Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

طبيعة الكتاب المقدس – دراسة

طبيعة الكتاب المقدّس – دراسة

طبيعة الكتاب المقدس – دراسة

طبيعة الكتاب المقدس – دراسة

عدد من العوامل المهمّة يحدّد طبيعة الكتاب المقدّس، من بينها أصوله التاريخيّة وتنوّع أسفاره ومحتوياته وموضوعه اللاهوتيّ كما دوره واستعمالاته في حياة الكنيسة. عالج العلماء الأرثوذكس، من منظار لاهوتيّ عامّ، هذه المواضيع وغيرها من الأسئلة المرتبطة بها[1]. وأكّدت مساهماتهم اوجه مهمّة للكتاب مثل وجهه المعلّن، الوحي، السلطة، التفسير والعلاقة مع التقليد. ستحتلّ هذه النقاط اهتماماتنا، بطرائق متعدّدة، خلال هذا العمل.

ونهدف في الفصل الأوّل إلى تقديم بيان اوّليّ حول طبيعة الكتاب، استناداً إلى مبدأ إثبات أمور مثل الإعلان والوحي لاهوتياً يجب أن يرتكز على محتويات الكتاب الفعليّة وتركيبته التاريخيّة كما على تكوينه القانونيّ. إذاً هنا تُختبر طبيعة الكتاب المقدّس عبر: أصول الإناجيل اليهوديّة والمسيحيّة، والعلاقة بين العهدين القديم والجديد، والوجهين الإلهيّ والبشريّ للكتاب المقدّس.

الكتب اليهوديّة والمسيحيّة المقدّسة

يؤلّف الكتاب المقدّس مكتبةً كاملةً من الأسفار المقدّسة المكتوبة في فترة تمتد حوالي ألف سنة، من القرن العاشر قبل الميلاد إلى الأوّل بعده. وُضِعَت الكتابات المختلفة بالعبرانيّة واليونانيّة، وبعض الأجزاء بالآرامية[2]، وفي الأغلب ألّفها كتّابٌ مجهولون في ظروف تاريخيّة معيّنة وعالجوا أموراً مهمة بالنسبة إلى جماعاتهم الدينيّة. أوّل إشارة إلى كتاب مقدّس رسميّ هي “كتاب الناموس” في 2 ملوك 8:22. بشكل رئيس، يعرّف العلماء المعاصرون هذا الكتاب بتثنيّة الاشتراع.

هذه الإشارة تربط أصول الكتاب بالهيكل والكهنوت أيّام الملك يوشيّا (640-609 ق.م). وتحدّد الإشارة الأخرى، زمن “كتاب ناموس الربّ” (2 أخبار 9:17)، أي حوالي مئتي سنة قبل هذا على أيّام يهوشافاط حاكم اليهوديّة (873-849 ق.م.). يخمّن الباحثون أنّ مراجع كتب الإنجيل المكتوبة، تحديداً التكوين والخروج، قد تعود إلى حوالي القرن العاشر قبل الميلاد.

كتاب الرؤيا، على الطرف الآخر من المكتبة الكتابيّة، قد كُتب على الأرجح أواخر القرن الأوّل بعد الميلاد، خلال اضطهاد المسيحيّين على يد الأمبراطور الرومانيّ دوميتيانوس (81-96 ب.م). هنا يعرّف الكاتب عن نفسه بوضوح على أنّه يوحنّا، نبيّ مسيحيّ، كتب من منفاه في جزيرة باتموس وأعلن أنّه واضع كتاب النبوءة هذا (رؤيا1: 1-11 و22: 7-19)[3].

في كلّ حال، أغلب أسفار الكتاب لم تدّعِ سلطة كونها كتباً مقدسةً. فهي لم تمتلك أيّ سلطة في أيّام وضعها، بل الجماعات الدينيّة اليهوديّة والمسيحيّة منحتها هذه السلطة عبر الأجيال والقرون. ففي هذه الجماعات، كانت السلطة الدينيّة الأولى للأشخاص الأحياء: البطاركة والكهنة والأنبياء والرسل، وفوق الجميع يسوع الناصريّ الذي، بشهادة كلّ هؤلاء، تكلّم وتصرّف بالأصالة عن الله. يجب أن ينتبه قرّاء الكتاب المقدّس إلى أنّ الطبيعة التأسيسيّة للإعلان الكتابيّ شخصيّة، بينما تعبيره المكتوب ثانويّ بالمقارنة معها.

فقد شملت اللحظات العظيمة والأعمال التي جعل الله نفسه معروفاً، أحداثاً قويّة اختباريّة غيّرت حياة الأشخاص المعنيّين في محيط جماعاتهم الخاصّة. وتذكُّر هذه الأحداث الإلهاميّة والخبرات، والاحتفال بها وتفسيرها وسردها وإعادة سردها شفوياً، قد سبق كتابة قصصها على يد هؤلاء. وقد استغرقت هذه العمليّات قروناً بالنسبة إلى العهد القديم، وعشرات السنين بالنسبة إلي العهد الجديد.

إذاً، خلفَ الكتاب المقدّس المكتوب، تقبع الحقيقة الديناميكيّة الدينيّة الشفويّة لتقاليد الشعبين اليهوديّ والمسيحيّ. فقد حُفطَتْ هذه التقليدات الشفويّة وطَوِّرَت في العبادة والتعليم والعادات. حفظها شعب الله حيّة، وهي عزّزت هويّتَه موجِّهةً معتقداته وعاداته. في آخر الأمر، كان الكتّاب ملتزمين بالكتابة عبر عمليّات معقّدة. استمرّت الكتابة العبريّة منذ حوالي 950 سنة ق.م. إلى 150 بعده في حين كُتب العهد الجديد بين السنة 50 و100 بعد الميلاد.

في كلّ حال، أعاد الأدب المقدّس سردَ الأحداث الأولى مع طبقات من التفسير، من الدرجة الأولى والثانيّة والثالثة، ضمن كلّ جماعة إيمانيّة. وتمّ إنتاج تنوّعات هائلة من الكتب، التكوين والعدد، وإنجيل مرقس ورسالة يعقوب. نجد في بعض الحالات أشخاصاً معروفين ككتّاب، كالرسول بولس تحديداً، يساهمون بشكل عامّ في التقليد الكتابيّ المكتوب.

ومع هذا، كلّ هذه الكتب نشأت من حياة إسرائيل والكنيسة، خدمة لحاجاتها الملموسة في العبادة والتعليم والإرشاد الروحيّ وتحديد الذات. من هذا المنظار، نستطيع تقدير الواقع العميق، أنّ اسفار الكتاب هي بطبيعتها الحقيقيّة كتب للإيمان وثمرة الحياة بحسبه، ولأنها عزّزت هذه الحياة وما زالت.

لم يكن أيّ من هذه الكتب بذاته كلّ نتاج الجماعة الإيمانيّة. إذ تضمّن تجميعها التدريجيّ في مجموعة مقدّسة أيضاً عمليّة ديناميكيّة من القبول والاختيار ضمن حياة وتقليد كلّ من الجماعات المؤمنة الحيّة، اليهوديّة والمسيحيّة. وفيما اكتسب الكتاب مركزيّة في نهايّة الأمر في اليهوديّة والمسيحيّة، ينبغي أنّ نتذكر أنّ”إبراهيم كان صاحب كتاب بقدر ما كان يسوع أو بولس صاحبي عهد جديد”[4]. فقد اكتسبّت هذه الكتب صفة السلطة المقدّسة ببطء إلى أن توصلت إلى القيام بدور مهمّ في إظهار المعتَقَد والممارسة وتحديدهما.

لقد حفظت الجماعات الإيمانيّة اليهوديّة والمسيحيّة أسفار الكتاب انتقائيّاً وجمعتها تدريجيّاً في مجموعات مقدّسة خلال قرون عدّة. لا يمكن تقديم أي تفسير لكون هذه الكتب مقدّسة في اليهوديّة والمسيحيّة سوى أنّها اختيارات هاتين الجماعتين الدينيّتين. عندما تقول الكتاب المقدّس العبريّ فأنت تعني الهيكل (synagogue)، وعندما تقول الكتاب المقدّس المسيحيّ فأنت تعني الكنيسة[5]. هذه المجموعات المقدّسة هي قوانين (من الكلمة اليونانيّة ѵώѵαк التي تعني القانون أو المعيار).

لقد أُنجز قانون الكتاب اليهوديّ في القرن الأوّل أو الثاني للميلاد، أمّا القانون المسيحيّ الذي يحتوي العهدين القديم والجديد فقد أُنجز أواخر القرن الرابع[6]. اشترك اليهود والمسيحيّون في الكتابات المقدّسة عينها، المأخوذة من التقليد اليهوديّ، خلال القرن الأوّل الميلاديّ وقبل ظهور العهد الجديد كجزء من الكتاب المقدّس. ومع أنّهم فسّروها بشكل مختلف فقد أشاروا إليها بالعناوين ذاتها.

كلمة ‘إنجيل‘ (بالإنكليزيّة Bible) تأتي من الكلمة اليونانيّة ѵοʹɩλβɩβ أو ςολβɩβ (سجل، وثيقة أو كتاب) وكان قد استعملها اوّلاً اليهود المتكلّمون باليونانيّة للإشارة إلى الكتابات المقدّسة اليهوديّة[7]. تكمن أصول هذه الكلمة الإتيمولوجيّة في كلمة مصريّة تشير إلى شجيرات البردي وعمليّة دبغها المستَعمَلة في العالم القديم للكتابة منذ القرن السادس ق.م.

