أنتم آلهة وبنو العلي كلكم – الأخ وحيد يرد على جهالات أحمد ديدات
هذه محاولة أخيرة يائسة، فبعد محاولته التي رددنا عليها والتي كانت تتعلق بآية ” أنا والآب واحد “، حاول ديدات من خلالها، إنقاذ قاربه الغارق في لُجَّة خُرافاته، التي كان هو أول وأشهر ضحاياها، إنه الأن في يأس سيبدأ في محاولة تفسير رد المسيح على اليهود، ولكن التفسير هنا ديداتي ووفق منهجه لا وفق السياق الإنجيلي الذي هرب منه، حيث سنناقش كلام ديدات في محاولة هروبه بإستشهاده بـ أنتم آلهه وبنو العلي كلكم
فأخيراً استفاق ديدات ليقتطع له جزءاً صغيراً من السياق. إعتقد واهماً أنه سيخدم أوهامه، فتحت عنوان (ما هو السياق؟) ص80 كتب ديدات (احتج اليهود إذن بأن عيسى كان يتكلم كلاماً غير محدد المعاني. وعندما دَحضت هذه الحَجة، اتهموه بالكفر الذي يشبه الخيانة العظمى في عالم الروحانيات. ولذلك نجدهم يقولون: إن عيسى يزعم أنه إله..وكان اليهود يتخذون من قول المسيح: “أنا وأبي واحد”[1] ذريعة لهذا الاتهام الزائف. ويتخذه المسيحيون أساساً لخلاصهم، فما دام المسيح وأبيه واحد، فمن الضروري قتله، ليفدي خطاياهم بدمه، وليذهب ليجلس بجوار أبيه ويتحد معه. ويتخذ اليهود من هذه المقولة: “أنا والآب واحد” ذريعة لرغبتهم المحمومة في قتل المسيح. والمسيح المسكين مقتول مقتول بين الفريقين. لكن يسوع يرفض المشاركة في هذه اللعبة القذرة. فيقول لهم: أليس مكتوباً عندكم قولي أنكم آلهة؟ ويقول لهم: إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينتقض المكتوب.[2] فالذي قدسه الاب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله..وكأننا بيسوع يقول لهم: إذا كان الله جلت قدرته قد جعلكم آلهة، تتلقون كلمة الله “وهذا يعني أن رسل الله كانوا يدعون آلهة، لتلقينهم كلام الله” والناموس لا يمكن أن ينقض “أو بكلمات أخرى: لا يمكن لكم أن تنكروا علي ما أبحتموه لأنفسكم قبلي. “إن عيسى عليه السلام يعرف ناموس اليهود ولغتهم ويتكلم من منطلق قوي وحقيقي، وهو يجادل أعداءه من منطلق أنه إذا كان الرجال الطيبون والناس المباركون وأنبياء الله وهم كثر قبله، قد كانوا يُخاطبون كآلهة، وأرباب في كتب اليهود الدينية المعترف بها عندهم – إذن لماذا تستثنوني؟ في حين أن ما أنادي به إنما هو أقل خطراً في عرف لغتنا المتداولة بيننا إذا قلت إنني “ابن الله” لأكون غير أولئك الذين اعتبروا أنفسهم “آلهة” وهو ما كانوا يعتبرونه فضلاً ومنة من الله ذاته ولو أنني أعتبرت نفسي “إلهاً” حسب الاستخدام “العبري” للغتنا فلا ينبغي لكم أن تحسبوا ذلك خطأ مني. هذه هي القراءة الواضحة المستقيمة السوية للكتاب المقدس للمسيحيين. وأنا هنا لا أعطي شروحاً من عندي ولا ألفق معاني غامضة للألفاظ).
بنعمة الرب، سآخذ كل مقطع من كلام ديدات هنا، وأرد عليه، وأبدأ:
أولاً: تدليس حول إحتجاج اليهود:
كتب ديدات (إحتج اليهود إذن بأن عيسى كان يتكلم كلاماً غير محدد المعاني)..
