الرحمة والعدل فى كتابات اسحق السريانى – الأنبا بيشوى
الرحمة والعدل فى كتابات اسحق السريانى – الأنبا بيشوى
يكرّم اسحق السريانى ويمتدح جداً فى المجالات الرهبانية بسبب حياته النسكية، وقيادته الروحية للرهبان، ونصائحه الثمينة للمتوحدين فى حياة الوحدة.
إلا أن أسحق السريانى كان من بيت كاتراى Beth Katraye (بالقرب من البحرين الحالية) على الخليج الفارسى، وقد صار راهباً ومعلماً بالقرب من بلدته، ثم سامه جرجس البطريرك النسطورى أسقفاً على نينوى (660-690م) فى دير بيت أبه Beth Abhe.[1] لذلك فإن دائرة المعارف الكاثوليكية تكتب صراحة: إسحق أسقف نينوى.. “أسقف نسطورى لهذه المدينة فى القرن السابع حيث أن جرجس البطريرك النسطورى هو الذى سامه أسقفاً.”
واسحق أسقف نينوى “تجنب بوعى تام أن يكتب فى الموضوعات التى كانت مجالاً للخلافات والمناقشات الخاص بالجدل اللاهوتى المعاصر. وهذا يعطيه بُعداً مسكونياً”[2] وهو السبب فى كونه مشهوراً خارج نطاق كنيسته النسطورية على الرغم من أمانته لتقليده.
لكن على الرغم من أن إسحق السريانى تحاشى الكتابة فى الموضوعات الخاصة بالصراعات اللاهوتية، إلا أن ابن السلط الذى جمع كتاباته بالعربية من السريانية أشار فى ملاحظاته التمهيدية إلى الصراع الذى أحاط بإسحق (والذى أدى إلى تركه الأسقفية بعد خمسة أشهر) وختم بقوله أن مشكلة إسحق كانت فى تصميمه على تفوق الرحمة. وفى الحقيقة إن كتابات اسحق تحوى تذكرة دءوبة على الحب الذى يجب أن يكون فى الإنسان تجاه الرحمة التى كان يرى أنها أساس العبادة والتواضع.[3] فيقول:
ما هو القلب الرحيم؟ هو القلب الذى يحترق من أجل كل الخليقة: الإنسان والطيور والحيوانات وحتى الشياطين. عند تذكر هذه الكائنات ورؤيتها يمتلئ قلب الإنسان الرحيم بالدموع الناتجة عن العاطفة الشديدة التى تحرّك قلبه. ويزداد القلب حناناً فلا يحتمل سماع أو رؤية أى جرح أو أقل حزن يصيب أى من هذه الكائنات. لهذا، يقدّم هذا الإنسان صلوات دائمة بدموع حتى من أجل الحيوانات غير العاقلة ولأعداء الحق وكل من يؤذيه، لكى يُحفظوا ويُسامحوا.[4]
بالنسبة لإسحق السريانى تصل الرحمة إلى حد أنها تتضمن الخلاص النهائى لكل الخليقة بما فى ذلك الشيطان.[5] هذا الاتجاه الأوريجانى غير الكتابى رفضته الكنائس منذ القرون القديمة.
نقد نظرية اسحق السريانى حول تعارض الرحمة مع العدل:
كتب أسحق أسقف نينوى يقول:
إن الرحمة تتعارض مع العدل. العدل هو تساوى كفة الميزان المتكافئ، لأنه يعطى كل واحد ما يستحقه.. لكن الرحمة، من ناحية أخرى، هى الأسى والشفقة التى يحركها الصلاح، وهى على نحو شفوق تجعل الإنسان يميل تجاه الجميع؛ هى لا تجازى الإنسان الذى يستحق الشر، أما لمن يستحق الخير فتعطى نصيباً مضاعفاً. وبالتالى، فإن كان جلياً أن الرحمة تنتمى إلى حصة البر، فإن العدل إذن ينتمى إلى حصة الشر.