استعمل كتّاب العهد الجديد هذه التسميّة في بعض الشواهد للإشارة إلى كتابات محدّدة مثل كتابي أشعياء (لوقا 4:3) أو كتب الناموس الخمسة المنسوبة إلى موسى (مرقس 26:12، وغلاطية 10:3). ترد الكلمة بالجمع αɩλβɩβ مرّة واحدة (2 تيموثاوس 13:4). التسمية ذاتها ايضاً توجد عند آباء الكنيسة، ولو نادراً، للإشارة إلى كلّ الإنجيل المسيحيّ. لقد بدأ انتشار عبارة الإنجيل (بمعنى الكتاب المقدّس) في التقليد المسيحيّ الغربيّ.

الكلمة الأكثر انتشاراً للكتب المقدسة كانت الكتاب (باليونانيّة ήφαρϪ) أو بالجمع الكتابات (αφαρϪ)، ومصدرها الفعل ωφʹαρϪ الذي يعني ‘ينقش‘، “يكتب” أو “يسجل”. فيما كلمة ςολβɩβ تقتضي تشديداً على المادة التي يُكتب عليها، فإنّ كلمة ωφʹαρϪ تضع التوكيد على عمل الكتابة ومحتواها[8].

يستعمل كتّاب العهد الجديد هذه التسمية مرّات عديدة للإشارة إلى مقطع محدّد أو إلى الكتابات المقدّسة بشكل عامّ (مرقس 10:12، لوقا 27:24، أعمال 8: 32 و35، غلاطيّة 3: 8 و22، روما 4:15). الرسول بولس يسميّها الكتابات المقدّسة (ʹɩαφαρϪ ɩαɩϪα روما 2:1) مرّة واحدة. انتشرت عبارتا “الكتاب المقدّس” و”الكتابات المقدّسة” في التقليد المسيحيّ العالميّ كتسمية للإنجيل بعهديه القديم والجديد.

كما سبقت الإشارة، فقد كتب الشعب اليهودي وجمع كتاباته الخاصّة. منذ القديم، صُنِّفَت الكتابات العبريّة في المجتمع اليهوديّ إلى ثلاث مجموعات: الناموس والأنبياء والكتابات. يُدعى الناموس ايضاً ناموس موسى أو Pentateuch (ومن اليونانيّة ςοӽѵεԏαʹԏѵεΠ التي تعني العمل ذا الخمسة أجزاء)، ويتألّف من الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم التي تُنسَب تقليديّاً إلى موسى. العنوان العبريّ هو توراة Torah، التي تُترجَم عادةً ‘الناموس‘.

لكن العبارة التي تحمل معاني أكثر غنى في العبرانيّة، بما فيها الناموس الإلهيّ والتعليم والوحي. ومع أنّ محور كتب موسى هو ناموس الله المُعطى له على جبل سيناء، إلاّ أنّ مجالها أوسع باشتمالها روايّة الخلق والملاحم البطريركيّة وقصّة خروج الشعب اليهوديّ من مصر. الأنبياء في العبريّة Nevi’im تعني المُعلنين أو الناطقين بلسان الله. تتضمّن هذه المجموعة كتباً عديدة مرتّبة زمنيّاً من يوشع إلى ملاخي وبينهما الكتب التاريخيّة يوشع والقضاة وصموئيل والملوك.

في كلا التقليدين اليهوديّ والمسيحيّ، يُعتبّر موسى ويوشع وصموئيل أنبياء وزعماء موهوبين ومتحدّثين باسم الله. الفئة الثالثة الواسعة في الكتاب المقدّس هي الكتابات (بالعبريّة Kethurim) وتشكّل مجموعة كتب واسعة من المزامير إلى الأخبار، وتتضمّن صلوات وأغاني وتعليماً وتأمّلات فلسفيّة وقصصاً تاريخيّة ورؤيويّة. يُسمّى الإنجيل باليهوديّة في التقليد اليهوديّ Tanakh وهو لفظة أوائليّة مرتكزة على الحروف الأولى لكلمات “الناموس، الأنبياء والكتابات” بالعبريّة (TNK)[9].

أشار يسوع والرسول بولس إلى فئتين أساسيتين “الناموس والأنبياء” (متى 12:7 ؛ روما 21:3). أمّا الفئات الثلاث فتتكرّر في كلمات المسيح القائم للذَين على طريق عمواص “ناموس موسى، والأنبياء والمزامير” (لوقا 44:24) لكلاوبا وتلميذ آخر مجهول.

كان أعضاء الجماعة المسيحيّة الأولى من اليهود والأمم. وقد رأى كلّ منهم نفسه متأصلاً في التراث اليهوديّ وادّعى أنّه وريثه. إذاً، احتفظ المسيحيّون الأوائل بالكتابات العبرانيّة، أو ما سُمّى لاحقاً بالعهد القديم في التقليد المسيحيّ. وقد حفظوه على أنّه الكتاب الوحيد الذي عرفوه مع فرقّين مهميّن. الفرق الأّول هو اعتماد الترجمة اليونانيّة للكتابات العبريّة، المسمّاة السبعينيّة (Septuagint  وباللاتينيّة Septuaginta وباليونانيّة αԏѵοκήμοδβέ التي تعني سبعين)[10].

تعود هذه العبارة إلى تقليد لليهود الناطقين باليونانيّة في الإسكندريّة يقول إنّ حوالى سبعين أو اثنين وسبعين شيخاً يهوديّاً ترجموا الكتابات العبريّة إلى اليونانيّة قبل المسيح بقرنين أو ثلاثة. تّرِد القصّة في رسالة أرسيتاياس التي كتبها باليونانيّة كاتب يهوديّ من الإسكندريّة قبل المسيحيّة. وقد رام الكاتب تأكيد سلطة الترجمة اليونانيّة التي أنجزَها اليهود الناطقين باليونانيّة خلال أجيال عدّة.

وقد خدمتهم هذه الترجمة في مدينة الإسكندريّة اليونانيّة. هذه النسخة من الكتاب هي الأكثر استعمالاً لدى كتّاب العهد الجديد وقد صارت تقليديّة في الكنيسة القديمة، وما زالت هي النسخة الرسميّة للعهد القديم في الكنيسة الأرثوذكسيّة.

الفرق الثاني هو أنّ المسيحيّين الأوائل تبنّوا عدداً من الكتابات اليهوديّة يفوق عدد الكتب المدرَجَة على لائحة المعلّمين الربّانيّين في جمنيا أو بعدها. كان اليهود الناطقون باليونانيّة يتداولون هذه الكتب الإضافيّة ويعتبرونها قيّمة قبل المسيحيّة إذ كانت تعبّر عن عادات الكثرين من اليهود ومعتقداتهم المتنوّعة وآمالهم في السيطرة الإغريقيّة والرومانيّة على العالم القديم.

على كلّ، أراد قادة الربّانيّين توحيد اليهوديّة وتعزيزها بعد الحرب المشؤومة مع روما خلال القرنين الأول والثاني، لهذا تركوا هذه الكتب خارج القانون العبريّ لأنّها لا تحمل ما يكفي من القِدَم ولا ما يكفي من السلطة في التقليد اليهوديّ.

أمّا المسيحيّون فقد احترموا هذه الكتابات وحفظوها، واعتبرها الشرق كتباً للقراءة (αѵεμόκσωѵɩϫαѵΑ)، أمّا الغرب فوجدها كتباً قانونيّة من الدرجة الثانيّة. ومع أنّ عددها الدقيق يتغيّر، ما توال هذه الكتابات جزءاً من قوانين العهد القديم الأرثوذكسيّة والرومانيّة الكاثوليكيّة. مع الإصلاح، تبنّى البروتستانت القانون اليهوديّ فحذفوا هذه الكتب من الإنجيل واعتبروها منحولة (Apocrypha)، وهي عبارة ازدرائيّة تعني “الكتب المخبّأة” أطلَقتها الكنيسة في التقليد المسيحيّ القديم على كتب أخرى كانت قد رفضتها.

وقد حفظ المسيحيّون هذه الكتب الأخيرة، مثل كتاب اليوبيلات واستشهاد أشعياء وارتفاع موسى، لاهتمامات تاريخيّة ودينيّة. فمع أنّها لا تحمل سلطة قانونيّة، لكنّها بالتأكيد تحمل قيمة تاريخيّة كونها تشهد لمعتقدات كتّابها وجماعاتهم الدينيّة الخاصّة وممارستهم. مازالت هذه الكتب تُسمّى أبوكريفا في الكنيسة الأرثوذكسيّة، بينما يسمّيها البروتستانت Pseudephgrapha (ما يعني المعنّونَة كذباً)[11].

إذاً على العموم، ما يسميّه البروتستانت معنوناً كذباً يسميّه الأرثوذكس أبوكريفا، وما يسميّه البروتستانت أبوكريفا يسميّه الأرثوذكس للقراءة وقانونياً من الدرجة الثانيّة. الكثير من الإناجيل البروتستانتيّة الحاليّة، بسبب الانفتاح المسكونيّ والاهتمامات الدراسيّة، تصوّر الكتب الممكن قراءتها على أنها “الأبوكريفا من الدرجة الثانية”، وإن يكن كملحق.

بالإضافة إلى الكتب الممكن قراءتها أو القانونيّة من الدرجة الثانيّة، يحتوي الإنجيلان الأرثوذكسيّ والرومانيّ الكاثوليكيّ مقاطع واسعة من كتب أستير ودانيال القانونيّة لكنّها غير موجودة في النسخة العبريّة. وقد وضع البروتستانت هذه المقاطع بين “الأبوكريفا” بحسب مصطلحاتهم ويسمّونها “إضافات” إلى نسخ إستير ودانيال اليونانيّة، رغم أنّها تقليدياً جزء من الكتب القانونيّة. تتضمّن هذه النصوص في دانيال: صلاة عزريا ونشيد الفتيّة الثلاثة، قصّة سوسنة وقصّة بعل والتنين، وفي أستير مقاطع أقل طولاً ولكنّها أكثر عدداً[12].