قبل أن أشرح أي شيء: هل تصدق عزيزي القارئ: بأنه لا يوجد من الأساس أي إحتجاج من اليهود في السياق كله؟ فمنذ أن بدأ المسيح كلامه، إلى أن رفعوا حجارتهم ليرجموه، لا يوجد أصلاً كلمة واحدة خرجت من افواههم! فهل تندهش؟ لا أعتقد بعد كل ما قرأته، يوجد لك أي مجال للإندهاش..ودعني أكتب لك هذه الآيات للتأكيد على أكاذيب ديدات الخائبة..(وكان عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء. وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان. فاحتاط به اليهود وقالوا له: إلى متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل. ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والاب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه.) (يوحنا 5: 22-31)
إذن: فديدات يكذب وهو لا يستخدم إنجيلنا المقدس، ولكن: لماذا كتب ديدات هذه العبارة السابقة؟ (إحتج اليهود إذن بأن عيسى كان يتكلم كلاماً غير محدد المعاني)..فلماذا يكذب ديدات هنا؟ بالطبع له هدف واضح ليكذب..فالواضح جداً في الآيات، أن اليهود لم يحتجوا لأن عيسى يتكلم كلاماً غير محدد المعاني، بل لأنه يتكلم كلاماً واضحاً وصريحاً وقد فهموه جيداً..إذن لماذا يكذب ديدات، ويقلب المعاني؟ إنه يحاول أن يجعل قصد المسيح من كلامه لليهود (أنا والآب واحد)، قصداً غير الذي فهمه اليهود، لأن ديدات لو سَلَّم بأن اليهود فهموا كلام المسيح بأنه يؤله نفسه، فكل طبخته ستحترق سريعاً على نار الحق، فإذا قال المسيح أنه الله، وفهم اليهود أن المسيح يقول أنه الله، فما الذي تبقى لديدات ليكتبه؟ فماذا يفعل؟ يحاول أن يضع القارئ في جو ديداتي من الأكاذيب والسموم، ليصل بسمه إلى آخر شريان في ضحيته..ولكننا بنعمة الرب، نشتم رائحة الثعابين عن بُعد، ومن السهل أن تكتشف أكذوبة ديدات هنا في السطور التالية لما كتب.. فبعد أن قال أن احتجاج اليهود كان مبنياً على أن المسيح يقول كلاماً غير محدد المعاني، كتب يقول (احتج اليهود إذن بأن عيسى كان يتكلم كلاماً غير محدد المعاني. وعندما دُحضت هذه الحُجة، اتهموه بالكفر الذي يشبه الخيانة العظمى في عالم الروحانيات. ولذلك نجدهم يقولون، إن عيسى يزعم أنه إله. وكان اليهود يتخذون من قول المسيح:”أنا وأبي واحد” ذريعة لهذا الاتهام الزائف…ذريعة لرغبتهم المحمومة في قتل المسيح)..فقط راجع ما تحته خط ولا تندهش..
ديدات يسقط ويعترف أن احتجاج اليهود هنا، ليس على أن المسيح يقول كلاماً غير محدد المعاني، وإنما أساس احتجاجهم على أن المسيح يؤله نفسه..فديدات يقلب المعاني تماماً..وها هو يسقط كعادته، وهذه كتابته أمامكم.. إذن فاليهود أهل الكتاب، كلمهم المسيح بلغتهم، وثقافتهم الدينية التي يعرفونها جيداً، ويعرفون استخدام مصطلح “ابن الله” في معناه الخاص الألوهي الذي استخدمه المسيح، بل وقال لهم صراحة (أنا والآب واحد)، وعلى الفور رفعوا حجارة ليرجموه..فلماذا أرادوا رجمه إن لم يفهموا كلامه؟! هذه هي طريقة ديدات في عرض سمومه..
ثانياً: فهم المسيحيين السليم لكلام المسيح:
كتب ديدات أيضاً (وكان اليهود يتخذون من قول المسيح: “أنا وأبي واحد” ذريعة لهذا الأتهام الزائف. ويتخذه المسيحيون أساساً لخلاصهم. فما دام المسيح وأبيه واحد فمن الضروري قتله ليفدي خطاياهم بدمه، وليذهب ليجلس بجوار أبيه ويتحد معه).
