتى هذه اللحظة من أحداث المعجزة، فإن المسيح ينسب كل شيء له، وذلك بكلمات يستخدمها أو بصفات إلهية ينسبها لنفسه، ولا عجب في أن ينسبها لنفسه، ولا عجب في أن ينسب الأمر لذاته أو للآب السمائي يحث أنه عقل الآب. ولا عجب أن يترك ديدات حتى الآن كل هذه الآيات.
- كشف حقيقة علمه المطلق: فيما سبق رأينا المتكلم عن الأشياء قبل حدوثها، فرأينا فيه علم ذاتي بالأحداث. إلا إننا هنا، نراه يكشف للتلاميذ وبكلام مباشر، عن علمه المطلق هذا، فيقول لهم علانية (لعازر مات، وأنا أفرح لأجلكم، إني لم أكن هناك لتؤمنوا، ولكل لنذهب إليه). فمن هذه الآيات نكتشف أكثر من أمر.
الأول: ما قاله لهم (وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك). فماذا يريد أن يقول لهم؟ يريد أن يؤكد على أمر هام وهو: بالرغم من أنني لست هناك مع لعازر، إلا أنن عرفت بأنه قد مات، كما سبق وأخبرتكم بأنني مَن سأقيمه من الموت بإراداتي الذاتية، ولهذا فأنا أفرح لأجلكم، لأن ذلك سيساعدكم لتكتشفوا أنن أعلم كل شيء علم اليقين المطلق. فبالرغم من أنني معكم، إلا أنني أعرف أن لعازر قد مات، والنبي ليس لديه هذا العلم الذاتي. ذلك لأن:
الثاني: سياق الآيات يكشف أكثر من ذلك. فالتلاميذ يعرفون أن للمسيح مقدرة النبوة وأكثر، ولهذا فليس هناك من جديد حتى يقول لهم المسيح (وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك). فطالما يؤمنون به على أساس أنه نبي، فلماذا يلفت نظرهم إلى الأشياء الطبيعية مع الأنبياء. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يقول لهم (وأنا أفرح لأجلكم، إني لم أكن هناك لتؤمنوا) لاحظ كلمة (لتؤمنوا). يؤمنوا بماذا؟! لا بد أن ما يريد المسيح، لفت أنظار التلاميذ إليه، هو أمر غير مجرد نبوة. فماذا إذن؟ لقد بدأ حديثه بالمجد الذي يعود لله ولابن الله، واستخدم في ذلك كلمات واضحة ليكشف عن طبيعته أنه الله المتجسد. ثم تكلم بعد ذلك عن علمه المطلق بكل شيء، ثم إرادته المطلقة حتى ولو أراد أن يقيم الموتى! وها هنا يؤكد حقيقة هذه الصفات الإلهية ويربطها بكلمة (لتؤمنوا) فالمسيح يرتفع هنا بفكر التلاميذ إلى ما هو أبعد من مجرد الإيمان به كنبي، أو كرجل صالح أو صانع معجزات مبهر. وإنما للإيمان به – لتؤمنوا – بابن الله أي عقل الله أي الله!
هذا هو فهم سياق الآيات لما يُريد المسيح أن يقوله، في هذ الآيات الخاصة أساساً بمعجزة إقامة لعازر من الموت بعد أربعة أيام. تلك المعجزة التي أبهرت العالم والتاريخ البشري كله، وأكدت بقوة أن السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد. ولهذا لم يظهر ديدات حتى هذه اللحظة، وإنما يدخل دائماً متأخراً ليأخذ شذرات هو يقصدها ليحرف فيها كما يريد، ولن نعطيه أي فرصة.