اهتمامات التقليد الشرقيّ كانت شاملة وقد امتدّت إلى نصوص إضافيّة موجودة في الإناجيل الأرثوذكسيّة، من بينها صلاة منسى والمزمور 151. النسخة السلافونيّة وحدها تحتوي سدراس 2 والنسخة اليونانيّة وحدها تتضمّن المكابيّين 7 كملحق.

بالمجموع، الكتابات العبريّة تحتوي 38 كتاباً، فيما عزرا ونحميا يشكّلان كتاباً واحداً. دوّر التقليد اليهوديّ ترقيمه الخاصّ وحفظه في تسلسل هذه الكتب[13]. يفصل العهد القديم البروتستانتيّ عزرا عن نحميا بحسب التقليد المسيحيّ القديم فيكون عدد كتبه 39.

يبلغ عدد كتب العهد القديم الكاثوليكيّ 46، متضمّناً 7 كتب قانونيّة من الدرجة الثانيّة ورسالة إرميا مدموجة مع باروخ. امّا العهد القديم الأرثوذكسيّ فيحافظ على القانون الأكثر شمولاً من الكنيسة القديمة ويضمّ 49 كتاباً بما فيها عشرة كتب للقراءة. بالإضافة، يعطي التقليد الأرثوذكسيّ قيمة كبرى لبعض الكتابات القليلة الأخرى المذكورة أعلاه، كصلاة منسى والمزمور 151.

أيضاً تجدر الإشارة إلى أنّ ترتيب الكتب يختلف بين الإناجيل البروتستانتيّة، الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة. هذا ما يمكن أنّ يتأكد منه القارئ من طريق مقابلة النسخ الحاليّة[14]. فرقان مهمّان يستحقّان انتباه القارئ: الفرق الأوّل هو أنّ التقليد الأرثوذكسيّ يُدرِج في إنجيله الكتب التي يعتبرها في قانونه للعهد القديم كتباً للقراءة، والتقليد الكاثوليكيّ يُدرِج في إنجيله الكتب التي يعتبرها في قانونه للعهد القديم كتباً قانونيّة ثانيّة، بينما تضع الإناجيل البروتستانتيّة هذه الكتب في ملحق.

هذا الواقع يدل على فرق باق في النظرات المتعلّقة بالسلطة القانونيّة لهذه الكتب. أمّا الفرق الثاني فهو أنّ العهد القديم الأرثوذكسيّ الرسميّ ما زال السبعينيّة اليونانيّة، بينما الأناجيل الحاليّة البروتستانتيّة والكاثوليكيّة هي ترجمات عن الأصل العبريّ الذي يٌسمّى النصّ الأوروبيّ Masoretic[15]. في الختام، يجب أن يعرف قرّاء الكتاب أنّ “أبوكريفا” العهد الجديد هي كتب مختلفة بالكامل، خارج قانون العهد الجديد، وأغلبها كُتِب في القرن الثاني للميلاد أو بعد هذا التاريخ[16].

العهدان القديم والجديد

نشأت تسميّة “العهد القديم” و”العهد الجديد” خلال القرن الأوّل، وأُطلقت على جزئي الإنجيل المسيحيّ عند نهايّة القرن الثاني. الكلمة المفتاح ‘عهد‘، المشتقّة من الكلمة اللاتينيّة  testament، هي ترجمة للكلمة اليونانيّة  diathiki-δɩαθήκη والعبرانيّة berith. ما تزال الكلمتان الإنكليزيّة واليونانيّة الحديثة غير مناسبتين. عادةً، يأخذ القرّاء المعاصرون كلمةَ ‘عهد‘ بمعنى وثيقة مستعمَلة لتحويل ملكيّة ما، كما في وصيّة.

من ناحيّة ثانيّة، المعنى الصحيح للكلمة العبريّة هو ميثاق (covenant) بمعنى ارتباط، اتفاق، أو تحالف بين شريكين. معنى العهد، في النظرة الكتابيّة، هو الارتباط المقدّس بين الله وشعبه، المؤسَّس عبر عمل الله الخلاصيّ والممنوح لشعبه كعلاقة دائمة من المحبّة والإخلاص المتبادَلين.

يرتكز ‘الميثاق القديم‘ على تحرير الله لإسرائيل من مصر وإهدائه الناموس على جبل سيناء. “الميثاق الجديد” متأصّل في تضحيّة المسيح (عمل الله الخلاصيّ الأسمى) كتجديد للميثاق مع شعبه (مرقس 24:14 ؛ 1 كورنثوس 25:11 ؛ عبرانيّين 13، 8:8 ؛ إرميا 3: 31-32).

أوّل مَن سبك عبارة “العهد القديم” (ηκήθαɩδ άɩαλαΠ)، في مواجهة واعيّة مع العهد الجديد (ηκήθαɩδ ήѵɩαΚ)، هو الرسول بولس في 2 كورنثوس 3 :6،14. ويشير المضمون بوضوح إلى أنّ ما يعتبره الرسول ‘العهد القديم‘ إنّما هو قصّة موسى عن الخروج والعهد في سيناء، وليس كلّ الكتاب العبريّ.

عبارتا ‘العهد القديم‘ و‘العهد الجديد‘ لم تُطلَقا على الكتب المقدّسة حتّى نهايّة القرن الثاني. بالنسبة إلى الرسول بولس والمسيحيّين الأوائل، لم يكن العهد الجديد كتاباً، ولا مجموعة من الكتب، إنّما حقيقة ديناميكيّة للرباط الجديد بين الله والمؤمنين المسيحيّين، حيث القاعدة هي شخص المسيح وعمله الخلاصيّ.

دوّن الرسل وأتباعهم الرسائل والكتب الأخرى خلال القرن الأوّل في مناطق مختلفة من العالم المتوسطيّ. تمّ تجميعها تدريجيّاً، ككتب ذات سلطة في التقليد المسيحيّ، خلال القرن الثاني بشكل رئيس. هذه العمليّة المعقّدة تُعرَف بتشكيل قانون العهد الجديد وقد تمّت بموازاة تشكيل قانون العهد القديم. في  الحالتين، استمرّت العمليّة لقرون عديدة، مع تعدّد ملحوظ ومنازعات حول اختيار الكتاب بالاستناد إلى التقليد والتأليف والمحتوى.

تشهد أعمال القدّيس إيريناوس وترتليانوس ووثيقة تُدعى القانون الموراتوري على أنّ عدد الكتب التي كان المسيحيّون، عند نهايّة القرن الثاني، يعترفون بأنّها تنتمي إلى مكتبة الكتب المقدّسة الجديدة في الكنيسة العالميّة، تراوح بين اثنين وعشرين وسبعة وعشرين. الكتب المتنازَع عليها كانت، ولأجيال كثيرة، رسائل بطرس الثانيّة، يهوذا، ويوحنا الثانيّة والثالثة، كتاب الرؤيا، وبنسب أقلّ، الرسالة إلى العبرانيّين ورسالة يعقوب.

بدأ إطلاق تسمية ‘العهد القديم‘ على الكتاب المقدّس اليهوديّ حوالي نهاية القرن الثاني، وأوّل مَن أطلقها هو ميليتون أسقف سارديكا في آسيا الصغرى[17]. يمكن الافتراض أنّ استعمال تسمية العهد الجديد للمجموعة الجديدة من الكتب المسيحيّة المقدّسة كان في التداول عند ذلك الوقت، لكن الإشارات الموجودة تعود إلى كتّاب القرن الثالث، مثل إقليمس الإسكندريّ وأوريجنس.

يُنسَب ما نسميّه “ختم قانون العهد الجديد” إلى القدّيس أثناسيوس الكبير (367) الذي يعدّد كلّ كتب العهد الجديد السبعة والعشرين[18]. مع ذلك، العدد سبعة وعشرون ليس مطلقاً ولا هو عقيدة. الكنيسة السريانيّة القديمة اختارت فقط اثنين وعشرين كتاباً لعهدها الجديد، ومن دون أن يسبّب ذلك أيّ انقسام. الكنيسة الأثيوبيّة قبلت أكثر من ثلاثين كتاباً. القدّيس يوحنا الدمشقيّ في القرن الثامن يعدّد ثمانية وعشرين كتاباً[19].

إذا اكتُشفَت رسائل الرسول بولس المفقودة، وهذا احتمال مستَبعَد، لا يوجد أيّ سبب مقنع يمنع إدراجها. “ختم القانون” هو مبدأ حازم، ولكنّه غير جامد في الكنيسة الأرثوذكسيّة. فالتقليد المسيحيّ القديم لم يجعل تحديد الكتب عقيدة، بل كان دائماً يوقّر كتابات كثيرة غيرها ونصوصاً ليتورجيّة إلى جانب المجموعة القانونيّة من الكتب المقدّسة.

العلاقة بين العهدين القديم والجديد معقدّة مثل العلاقة بين المسيحيّين واليهود[20]. نقطة الانطلاق الرئيسة هي أنّ يسوع لم يأتِ لينقض الناموس بل ليتمّه (متى 17:5). لم يسعَ المسيح إلى رفض التراث اليهوديّ أو نقضه بل هدف إلى تجديده وإتمامه. عاش يسوع بشكل كامل في تقليدات شعبه.

قبل سلطة الكتب العبريّة وأشار إلى الوصايا العشر كطريق إلى الحياة الأبديّة (متّى 19: 16-19). مع هذا، أسّس يسوع نظرة جديدة إلى الكتاب المقدّس والتقليد اليهوديّ بسلطته ومثاله تُختصر في إعادة تفسير الناموس الموسويّ (5: 21-48)، والتعليم عن المحبّة غير المشروطة والغفران كأسُس أبعد من القيود القانونيّة كونها الأعلى في ملكوت الله (مرقس 2: 1-28).

