كيف ندعو الكاهن أبانا والكتاب يقول: “لا تدعوا لكم أباً على الأرض..” (متى23: 9)؟ – د. عدنان طرابلسي
كيف ندعو الكاهن أبانا والكتاب يقول: "لا تدعوا لكم أباً على الأرض.." (متى23: 9)؟ - د. عدنان طرابلسي
كيف ندعو الكاهن أبانا والكتاب يقول: “لا تدعوا لكم أباً على الأرض..” (متى23: 9)؟ – د. عدنان طرابلسي
كثيرون من المفسّرين يقولون إن المسيح قد حرّم ان ندعو أحداً على الأرض أباً، فختاروا ألقاباً أخرىمثل: “مُحتَرَم”، “قسيس”، “راعٍ”، إلخ. لكن التفسير السطحي والحرفي لقول الرب هذا يعني أنه لا يجوز لنا أبداً أن ندعو إنساناً على الأرض “اباً”، سواء أكان رجل دين (أباً روحياً) أم لا.
لأن الآب وحده من يجب أن يُدعى هكذا. لو أخذنا بهذا التفسير الضيّق لوجدنا أن الرسول بولس قد خالف وصية المسيح، لأنه يقول: “لأنه وإن كان لكم ربواتٌ من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون، لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” (1 كور4: 15). فبولس يدعو نفسه هنا “أباً” للذين ولدهم بالإنجيل.
ويدعو تيموثاوس وتيطس “إبني”. ويوحنا الإنجيلي في رسالته يستعمل لفظة “يا أبنائي الصغار” (1 يو2: 12 و14). أيضاً يدعو بولس اسلافنا “آباء” لنا (1 كور10: 1). ويستعمل لقب “أب” لمخاطبة الآباء قائلاً: “أيها الآباء..” (كول3: 21). والرب نفسه، في مثل الغني والعازر، يذكر أن الغني خاطب إبراهيم قائلاً: “يا أبي إبراهيم” (لو16: 24). لم يجبه إبراهيم قائلاً: ألا تعرف أن الله الآب فقط هو من يجب أن يُدعى أباً؟”.
ولكنه أجاب الغني: “يا إبني” (لو16: 25). ولو تابعنا قراءة (متى23: 10) لوجدنا: “ولا تدعوا معلّمين لأن معلّمكم واحدٌ، المسيح”. لكن المسيح نفسه دعا نيقوديموس “مُعلّم إسرائيل” (يو3: 10). وكان يوجد في كنيسة إنطاكية “أنبياء ومعلّمون” (أع13: 1). وبولس يذكر أن الله وضع في الكنيسة “معلّمين” (1 كور12: 28؛ أفسس4: 11). إذاً لم يقصد المسيح القول إنه لا يجوز أن ندعو أحداً “أباً” إلا الآب، ولا أحداً “مُعلّماً” إلا المسيح.
وبولس الرسول والكنيسة كلها لم تفهم قول المسيح هذا كما يحاول البعض أن يفهمه اليوم. يبقى السؤال: ماذا قصد المسيح من قوله هذا لإذن؟
المناسبة التي فيها قال السيد هذا القول تشرح لنا معناه. فالمسيح كان يتكلم عن الكتبة والفريسيين وكان ينتقد ممارستهم وتعليمهم، وكيفية إستعمالهم للقب “أب” و”مُعلّم”. يقول: “على كرسي موسى جَلَسَ الكتبة والفريسُيون” (متى23: 1).
وبدلاً من تعليم شريعة موسى صاروا يعلّمون تقليدهم الخاص (مر7: 8 و9)، “مُبطلين كلام الله بتقليدكم الذي سلّمتموه” (مر7: 13). لهذا كان يسوع يحذّرهم من إستعمال مناصبهم وألقابهم ليقيموا من حولهم تلاميذ لهم ولتقاليدهم وليس تلاميذ لله ولشريعته. ومع مجيء المسيح، صار على رجال الدين أن يعلّموا “تعليم الرسل” (أع2: 42) أو “تعليم المسيح” (2يو9)، الذي هو “المُعلّم” الحقيقي و”ألاب” الحقيقي، وما رجال الدين إلا صورٌ حية له.
وكما يقول الذهبي الفم: “لأنه (المسيح) علّة كل شيء، علّة المُعلّمين وعلة الآباء معاً”[1]. لهذا كل “مُعلّم” وكل “أب” في الكنيسة ما هو إلا قناة حية لتسليم التعليم الذي وصل إليه من المسيح، “المُعلّم الأكبر”، بالرسل. أو بكلمة أخرى، ليس “المُعلّم” أو “الأب” في الكنيسة هو مصدر التعليم، بل يسوع المسيح نفسه، بالروح القدس الساكن في الكنيسة.
وإلا صار هذا المُعلّم أو الأب تحت الدينونة نفسها التي طالت الكتبة والفريسيين.
[1] الموعظة72: 3 على إنجيل متى. (راجع الجزء الرابع من ترجمة شرح إنجيل متى للذهبي الفم).