- سؤال لم يقال: ختم المسيح هذا الجزء من كلامه هكذا (وأنا أفرح لأجلكم، إني لم أكن هناك لتؤمنوا، ولكن لنذهب إليه) لاحظ العبارة الأخيرة (ولكن لنذهب إليه)، فهنا نستغرب بعض الشيء، فللوهلة الأولى – وحسب منطق ديدات – كان على التلاميذ، أن يسألوا المسيح ويقولوا له: لو أن لعازر قد مات، كما تقول يا سيدنا المسيح، فلماذا تذهب إليه؟! ولكن عندما نُطيل التأمل في كل ما قلناه سابقاً منذ بداية الحديث عن معجزة إقامة لعازر حتى الآن، نُدرك ما أدركه التلاميذ، فلنتتبع كلام المسيح (لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه، فقال تلاميذه: يا سيد إن كان قد نام فهو يشفى، وكان يسوع يقول عن موته، وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم، فقال لهم يسوع حينئذ علانية: لعازر مات وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك، لتؤمنوا، ولكن لنذهب إليه). صمتوا لأن المسيح وعد بأنه سيذهب ليقيم لعازر من الموت. يعني قبل أن يتحرك المسيح للقرية التي كان فيها لعازر، كان يعرف كل شيء، ويعرف أنه سيقيم لعازر من الموت حتماً ويقيناً. ولهذا صمتوا عن أن يسألوه هذا السؤال، فما عاد للسؤال قيمة أو مكان. ولا تستغرب عزيزي القارئ لو أني قلت لك: هل تصدق أن كل عِلم المسيح السابق، وكل تصريحاته الواضحة بأنه سيقيم لعازر من الموت، تجاهله ديدات تماماً وكأنه غير موجود؟ أعتقد أنك أصبحت الآن تعرف السبب.
ثالثاً: الوصول لبيت عنيا قرية لعازر
وصل المسيح وتلاميذه والجمع الذي كان يتبعهم إلى بيت عنيا قرية لعازر ومرثا ومريم. وقال الوحي المقدس (فلما أتى يسوع وجد أنه قد صار له أربعة أيام في القبر) (يوحنا 11: 17). فهل وصل المسيح متأخراً؟! سنجيب على هذا السؤال لاحقاً. أما الآن فعلينا أن نعرف عدة حقائق عند وصل المسيح
- حالة الجثة: لقد وصل المسيح إلى بيت عنيا حيث لعازر الميت. ولكن كان له أربعة أيام في القبر، والعالم كله يعرف ما الذي يحدث في خلال أربعة أيام للميت، وما حالة الجثة ودرجة تحللها، وطبيعة الرائحة النتنة المنبعثة عنها، ورغم كل هذه المدة التي تجعل من قيامة الميت أمراً مستحيلاً، نجد المسيح له كل المجد، ثابتاً فيما قاله، ولم يغير رأيه، فهو قد أتى خصيصاً ليقيم لعازر من الموت، مهما كانت حالة جسد لعازر، ويقين المسيح هذا مصدره قوته الذاتية التي بها سيقيم لعازر، فهو لن يصلي وينتظر هل سيتحقق طلبه أم لا، لأن هذه مغامرة كبيرة أن يضع نفسه في هذه الحالة، التي قد تنتهي بالإحراج البالغ له. فالمسيح الذي سبق فأكد في كلامه أنه في يوم القيامة سيسمع (جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة) (يوحنا 5: 28 و29). هو بذاته الذي له القدرة الذاتية الآن لإعادة روح لعازر إلى هذا الجسد، بعد إصلاحه من حالة التلق التي فيها. ولكن:
- هل ينفع إصلاح الجسد؟!: يفتح لنا هذا السؤال، حقيقة جديدة. فكيف سيُصلح المسيح هذه الجسد المتعفن؟! وكيف سيعمل هذا القلب الذي توقف وتآكل وقد تهدمت خلاياه وجدرانه وحجراته، وأصبحت الدماء داخله جافة ومتعفنة؟ وكيف ستعمل خلايا الدماغ – الخ – من جديد وهو أكثر الأجهزة في الجسم تعقيداً وحساسية؟ فأي تلق في شعيراته الدقيقة، يؤثر على الأعضاء التابعة لهذه الشعيرات. وكيف ستعمل الأعضاء التي في الراس من عين وأنف وأذن؟ إلخ كل أعضاء الجسد؟! فكل شيء قد فارقته الحياة، وهو أقرب إلى التراب. من أي شيء آخر. إن القضية إذن أكبر من مجرد إصلاح جسد، أو حتى إقامة ميت. إنها حقيقة:
- خلق جديد: نعم وبلا شك فإن الأمر يحتاج إلى خلقة هذا الجسد المتعفن من جديد فمن الجسد ما تحلل، ومنه ما أكله الدود، فكيف يجوز مجرد الإصلاح هنا؟! كيف يتم إصلاح شيء غير موجود؟! بلا شك لا يصلح هنا منطق الإصلاح، وإنما الإصلاح هنا يكون بمنطق إعادة خلق هذا الجسد من جديد ولا عجب أن يكون المسيح خالقاً. وهذه صفة لاهوتية واضحة في أعمال المسيح على أرضنا. ومن هنا فإن معجزة إقامة لعازر من الموت. ليست فقط إعادة الروح إلى الجسد وإنما:
أولاً: خلق كل أعضاء هذا الجسد من جديد.