بنى الرسول بولس وغيره من كتّاب العهد الجديد على هذه النظرة في ضوء قيامة المسيح وإرشاد الروح القدس. لم يعد ناموس موسى مركزَ الوحي بالنسبة إليهم، إنّما هو المسيح الذي تحقّقت فيه “نَعَم” مواعيد الله المدويّة ( 2 كورنثوس 10:-1). لقد ثبّتوا المسيح والإنجيل كمعايير لاستعمال العهد القديم وتفسيره. وعلاوة على هذا كلّه قرأوه ككتاب نبوءة منذر بخدمة المسيح والإنجيل (العهد الجديد) وضمّ المؤمنين من الأمم إلى شعب الله.

وإضافةً إلى قبولهم بسلطة الكتب اليهوديّة التقليديّة، طوّروا مواقف جديدة من الحقيقة والسلوك. وتماماً، كما أهمل يسوع بعض تقاليد الناموس المكتوبة والشفويّة كالطلاق وطقس غسل اليدين (متى 5: 31-32 ؛ مرقس 7: 1-23)، هكذا أيضاً لم يعتبر الرسول بولس والكنيسة الأولى بعض أوجه الناموس المهمّة، بخاصّة الختان وقوانين الأكل، كشرط لمسيحيّي الأمم (غلاطية 2: 11-21 ؛ روما 4:1 ؛ أعمال 15: 1-21). ومع هذا، فقد بقيت الكتب العبريّة عند كلّ المسيحيّين كلمة الله الموحى بها المكتوبة لتعليمهم وتشجيعهم (روما 15: 4-5 ؛ 1 كورنثوس 11:10)، والمفيدة للإصلاح والتدريب على البِرّ (2 تيموثاوس 16:3).

من الصحيح أنّه كانت لبعض الكتّاب المسيحيين اللاحقين نظرات استخفافيّة بالميراث اليهوديّ. كاتب الرسالة إلى العبرانيين المجهول يشير إلى العهد القديم بالعتيق والعقيم (عبرانيّين 18:7 ؛ 13:8 ؛ 10: 1-10). كاتب رسالة  برنابا (409) يدّعي أنّ الختان الذي أوحى به الله لم يكن قطّ معناه جسديّاً بل روحيّاً.

رفض الهرطوقيّ ماركيون العهد القديم برمّته في القرن الثاني. وبثّ مارتن لوثر، بشكل مؤسف، مفاهيم سلبيّة عن العهد القديم والتراث اليهوديّ في بعض التقليدات البروتستانتيّة. وذلك بسبب مخطّطه اللاهوتيّ الذي يضع الناموس تجاه الإنجيل. من الأمثال على ذلك أن اعتبر أحد باحثي الكتاب اللوثريّين المشهورين أنّ العهد القديم هو “تاريخ الخطيئة”.

على عكس هذه النظرات، يجب التشديد على أنّ العهد القديم سجلّ أساس للإعلان وجزء متكامل من الإنجيل المسيحيّ. بحسب الرسول بولس (روما 7: 12-14)، لم يعد ناموس موسى معياراً لخلاص المسيحيّين رغم أنّه ناموس الله المعلَن، ومقدّس، وحَسَن وروحيّ. لم يفتكر الرسول العظيم قطّ أنّ أيّاً من اليهود أو المسيحيّين اليهود سوف يكفّ عن الالتزام بناموس الله، إنّما رأى فقط أنّ الناموس لن يُفرَض على المسيحيّين من الأمم كونهم شعب الله تحت شريعة المسيح الجديدة والإنجيل.

وفق المنظور الأرثوذكسيّ، لا يشير القديم في العهد القديم إلى أيّ انتقاص من صفته الإعلانيّة. فسّر آباء الكنيسة العهد القديم لاهوتيّاً ووجدوا إشارات إلى الثالوث القدّوس في بعض المقاطع، مثل زيارة الملائكة الثلاثة لإبراهيم وسارة (تكوين 18). كما رأى بولس الرسول المسيح الأزليّ كاملاً في الكتب العبرانيّة (1 كورنثوس 4:10)، كذلك اعتبر آباء الكنيسة المسيح ممثّلاً الإعلان في العهد القديم كما في الجديد، كما تحدّث الله إلى موسى في العلّيقة المحترقة (خروج 3). نزل الروح القدس على الأنبياء وكان فاعلاً في إسرائيل.

إبراهيم، موسى، والأنبياء كانوا “أصدقاء الله “وتلقّوا إعلانات مباشرة. مجد الله لمع على وجه موسى (خروج 30:34 ؛ 2 كورنثوس 7:3). تكرّم الكنيسة الأرثوذكسيّة رموز العهد القديم الأبرار من آدم إلى أيوب، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن إيليا إلى الشهداء المكابيّين، وتعتبرهم قدّيسين لهم أعيادهم الخاصّة. القراءات من العهد القديم أساسيّة في عبادة الكنيسة. التراتيل والصلوات الليتورجيّة مليئة بلغة العهد القديم والإشارات إلى أعمال الله الخلاصيّة لشعبه.

في رسم الأيقونات، هناك أيقونة شهيرة للقيامة تُظهر المسيح محطِّماً أبواب الجحيم ورافعاً في كلّ من يديه آدم وحواء محاطَين برموز إسرائيل الأبرار.

هل اتخذت الكنيسة بشكل عام كليّ الكتب المقدّسة العبرانيّة على أنّها خاصتّها وسلختها من اليهود؟ بدون شكّ يميل المسيحيّون إلى هذا الاستنتاج.لكن هذا يعارض سلطة القدّيس بولس الرسوليّة الذي أعلن أنّ “هبات الله ودعوته هي بلا ندامة” (روما 29:11). فمن المسلَّمات عنده أنّ الشعب اليهوديّ تحت عناية الله وسوف يستمر في العيش بحسب العهد المقدّس المعطى له إلى أن يحل الله بنفسه سرّعدم إيمانهم (روما 11: 25-36). الكتب المقدّسة العبرانيّة هي هبة لليهود والمسيحيّين.

اليهود والمسيحيّون يفهمون أنفسهم، كلّ من منظاره الخاص، ويدّعون أنّهم شعب الله المخلص لعهده الخاص. مع أنّهم يقرأون الكتب المقدّسة بأضواء مختلفة، اليهود من منطلق الناموس والمسيحيّون من منطلق المسيح، يستطيع المسيحيّون واليهود أن يخدموا في احترام متبادَل كشهود الله الواحد أمام الآخر وأمام العالم بحسب دعوة كلّ منهم: يجب أن يكون المسيحيّون شركاء مطِّعمين لِـ”شجرة الزيتون” الغنيّة من التراث اليهوديّ وأن “يمجّدوا الله لنعمته” (روما 11: 14-24 ؛ 9:15).

إنّهم يسمّون الكتب العبرانيّة “العهد القديم” ليس للتقليل من قيمتها الإعلانيّة، بل العكس لتأكيد فهمهم الخاصّ لعمل الله المنعم، أبي يسوع المسيح، وليحملوا الشهادة عن خبرتهم في العهد الجديد في المسيح، هذه الخبرة التي تشكّل ملء العهد القديم.

الوجهان الدينيّ والبشريّ

الإنجيل هو الكتاب المقدّس. مصدر صفة القداسة ليس فقط دوره في حياة الجماعة المؤمنة وعبادتها، إنّما أيضاً طبيعته الداخليّة وشهادته للإعلان الإلهيّ. كلمة إعلان (من اليونانيّة ςψѵλάκοπά) (رؤيا 1:1) تعني “كشف – إفشاء – إيصال” شيء ما مخبّأ أو غير معروف سابقاً. أنّ تأصّل الكتاب المقدّس في خبرة شهود مميّزين لله بشكل مباشر، يجعل دعواه الأساسيّة في أنّ الله الحقيقيّ وربّ الكون، اختار أن يعلن نفسه ويُعرف من الجنس البشريّ بطريقة مختلفة. بخاصّة عبر الأعمال والكلمات. الإله الحيّ، رغم البحث عنه بطرائق مبهمة منذ الزمن السحيق، كان ليبقى مجهولاً لولا قيامه بالكشف عن نفسه والتواصل مع البشريّة.

يذكر الكتاب “كلمات الله” (..αɩϫόλ αԏ) (روما 3:2) وكلمة الله (ςοϫόλ لوقا 21:8 ؛ يوحنّا 35:10 ؛ روما 2:3) لأنّه يوصل المعرفة التي اختار الله إعلانَها عبر كتّاب ملهّمين. الكلمات هي وسائل التواصل بواسطتها نعطي شكلاً لأفكارنا العميقة، نركّبها، فنصبح قادرين على التواصل مع الآخرين. مثاليّاً، الكلمات هي عربات الحقيقة. سعيُها هو تفسير الواقع وحمل معنى الحياة إلى النور الكامل. الأمر غير القابل للمراجعة هو أنّ الكتاب يحمل بعمقٍ شهادةً لغنى فكر الله، هي رؤى وحقائق حول المعنى الأخير لكلّ الحقيقة.

من وجهة نظر دينيّة أكثر منها علميّة، هذا هو تماماً ما يدّعي الكتاب تحقيقه. فهو يخبرنا أنّ كلمة الله الحيّ والفاعلة تخترق بقوّة روحيّة، كسيف ذي حدّين، وتنفُذُ إلى عمق كيان الإنسان (عبرانيّين 12:4 ؛ أفسس 17:6).

ما الذي يرغب الله بإيصاله عبر شهادة الكتاب المقدّس؟ ما هي الأوجه المركزيّة التي تكوّن الجوهر الدينيّ واللاهوتيّ للكتاب ككتاب للتخاطب؟ آباء الكنيسة علّموا، والبحث الحديث أكّد على القرّاء أنّ يتنبّهوا لهدف الكتاب الشامل أو نهايته (ςόποκσ)، حتّى تظهر أجزاؤه عبر الكلّ ويظهر الكلّ عبر الأجزاء[21]. من منظار شموليّ، يقدم الكتاب معرفةً عن الله وعن تعاطيه مع البشريّة في ثلاث طرائق مهمّة ومترابطة.