وكما أن العشب والنار لا يتواجدان فى مكان واحد، هكذا العدل الرحمة لا يمكن أن يسكنا فى روح واحدة. وكما أن ذرة رمال لا توازى كمية كبيرة من الذهب، هكذا بالمقارنة فإن استخدام الله للعدل لا يمكن أن يتوازى مع رحمته. فكما تلقى حفنة من الرمال فى البحر الكبير، هكذا خطايا أجسادنا بالمقارنة بعقل الله. وكما أن ينبوع المياه الذى يتدفق بقوة لا تعكره حفنة تراب، هكذا رحمة الخالق لا تتوقف بسبب شر خليقته.[6]
أولاً: العدل لا يتعارض مع الرحمة
كل الصفات الإلهية كاملة كماً وكيفاً. هذا الكمال الذى يصف خواص الله يجعلها كلها “تتساوى”. ليست هناك خاصية لاهوتية أسمى من الأخرى أو متعارضة معها، لأنها كلها تتصف بالكمال فهى صفات الله التامة، وليس هناك صراع فى الله. الله رحوم وعادل فى نفس الوقت، فرحمته لا تتعارض مع عدالته كما أن عدالته لا تتعارض مع رحمته.
كتب المرنم يقول: “الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا” (مز 85: 10). علماً بأن الكلمة العبرية אֱמֶ֥ת (إميت) التى تترجم حق أو عدل بالعربية تعنى حزم أو أمانة أو حق.
كتب المرنم أيضاً يقول: “أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا” (مز 19: 9).
ويقول أيضاً: “لرَحْمَتك وعدلك أسبحك. أُترَنِّمُ لك” (مز 101: 1).
ومعلمنا بولس الرسول يقول: “فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضاً سَتُقْطَعُ.” (رو 11: 22).
وقداسة البابا شنودة الثالث دائماً يعلمنا أن الله رحيم فى عدله وعادل فى رحمته.
ثانياً: الله عادل
عدل الله يُسبح ويُكرم ويُوقر. وعدل الله لا يحسب أبداً أنه خاصية أدنى من غيرها أو “تنتمى إلى حصة الشر” كما يقول أسحق السريانى. لا يمكن أن ينكر أحد عدالة الله حتى غير المسيحيين!
فيما يلى بعض أمثلة لآيات كتابية تثبت أن الله عادل:
“اَللهُ قَاضٍ عَادِلٌ وَإِلَهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ” (مز 7: 11).
“اَلرَّبُّ عَادِلٌ فِي وَسَطِهَا لاَ يَفْعَلُ ظُلْماً. غَدَاةً غَدَاةً يُبْرِزُ حُكْمَهُ (عدله) إِلَى النُّورِ. لاَ يَتَعَذَّرُ. أَمَّا الظَّالِمُ فَلاَ يَعْرِفُ الْخِزْيَ.” (صف 3: 5).
“اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ.” (زك 9: 9).
“إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقاً” (2تى 1: 6).
وقال السيد المسيح “أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي.” (يو 5: 30).
وسفر الرؤيا يقول أن المنتصرين “يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ وَتَرْنِيمَةَ الْحَمَلِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الْإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ” (رؤ 15: 3).
إذن فإن القديسون يسبحون الله على عدله وحقه، وليس فقط لكونه رحيماً لأنهم يدركون قيمة عدالته وكيف أن الإنسان فى احتياج إلى هذا العدل.
ثالثاً: لماذا عمل الخلاص ولماذا المسيحية؟
ما هى الحاجة للخلاص، والكفارة والفداء الذى تممه ابن الله الوحيد الذى من نفس جوهر الآب للبشر؟ لماذا تجسد وتألم وصلب؟
إن كانت أقوال إسحق السريانى المذكورة أعلاه حقيقية فإما أن ابن الله الوحيد لم يتجسد ولم يمت على الصليب وهذه هى النسطورية فى عمقها، وإما أنه لا حاجة للخلاص أو الفداء أو الكفارة التى هى من أساسيات الإيمان المسيحى.
كيف يتفق هذا مع قول يوحنا الحبيب التالى: “فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا.” (1يو 4: 10).