وأيضاً هذا اعتراف وسقوط كبير من ديدات، بأن اليهود والمسيحيين معاً – أهل الكتاب – فهموا جيداً كلام المسيح، (أنا والآب واحد)، أي أن المسيح يعلن أنه كلمة الله وعقله، يعلن أنه ابن الله، أي الله المتجسد..فإذا كان المسيح حريصاً على إعلان ألوهيته والتي أصلاً بسببها صلبه اليهود (متى 63:26 ومرقس 61:14 ومتى27: 43-40)، وديدات يعرف ذلك جيداً..كما أن ألوهية المسيح، هي حجر الأساس للعقيدة المسيحية، ومن فم المسيح بذاته (متى16: 15-18)..وهي أساس الخلاص المقدم للعالم على عود الصليب، فالمسيح الإله المتجسد، وبلاهوته الغير محدود، قدم خلاصاً غير محدود للعالم كله، بموته نيابة عن جميع البشر، وهذا هو الإيمان المسيحي، والمسيحيون ومنذ أكثر من ألفي سنة، وهم متمسكون حتى الموت بألوهية المسيح، وبالإنجيل الإلهي كلمات الحياة، وبرسالة المسيح الخلاصية المجانية للجميع..وما كتبه ديدات سابقاً، مليئاً بالأخطاء اللاهوتية[3]، وكان الأكرم لديدات: أن يرفض هذا الإيمان أو يقبله، من أن يكذب ويزور ويلفق فيه، فتكون آخرته كارثية..
ثالثاً: مقتول صلباً يفدي الجميع:
كتب ديدات (ويتخذه المسيحيون أساساً لخلاصهم، فما دام المسيح وأبيه واحد، فمن الضروري قتله ليفدي خطاياهم بدمه..ويتخذ اليهود من ذات المقولة ” أنا وأبي واحد” ذريعة لرغبتهم المحمومة في قتل المسيح. والمسيح المسكين مقتول مقتول بين الفريقين، لكن يسوع يرفض المشاركة في هذه اللعبة القذرة..).
المسكين هو أنت يا ديدات، وقد حرمت نفسك من الحياة، فالمسيح هو مخلص العالم، ولا يليق أن تنعته بالمسكين، ولكني أعرف كراهية طائفة الأحمديين للمسيح، وليس غريباً أن أقرأ لديدات تلميذ ميرزا غلام أحمد، إهانات متكررة للمسيح..ثم من هو الذي يلعب ألعاباً قذرة؟ التزوير والتدليس والقص والكذب..وكل ما تمارسه يا ديدات في الإنجيل المقدس، ماذا تسميه؟ المهم لا يوجد في عقيدتنا هذا المعنى الذي كتبه ديدات سابقاً (ويتخذه المسيحيون أساساً لخلاصهم، فما دام المسيح وأبيه واحد، فمن الضروري قتله ليفدي خطاياهم بدمه.. وليذهب ويجلس بجوار أبيه ويتحد معه.)، لا يوجد لدينا هذا المعنى إطلاقاً في المسيحية..إنه اختراعات ديدات..فهل في عقيدتنا المسيحية نقول: ما دام المسيح إله، يجب قتله ليفدي العالم..من أي كتب يستقي ديدات أساطيره؟ إنه يدلس، فنحن نقول: حيث أن المسيح هو الله المتجسد، فهو الوحيد القادر أن يقدم خلاصاً أبدياً..والفرق كبير، وسامحني عزيزي القارئ، لو كررت أنا هنا مثلاً قدمته في الباب السابق، لتوصيل ما يقوم به ديدات من تدليس..والمثل هو (هل لو إنني قلت: هذا الكائن هو إنسان، لأنه يتنفس، فهل هذه المعلومة سليمة؟ بالتأكيد لا، لأن النبات يتنفس والحيوان يتنفس أيضاً..إذن: فقد وضعت أنا مقياساُ خاطئاً لمعرفة الإنسان، وهو التنفس.. ..ولكن إن قلبت المعادلة، فقلت: طالما هذا الكائن هو إنسان، فلا بد أن يتنفس..هنا تكون المعلومة سليمة في المطلق، لأنه لا يوجد إنسان لا يتنفس..هذا ما يفعله ديدات: يقلب المعادلة، ليخدع القارئ..)، أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت، لفهم تدليس ديدات..