أوّلاً، يحمل شهادة عن العمليّة التي سُميّت التاريخ المقدّس أو تاريخ الخلاص، أي عمل الله الخلاصيّ في التاريخ. غالباً ما يفهم بعض المؤمنين هذه الفكرة بطريقة ساذجة، مماثلين كلّ القصة الكتابيّة بالتاريخ الأدبيّ. مهما يكن، فالكتاب لم يُكتب كتاريخ من الناحيّة التقنيّة. لقد كان المجرى الفعليّ للأحداث والقوى المحركّة للتفاعلات البشريّة على درجة أكثر تعقيداً بكثير من القصّة التي يرويها الكتاب. لا تنكُر هذه النظرة الأساسَ الواقعيَّ للكتاب، إنّما تركّز فقط على أنّ روايتَه تمثّل الخبرة المفسِّرة والذاكرة الدينيّة لأجيال عديدة من شعب الله.

يشمل عمل الله الخلاصيّ كلّ الصراعات البشريّة التي يشهد عليها الأنبياء، يوحنّا المعمدان، بطرس، بولس وكثيرون غيرهم. أيضاً يُحدّد عمل الله الخلاصيّ بأعمال تحرير عظيمة، كما يفهمها شعب الله ويفسّرها ويحتفل بها.

يسمّى الكتاب هذه الأعمال الإلهيّة عجائب (αԏαμ΄ѵαθ αԏ خروج 20:3) أو أعمال الله العظيمة (αλάϫεμ αԏ أعمال 11:2)، كالخروج، إعطاء الناموس في سيناء، دخول الأرض الموعودة، تجسّد المسيح، موته وقيامته، وهبة الروح في العنصرة. لحظات الإعلان هذه وأعمال الإنقاذ، تبلغ أوجَها في شخص يسوع ورسالته، وتؤلّف الأساس المتين للإعلان الإلهيّ وجوهرَ الكتاب على أنّه رسالة الله الخلاصيّة.

ثانياً، يوصل الكتاب حقيقةَ الله وحكمتّه في الخلق والبشريّة، الخطيئة والخلاص، الحقّ والخطأ الأخلاقيّين، الملكوت والجحيم. الاعتراف بالله الواحد الحيّ وعبادته هما الحقيقة والوصيّة الرئيسة (خروج 20: 1-6). “وليجرِ الحقّ كالمياه والبِرّ كنهر دائم” (عاموص 24:5) هكذا صرخ النبيّ بلسان الربّ داعياً إلى العدالة الإجتماعيّة. يسوع علّم “اطلبوا ملكوت الله وبِرّه” (كتّى 33:6). القدّيس بولس رأي أنً “الخليقة نفسها أيضاً ستُعتَق من عبوديّة الفساد إلى حريّة مجد أولاد الله” (روما 24:8).

مرةً أخرى تُبلَّغ معرفة هذه الأمور من منظار لاهوتيّ ودينيّ، غير علميّ ولا تاريخيّ محض. إنّها تُنقَل عبر تنوّع غنيّ من وصف أحداث وأمثلة من التصرّف، رواية قصص وتعاليم حِكَميّة، إصلاح وإيحاءات، وصايا ونصائح، مزامير وصلوات. إنّها تأتي إلينا بدرجات مختلفة من الوضوح والدقة عبر الخبرة الإنسانيّة والكلمات البشريّة التي غالباً ما تتطلّب تفسيراً متأنيّاً. رغم ذلك، الكتاب في غايته (ςόποκσ) عموماً، سواء بالقصص أو بالتعليم، يعطي شهادةً ملتزمة عن حقيقة الله الخلاصيّة التي يراها كنور وحياة (مزمور 105:119).

ثالثاً والأهم، يوصِل الكتاب المعرفة حول سرّ الله الحيّ نفسه: مَن هو وما هي صفاته. آمنت الشعوب القديمة بكلّ أنواع الآلهة وقدّمت البيعة لها بطرائق لا تُحصى. من الخطأ الادّعاء أنّهم جميعاً عبدوا الإله نفسَه بأسماء مختلفة وطرائق عديدة. فيما يشهد الكتاب لحقيقة وجود إله واحد حقيقيّ، خلق البشر بالمقابل، عبر التاريخ، أصناماً لا تُعدّ مِن المادة والآلهة الفكريّة. يعلن الكتاب المقدّس الله “الحقيقيّ” تماماً في تباين متعمَّد ومواجهة مع الإلهة الوثنيّة “الكاذبة”[22].

الله الحقيقيّ هو الله الحيّ، إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، الذي قاد شعبه في التاريخ وأظهر نفسه، تماماً في الابن والروح، كإله ثالوثيّ (متى 19:28 ؛ 2 كورنثوس 13:13). إنّه الله “الحيّ” لأنّه الربّ يهوه (“أهيه الذي أهيه” خروج 14:3)، إله شخصيّ يحيا ويتصرّف بين شعبه بنعمة وحقّ محرَّكاً بالمحبّة. لا يظهر شخص الله الوضوح ذاته على كلّ صفحات الكتاب. لكنّ كامل شهادة الكتاب تنادي بالله الحقيقيّ، ملك المجد، وترفعه ربّاً أخلاقياً يأمر بالعدل والبِرّ، ويحكم بالمحبّة والرحمة.

علاوة على ذلك، إنّه يشتهي أن يتقاسَم حياته، إنّه يتوق إلى إخلاص ميثاقيّ وشركة صميميّة مع كائنات شخصيّة خُلقوا على صورته ومثاله. في النهايّة، لا يشير الكتاب إلى نفسه بل إلى الله. شهادته الأسمى وتحدّيه الأكبر للقرّاء هما الدعوة إلى لقاء حميم مع الله وحياة شخصيّة معه.

من المهمّ أيضاً التشديد على أنّ الكتاب، كرسالة من الله، موجّه بالدرجة الأولى إلى شعبه، ما يعزّز معرفة الله في الجماعة. الله اختار أن يجعل نفسَه معروفاً لأشخاص محدّدين مثل إبراهيم وسارة، موسى وميريام، بولس وليديا. أعمالُه الخلاصيّة وكلماته استدعت استجابة هؤلاء الأشخاص وأسّست علاقات بين الله وبينهم، كما بينهم وبين آخرين تسلّموا رسالتهم. لقد ختم الذين استجابوا للدعوة علاقَتهم مع الله، ومع بعضهم البعض، بإيمان متبادَل وطاعة مُحِبّة.

على الشكل ذاته، أعمال الله الخلاصيّة العظيمة كانت موجهّة إلى شعب إسرائيل وإلى أتباع يسوع. جوابهم كان متمّماً للعهد المشترَك بين الله وشعبه. نستطيع القول إنّ أعمال الله الخلاصيّة وكلماته خلقت هذه الرباطات الشخصيّة، وأسّست جماعة شعب الله نفسها. لقد نشأ الكتاب المقدّس عظاماً من عظام حياة الجماعة المؤمنة ولحماً من لحمها. ككتابِ إيمان وكتابٍ للكنيسة، يشكّل الكتاب المقدّس كلمةَ الله غير المجرّدة التي يوجهّها إلى شعبه.

الموضوع الذي يسيطر في الكتاب هو معرفة الله الحيّ المشتركة. كلمة الله والذين تلقّوها، أي الكتاب المقدّس وشعب الله، يقطنان معاً بلا انفصال. تصبح كلماتُ الكتاب كلمةً حيّة للإله الحيّ في هذا الإطارالإيمانيّ الجماعيّ: في العبادة والوعظ والتعليم والإرشاد والتبشير[23].

إذاً يكمن جوهر قيمة الكتاب المقدّس الدينيّة وفحواه اللاهوتيّة، كإعلان إلهيّ، في شهادته لعمل الله الخلاصيّ: حقيقة الله الخلاصيّة وصفته الشخصيّة. الكتاب هو كلمة الله بقدر ما يوصل إلينا معرفة هذه الأمور الحاسمة. مع ذلك، تبلَّغ هذه المعرفة عن الله وغاياته عبر بشرٍ تكلّموا وكتبوا بلغات بشريّة: العبريّة واليونانيّة والآراميّة. كيف للمرء أن يفهم العلاقة بين كلمة الله وكلمات البشريّة التي كُتب بها الكتاب؟ بأيّ معنى يكون الكتاب كلمة الله؟ ليس لله فم ولا هو بحاجة إليه لجعل إرادته معروفة.

هل خلق عجائبيّاً أصواتاً لتُسمع في كلمات ينطق بها بشر بالعبريّة أو الآراميّة أو اليونانيّة؟ هل لمس فكرَ الأشخاص لإيصال إرادته وهم تالياً نقلوا رسائله إلى آخرين بلغتهم العاديّة وقالبِهم؟ ماذا عن تفاسير الإعلانات الأصليّة التي ادّخرتها الأجيال اللاحقة في التقليد الكتابيّ المكتوب؟ إلى أيّ درجة تمثّل كلمات الكتاب كلمات الله الفعليّة؟ كيف يبدأ المرء يفهم، بدقّة أكثر، حقيقة أنّ الكتاب هو كلمة الله بكلمات بشريّة؟

إنّ الطريقة التي يجيب بها الإنسان عن هذه الأسئلة تحدّد نظرته إلى الكتاب والوحي والإعلان. أنّها أيضاً تكشف موقعه في سلسلة التفسير الكتابيّ، من الأصوليّة إلى الليبراليّة المتطرّفة.

الكتاب المقدّس في النظرة الأرثوذكسيّة هو سجلّ الإعلان أكثر مّما هو الإعلان المباشر ذاته. القراءة عن الخلق في سفر التكوين ليست مجرد الحضور عند الخلق. النبي إشعياء رأى بنفسه الربّ على العرش في المجد، لكن ما يرد في إشعياء 6 هو قصّة هذا الإعلان وليس الإعلان المرِهب عينه.

