العذراء مريم والباترولوجي – دراسة
العذراء مريم والباترولوجي – دراسة
العذراء القديسة مريم هي “السلم” الذي وَصَّلَ السماء بالأرض، فهي سلم يعقوب. نحن – كما يقول القديس أُغسطينوس – لا نُكرّم العذراء من أجل ذاتها وإنَّما لانتسابها لله، لهذا فلقب والدة الإله ليس مجرّد تكريم للعذراء مريم، وإنما هو إعلان إيمان بشخص يسوع المسيح، الله المتجسد، الذل له المجد إلى كل الدهور آمين[1].
أليصابات عندما سمعتْ سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأتْ بالروح القدس وصرختْ بصوت عظيم وقالت للعذراء “… مِنْ أَيْنَ لِي أَنْ تَأتِي أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ.” (لو43:1)، قالت “أم ربي” وهو موثقة بالروح القدس، كما أن الجنين الذي في بطن الصابات ارتكض سجودًا لله الظاهر في الجسد الذي في أحشاء العذراء.
فالجنين الذي في أحشائها يسوع المسيح هو الله الكلمة المتجسّد. أي هو الله الكامل والإنسان الكامل في طبيعة واحدة، اتحدت الطبيعتان معًا اتحادًا طبيعيَّا وأُقنوميًّا، فالسيد المسيح أقنوم واحد لا شخصان.
ففي بطن العذراء في ذات لحظة التجسد From the very moment of incarnation اتحدت الطبيعة الإلهيّة بالناسوتية في زمن قيمته صفر ثم التجسد الإلهيّ[2]، فصار شخصه الإلهيّ بطبيعته الإلهية وطبيعته البشرية (الناسوت) معًا طبيعةً واحدةً على حد سواء، هو نفسه الواحد إله وإنسان بدون إمكان تجزئة أو انفصال، نقول العذراء القديسة مريم أم الله لأنّ الأقنوم واحد لا ينفصل، فهي ولدتْ شخصَ يسوع بكامله، أي ولدتِ اللهَ المتجسد.
فالعذراء دعاها الآباء – قبل مجمع أفسس بوقتٍ طويل – “والدة الإله Θεοτόκος“، نذكر منهم ما ورد في إحدى رسائل القديس ألكسندروس بطريرك الإسكندرية (320م)، حيث جاء فيها ما نصه: “فقد لبس المسيح في الحقيقة، لا في المظهر، جسدًا اتّخذه من مريم والدة الإله”، أمّا القدِّيس أثناسيوس الرسوليّ (373م) فيقول: “إنّ الكلمة هو نفسه قد وُلد بالجسد من مريم والدة الإله”، والقدّيس غريغوريوس النزينزيّ (389م)
يقول أيضًا: “إنْ كان أحد لا يؤمن أنّ القدّيسة مريم هي والدة الإله Θεοτόκος، فهو غريب عن الله، وإن قال أحدٌ بأن المسيح خرج من العذراء خروجه من قناة ولم ينشأ فيها إلهيًّا وبشريًا معًا فهذا أيضًا إنسان غير إلهيّ (مرفوض من الله)، وإذا قال أحدٌ بأن الإنسان صيغَ أولاً ثم انسلّت إليه الألوهة، فهو جدير أن يكون مُبسلاً. ذلك أنّ مثل هذا القول ينفي ولادة اإله ويُغفلها. وإذا أدخل أحدٌ في الموضوع ابنين، أحدهما من الله الآب والآخر من الأم، بدلاً من الابن الوحيد ذاته فليسقط هذا من التبني الذي وُعِدَ به ذوو الإيمان القويم”[3].