أما أن يقول ديدات (والمسيح المسكين مقتول مقتول بين الفريقين)، فهو يقدم عيسى هنا، عكس المسيح الحق في الإنجيل المقدس، لأن عيسى ديدات، هو مسكين ومقتول رغم أنفه بين الفريقين.. بينما المسيح في الإنجيل المقدس، هو الذي قدم نفسه للصلب بكل قوة وجسارة ويقين، وبكل محبة الإله الذي يحب خلقيته، وفي الإنجيل المقدس أكثر من ستين آية إنجيلية، فيها يؤكد المسيح حتمية صلبه، وأن الصليب هو رسالته الخالدة والتي تقدم الخلود..وأسوق هنا من الشواهد الكثير من هذه الآيات، حيث قال الرب يسوع المسيح (لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية) (يوحنا 16:3)، فالمسيح يؤكد أنه سيصلب لفداء العالم، لأنه يحب كل العالم..كذلك أكد المسيح لتلاميذه حقيقة الصلب وقيامته من الموت، مرات عديدة، منها (من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه: ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم) (مت 21:16)، وكذلك (وفيما كان يسوع صاعداً إلى أورشليم أخذ الأثنى عشر تلميذاً على إنفراد في الطريق، وقال لهم: ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الأنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم، لكي يهزأوا به ويجلدوه، ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم) (متى20: 17-19)..راجع أيضاً (متى 23:17 و26 2: 21-24، 45 ومرقس 13:9 و 10:33 و14: 18-21 و14: 41: 42 ولوقا 7:24) وصدقني القائمة طويلة جداً[4].
أين ديدات مما سبق؟ أين ديدات من كلام المسيح (لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم. الذي يؤمن به لا يدان والذي لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة: أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة.) (يوحنا3: 17-19).. أليس هذا إنجيلنا وفيه يشهد المسيح بأنه مخلص العالم بإرادته؟..
إذن فديدات يكذب، حينما يقدم عيسى لا نعرفه، مسكين وجبان، أما المسيح في الإنجيل، فهو المبادر للخلاص، وقد قدم ذاته بإرادته لخلاص العالم كله..وأنا أسأل: أين ديدات من كل الآيات السابقة وهي بالعشرات؟ ألا يدعي أنه يقرأ إنجيلنا؟ فلماذا لا يأخذ منه؟ أسأل: أين ديدات من كلام المسيح القائل (لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي.) (يوحنا 17:10). هنا في هذه النقطة تحديداً، نجد المسيح وهو يؤكد أن الصليب رسالته التي يعرفها جيداً، والتي سيتقدم لها بإرادته الحرة المطلقة، وأنه ليس على الأرض أو في السماء، له أن يسلب حياته منه، وأنه هو الذي يضع حياته ويأخذها بسلطانه الألوهي وقتما وكيفما يشاء.. ألم يقرأ ديدات هذه الآيات؟ فلماذا يتركها ويخترع من رأسه؟ فليفهم القارئ..
رابعاً: ورطة ديدات في تأليفه:
كتب ديدات سابقاً (ويتخذه المسيحيون أساساً لخلاصهم، فما دام المسيح أبيه واحد، فمن الضروري قتله ليفدي خطاياهم بدمه..وليذهب ليجلس بجوار أبيه ويتحد معه.)
لا بد أن اسأل: هل ديدات حينما يكتب، كان في وعيه؟ فهذه العبارة التي كتبها عن المسيح (..وليذهب ليجلس بجوار أبيه ويتحد معه)..فهل مايزال المسيح ينتظر أن يصعد إلى أبيه ليتحد معه؟ يعني إلى هذه اللحظة هو غير متحد به؟ إذن: على أي موضوع كان يرد ديدات؟ أليس على موضوع (أنا والآب واحد)؟ التي يؤكد فيها المسيح الاتحاد الأزلي القائم بينه وبين أبيه، فهو عقله وكلمته..فكيف يكتب ديدات أنه سيذهب ليتحد مع أبيه؟ خاصة أن ديدات المفروض الآن يرد على إتحاد المسيح بأبيه؟!! إضطررت أن أضع علامات تعجب عزيزي القارئ فسامحني..
