Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

وجود الشياطين حقيقي أم إن قصص الشياطين الكتابية ذات معانٍ نفسية؟ – د.عدنان طرابلسي

وجود الشياطين حقيقي أم إن قصص الشياطين الكتابية ذات معانٍ نفسية؟ – د.عدنان طرابلسي

وجود الشياطين حقيقي أم إن قصص الشياطين الكتابية ذات معانٍ نفسية؟ – د.عدنان طرابلسي

 

لا أعرف كيف يستطيع الذين لا يؤمنون بوجود الشيطان أن يعرفوا هذا وأن يبرهنوا عليه. فإن كانوا يؤمنون بوجود الله (وهو الأصعب) فإن الإيمان بوجود الشيطان (والشر) هو أسهل عليهم، خاصة في عالمنا الحالي المعاصر! إن فكرة الشيطان، كما نعرفها اليوم، قد تطوّرت في الفكر اليهودي، خاصة بعد النفي البابلي (587-539 ق.م). وقد شارك المسيحيون في هذا الإيمان. فمن الصعب فهم رسالة يسوع، بأعماله وكلماته، عن ملكوت الله الآتي بدون فهم ملكوت الشيطان والشر المتأصل سلفاً في هذا العالم.

فالرب يسوع كان دائماً يشير إلى ان شفاء الجسد، المنظور، هو علامة على شفاء النفس، غير المنظور، وهو الأهم (مت9: 2-8). وشفاء النفس هو تطهيرها وطرد الشر (والشياطين) منها ومغفرة خطاياها بنعمة الله. هذه هي الفكرة الرئيسية اللاهوتية من حوادث طرد الشياطين من الممسوسين في الاناجيل. أما بالنسبة لكون هذه القصص الإنجيلية واقعية تاريخية، فإن آباء الكنيسة لم ينكروا صحتها التاريخية ولكنهم، بنفس الوقت، شدّدوا على مغزاها اللاهوتي.
من الصعب أيضاً إفتراض كون الشيطان والشياطين في العهد الجديد هي مجرد رموز وإستعارات، وإلا لأضحى الكثير من القصص والنصوص الكتابية مجرد رموز مرهونة بأهواء القارئ وظنونه. فالشيطان نفسه يظهر كشخص ويحارب الرب يسوع (متى4: 11؛ يوحنا12: 31)؛ والرب يذكر وجود الشياطين كأشخاص لا كأفكار (متى12: 25-29؛ يو14: 30؛ 1بطر5: 8 مثلاً)، ويمنح تلاميذه سلطاناً على الأرواح النجسة الشريرة (مر6: 7؛ لو10: 17)؛ هذا فضلاً عن حوادث طرد الشياطين من الممسوسين من قبل الرب يسوع أو تلاميذه لاحقاً.

نظرة سريعة وموجزة على الكتاب المقدس تُرينا خصائص الشيطان وملائكته: لا توجد حقيقة في الشيطان لأنه أصل كل كذب[1]. فالشيطان أخطأ منذ البداية[2] ويقود الناس نحو الخطيئة[3]. ليس الشيطان مجرد مفهوم سلبي للشر، بل هو قوة حقيقية. للشيطان إرادة حرة، يُضلّ ويخدع[4].

إنه قوة شخصية. بأمره تأتمر فيالق من الشياطين والقوى غير المنظورة[5]، وبعضها أشرّ من الأخرى (متى12: 43-45؛ لو11: 24-26). للشيطان وجنده التعليم الواحد نفسه (1تيمو4: 1-4). هكذا لهم “حكمة شيطانية” (يعقوب3: 15)، “حكمة حكّام هذا الدهر” (اكور2: 6). تعرف الشياطين بوجود الله الواحد (يعقوب2: 19)، وبإنقضاضاتهم ضد المسيح لمسوا ألوهيته (مر3: 11، 1: 24؛ لو4: 34). يعرفون من هم أتباع المسيح الحقيقيين (أعمال19: 11-14).

الشياطين حرّضت على صلب المسيح (لو22: 2-4؛ يو13: 2 و27). لكنها لم تعرف حكمة الله وإلا لما حرّضوا على صلبه. أما بالنسبة لعلماء الكتاب المعاصرين[6] فإنهم لا يرفضون هذا المغزى، ولكنهم لا يربطوه بالضرورة بصحة هذه القصص التاريخية. فهم يعتبرون أن المسيح قد نقل رسالته إلى أناس عصره بطريقة شعبية مفهومة لهم، كانوا يفسّرون بها الأمراض وكل الظواهر الأخرى بطريقة متعلّقة بالشر والخير، إذ كان الناس يعزونها إلى الله أو إلى الشيطان (كما قد نفعل نحن اليوم).