لأن الله عادل لذلك كان يجب أن تعاقب الخطية، لكن لكونه رحيماً حمل هو العقوبة فخلص أنفسنا. وهكذا، ليس هناك تعارض بين صفاته. حقاً إن “رحمة الخالق لا تتوقف بسبب شر خلائقه”، إلا أن هذا لا يعنى أن الله يتجاهل خطايا خلائقه، أو يغفر بدون عقوبة، أو أنه يدخل غير التائبين وغير المستحقين إلى السماء.
رابعاً: الله قدوس ورحيم ولكنه كاره ورافض للخطية
نحن نعلم أن الله رحيم ولذلك نترجاه فى صلواتنا الليتورجية ونقول: “كرحمتك يا رب ولا كخطايانا”.
لكن، الله لأن قدوس يجب أن تكون هناك عقوبة على الخطية، وإلا كان البر والخطية يتساويان عنده. الله يثبت بره وقداسته بأن يعلن كراهيته ورفضه للخطية والشر.
لا أحد يستطيع أن ينكر عدل الله بل وغضبه ضد الخطية. بل لابد أن تُعلن قداسة الله الكاملة كرافض للخطية والشر. إن عدل الله فى محاسبته على الخطية معناه أن تظهر قداسة الله الكاملة بأن تنال الخطية قصاصاً عادلاً، وبذلك لا تتعارض الرحمة مع العدل لأنه هو نفسه الذى حمل هذا القصاص.
وقد شرح معلمنا بولس الرسول نتائج خطية الإنسان وكيف رفعها الله بقوله: “لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ فَبِالأَوْلَى كَثِيراً الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً هَكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً” (رو 5: 17-19).
إن الصليب هو إعلان لمحبة الله: “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو 3: 16).
الصليب أيضاً هو إعلان قداسة الله الكاملة وعدالته المطلقة، لأنه مكتوب “بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ” (عب 9: 22).
إن الغفران الإلهى هو غفران مدفوع الثمن، لأن الخطية والبر لا يتساويان عنده. لكى يعلن الله بره الكامل وقداسته المطلقة كان يجب أن يعلن غضبه ضد الخطية.
يقول معلمنا بولس الرسول “أَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ” (رو 1: 18).
وقال بولس الرسول أيضاً “مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ” (عب 10: 31)، “لأَنَّ إِلَهَنَا نَارٌ آكِلَةٌ” (عب12: 29).
ويقول سفر الرؤيا عن الرب يسوع المسيح “هُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” (رؤ 19: 15).
وأيضاً “وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اُسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْحَمَلِ” (رؤ 6: 15-16).
وقد شرح القديس أثناسيوس الرسولى مفهوم الموت النيابى فى كتاب “تجسد الكلمة”، ففى الفصل الثامن يقول:
وهكذا إذ أخذ من أجسادنا جسداً مماثلاً لطبيعتنا، وإذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده للموت عوضاً عن الجميع، وقدمه للآب. كل هذا فعله شفقة منه علينا، وذلك : أولاً لكى يَبطل الناموس الذى كان يقضى بهلاك البشر، إذ مات الكل فيه، لأن سلطانه قد أكمل فى جسد الرب ولا يعود ينشب أظفاره فى البشر الذين ناب عنهم. ثانياً: لكى يعيد البشر إلى عدم الفساد بعد أن عادوا إلى الفساد، ويحييهم من الموت بجسده وبنعمة القيامة، وينقذهم من الموت كإنقاذ القش من النار.
وأيضاً فى الفصل التاسع:
وإذ رأى الكلمة أن فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلا بالموت كشرط لازم، وأنه مستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى بإتحاده بالكلمة ، الذى هو فوق الكل، يكون جديراً أن يموت نيابة عن الكل، وحتى يبقى فى عدم فساد بسبب الكلمة الذى أتى ليحل فيه وحتى يتحرر الجميع من الفساد، فيما بعد، بنعمة القيامة من الأموات. وإذ قدم للموت ذلك الجسد، الذى أخذه لنفسه، كمحرقة وذبيحة خالية من كل شائبة فقد رفع حكم الموت فوراً عن جميع من ناب عنهم، إذ قدم عوضاً عنهم جسداً مماثلاً لأجسادهم.