خامساً: آلهة وأرباب:
هنا ونصل مع ديدات إلى النقطة الأساسية التي ومن أجلها، زور كل ما فات، فكتب (فيقول لهم: أليس مكتوباً عندكم قولي أنكم آلهة؟ ويقول لهم: إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله ولا يمكن أن ينتقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله..وكأننا بيسوع يقول لهم: إذا كان الله جلت قدرته قد جعلكم آلهة، تتلقون كلمة الله، وهذا يعني أن رسل الله كانوا يدعون آلهة، لتلقينهم كلام الله، والناموس لا يمكن أن ينتقض، أو بكلمات أخرى: لا يمكن أن تنكروا علي ما أبحتموه لأنفسكم قبلي. “إن عيسى عليه السلام يعرف ناموس اليهود ولغتهم ويتكلم من منطلق قوي وحقيقي، وهو يجادل من منطلق أنه إذا كان الرجال الطيبون والناس المباركون وأنبياء الله وهم كثر قبله، قد كانوا يُخاطَبون كآلهة، وأرباب في كتب اليهود الدينية المعترف بها عندهم – إذن لماذا تستثنونني؟ في حين أن ما أنادي به هو أقل خطراً في عرف لغتنا المتداولة بيننا إذا قلت إنني “ابن الله” لأكون غير أولئك الذين اعتبروا أنفسهم “آلهة” وهو ما كانوا يعتبرونه فضلاً ومنة من الله ذاته ولو أنني اعتبرت نفسي “إلهاً” حسْب الاستخدام “العبري” للغتنا فلا ينبغي لكم أن تحسبوا ذلك خطأ مني..).
هذا الرجل لا يخجل، فهو يكتب آية من الإنجيل، ثم يضع معها رأيه الشخصي، وتفسيره الخاص، وكأن الكل سياق واحد من الإنجيل..
ولكن ومع كل هذا السم الذي يقطر من بين شفتيه، فلم يتسمم غيره، لأنه لم ينج من السقطات الكثيرة في كلامه..لأن الآيات التي يحاول العبث بها هنا، هي ذات الآيات القوية التي تثبت عكس ما يريد تماماً، وتؤكد قصد المسيح..وسأنتاول كل أجزاء كلام ديدات السابق..
1- القضاة وليس الرسل:
أراد ديدات أن يفبرك تفسير كلام المسيح، فكتب سابقاً (وكأننا بيسوع يقول لهم: إذا كان الله جلت قدرته قد جعلكم آلهة، تتلقون كلمة الله، وهذا يعني أن رسل الله كانوا يدعون آلهة، لتلقينهم كلام الله، والناموس لا يمكن أن ينتقض)..
هذا تزوير مقصود يقوم به ديدات..فليس الرسل الذين لقبوا بآلهة، وإنما القضاة..إذن لماذا لم يرجع ديدات إلى العهد القديم ليعرف من المقصود بهذه الآيات؟ القضاة الذين كانوا يحكمون بشريعة الله وباسم الله، لقبوا بآلهة، فقد جاء بالوحي المقدس (الله القائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار؟ إقضوا للذليل ولليتيم، أنصفوا المسكين والبائس. نجوا المسكين والفقير من يد الأشرار أنقذوا.. أنا قلت أنكم آلهة، وبني العلي كلكم.) (المزمور 82).. إذن المقصود القضاة وليسوا الرسل كما أراد ديدات أن يفبرك تفسيراً خاصاً به، فيقول: إذن المسيح رسول، فلماذا لا يلقب نفسه، بإله؟..أحب أن أفحم ديدات فأقول: أن الشيطان في الكتاب المقدس لقب بإله أيضاً، فقال الوحي عن عمله في الهالكين (الذين فيهم إله هذا الدهر – الشيطان – قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، الذي هو صورة الله) (2كو 4:4)..إذن المقصود هنا هم القضاة، ولذلك فالبرغم من أن أصحاب الدعوى يتوجهون إلى القضاة، إلا أن الوحي المقدس اعتبرهم متوجهون لله، والحكم الذي سيصدر هو أيضاً من الله، فقال (في كل دعوى جناية..تقدم إلى الله دعواهما، فالذي يحكم الله بذنبه، يعوض صاحبه باثنين) (الخروج 9:22)..
