ثروت الخرباوي يكتب: أكذوبة الفتوحات الإسلامية!
هل تريد أن أصدمك؟ إذن فاعلم أن الإسلام الذى قدموه لنا عبر قرون ليس هو الإسلام الحقيقى! الإسلام الحقيقى يا صديقى تم إخفاؤه فى مغارة سرية لأنه لم يكن على هوى الملوك والسلاطين، وبدلاً منه ظهر «إسلام الغزوات والقتل والإكراه والحرق والتعذيب»، ولكن لتخفيف وقع تلك الأشياء على القلوب تم تسميتها بـ«الفتوحات» و«نشر الإسلام وإجبار الطواغيت على إعطاء الناس حرياتهم»! وما أعظم الفتوحات خاصة إذا ما اقترنت بنشر الإسلام، ألم يقل الله تعالى «إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً»؟ نعم، كان الفتح الحقيقى هو عودة النبى صلى الله عليه وسلم إلى بلده فاتحاً لا غازياً، كان الفتح هو النور الذى دخل إلى القلوب ففتح مغاليقها، كان الفتح هو الدخول فى معية الله طواعية واختياراً لأنه يستحق أن يُعبَد، ولكن فتح النور هذا تحول على يد القدماء إلى «احتلال» لبلاد وإكراه أهلها على الإسلام! وظللنا عمرنا كله نفتخر بتلك الأيام التى كانت فيها جيوشنا قوية نغزو بها العالم، نستعمرها ونأخذ خيراتها، ونفرض عليها ديننا، ونقول ونحن نتوق شوقاً لتلك الأيام: «ليتها تعود»! من الآن يجب أن نقولها صراحةً دون خوف من الجماهير التى تجهل أو طواغيت الدين التى تريد احتكاره، يجب أن نجاهر بها مهما كانت النتائج فقد بلغ السيل الزبى ولم يعد فى قوس الصبر منزع، إذن فاعلموا أن الإسلام الذى بين أيدينا ليس هو الإسلام الذى أنزله الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل هو دين مختلف جد الاختلاف، لذلك يا صديقى أنا لا أعتبر أن تلك الأفهام التى استقرت عليها جمهرة من الأمة هى الفهم الصادق للإسلام النورانى العظيم، بل أعتبرها ليست من الإسلام فى شىء إذ هى تفاسير القدماء وأعمالهم ومواقفهم، هى التراث يا صديقى، وما نحن عليه الآن هو «دين التراث» أو هو ذلك الدين الذى أطلقت عليه «الدين الرابع» الذى جاء بعد اليهودية والمسيحية والإسلام.
لم يكن من أهداف الإسلام الانتشار فى كل بقاع الأرض وإلا لطلب الله منا ذلك، نعم أرسله الله رحمة للعالمين، لمن يؤمن به ولمن لا يؤمن به كلاهما سواء، لم يطلب الله منا أن نصل لنتيجة مؤداها أن يكون الإسلام هو صاحب الأغلبية فى العالم، أو حتى صاحب الأكثرية، بل إن الأكثرية فى الإسلام مذمومة، ألم يقل الله تعالى «وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله»، وقال أيضاً «بل أكثرهم لا يعلمون»، وقال «وأكثرهم لا يعقلون»، و«ولا تجد أكثرهم يشكرون»، و«ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم».. وهكذا تقابلنا عشرات الآيات من القرآن الكريم، ليظهر لنا أن المسألة عند الله سبحانه ليست بالكثرة بدليل أنه قال «ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً».. أما عن القلة فقال الله سبحانه عنهم «وقليلٌ من عبادى الشكور»، وقال أيضاً «وقليلٌ من الآخرين»، وقال أيضاً «وما آمن معه إلا قليل» بل إن كل الرسل تقريباً لم يتبعهم إلا قلة من أقوامهم؟! إذن، ما هى القصة الحقيaقية، القصة باختصار أن الله طلب منا أن ندعو للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وطلب منا أن نجادل أهل الكتاب بالتى هى أحسن، وطلب منا فقط أن يقتصر دورنا على التبليغ، فقال للرسول (صلى الله عليه وسلم) إن الأمم من الممكن أن تكذبكم، فماذا ستفعلون آنذاك، هل ستذهبون لهم بالسلاح، هل ستقاتلونهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا قالوها عصموا منكم دماءهم وأموالهم؟ لا والله، إن الله قال «وإن تُكَذِّبوا فقد كذَّبَ أممٌ من قبلِكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين».. البلاغ المبين فقط يا عباد الله، وتأكيداً لهذا قال الله سبحانه «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر».. لا سيطرة لك على قلوب العباد فإنك لا تهدى من أحببت ولكن الله أيها العباد يهدى من يشاء، كل دورك أن تدعو إلى الله على بصيرة يا عبدالله كما قال رب العباد لرسولنا الكريم «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى». هى الدعوة لله على بصيرة يا أخى المسلم، وإذا أردت أن أسترسل لك فى ذكر آيات القرآن التى تكلفنا بالدعوة والبلاغ المبين فقط ما وسعنى المقال.