إنما الطعن بالصحة التاريخية لمثل هذه القصص الإنجيلية يفتح الباب لتساؤلات لا حصر لها: هل أخترع الإنجيليون هذه القصص لكي ينقلوا بشارتهم، هل كان يسوع يمثّل على الناس؟ هل إدّعى المسيح أن هؤلاء المرضى ممسوسون بينما لم يكونوا هكذا؟ وهل خشي يسوع من مواجهة الناس بالحقائق وقد مات مصلوباً من أجل الحقيقة، إلخ؟ أم أن الإيمان بوجود الشيطان ككائن واقعي مما لا يمنع من أن تكون هذه القصص واقعية فعلاً؟ فلا يوجد شيء يمنع الرب من أن ينقل بشارته إلى الناس بطرق مختلفة حتى بواسطة الأمثال كما كان يفعل.

لكن حوادث طرد الشياطين الحادثة في أيامه لم تقع تحت هذا التصنيف. لقد كانت حوادث تاريخية شهد لها الكثيرون. إذاً يجب الحذر من “النقد الكتابي” المعاصر ويجب الرجوع إلى التفسير الآبائي للكتاب. القديسان أثناسيوس وباسيليوس الكبير يوقنان أن كائناً روحياً قد سقط من السماء بسبب الكبرياء. ورسالة يهوذا (6) تلّمح إلى سقوط جمعٍ من الملائكة. فلا يمكن فهم الكثير من التعاليم الإنجيلية بدون فهم وجود الشيطان. والرب نفسه علّمنا أن نصلي “لكن نجّنا من الشرير”.

فأي “شريرٍ” كان يتكلّم عنه إن لم يوجد شيطانٌ؟ وسفر الرؤيا يتكلم عن “التنين” الذي غضب على المرأة “وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح” (رؤ12: 17). هنا المغزى النهائي للموضوع: من يحفظ وصايا الله والشهادة ليسوع المسيح يدخل في حرب لا هوادة فيها مع الشيطان. أما الذي ينكر وجود الشيطان فهو لن يصل إلى معرفة وجوده لأن الشيطان نفسه لن يحاربه طالما صار حليفاً له بنكرانه لوجوده.

القديس بولس الرسول يقول: “ليس أحدٌ يقدر ان يقول يسوع ربٌ إلا بالروح القدس” (1كور12: 3). لهذا نجد الرسول بولس مغرماً بتعريف نفسه على أنه عبدٌ ليسوع المسيح (رو1: 1؛ غلا1: 10). والقديس يعقوب يدعو نفسه “عبد” الله ويسوع المسيح (يعقوب1: 1)؛ وكذلك القديس يهوذا (يهوذا 1). فعبد الله لا يمكن أن يكون عبداً لأي شيء آخر، أو عبداً للشيطان.

لكن لا يمنع أن يُجرّب عبد الله من قبل الشيطان. إن إحدى ثمار الإلحاد المعاصر هو جعل فكرة الشيطان فكرة مثيرة للإهتمام لكن بدون قوة. هذا هو أقصى رفض للشيطان، وأفضل تحالفٍ معه.
اخيراً، مراجعة الأدب النسكي المسيحي تُظهر قوة الشيطان وحلفائه ضد المؤمنين وتكشف ضراوة الحرب الروحية بين الخير والشر من خلال قصص واقعية. 

[1] يو8: 44 (راجع أيضاً أعمال إيريناوس وجوستينيانوس وبوليكاربوس، إلخ من الآباء الرسولين).

[2] 1يو3: 8.

[3] 2كور11: 3؛ 1تيمو2: 14؛ تك3؛ حكمة2: 23-25.

[4] 2تيمو2: 26؛ 2كور2: 11؛ أفسس6: 11.

[5] متى8: 28، 34؛ مر5: 1-20؛ لو8: 26-39؛ أفسس6: 12؛ كول2: 15؛ اتيمو4: 1-4.

[6] إنهم أهل بحث ودراسة لاهوتيون عشّاق ليسوع طامعون في الارتقاء بالنعمة الإلهية إلى التجلي مع المسيح.
عالم الكتاب المقدس هو غريغوريوس اللاهوتي وأنداده الذين يرون في كلمات الإنجيل رؤى إلهية ولمعان الروح القدس. (أسبيرو جبور).

 

وجود الشياطين حقيقي أم إن قصص الشياطين الكتابية ذات معانٍ نفسية؟ – د.عدنان طرابلسي

Exit mobile version