وقد أوضح القديس أثناسيوس أن العدل الإلهى قد استوفى بآلام وموت الصليب فقال فى الفصل السابع:
لهذا كان أمام كلمة الله مرة أخرى أن يأتى بالفاسد إلى عدم فساد، وفى نفس الوقت أن يوفى مطلب الآب العادل المطالب به الجميع وحيث أنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذى يليق بطبيعته أن يجدد خلقة كل شئ وأن يتحمل الآلام عوضاً عن الجميع وأن يكون نائباً عن الجميع لدى الآب.
لقد ناب السيد المسيح عن الخطاة وصُلب بدلاً عنهم وأوفى الدين الذى علينا. هو المخلص الوحيد الذى ليس بأحد غيره الخلاص. وهو الوحيد الذى بلا خطية، والوحيد الذى يستطيع أن يحمل خطايا العالم كله ويكون فدية مقبولة أمام الآب السماوى لسبب بره الكامل وذبيحته الفائقة فى قيمتها فى نظر الله الآب لأنها ذبيحة الابن الوحيد “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).
علاوة على ذلك فإنه قد شفى الفساد الذى كانت البشرية تعانى منه نتيجة للخطية. وليس هناك من يقدر أن يصنع ذلك للإنسان سوى ابن الله الوحيد.
هذا هو الفهم السليم لرحمة الله. فعدله رحيم ورحمته عادلة.
خامساً: الله يعاقب الأشرار
الآيات التالية تثبت أن الله يعاقب الشرير وصانعى الشر:
قال القديس يوحنا المعمدان “الآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ” (مت 3: 10).
قال السيد المسيح “ادْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ” (مت 7: 13).
وقال أيضاً “كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ” (مت 7: 22-23).
وقال “ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً للَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ. لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي” (مت 25: 41-42).
وقال ربنا أيضاً “كَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ الْعَالَمِ: يَخْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَيُفْرِزُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ. وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ” (مت 13: 49-50).
وقال “أَقُولُ لَكُمْ. بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ” (لو 13: 3).
وفى مثل الغنى ولعازر “فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ” (لو16: 25).
ولأنه حتى المختارون من الممكن أن يسقطوا قال الرب “سِمْعَانُ سِمْعَانُ هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ. وَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ” (لو22: 31-32).
وقال القديس بولس الرسول “وَكَمَا يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّنَا نَقُولُ: لِنَفْعَلِ السَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِيَ الْخَيْرَاتُ. الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ عَادِلَةٌ” (رو3: 8).
وقال معلمنا بولس الرسول أيضاً “فَهُوَذَا لُطْفُ اللهِ وَصَرَامَتُهُ: أَمَّا الصَّرَامَةُ فَعَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضاً سَتُقْطَعُ” (رو 11: 22).
وقال أيضاً “لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: سَلاَمٌ وَأَمَانٌ حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ” (1تس 5: 3).
وقال القديس بطرس الرسول “وَلَكِنْ كَانَ أَيْضاً فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضاً مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكاً سَرِيعاً” (2بط 2: 1).
ويقول يوحنا الحبيب فى سفر الرؤيا “أَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي” (رؤ 21: 8).
[1] See: St. Isaac of Nineveh, On Ascetical Life, St. Vladimir’s Seminary Press, Crestwood, New York 1989, p.7.
[2] See: Isaac of Nineveh from Wikipedia
[3] See: St. Isaac of Nineveh, On Ascetical Life, St. Vladimir’s Seminary Press, Crestwood, New York 1989, p.11-12.
[4] See P. Bedjan, ed. Mr Isaacus Ninivita, De Perfection Religisa (Paris-Leipzig, 1909), p. 507.
[5] See: St. Isaac of Niniveh, On Ascetical Life, St. Vladimir’s Seminary Press, Crestwood, New Yord 1989, p.12.
[6] See: I/51 (244) = B50 (345). Translation from the Greek in The Ascetical Homilies of Saint Isaac the Syrian, translated by the Holy Transfiguration Monastery (Boston, 1984), p244.