اختبر الرسل وغيرهم من أتباع يسوع المخلِصين تدّفق الروح القدس في العنصرة، وما نلتقيه في أعمال 2 هو وصف مكتوب للحدث وليس الحدث عينه. بالتأكيد، سجل الإعلان ملهَم ومقدّس وقانونيّ، ولكن مع هذا، هو يبقى سجلاً كتبه كتّاب هم بشر محدّدون وبلغات بشريّة محدّدة.

كتب جورج فلوروفسكي “إن الكتاب المقدّس تاريخيّ بالجوهر…فيه لا نسمع صوت الله فقط إنّما صوت الإنسان أيضاً…في داخله تكمن معجزة الكتاب وسرّه، أي كلمة الله في لغة بشريّة[24]. يندمج في الكتاب صوت الله في أصوات البشر العديدة. كلّ كلمات الكتاب بدون أي استثناء مسجّلة بكلمات بشريّة. الوحي الإلهيّ لم يتمّ في الفراغ ولا هو كالذهب النقيّ لم تلمسه المصادفة البشريّة.

استعمل الله ممثّلين هم بشر عاديّون بمحدوديتّهم في اللغة والمعرفة لنقل أوجه إرادته وأهدافه إلى أشخاص محدّدين. المفكّر الكبير أوريجنس اعتبر أن الله في الكتاب يكلّم البشر كالأطفال. القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم رأى أنّ الكتاب تعبير عن التنازل الإلهيّ “ςɩσαβάԏαкϫѵσ”[25]. هذه النظرة تفترض مسبقاً فهماً ديناميكيّاً للوحي والإلهام متضمّناً عمليّة تفاعل شخصيّ إلهيّ-بشريّ.

التوازي اللافت لطبيعة الكتاب المزدوجة هو، من طريق التشابه الجزئيّ أكثر منه التماثل الكامل، يسوع المسيح نفسه كلمة الله المتجسّد (يوحنا 1: 1، 14). المسيح المتجسّد، مع كونه الكلمة الأزليّ والابن، فقد عوين ولُمس، تكلّم وتصرّف بطرائق بشريّة، بما فيها اختبار الجوع، الإحباط والخوف، ومع هذا كان بلا خطيئة (عبرانيّين 15:4 ؛ 7:5). تماماً كما أنّ طبيعة المسيح البشريّة والإلهيّة تعبّرعن سرّه الواحد، كذلك أيضاً سرّ الكتاب المقدّس، أيقونة المسيح (الكلامية)، يوحّد الوجهين الإلهيّ والبشريّ.

الأوجه الإلهيّة موجودة في رسالة الكتاب الخلاصيّة عن الله، البشريّة، الإنجيل، الكنيسة، النعمة والأعمال، والرجاء بالملكوت الآتي. هذه الرسالة الخلاصيّة ليست إعلاناً فحسب عن مفاهيم مجرّدة إنّما حقيقة حاضرة مثل كلمة الله التي تصبح كلمة حيّة ومغيِّرة بقوّة الروح القدس عندما تُعلَن وتُستَقبل بإيمان. الأوجه البشريّة موجودة في لغات الكتاب البشريّة الخاصّة، في أنواع الأشكال الأدبيّة المختلفة ومهارات الكتّاب والمحررين، كما في قيودهم الثقافيّة والفكريّة التي تنشأ داخل كلّ المساعي البشريّة.

من غير الممكن فصل العناصر الإلهيّة عن البشريّة بشكل محكَم. على القارئ أن يشارك في الشهادة الكتابيّة بمجملها ويميّز بين الادعاءات الأساسيّة المتعلّقة بالخلاص والأمور الفرعيّة كالتاريخ والتسلسل الزمني واللغة والثقافة. يسوع الناصري هو المسيح والربّ القائم من الموت هو حقيقة أكبر بكثير من السؤال التاريخيّ حول أصل الأسماء الخريستولوجيّة وتطوّرها. الرجاء بقيامة الأموات والملكوت الآتي هو أهم بكثير من طبيعة هذه الأمور المحدّدة كما يُحكى عنها في الأسفار المختلفة.

الثقة بأنّ القدّيس بولس اختبر تجليّاً للمسيح القائم هو أمر، وملاحظة وجود وضعين مختلفين لهذه الخبرة في غلاطيّة وأعمال الرسل هو أمر آخر. يعرض الكتاب تنوّعاً هائلاً في التفاصيل، ومن الأمثلة: قصّتا نسب يسوع، التطوبيات، صلاة الربّ يسوع في إنجيلي متّى ولوقا. ممكن أيضاً طرح الأسئلة حول القيم الثقافيّة والتقاليد التي يعكسها الكتاب والمتعلّقة بتأسيس المعموديّة، دور النساء والأولاد، وغيرها من الأعراف الاجتماعيّة.

اين ومتى يجب رسم خطّ بين حقيقة الكتاب الخلاصيّة وتعابيره البشريّة، بخاصّةٍ في تفصيل الأمور الرئيسة أو المثيرة للجدل؟ يصبح هذا السؤال موضوع تفسير لاهوتيّ ومعياريّ في حياة الكنيسة. هذه الأمور التي سبّبت أزمات في تاريخ الكنيسة، تطرح أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بالتفسير المتخصّص وحده إنّما بالحسّ الكنسيّ الشامل لما هي إرادة الله بحسب التلقي الروحيّ لشعبه.

على ضوء ما ذُكر، إذاً، مفهوم الكتاب ككلمة الله ينتمي بالدرجة الأولى إلى رسالته الخلاصيّة ولا يمكن تطبيقها حرفيّاً على كلمات كلّ آية وحدها. عمليّاً، النظرة الأخيرة تصيِّر الكتاب نوعاً من تقرير صادر عن الكومبيوتر حول فكر الله، أي مجرد اعتقاد خاطئ ضخم. هذا الفهم تعترضه صعوبات لا تُذلَّل بخاصّة من جهة عدم الملاءمة العلميّة والتعارضات التاريخيّة في الكتاب والتي سوف تُلصَق بالله بلا شكّ. إلى هذا، من منظار لاهوتيّ، سر الله الحيّ لا يمكن حصره بشكل ضيّق في الكتاب.

الله معلَن ومخفي لأنّه يتخطّى اللغة والفهم البشريّين. وعليه، يجب إعطاء حصّة كافية للعامل البشريّ في تلقّي الإعلان وتأليف الكتابات الإنجيليّة. يجب إعطاء كلّ كاتب شخصيّته، إطاره الثقافيّ، فهمه الفكريّ، مهاراته الإدبيّة وبصيرته الروحيّة كمساهم ناشط في التفاعل الإلهيّ البشريّ. يمكن اعتبار هذا الموقف نظرة ديناميكيّة لإلهام الكتاب المقدّس[26].

مفهوم الوحي، الذي يبقى اللاهوت الأرثوذكسيّ أميناً له، شخصيّ وديناميكيّ أكثر منه ميكانيكيّ ولفظيّ. ما قام به الله لم يكن مجرّد إملاء كلمات وعبارات إلى كتّاب منفعلين (passive)، إنّما هو أثّر شخصيّاً في مجمل كيانهم سامحاً لهم بأن يفهموا إرادته فعليّاً ويفسّروها وينقلوها إلى الآخرين بحسب محدوديّات فهمهم ولغتهم. من المهمّ أن نشير إلى أنّ إلهام الروح القدس يشمل عمليّة أكثر سعةً وعمقاً من تأليف الكتاب. يشمل الإلهام كلّ جماعة الإيمان، حياة الكاتب، تأليف الكتب، كما تجميعها التدريجيّ في مجموعة مقدّسة.

فيما كلّ الكتاب هو “ملفوظ به من الله” (ςοԏσѵεѵπόεθ) (2 تيموثاوس 16:3)، فهو ليس على الدرجة ذاتها بسبب اختلاف التلقّي البشريّ. الصفة الإلهاميّة لكتاب إشعياء لا تُقابل بتلك التي لكتاب العدد، ولا صفة إنجيل يوحنّا الإلهاميّة تُقابل بتلك التي لرسالة يهوذا. الذين يركّزون على سلطة الكتاب الأدبيّة، غالباً من البروتستانت المحافظين والأصوليّين، يناقشون مفهوم العصمة inerrancy. أنّهم يؤيّدون بشكل أساس إنجيلاً من دون خطأ وهم تالياً ملزَمون بإيجاد تبريرات متكلّفة للدفاع عنه[27].

يظهر كثيرون كأنّهم يتخطّون التعقيدات التاريخيّة ويلصقون بالكتاب صفة مطلقة هي بالحقيقة لله وحده، وتالياً هم ظاهريّاً ينزلقون في نوع من عبادة الكتاب bibliolatry. قد تعبِّر كلمة العصمة infallibility عن نظرة الكاثوليك للإلهام، وبحسب المعنى الإتيمولوجيّ للكلمة فإنّ “الكتاب لا يخطئ “بالأهداف الخلاصيّة الأساسيّة التي لسببها أُعطى من الله[28].

في التقليد الأرثوذكسيّ، قد تكون العبارة الأرثوذكسيّة الأكثر ملاءمة هي كفاية الكتاب (sufficiency-αѵʹԏάρкεɩα) وهي عبارة استعملها القدّيس أثناسيوس ليؤكّد ملء الحقيقة الخلاصيّة التي يقدّمها الكتاب المقدّس[29].

موضوع سلطة الأسفار الكتابيّة يعطي مثلاً عن اختلاف الاستنتاجات بين وجهتي نظر إزاء الوحي الأولى ديناميكيّة والثانية جامدة. الذين يميلون إلى النظرة الإملائية للإعلان والوحي يهتمّون أيضاً بحفظ التأليف التقليديّ لما في الكتاب. أصحاب النظرة الديناميكيّة للوحي هم أقلّ اهتماماً بالتأليف لأنّهم يرون إرشاد الله في كلّ العملية، منذ اللحظات والأحداث الأولى للإعلان إلى نشوء القانون الكتابيّ.

