مصدر الشر، أصل ومصدر الشر؟ من أين أتى الشر إذا كان الله هو الكلي الخير؟
أصل ومصدر الشر؟ من أين أتى الشر إذا كان الله هو الكلي الخير؟ – دعوة للحوار
- الله هو الكائن الوحيد صاحب الصفات المطلقة (هكذا نُعَرِّفه في الأديان).
- لا يمكن أن يكون هناك إنسان أو ملاك أو أي كائن آخر له أي صفة مطلقة، بغض النظر عن ماهية الصفة نفسها. فصفات البر والوجود والرحمة والحب ..إلخ، مهما زادت في مخلوق، فهي محدودة. ونستطيع أن نضع معادلة بسيطة مثل: مخلوق = محدود
- الخير هو فعل إيجابي positive والشر هو قِلة هذا الخير. أي أن الشر هو نقص هذا الخير (محدودية الخير تجعل الخير ليس كاملا (محدود) = شر.
- يترتب على هذا أن الخير كصفة، هو صفة نسبية في الإنسان. أي أن الإنسان (أو أي مخلوق آخر مثل الملائكة) به نسبة عدم كمال للخير = محدودية للخير = شر إمكاني.
- مجرد غياب الخير، أو قلته، هو شر، فـ99,99999999999999999999999999999 خير، يعني وجود 00,00000000000000000000000000001 شر.
- معنى كلمة “نسبي” وهي الخاصة بكل المخلوقات أنه سيوجد فيه نقص.
- من هنا، كل كائن -طالما انه ليس الله (المطلق في الخير)- سيكون، نسبي في الخير.
- الذي يكون نسبي في الخير، يعني أن به نسبة من عدم الخير، أي الشر.
- فمجرد وجود كائن غير الله، يوجِد تلقائياً: الشر (قلة الخير).
بالضدِ تُعرَف الأشياء، لكي نقوم بتعريف الشر لابد لنا أن نعرف أولاً الخير جيداً فالشر ضدَّه، وقبل أن نعرف الخير علينا بتحديد هذا الخير، هل هو الخير مطلق؟ هل هو نسبي؟! هل عندما كان يقول الكتاب المقدس على إنسان أو ملاك أنه “بار” كان يقصد انه “بار” بشكل مطلق أم نسبي؟
بالطبع هو نسبي، حسنًا، هل يمكن لإنسان أو لملاك أن يصل لأي بر مطلق؟ بالطبع لا، لان الإنسان أو الملاك بحسب طبيعته هو نسبي في كل شيء، في خيره وفي شره، إذن، من هو الكائن الذي نَصِفَهُ بالصلاح المطلق؟ نسميه “الله”، وهو مطلق في الصلاح (100%).
يظهر إلينا سؤال هام، وهو، هل يمكن أن يوجد إنسان/ملاك له بر مطلق؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال سأضعه في صورته الأصعب، وهي: هل يستطيع الله أن يخلق إنسان/ملاك مطلق في بره؟ فإذا كانت إجابتك: نعم، فهذا يعني أن هناك إنسان/ملاك سيكون له صفة أصيلة لله، وهي الإطلاق، ومن يكون له هذه الصفة يكون هو نفسه “الله”، لكن “الله” لا يمكن أن يخلق “الله” آخر، لأن “الله” لا يُخلَق وإلا لما كان “الله” وكان محدودًا في زمنيته.
وإذا كانت إجابتك: لا، فكيف يكون الله لا يستطيع عمل شيء؟! وبعيداً عن الإجابة على هذا السؤال، الذي ربما نجيبه في مقال قادم، لكن كإجابة سريعة، أن “الله” لا يمكن أن يخلق من صفته “غير مخلوق”، فلا يمكن أن يكون أي كائن “مخلوق” و”غير مخلوق” في نفس الوقت، فهذا تناقض ذاتي ينبغي حله قبل أن نسأل عن إمكانية خلقه، وهو مشابه لسؤال: هل يمكن أن يخلق الله مثلث بأربعة أضلاع؟
الإجابة: لا، ليس لعدم مقدرة الله، بل لوجود تناقض داخلي في المسئول عنه، ألا وهو المثلث، فقد سمي بـ”مثلث” لأنه بثلاثة أضلاع، فصفته الأساسية هي “الثلاثة أضلاع” فإذا قمت بتغييرها إلى “أربعة أضلاع” لا تكون تتكلم عن “مثلث” بالأساس.
لكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟ علاقة هذا أن كينونة الله تتصف بالإطلاق في كل الصفات، فهو صاحب الحب المطلق، والحق المطلق، والخير المطلق، والعلم المطلق، والعدل المطلق …إلخ، ولا يمكن أن يكون هناك “مطلق” آخر، لأن هذا يعني أن هذا الآخر هو “الله”.
كُنا عندما نسأل، من أين أتى الشر للعالم، يجيب البعض (حسب الرد المحفوظ) أن مجموعة من الملائكة تكبروا وأرادوا أن يكونوا مثل الله، فتحولوا بهذا الشر إلى “شياطين” ومن الشيطان أتى كل شر بعداً، لكن كان يبقى السؤال، ومن أين جاءهم هذا التكبر إذا كانوا هم أول من أخطأوا؟!
وهنا يقف العقل التقليدي، لا يجد إجابة! والبعض كان يشير إلى النص القائل: مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر. أنا الرب صانع كل هذه (أشعياء 45: 7)، وعلى الرغم من أن النص هنا في سياقه لا يتكلم عن الشر كمفهوم، إلا أننا سنعتبره يتكلم عن الشر كمفهوم، فكيف يخلق الله الشر؟ ومن أين أتى؟ الحقيقة.
وبحسب رأيي، أن الشر جاء بخلق أي كائن آخر، فللطبيعة شر، وشرها أنها ليست كاملة في الصلاح كمالًا مطلقًا، وعدم كمالها في الصلاح هو شر، أي أن نسبية صلاحها هو شر، وهذا يفسر، بنسبة ما، الحوادث الطبيعية التي تودي بحياة الكثيرين، وللملائكة شر، وشرها أنها ليست كاملة في الصلاح كمالًا مطلقًا، وعدم كمالها في الصلاح هو شر، أي أن نسبية صلاحها هو شر.
وهذا يفسر، بنسبة ما، لماذا أخطأتَ، وإلا لما خَطِئت! وللإنسان (وللملاك) أيضًا شر، وشره أنه ليس كامل في الصلاح كمالًا مطلقًا، وعدم كماله في الصلاح هو شر، أي أن نسبية صلاحه هو شر، وهذا يفسر، بنسبة ما، لماذا كانت لديه الفرصة ليخطأ، وهنا أنا لا أتكلم عن الشر الإجرائي، بل الشر الإمكاني.
بمعنى أني لا أتكلم عن شيء فعله الإنسان/الملاك وحُسب عليه شر، بل أتكلم عن عدم كماله في الصلاح المطلق، أي نسبية الصلاح، التي أسميها “شر” وهذا يختلف عن دخول الإنسان/الملاك في الشر أو بالأحرى دخول الشر الفعلي في الإنسان/الملاك.
فعندما خطئ آدم، دخل الشر الفعلي إلى طبيعته، بحيث أنه بعدما كان لديه إمكانية الشر (عدم الصلاح المطلق) ولكن لم يختبره، أصبح –بعد الخطية- لديه إمكانية الشر أيضًا لكنه كان إختبر الخطية فعليًا.
إذن، وباختصار، كل من هو غير الله، هو غير كامل، ومن ضمن عدم كماله، هو عدم كماله في الخير، وعدم كمال الخير يعني وجود نسبة “عدم خير”، أي “شر”، ومن هنا جاء الشر، فكل مخلوق كان هو غير الخالق المطلق في الخير، ومن هنا أتى مفهوم الشر.
هل للشر كينونة في ذاته كمفهوم؟ الشر هو غياب الخير، ولهذا يقول الكتاب المقدس [فمن يعرف ان يعمل حسنا ولا يعمل فذلك خطية له] (يعقوب 4: 17)، فمجرد الإمتناع عن الخير، هو شر، فهنا لا نجد ان الإنسان قد أقدم على فعل بل أن الخطية حُسبت لمجرد إمتناعه عن الخير، والخطية من جملة الشر، فالشر هو نقص أو غياب الخير، لذا، فهو ليس فعلاً إيجابيًا بل مجرد عدم الفعل الإيجابي (الخير) هو “شر”.