والقديس كيرلس الكبير يقول: “لقد أخذ من العذراء القديسة جسدًا واتحد به اتحادًا حقيقيًا، لذلك نعتقد أن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأنها ولدتْه حسب الجسد، لكنه مولود في ذات الوقت من الآب قبل كل الدهور”[4] كما يقول أيضًا: “مَنْ لا يعترف أن عمانوئيل هو إله حقيقيّ، ومن أجل هذا أن العذراء الطاهرة هي والدة الإله – لكونها وَلَدَتْ جسدانيًا الكلمة المتجسد الذي من الله، لكون الكلمة صار جسدًا – ليكن محرومًا”، ويقول أيضًا “لأجل الآباء القديسين، الذين نجد في كتاباتهم دائمًا أن العذراء القديسة مريم تُسمَّى والدة الإله”[5]
ويقول: “إذا قال المقاومون من الهراطقة إن العذراء لا يجب أن تُدعَى والدة الإله بل أم المسيح فقط، فأنهم بهذا القول يجدِّفون علنًا، وينكرون إن المسيح هو الإله والابن ولكن إذا آمنوا فعلاً أنه بالحقيقة الإله وأنه الابن الوحيد الذي صار مثلنا فلماذا يؤتجفون خوفًا من اسم العذراء التي حملته وولدته حسب الجسد فصارت تُدعَى والدة الإله”[6].
ويشير القديس يوحنا سابا (في القرن السادس) في كثير من كتاباته إلى العذراء مريم بلقبها والدة الإله Θεοτόκος[7]
كذلك الاعتقاد في بتولية العذراء، فقد دعاها الآباء “دائمة البتولية”، وتدعوها كنيستنا القبطية “العذراء كل حين”، فيقول القديس أغناطيوس الأنطاكي: أما رئيس هذا العالم فقد جهل بتولية مريم وإيلادها وكذلك موت الرب”[8]، ويقول القديس إيريناؤس أسقف ليون: “الذي هو كلمة الله.. وُلدَ حقًا.. من مريم التي كانت وحتى الآن عذراء”[9]، كما دعى يوستينوس الشهيد القديسة مريم بلقب “العذراء” وكان يصفها دائمًا بهذا الاسم[10]
ويعترض القديس اكْلِمَنضُس الإسكندريّ على مَن يقول إنها صارت إمرأة، فيقول: “إن القديسة مريم استمرت عذراء”[11] ويقول العلاَّمة أوريجانوس “لقد تسلّمنا تقليدًا… أن مريم ذهبت بعدما أنجبت المخلِّص، لتتعبَّد ووقفت في الموضع المخصص للعذارى، ولقد حاول الذين يعرفون أنها أنجبت طفلاً أن يطردوها من هذا الموضع، ولكن زكريا أجابهم أنها مستحقة الملكوت في موضع العذارى، إذ لا تزال عذراء”[12]، والقديس أبيفانيوس يقول عنها أنها “القديسة العذراء دائمًا”[13].
كذلك يقول القديس أثناسيوس الرسوليّ: “لقد أخذ (الرب) جسدًا إنسانيًّا حقيقيًّا من مريم الدائمة البتولية”[14]، ويذكر أنها هي “العذراء إلى الأبد”[15].
[1] راجع “سر التدبير الأهيّ”، “الله في اللاهوت المسيحيّ” و”معنا هو الله” للأب أسبيرو جبور.
[2] نيافة الأنبا بيشوى – طبيعة السيد المسيح عريس الكنيسة – اكتوبر 1997 ص 12.
[3] N. &P. N. F. ser. 2, vol. 7, by Philip Schaff, editor, San. Gregory Nazianzen, Div. I. p. 834.
[4] شرح تجسد الابن الوحيد ص 28.
[5] رسائل القديس كيرلس الجزء الثاني – مركز دراسات الآباء – يوليو 1989 – رسالة8، ص42.
[6] PG75, 1273.
[7] نيافة الأنبا متاؤس الأسقف العام – سيرة الشيخ الروحانيّ وباقة من أقواله – طبعة ثانية 1988م – ص 19.
[8] أفسس 19.
[9] Against Her. XXI. 9.
[10] F. Apol. 33 & Dial. 100.
[11] Stromata 7:16.
[12] Com. In Matt. 25.
[13] The Faith of Early F. Vol. 2p. 70.
[14] Contra Anianos 2:70.
[15] Ag. Arians 2:10.
العذراء مريم, العذراء القديسة مريم, خدمة التفريغ, العذراء والباترولوجي, ثيؤوطوكوس, والدة الإله, والدة الاله, العذراء مريم والباترولوجي, Θεοτόκος, مريم والدة الإله, دائمة البتولية, العذراء كل حين.