من الممكن التوصّل إلى استنتاجات مشابهة من وجهات نظر مختلفة حول العلاقة بين الكتاب والجماعة المؤمنة التي خرج منها. قد يدافع الذين ينسبون إلى الكتاب سلطة مطلقة، بمعزل عن الجماعة المؤمنة أو فوقها، بحماس عن التأليف وبشهادة.

وهم في هذا يرغبون في دعم صحّة الكتاب الواجبة الوجود بذاتها، وكأنّ السماء انفتحت لبثّ بيانات إخباريّة وحقائق إلى كتّاب محدّدين. الذين يعترفون بالعلاقة الديناميكيّة بين الكتاب والجماعة المؤمنة هم أكثر اهتماماً بالمؤلّفين التقليديّين لأنّهم يرون أنّ البيئة الأسمى للوحي هي كلّ حياة الجماعة الإيمانيّة التي تؤمّن تعليماً كافياً عن الخلاص.

من وجهة النظر الأرثوذكسيّة، موضوع التأليف مهمّ ولكنّه لا يشكّل خطورة. المعيار اللاهوتيّ الأهم للحقيقة هو حياة الكنيسة. في التقليد الأرثوذكسيّ، هناك عدد من الكتابات الآبائيّة القيّمة والترانيم والصلوات والنصوص الليتورجيّة لكتّاب مجهولين أو مثيرين للجدل بين الباحثين في الآباء والليتورجيا، من دون أن يثيروا قلقاً كبيراً عند هؤلاء الباحثين من جهة تأثير ما يتوصّلون إليه على حياة الكنيسة. في القرون الأولى للكنيسة، ناقش الباحثون تأليف عدد من كتب العهد الجديد مثل الرسالة إلى العبرانيّين وكتاب الرؤيا.

يتابع الدارسون المعاصرون هذه المناقشات ويوسعّونها أسباب تاريخيّة وأدبيّة، لكن لا حاجة إلى أن تكون سبباً للتشويش الروحيّ واللاهوتيّ. تصبح هذه المناقشة مؤذية في حالة واحدة فقط هي عندما يظنّ الباحثون، أو غيرهم من قرّاء الكتاب غير العارفين والذين تتحكّم بهم الافتراضات المتشدّدة، أنّ رسالة الكتاب القانونيّ الخلاصيّة أو قيمة التقليد الكنسيّ اللاهوتيّة يتشوهان بالأسئلة المطروحة حول التأليف التقليّدي للكتاب.

فالكنيسة تبنّت تنوّعاً في الكتابات في قانونها المقدّس وتالياً أكّدت قيمتها كشهادات متعدّدة لله ولرسالته الخلاصيّة، بغضّ النظرعن التعقيدات التاريخيّة لصالح النسبة التقليديّة للمؤلّفين أو ضدّها، فاللاهوت القويم يعطي حريّة للبحث التاريخيّ المتوازن. تكمن قيمة الوثائق الكتابيّة الأساسيّة في محتواها اللاهوتيّ أكثر منها في الظروف التاريخيّة لتأليفها.

[1]  يعبّر الأب جورج  فلوروفسكي، زعيم اللاهوتيّين الأرثوذكسيّين في القرن العشرين، عن موقف الكنيسّة الأرثوذكسيّة التقليديّ من الكتاب المقدّس، في عدد من المقالات المجموعة في: “الكتاب المقدّس والكنيسة والتقليد: نظرة أرثوذكسيّة” (نقله إلى العربية الأب ميشال نجم. منشورات النور. 1984).

كما يوجد بالإنكليزيّة عدد من المقالات الجوهريّة كتبها الأب توماس هوبكو “الكتاب المقدّس في التقليد الأرثوذكسيّ” (SVTǪ 14 (1-2, 1970, pp. 66-99)، سابا أغوريديس: “الكتاب المقدّس في كنيسة  الروم الأرثوذكس” (أثينا 1976 باليونانية)، إعادة نشر مقال ظهر أولاً في الجزء 21 من مطبوعة كليّة اللاهوت في جامعة أثينا العلميّة السنويّة (ήкɩѵομηԏσɩπΕʹ ςɩηρԏΕπε) (1976) غير المتوفرة بسهولة.

ولبانبيوتيس براتسيوتيس أستاذ العهد القديم في جامعة أثينا، اليونان: “سلطة الكتاب المقدّس: مساهمة أرثوذكسية”، في “سلطة الكتاب اليوم”، تحريراً. ريتشاردسون و W. سمايتزر (فيلادلفيا: ويستمنستر، 1951)، ص. 17-29.

كتب علماء يونانيّون أمثال أنطونياديس (1938) وبانايوتيس ترمبلاس (1938) الكثير حول مسألة الوحي، ولكن كموضوع لاهوتيّ مجرّد، من دون تورّط حقيقيّ بنصّ الكتاب وتنوّع شهادته، حيث يكمن جوهر مسألة الإعلان والوحيّ. تُعرَض أعمال الباحثين الأرثوذكسيّين حول التفسير الكتابيّ والتأويل في الفصلين الثالث والسادس.

[2]  بعض أجزاء دانيال وعزرا محفوظة بالآرامية وهي لغة فارسيّة مختلفة عن العبريّة. والآرامية، لغة يسوع، أصبحت اللغة الشعبيّة عند اليهود حين حكم الفرس فلسطين (538-332 ق.م.)، تماماً كما أصبحت اليونانيّة لاحقاً لغة العالم القديم الشعبيّة بعد غزوات الاسكندر الأكبر (356-323 ق.م.) وخلال توسع الإمبراطوريّة الرومانيّة.

[3]  حدّد التسليم المسيحيّ هذا الكتاب بالرسول يوحنّا الذي ألحق به من كتب العهد الجديد: لإنجيل يوحنا، ثلاث رسائل وكتاب الرؤيا. في أي حال، يجب الإشارة إلى أنّ هذا التحديد كما كتابة سفر الرؤيا، أثارتا جدلاً في الماضي والحاضر. حول أهميّة تحديد الكاتب أنظر لاحقاً في هذا الفصل.

[4] Frederick, E. Greenspahn in his introduction to the book Scripture in the Jewish and Christian Traditions: Authority, Interpretation, Relevance, ed. By him (Nashville: Abingdon, 1982), p. 10.

[5] K. Stendhal, “Method in the Study of Biblical Theology,” in The Bible in Modern Scholarship, ed. J. Philip Hyatt (Nashville: Avingdon, 1965), p. 198.

[6]  لقد اكتسب حوالي 22 من كتب العهد الجديد سلطة قانونيّة مع نهايّة القرن الثاني أما البقيّة فقد بقيت موضع جدل إلى نهايّة القرن الرابع وما بعد. لعرض، أنظر:

On “Canon” by James Sanders and Harry Gamble in ABD, Volume 1, ed. D.N. Freedman (New York: Doubleday, 1992), pp. 837-861. See further S.Z. Leiman, The Canonization of Hebrew Scripture: The Talmudic and Midrashic Evidence (Hamden: Archon Books, 1976).

A.C. Sundberg, The Old Testament of the Early Church (Cambridge: Harvard University Press, 1964), and Bruce Metzger, The Canon of the New testament (New York: Oxford University Press, 1987).  J.F. Kelly, Why Is There a New Testament? (Wilmington: Glazier, 1986).

الأخير هو رواية شعبيّة حول تكوّن العهد الجديد في الكنيسة قديماً.

[7] G. Schrenk, “βɩβλος”, ThDNT, Volume 1, ed. G. Kittel, trans. G.W. Bromiley (grand Rapids: Eedrmans, 1964), pp. 615-620.

[8] G. Shrenk, “Γραφή”. ThDNT. Volume 1, pp. 751 ff.

[9] See the new JPS translation according to the traditional Hebrew text Tanakh, the Holy Scriptures: Torah, Nevi’im, Kethuvin (Philadelphia: Jewish Publication Society, 1985).

[10] M. K. H. Peters, “Septuagint”, ABD, Vol. 5, ed. N. Freedman, pp. 1093-1104; S. Jellicoe, The Septuagint and Modern Study (Oxford: Clarendon, 1968); and by the same, Studies in the Septuagint: origins, Recensions, and Interpretations (New York: KATV, 1974).

[11] See James H. Charlesworth, Old testament Pseudepigrapha, 2 vols. (New York: Doubleday, 1986).

[12] See The New Oxford Annotated Bible with the Apocryphal/Deuterocanonical Books, ed. Bruce M. Metzger and Roland E. Murphy (New York: Oxford University Press, 1991), p.41 of the Apocrypha.

[13]  يرد، في الحاشيّة 9 من ترجمة الكتاب العبريّ التي قامت بها Jewish Publications Society  العام 1985، 93 كتاباً تفصل بين عزرا ونحميا.

[14]  قابل مثلاً النسخة البروتستانتيّة الجديدة المنقحة المستعملة مسكونياً بشكل واسع، بالإنجيل الكاثوليكيّ الأميركيّ الجديد.

ليس للأرثوذكس ترجمة إنكليزيّة للكتاب المقدّس وتالياً يجب الرجوع إلى ترجمات أرثوذكسيّة في لغات تقليديّة أخرى. الترجمة الموجودة حالياً للسبعينيّة التي نشرها Bagster and Sons تقدّم تسلسلاً مختلفاً بعض الشيء. The Orthodox Study Bible  ذو الحلّة الشعبيّة أكثر منها العلميّة نشره Thomas Nelson  (1993) بالتأكيد ليس ترجمة جديدة إنما يستعمل ترجمة الملك جيمس الجديدة.