إذن الذين يقصدهم المزمور ليسوا الرسل، وإنما القضاة، الذين يحكمون باسم الله، وحسب الشريعة، وفي مجمع الله، فيلقبهم الوحي بآلهة، والمعنى المقصود منها، أي وكلاء الله في أحكام القضاء..
ولكني مع ذلك أسأل: هل هذه المفارقة – وليست مقارنة[5] – التي أقامها المسيح هنا (إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينتقض المكتوب)، هي لصالح ديدات أم ضده تماماً؟ هذا ما ستعرفه عزيزي القارئ في:
2- المفارقة التي أقامها المسيح:
المفارقة التي أجراها المسيح، بينه وبين هؤلاء القضاة، تنسف أحلام ديدات من غيبوبتها، بل ويثبت عكسها تماماً، أي أثبت المسيح من هذه المفارقة، أنه هو بذاته ابن الله الكلمة، أي الله المتجسد..ففي هذه المفارقة اتجه المسيح فيها من الأدنى إلى الأعلى..لنتقدم ونرى:
3- الأدنى:
قال المسيح لليهود (إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب).. فالمسيح هنا يقول لهم: إن كان الناموس سبق فلقب القضاة، لأنهم وكلاء الله ويحكمون بأحكام الله وباسمه، بلقب آلهة..ثم ينتقل مباشرة إلى:
4- الأعلى:
(إن قال لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله؟)..
أقدم مثلاً هنا لتوضيح هذه المفارقة..وسأضع المثل وشرحه بين أقواس للتوضيح:
- المثل: (إذ لقَّبَ الملكُ حُكَّامَه، أمام الناس، بلقب “أبناء الملك”، فهل تستكثرون أن يُلَقِّب ابنه الوحيد أمام الناس أيضاً “ابن الملك”؟)
- شرح المثل: (هذه هي المقاربة، للمفارقة[6]..أي هو يقارب أمرين، ليفارق بينهما..فالمقاربة، أن الكل تحت لقب “أبناء الملك”، أما المفارقة، فهي أن الحكام أطلق عليهم لقب “أبناء الملك” مجازاً وتشريفاً لهم، بينما “ابن الملك”. هو ليس مجرد لقب تشريفي، بل هو طبيعي وجوهري وأصيل، لأنه ابن أبيه الملك حقيقة) انتهى المثل وشرحه..
- تطبيق المثل: هذا ما قصده الرب يسوع المسيح تماماً، المقاربة للمفارقة، ولنعيد كلام المسيح هنا مرة ثانية (إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله؟)..فما يعتقد ديدات أنه لصالحه، هو بالعكس تماماً، فالمسيح يميز نفسه تماماً بين القضاة، ولسان حاله يقول لهم: إذا جاز للناموس المقدس ان يلقب القضاة وهم بشر بهذا اللقب الرفيع، مع أن أحكامهم يمكن أن يشوبها الخطأ (مزمور 82) فكم بالحري، يحق لي أنا ابن الله وكلمته، بالطبيعة والجوهر، يحق لي بالأكثر أن ألقب بابن الله..
إن المسيح بهذا المثل لا يعادل نفسه بهؤلاء القضاة الذين لقبوا بالآلهة، وإنما يقيم مفارقة عادلة بينه وبينهم، وحيث أنهم مجرد قضاة وأخذوا هذا اللقب، لأنهم يحكمون باسم الله، ويحكمون بحكم الله وكلمته للناس، فكم بالأولى يكون المسيح كلمة الله ذاته..فهو ليس كلمة ملفوظة من القضاة، وإنما هو كلمة الله الحي المتجسد..ولهذا فهي مفارقة ليس بين نظرين متساوين – أي بين إنسان وإنسان – وإنما بين حالتين متفاوتتين – أي كلمة ملفوظة من القضاة البشر، وبين كلمة الله الأزلي ذاته – والفرق كبير بين الإثنين..