وعلى هذا فلا تعوِّل كثيراً يا أخى على ما نقله لنا التراث حول «الجزية» إذ كانت الجزية هذه هى التكأة التى استندوا عليها فى تبرير الغزوات، مع أن آية الجزية فى القرآن إن أمعنت النظر فيها لا تتحدث عن أهل الكتاب ولكن عن الذين أوتوا الكتاب، وهؤلاء غير أولئك، ولكن آية الجزية التى على الذين أوتوا الكتاب كانت مرتبطة بظرف تاريخى مرتبط بأحداث بعينها لا يجوز تعميمها، أما أسباب نزول «آية الجزية» فهى أن أمة الغساسنة التى كانت تتولى حكم الشام بالنيابة عن الروم قامت بشن حروب وغارات على الجزيرة العربية، وقتلت من قتلت، وكانت حرب تبوك التى نزلت سورة التوبة بمناسبتها حرباً تستهدف إجلاء العدو الغازى عن البلاد، وطرده من مدينة تبوك شمال الجزيرة العربية، ولذلك لم يكن سبب القتال هو إدخال هؤلاء إلى الإسلام، فالدين كما قلنا ليس فيه إكراه، ولكنها حرب تظل جذوتها مشتعلة إلى أن يتم طرد الغساسنة الغزاة، بحيث يكون الغساسنة فيها صاغرين أذلاء مجبرين على دفع جزية، والجزية من الجزاء، وهى غرامة تضمن عدم معاودتهم التعدى مرة أخرى، ولكن فى هذه الحرب هرب الغساسنة وعادوا إلى ديارهم قبل أن يصل لهم جيش المسلمين، فعاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) منتصراً، إلا أن الدارس يجد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يتتبع الغساسنة إلى ديارهم فى الشام، بل عاد إلى المدينة بعد أن عقد بعض الأحلاف والمعاهدات مع قبائل عربية كانت تستوطن شمال الجزيرة العربية، وكان آخر ما فعله الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن جهز جيش أسامة بن زيد ليستكمل تأديب الغزاة، وقال له: «وطئ بجيشك أرض الشام ثم عد»، ثم توفى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، الجزية إذن كان لها ظرفها التاريخى وسياقها الدولى، ولكن القدماء بعد ذلك استخدموها فى غير موضعها، وتحولت من عقوبة على من يغزو بلادك، إلى وسيلة فى يد المسلمين يغزون بها بلاد العالمين تحت «مُسمى إسلامى»: «فتح، وجزية، وسيف، ومصحف، والله أكبر»، وتحت راية الله أكبر تراق الدماء! الآن، لك أن تعلم أن فكرة الفتوحات هى فكرة اعتنقتها إمبراطورية عربية جديدة، أرادت أن تجد لنفسها مكانة عظيمة فى العالم، وكانت إمبراطوريات العالم وفقاً للتاريخ تقوم على غزو بلاد وضمها إلى ممالكهم، وما فعله العرب لم يكن إلا تطبيقاً لقواعد عصرهم ورغبتهم فى الاستحواذ على العالم، وكما جاءت الحروب الصليبية إلى المنطقة بنزعة استعمارية واضحة تتخفى وراء الصليب، خرجت جيوش العرب فى عهد الصحابة والتابعين تريد الاستحواذ على معظم العالم بنزعة استعمارية اختفت وراء القرآن والإسلام ونشر الدين، وأطلقوا عليها الفتوحات تشبّهاً بفتح مكة! ومن هذا التعسف فى فكرة نشر الإسلام والخروج بها من سياقها الصحيح ظهر إسلام السيف والقتال والإكراه وحد الردة، واختفى إسلام لا إكراه فى الدين، و«أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»! أما محاولات التجميل التى أجراها فريق «المبرراتية» لتلك الغزوات فهى التى أدت إلى ظهور الإخوان والقاعدة وداعش وغيرهم، ومن إسلام هؤلاء المبرراتية خرجت أفكار التعذيب وقطع الرؤوس والقتل بالحرق للمخالفين أو لغير المسلمين.. فهل نرى فقهاء كباراً يجرون مراجعة فقهية مستنيرة لأخطاء تاريخية وقع فيها القدماء، أو تقويم مواقف قام بها «الحواريون الأوائل»؟ لا أظن.
المصدر: الوطن