[15]  نصّ العهد القديم العبريّ الأصليّ الذي يحفظه الدارسون اليهود يسمّى Masoretes. “Masorah”  تعني التقليد و “Masoretes” تشير إلى العلماء الموكلة إليهم مهمّة حفظ التقليد الذي يسود إنتاج النسخ من الكتاب العبريّ عبر العصور. Aleppo Codex  الشهيرة هي إحدى هذه النسخ.

[16]  ممكن إيجاد أبوكريفا العهد الجديد باللغة الإنكليزيّة عند Wilhelm Scneemelcher, New testament Apocrypha, Vols. 1-2, rev. ed. R.M. Wilson (Louisville: Westminster, 1990 and 1992).

للكتابات الغنوصيّة المُكتَشفَة في مصر قبل حوالي خمسين سنة ، أنظر:

James M. Robinson, The Nag Hammadi Library in English (San Francisco: Harper & Row, 1989).

يرى بعض العلماء أنّ إنجيل توما الغنوصيّ تمّ تأليفه في النصف الثاني من القرن الأوّل متزامناً مع الأناجيل القانونيّة الأربعة، وربما قبلها.

[17] Extant fragment in Eusebius, Ecclesiatical History 4.26. A translation of this fragment may be found in F. Sadowski, S.S.P., ed. The Church Fathers on the Bible: Selected Readings (New York: Alba House, 1987), pp. 26-27.

[18] In the 39th Festal Letter of St. Athanasius written on the occasion of Easter. For a translation, see Nicene and Post-Nicene, Vol. 4, Athanasius: Select Works and letters, ed. Ph. Schaff (Grand rapids: Eedermans, n.d.), p. 552.

في ما يتعلّق بالعهد القديم، يميّز القدّيس أثناسيوس بين الكتب القانونيّة التسعة والثلاثين التي يعدّدها اثنين وعشرين (عدد أحرف الألفباء اليهودية) بحسب التقليد اليهوديّ، ومن جهة  أخرى كتب القراءة التي يذكر منها خمسة: حكمة سليمان، حكمة سيراخ، أستير، يهوديت وطوبيا. في زمن العهد الجديد يميّز بين الكتب القانونيّة السبعة والعشرين من جهة، وكتابين آخرين ينصح بقراءتهما هما الديداكيه والراعي من جهة أخرى.

[19]  المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسيّ. الكتاب الرابع . الرأس السابع عشر. “في الكتاب المقدّس”. عربّه عن النصّ اليونانيّ الأرشمندريت أدريانوس شكور. (بيروت: المطبعة البولسيّة. 1984). ص. 250-252. يظهر هذا الفصل كملحق لهذا الكتاب. قد يُفاجأ القرّاء بأن القدّيس يوحنّا الدمشقيّ يُدرِج بين كتب العهد الجديد قوانين الرسل لإقليمس بابا روما وهو كتاب من القرن الثاني يوقّره التقليد القديم.

في ما يتعلّق بالعهد القديم، فالقدّيس يوحنّا الدمشقيّ، على غرار القدّيس أثناسيوس قبله، يذكر تسعة وثلاثين كتاباً قانونياً (أي أثنين وعشرين بحسب التقليد اليهوديّ) ويميّزها عن كتب القراءة التي يعرف منها فقط عزرا وأستير وحكمة سليمان وحكمة سيراخ. يظهر آباء الكنيسة تنوعاً غزيراً من كتب القراءة.

[20] On Theological level, see the discussion by international scholars in The Old Testament and Christian Faith: A theological Discussion, ed. B. W. Anderson (New York: harper & Row, 1963) and more recently Paul J. Achtmeier and Elizabeth Achtmeier, The Old Testament Roots of our Faith (Peabody: Hendrickson, 1994). On a exegetical level, see among others E. Earle Ellis, Prophecy & Hermeunetic in Early Christianity (Grand Rapids: Baker Books, 1993).

[21]  لعرض مفهوم الآباء للكتاب المقدّس، أنظر الفصل الرابع. كان المسيح هدف (ςόποκσ) الكتاب المهيمن، بحسب آباء الكنيسة وأيضاً المصلحين لوثر وكالفين في وقت لاحق. أنظر:

Brevard S. Childs, Biblical Theology of the Old’ and New Testament (Minneapolis: Fortress, 1993), pp. 44 and 99.

[22] N.T. Wright, The New Testament and the People of God, pp. 467-476.

[23]  لا حاجة إلى القول إنّ الجماعة المؤمنة التي تعتبر الكتاب كنزها المقدّس هي المفسر الأخير للكتاب ككلمة الله الموجهة إلى شعبه. بمعزل عن إطار الشركة الدينيّة، يتحوّل الكتاب المقدّس إلى كتاب تاريخيّ، كتاب يحتوي وصفاً لخبرات الشعوب القديمة ومعتقداتها وعاداتها، وهذا المنظار يميز الدراسة الكتابيّة الحديثة كما سوف نرى في الفصول اللاحقة.

[24]  الأب جورج فلوروفسكي، “الإعلان والتفسير”، الفصل الثاني من “الكتاب المقدّس والكنيسة والتقليد، وجهة نظر أرثوذكسيّة، نقله إلى العربيّة الأب ميشال نجم، (بيروت: منشورات النور، 1984)، ص. 19-44.

[25] See R. C. Hill, “St. John Chrysostom and the Incarnation of the Word in Scripture,” CTR 14 (1, 1980), pp. 34-38.

[26]  فهم القدّيس غريغوريوس النيصصيّ لغة الكتاب الإعلانيّة على أنّها عمليّة متجانسة مع قدرات البشر عن النظرة الدينا ميكيّة للوحي. بالنسبة إلى القدّيس، من التجديف والعبثية التفكير بان الله تكلم فعلياً في عمليّة الخلق (إذ في حال الإيجاب، مع مَن وبأيّة لغة؟). يذكر القدّيس غريغوريوس أنّ الله لم يتكلّم لا العبريّة ولا غيرها من اللغات عند توجهّه إلى أشخاص مثل موسى والأنبياء.

لا بَل، أوصل الله إرادته إلى “فكر هؤلاء الرجال القدّيسين الصافي، بمقدار النعمة التي كانوا يشاركون فيها” وهم بدورهم أوصلوا إرادة الله بلغتهم الخاصّة وبأشكال تناسب حتّى طفولة أولئك المجذوبين إلى معرفة الله. أنظر المرجع الذي أُدين به لبيتر خامبراس:

Answer to Eunomius’ Second Book, trans. By M. Day, Nicene and Post-Nicene fathers, Vol. 5, Gregory of Nyssa: Dogmatic Treatises, etc. (Grand Rapids: Eerdmans, n.d.), p. 276.

[27]  ما سمي “معركة الإنجيل” بين البروتستانت أظهر عدداً من النظرات المتعلّقة بالعصمة كما يحلّلها

Gabriel Fackre, “Evangelical Hermeneutics; Commonality and Diversity,” Int 43 (1989), pp. 117-129. For a balanced discussion see R.R. Nicole and J. Ramsey Michaels, eds., Inerrancy and Common Sense (Grand Rapids: Zondervan, 1983); Clark H. Pinnock, The Scripture principle (New York: Harper & Row, 1984); and D. G. Bloesch, Holy Scripture: Revelation Inspiration & Interpretation (Downers Grove: Inter Varsity, 1994).

[28]  لنظرة كاثوليكيّة للكتاب المقدّس، أنظر:

The Pontifical Biblical Commission’s “The Interpretation of the Bible in the Churvh,” Or 23 (29,1994), pp. 498-524; the sections on ‘hermeneutics and “Church Pronouncements” in NJBC, ed. R. E. Brown and others (Englewood Cliffs: Prentice Hall, 1990); Bruce Vawter, Biblical Inspiration (Philadelphia: Westminster, 1972); Yves Congar, The Revelation of God, trans. By A. Manson and L. C. Sheppard (New York: Herder, 1968);

Stanley b. Marrow, The Words of Jesus in Our Gospels: A Catholic Response to Fundamentalism (New York: Paulist, 1979); and the essay by Avery Dulles and Bruce Vawter in Scripture in the Jewish and Christian Tradition: Authority, Interpretation, Relevance, ed. F. E. Greenspahn.

[29] St. Athanasius, Καԏά ԏωѵ Εɩʹδώλωѵ, in the prologue αѵʹԏάρκεɩς μέѵ ϫάρ εɩʹσɩѵ αɩʹ άϫɩαɩ καɩ θεόπѵεѵσԏαɩ Гραφαɩ προς ԏηѵ άληθεɩ’ας άπαϫϫελɩ’αѵ J. .Migne, P. G. 25. 1A. ]“The sacred and inspired Scriptures are sufficient to declear the truth”[.

The translation is from the series Nicene and post-Nicene Fathers, Vol. 4, Athanasius: Selected Works and Letters (Grand rapids: Eerdmans, 1975), p. 4. See also St. Athanasius, The Life of Anthony, chapter 16, where Athanasius uses the expression ɩᴋαѵαɩ αɩ’ Γραφαɩ to make the same point.

بالطبع، يجب عدم أخذ عبارة الكفاية Sufficiency  بمعنى أنّ الكتاب المقدّس قائم بذاته، أو يفسر ذاته، لأنّه كتاب الكنيسة وقراءته تستدعي بشكل لا يمكن تلافيه اختيار التفسير والتطبيق ومختلف مستوياتهم. للنظرة الأرثوذكسيّة، أنظر: مقالة فلوروفسكي السابق ذكرها.

  1. Bratsiotis, “The Authority of the Bible: An Orthodox Contribution,” in Biblical Authority for today, ed. A. Richardson and W. Schweitzer, Thomas Hopko, “The Bible in the Orthodox Church”; Sava Agouridid, The Bible in the Greek Orthodox Church, and John Breck, “Orthodoxy and the Bible Today,” in The legacy of St. Vladimir, ed. John Breck and others (Crestwood: St. Valdimir’s Seminary Press, 1990), pp. 141-157.
  2. طبيعة الكتاب المقدس – دراسة

Exit mobile version