ثانياً: أمر الروح بالعودة لهذا الجسد.
ثالثاً: ليس ذلك فقط، بل عند خلق كل أعضاء الجسد من جديد لابد من أن يخلقها المسح ويبنيها كما كانت عليه تماماً، من الحالة والعمر، فلا يخلق قلب طفل مثلاً، وإنما كل شيء كما كان في اللحظة التي مات فيها لعازر، حتى تعود الروح لذات الجسد الذي كانت فيه، وليس لجسد لا تعرفه. إن الأمر أعقد من مجرد معجزة إقامة ميت. ولا يستطيع أن يقوم بهذا العمل الجبار العظيم، إلا الخالق العظيم، الذي أنشأ هذا الجسد من البداية، وهو الله، وحيث أن المسيح نسب لنفسه هذا الخلق العظيم، في إقامة لعازر – ككل المعجزات الأخرى – فلا شك أنه يُعلن عن طبيعته، إنه الله الظاهر في الجسد البشري. وإلى الآن لم يظهر ديدات، ولا عجب.
رابعاً: حديث المسيح مع مرثا
قال الوحي المقدس (فقالت مرثا – أخت لعازر الميت – ليسوع: يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي، لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه. قال لها يسوع: سيقوم أخوك. قالت له مرثا: أنا أعمل أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير. قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً، وآمن بي فلن يموت إلى الإبد. أتؤمنين بهذا؟ قالت له: نعم يا سيد، أنا قد آمنت، أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم، ولما قالت هذا مضت ودعت مريم أختها سراً قائلة: المعلم قد حضر وهو يدعوك، أما تلك فلما سمعت قامت سريعاً وجاءت إليه، ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذي لاقته فيه مرثا، ثم أن اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزونها لما رأوا مريم قامت عاجلاً وخرجت، تبعوها قائلين: إنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك) (يوحنا 11: 21-31).
ما الذي يمكن أن نفهمه عن المسيح من خلال هذا الحوار؟ فلنحلل هذه الجزء ونفهمه.
- إيمان مرثا: لقد كان لمرثا إيماناً قوياً بالمسيح. ولكنه محدوداً لحالات معينة، حالات المرض، أو الطلب من الرب. فقد قالت له (يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي). أي كنت قادراً على شفائه. ولكن الان فقد ضاعت الفرصة، فقد مات أخي، وكأن إيمانها وقف عند قدرة المسيح على الشفاء ولكن ليس على إقامة أخوها، خاصة أن له أربعة أيام في قبره.
ثم تنتقل لمرحلة أخرى فتقول له (لكني الأن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه). فإيمانها توقف عند طلب المسيح من الله، وواضح أنها في ذلك اليوم رأت عجباً، وعرفت أن شهادتها التي قالتها للمسيح (أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم). قد رأتها حقيقة مطبقة على أرض الواقع. وعندما قال لها المسيح (سيقوم أخوك)، لم تفهم أن المسيح يتكلم عن قيامة أخيها الآن، بل اعتقدت أن المسيح يتكلم عن قيامته في يوم القيامة. فردت عليه قائلة (أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير) إننا نفهم طبيعة إيمان كل هؤلاء حتى تلميذ المسيح، قبل حلول الروح القدس، لم يكن إيماناً كاملاً، عن ماهية طبيعة المسيح، ولا نلوم أحد، فالوحي المقدس يقول (وليس أحد يقدر أن يقول: يسوع رب، إلا بالروح القدس) (1كو 12: 3) فالمهم بالأكثر هو: كلام المسيح عن نفسه، هذا هو حجر الأساس.
- ثقة المسيح بما سيفعله: مقابل إيمان مرثا، وفهمها المتواضع لطبيعة المسيح، كان هو بعلمه الذاتي الأزلي، يعرف تماماً ما سيفعله، وأنه حتماً وبسلطان لاهوته، سيقيم لعازر من الموت، مهما كانت حالة جسده. ولهذا مقابل كلامها قال لها (سيقوم أخوك). ولا أنسى عزيزي القارئ أن أذكرك هنا، بأن ديدات يكذب ويدعي عدم علم المسيح المسبق بأنه سيقيم لعازر. ولأجل هذا، ترك هذه الآيات التي تسبق المعجزة، وترك كل كلام المسيح وفيما هو يقسي قلبه، ترك الحياة كلها هنا وهناك.