5- تأكيد المسيح على ألوهيته:
هل انتهى السياق الذي ساقه المسيح بما انتهى عنده ديدات؟ بالتأكيد لا، فديدات لا يصمد أبداً أمام أي سياق، ناهيك عن أن يكمله، لقد قطع منه جزءاً توهم أنه سينقذه، فإذا به يفحمه ويبكمه..فبقية السياق نارية وملهبة ومرهبة أكثر من جيش بألوية..فلم ينتهي المسيح بعد من حواره مع اليهود، ولا بد لي عزيزي القارئ أن أضع لك هنا سياق المسيح وحواره مع اليهود، لتدرك تشديد المسيح على طبيعته الألوهية، وأنه لم يتنازل عنها رغم محاولتهم رجمه بل كررها مرة أخري وبكلمات رائعة وواضحة، الأمر الذي هرب منه ديدات تماماً كعادته..وها هو سياق الحوار من البداية حتى النهاية (أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع: أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت أنكم آلهة؟ إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن يُنقض المكتوب. فالذي قدسه الله الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنك تجدف، لأني قلت: أني ابن الله؟ إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي. ولكن أن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي، فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا: أن الآب فيَّ وأنا فيه. فطلبوا أيضاً أن يمسكوه، فخرج من أيديهم.) (يوحنا5: 31-39)
ما تحته خط، هو بقية السياق إلى النهاية..فما الجديد فيه؟
- أعمال أبي: أكد المسيح على جوهر طبيعته الألوهي الواحد مع الآب، فقد أكد أن أعماله، هي أعمال أبيه..بل إنه وضعها كحجة لألوهيته، فأعماله أعمال لا يستطيع أن يقوم بها إلا الله وحده، فهي حجة ألوهيته، فقال (إن كنت لست أعمل أعمال أبي، فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال).. يؤمنوا بماذا؟ بمجرد نبي؟ يا لسذاجة ديدات..وهل هذا كلام من يريد أن يقنعهم بأنه مجرد نبي؟ إنه يصر على طبيعته اللاهوتية وأنه “ابن الله”، بالطبيعة والجوهر، وليس مجازاً، ويؤكد ذلك بالأعمال الألوهية التي يقوم بها. والتي هي فوق طبيعة النبي والإنسان العادي، ويطالبهم بالإيمان بألوهيته، بناء على هذه الأعمال الإلهية الواضحة..
- أنا في الآب والآب فيَّ: ثم تأتي الضربة القاضية التي عرفها ديدات وهرب من السياق كله بسببها، أن المسيح عاد بكلام أقوى وأوضح، ولم ينتهي الحوار حينما توقف ديدات وهرب، فقد أكمل المسيح (إن كنت لست أعمل أعمال أبي، فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا: أن الآب في وأنا فيه.)
لاحظ ما تحته خط..إنها ضربة قاضية، فلم يتراجع المسيح عن كلامه الأول، بل إنه وبهذه الجزئية أكد من خلالها المسيح المفارقة التي قدمها بينه وبين القضاة سابقاً، وأن بنوته للآب، هي بنوة طبيعية من ذات الجوهر الألوهي، فهو كلمة الآب..
- فهم اليهود للمرة الثانية: ألم أقل لك عزيزي القارئ، أن بقية السياق ليست سهلة على ديدات؟..فما الذي فهمه اليهود مجدداً من المسيح؟ هل فهموا أنه يماثل نفسه بالقضاة، أم يفارق نفسه عنهم تماماً؟ لنرى بقية السياق، فهو أفضل من يتكلم..(إن كنت لست أعمل أعمال أبي، فلا تؤمنوا بي. ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا: أن الآب في وأنا فيه. فطلبوا أيضاً أن يمسكوه فخرج من أيديهم). (يوحنا10: 37-39).
السؤال: لماذا طلبوا مرة أخرى أن يؤذوا المسيح؟ فلنحلل الموقف..لو أن المسيح ماثل بينه وبين القضاة، وكان يقول لليهود: لقد فهمتم كلامي خطأ، فأنا مثل القضاة، وكلنا أولاد الله..لكان اليهود اعتذروا له، ولفهمهم الخاطئ لكلامه، أما أن يريدوا مرة أخرى أذية المسيح، فهذا يعني أن المسيح أكد على كلامه الأول بكلام آخر أوضح وأقوى، ولن يتنازل عن موقفه ولن يغير كلامه..إنه المسيح الحق، مسيح الإنجيل المقدس، وليس عيسى ديدات..إنه يقدم حجة ألوهيته وهي أعماله الإلهية من خلق وغيره، باستخدامه سلطان لاهوته بكلمة “كن”، فتكون كما أراد المسيح..
يقول البعض: إن صوت الأعمال أعلى وأقوى من صوت الكلام..وحيث أن كل عمل مطبوع بطابع من قام به، فإن أعمال المسيح مطبوعة بطابعه الألوهي، الذي أشار إليه المسيح، طابع أبيه السماوي، ولهذا قال لهم (فإن لم تؤمنوا بي، فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا: أن الآب في وأنا فيه)..فإن خانتهم آذانهم ولم يسمعوا شهادته عن ألوهيته، فلا يجب أن تخونهم عيونهم أيضاً، فلا يروا أعماله الإلهية العجيبة، التي تشهد عن طبيعته وجوهر ألوهيته..ولهذا قال عنهم المسيح (من أجل هذا أكلمهم بأمثال، لأنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. فقد تمت فيهم نبوة أشعياء القائلة: تسمعون سمعاً ولا تفهمون ومبصرين تبصرون ولا تنظرون. لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثَقُل سماعها، وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم، ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم) (متى13: 13-15)..
هذا هو السياق الذي قاده المسيح، بكل عناية وإصرار وتشديد دون تراجع عن طبيعته الإلوهية، ودون مهادنة كما طنطن ديدات..وهذا هو إنجيلنا المقدس، ومن لا يقبل الحق الإلهي الذي نعتقده فيه، فله الحق الكامل في ذلك، ولكن لا يخترع ولا يؤلف فيه كما فعل ديدات، وإلا فالوحي الإلهي المقدس، لن يجامله على الإطلاق..
[1] لاحظ عزيزي القارئ: فإن المترجم ليس أميناً في ترجمته للعربية، لأن هذه الآية كتبها ديدات كما هي أمامك، بينما ترجمها المترجم علي الجوهري هكذا “أنا وربي واحد” فالمعنى يختلف، ولكن: لا غرابة فالمترجم تلميذ ديدات.
[2] هذه الآية التي تحتها خط، قام المترجم أيضاً باللعب في ترجمتها على هواه، ولهذا ترجمنا هنا ما كتبه ديدات، فديدات يؤلف والمترجم يغير، وبعد ذلك يقدمون طبختهم الفاسدة هذه للقارئ، على أساس أنها من الإنجيل المقدس..
[3] الرجاء الرجوع لكتابنا “شهود الصليب”، وستجد فيه أيضاً، رداً شافياً على أخطاء ديدات اللاهوتية، خاصة أنه رد على كتابه “صلب السيد المسيح بين الحقيقة والأفتراء”..
[4] راجع كتابنا “شهود الصليب”
[5] هناك خيطاً دقيقاً يفصل بينهما، غير أن المفارقة هنا في كلام المسيح، هي التعبير الأدق، لأن المفارقة تضع أمرين غير متكافئين او غير متطابقين، أو غير متماثلين، تضعهما في مقابلة فيما بينهما، لتكون نتيجة عدم التماثل واضحة وجلية، والفرق جوهري بينهما..وهذا ما فعله المسيح وقصده، حيث وضع نفسه كابن لله بالطبيعة والجوهر، والقضاة كأبناء لله بوظيفتهم..
[6] أي تقارب بين أمرين، لتؤكد الفارق الكبير بينهما.