نعود لأختنا مرثا التي اعتقدت أن المسيح يقصد قيامة لعازر في القيامة العامة، فقالت له (أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير) وهنا قال لها المسيح ما تطن له الآذان، وتقشعر له الأنام، وينحني له كل الكيان وتجثو أمامه الأبدان. (قال لها يسوع: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً، وآمن بي فلن يموت إلى الإبد. أتؤمنين بهذا؟ قالت له: نعم يا سيد، أنا قد آمنت، أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم).
هذه عبارات ألوهية خالدة، لا ينطق بها إلا الله وحده. وقد هرب منها ديدات كالفأر المذعور.
العبارة الأولى: أنا القيامة! قال المسيح (أنا هو القيامة والحياة)!
فهل يستطيع نبي أن يتهور ويقول أنا القيامة؟ مع ملاحظة تعبير (أنا هو). وهو اسم لله في الكتاب المقدس، أي أنا يهوه الكائن بذاتي والمقيم كل كيان آخر. فما الذي يريد المسيح أن يقوله لمرثا خاصة؟ ولكل العالم عامة؟
إن المسيح يريد هنا أن ينقل إيمان مرثا، لفعل وتأثير طبيعة المسيح، فهو ليس مجرد شخص يصلي ليقيم ميتاً، وإنما هو القيامة في ذاتها ونبعها.
والقيامة هي الحياة في جملتها وكمالها. القيامة بكل ما تحويه من قدرة على إيجاد الحياة من العدم، هي أنا ولذلك قرن المسيح القيامة بالحياة فقال (أنا هو القيامة والحياة).
ولمرثا بالذات الآن وفي هذا التوقيت، لكلام المسيح مغزاه الخاص. فالشغل الشاغل لمرثا الآن هو أخوها الميت. ولذلك تقع هذه الكلمات على جرحها وألمها فتطببه وتطيبه (أنا هو القيامة والحياة) لم يقل لها: أنا من سيقيمه، وإنما أنا هو القيامة ذاتها! وفي ذاتها، بمعنى (أنا هو القيامة والحياة في كل العصور، حتى ولو في آخر الأيام، فأنا القيامة والحياة، لأنني خارج دائرة الزمن والأيام والمكان. وبهذا نقل المسيح إيمان مرثا بتاريخ محدد – أي القيامة آخر الأيام – إلى شخصه المبارك كنبع للقيامة ومصدر للحياة، لكل البشرية، التي نالت قوة القيامة من الموت، بقيامة المسيح بقوة لاهوته المتحد به.
فبالكاد يقول الإنسان وهو غير واثق من اللحظات التالية، يقول (أنا حي)، ويشكر الله كل يوم على حياته التي استمرت حتى هذه اللحظات. أما أن يقول قائل مهما كان (أنا الحياة)، فهذا ما لا يُقبل من بشر لا يملكون حتى حياتهم الشخصية. ولكننا هنا أمام الكلمة الخالق المسيح مصدر كل الحياة. ولهذا الإعلان الإلهي الذي قاله المسيح الآن (أنا هو القيامة والحياة). له في هذه المناسبة أهمية خاصة. حيث أن المسيح قال هذا التعبير الإلهي وهو مقبل الآن على إقامة ميت من الموت، له أربعة أيام في القبر.
فالمسيح يقول هنا: أني لست مجرد صانع معجزات، وإنما أنا صانع الحياة كلها، فالقيامة والحياة هي أنا، ومني تخرج كهبة مجانية للعالم أجمع. وهنا يعالج المسيح إيمان مرثا. فهو لن يطلب من آخر، لأنه هو الآخر في ثوبنا البشري، فهو القيامة والحياة الذي لبس بشريتنا ليقيمنا ويعطينا حياة من جديد. لا تستغرب عزيزي القارئ لو أني قلت لك، أن ديدات نائم في مستنقعه ولم يظهر حتى الآن في هذه الأحدث، فهو صاحب قطع ولصق ليس إلا.
- جوهر الإيمان: قال المسيح لمرثا (أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد) ومرة أخرى نتساءل: كيف يمكن أن يكون المسيح مجرد بشر وهو يعلن كل هذه الإعلانات الألوهية في شخصه المبارك؟ فهذه الصفات لا تتناسب مع إنسان عادي أو مع مجرد نبي، أو حتى كائن سمائي. فقد قرر المسيح هنا، أن الإيمان به، هو محور القيامة والحياة، وعدم الإيمان به، هو الموت الأبدي. فالصفات التي يعلنها المسيح هنا عن نفسه، هي صفات في إطلاقها، فما الذي يريده المسيح من مستمعيه؟ ولهذا لا أستغرب غيبوبة ديدات المفتعلة حتى الآن.
خامساً: شهود المعجزة
لن أطيل كثيراً في هذه النقطة الواضحة في الإنجيل، فشهود المعجزة كانوا بالآلاف.
- جموع تتبعه أينما توجه: المسيح هو مشتهى الأجيال، والجموع التي سمعت كلامه، وجدوا فيه الحياة والخلاص والتعزية، ورأوا في شخصه الكمال، ولهذا كانت الجموع الغفيرة دائماً تترقب تحركات المسيح لتعرف أين مكانه فتتبعه، وليس أدل على ذلك، مما قاله الوحي المقدس (فلما سمع يسوع انصرف من هناك في سفينة إلى موضع خلاء منفرداً، فسمع الجموع وتبعوه مشاة من المدن) (متى 14: 13) وكذلك (فرآهم الجموع منطلقين وعرفه كثيرون فتراكضوا إلى هناك من جميع المدن مشاة وسبقوهم واجتمعوا إليه) (مرقص 6: 23). فلا شك أن الكثير جداً من هذه الجموع، تبعت المسيح إلى بيت عنيا قرية لعازر الميت، خاصة وأنه قال لتلاميذه ومن سمعه، إنه ذاهب ليقيم لعازر من الموت.
- سُكان بيت عنيا: هذا بالإضافة إلى سكان بيت عنيا الأصليين والذين تبعوا المسيح بمجرد أن دخل بيت عنيا، خاصة وأنه قادم إلى بيت الميت. فهل يا ترى سيقيمه؟!
- المعزون: لقد رأى أيضاً المعزون الذين أتوا من كل مكان لتعزية مرثا ومريم هذه المعجزة العظيمة. فقد كان عدد كبير منهم في بيت الميت للتعزية، وقال الوحي المقدس (أما تلك -أي مريم – فلما سمعت قامت سريعاً وجاءت إليه، ولم يكن يسوع قد جاء إلى القرية بل كان في المكان الذ لاقته فيه مرثا. ثم أن اليهود الذين كانوا معها في البيت يعزونها، لما رأوا مريم قامت عاجلاً وخرجت، تبعوها قائلين: إنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك) (يوحنا 11: 21-31). فما أجمل هذا الترتيب الإلهي. أن تجذب مريم المعزين الذين في بيتها، إلى قلب المعجزة حيث المسيح.
ما أمجد المسيح وسط هذه الجمهرة الكبيرة من الناس الشهود. فمن الرائع أن يترك الله لنفسه شهود عيان في كل مكان (أعمال 14: 17) ليخبروا الناس بما قد رأوا ولمسوا وعاشوا (1يوحنا 1: 1-5). ووسط كل هؤلاء الشهود، ما يزال ديدات في غيبوبته المصطنعة، فهو لا يريد أن يرى، ولا يريد أن يسمع. وقد فعلها ديدات وإلى الأبد.
بينما الشهود هنا على هذه المعجزة هم بالآلاف، كبار وصغار، ما بين رجل وامرأة وصبي، ومنهم الآلاف أيضاً الذين كانوا أحياء حينما كان التلاميذ يبشرون بهذه المعجزة، أو عندما سجلوها في الإنجيل المقدس، وشهدوا بها. إنها المعجزة التي تتناسب مع طبيعة المسيح الألوهية.
عزيزي القارئ: هل لك أن تتخيل، أن كل ما ذكرناه سابقاً، من بداية كلام المسيح عن مجده الذي سيعلنه في هذه المعجزة، حتى الآن، حاول ديدات فاشلاً أن يلتف على القارئ، ولا يذكر له أي شيء عن مقدمات المعجزة، لأنه يعرف أن كلام المسيح فيها، سيقلب كل الموازين ضده، فحقيقة ألوهية المسيح، تنضح في كلامه وتصرفاته.
فبعد كل هذا الحذف وعار طمس الحقائق، يستيقظ ديدات من غيبوبته، ليناقشنا بسذاجة في هذه المعجزة، ويفتري على المسيح، وعلى إيماننا، وكأن الآخرين ليس لديهم إنجيل في أيديهم، ولا يعرون كيف جرت الأمور في هذه المعجزة الخالدة، فإلى هناك عزيزي القارئ، لتقرأ معي كيف أن ديدات لا يخجل، وهو يفبرك أمور الخاصة التي أهلك حياته بسببها، فلننتقل إذن إلى قلب المعجزة.