خطوات عملية لفهم النصوص الكتابية 2 – الأداة الأساسية: ترجمة جيدة
- علم الترجمة.
- قضية اللغة.
- قضية النص.
إن الأسفار التي يضمها كتابنا المقدس قد كتبت اصلاً بثلاث لغات مختلفة: العبرية (معظم العهد القديم)، والاَرامية (لغة شقيقة للعبرية استخدمت في كتابة نصف سفر دانيال ومقطعين من سفر عزرا)، واللغة اليونانية (كل العهد الجديد). ونحن إذ نفترض أن معظم القراء المعاصرين لا يتقنون هذه اللغات، نقر بأن أداتهم الأساسية لقراءة ودراسة الكتاب المقدس هي ترجمة جيدة بلغة يتقنونها.
وكما سبق وقلنا في الفصل السابق، فإن مجرد كونك قارئَا لكلمة الله مترجمة فهذه الحقيقة تعني أنك قد دخلت بالفعل في عملية التفسير شئت أم أبيت. فالذي يقرأ الكتاب المقدس هو تحت رحمة المترجم (أو المترجمين)، فقد كان على المترجمين ان يقوموا ببعض الخيارات الاستنتاجية، في سعيهم لإيجاد حقيقة المعنى الأصلي الذي قصدته اللغة الأصلية العبرية أو اليونانية وهنا تأتي المشكلة.
إن استخدام ترجمة واحدة، مهما بلغت جودتها، من شأنها أن تُبقي القارئ ملزمًا بالخيارات الاستنتاجية (أي المتعلقة بالتفسير الاستنتاجي) لتلك الترجمة على انها كلمة الله. فالترجمة التي بين يديك قد تكون جيدة، بطبيعة الحال، ولكنها قد تكون ايضًا غير موفقة في بعض المواضع.
دعونا، على سبيل المثال، نأخذ الترجمات التالية لما جاء في 1كورنثوس 36:7
«ولكن إن كان أحد يظن انه يعمل بدون لياقة نحو عذرائه» {ترجمة فان دايك}.
«فإن ظن أحد انه يعاب في حق عذرائه» {الترجمة الكاثوليكية}.
«إن رأى أحد انه يسئ إلى فتاته» {الترجمة العربية المشتركة}.
«إذا رأى أحد أنه قد لا يصون خطيبته» {الترجمة اليسوعية الجديدة}.
«ولكن إن ظن أحد أنه يتصرف تصرفًا غير لائق نحو عزوبيته» {ترجمة كتاب الحياة}.
إن الترجمات الأولى والثانية والثالثة لا تساعدنا كثيًرا هنا لأنهم يتركون مصطلح “عذراء” والعلاقة بين “الرجل” و”عذرائه او فتاته” غامضتين. أمر واحد يمكن للدارس الاطمئنان إليه كليًا: وهو ان بولس الرسول لم يقصد ان يكون غامضًا، لكنه قصد إحدى الخيارات التي أوردتها مختلف الترجمات.
وقد فهم مؤمنو كورنثوس أثاروا الموضوع في رسالتهم قصده، وبالتأكيد لم يخطر ببالهم أي قصد أخر! وهنا علينا الإشارة إلى أنه لا يمكننا اعتبار أية ترجمة من الترجمات السابقة خاطئة، ذلك لأن كلًا منها يمثل خيارًا لغويًا ممكنًا من جهة ما عناه بولس الرسول. لكن في حقيقة الأمر، واحد فقط من هذه الخيارات هو «الصحيح». والمشكلة هي، ايها؟
هناك عدة أسباب تدل على ان المقصود «العذراء المخطوبة» اما بالنسبة لمن اعتاد على دراسة الكتاب المقدس فقط من ترجمة واحدة من الترجمات، فسينتهي الى تفسير قد لا يكون صحيحًا بالضرورة. وهناك اَلاف من الأمثلة الكتابية على مثل هذا الأمر، فما الحل؟
أولًا، ربما كان استخدامك لترجمة واحدة فقط عملًا جيدًا، شرط أن تكون الترجمة جيدة. وهذا من شأنه ان يساعدك على حفظ الآيات، وبعينك على التركيز والتتابع في قراءتك للكتاب المقدس. وإن كنت تسنخدم إحدى الترجمات الأكثر حداثة، فستجد فيها ملاحظات هامشية أو معلومات اضافية في الحواشي لتذليل الصعوبات.
لكن من الأفضل لك استخدام عدة ترجمات مختارة عندما يكون قصدك دراسة الكتاب المقدس. إن أفضل شيء يمكنك القيام به هو استخدام ترجمات تعرف مسبقًا باختلافها عن بعضها. فهذا من شأنه يلقي ضوءًا حين تكثر الصعوبات الاستنتاجية. وستحتاج في حل هذه الصعوبات عادة إلى اللجوء إلى كتب التفاسير.
لكن، أي ترجمة يتوجب أن تُستخدم، وأيها ينبغي ان تعتمده في دراستك هنا؟
لا يقدر دارس أن يجيب بالنيابة عن آخر. فاختيارك للترجمة يجب ألا يكون لمجرد أنك تحبها أو معتاد عليها.
نحن نتمنى لك أن تحب الترجمة التي تسخدمها، وأن تقرأها وأن تحفظ الآيات منها. لكن عليك أن تقوم باختيار مدروس للترجمة، ومن أجل هذا تحتاج لأن تعرف بعض الأمور من علم الترجمة نفسه وايضًا عن بعض الترجمات المتوفرة.
علم الترجمة
هناك نوعان من الخيارات على المترجم القايم بهما: الأول خيار متعلق بالنص والثاني خيار لغوي. للخيار الأول علاقة بالتعبير اللفظي الفعلي للنص الأصلي. أما الثاني فمتعلق بنظرية الترجمة التي يسير عليها المترجم.
قضية النص
ينصب الاهتمام الأول للمترجم على التأكيد من أن النص العبري أو اليوناني الذي يستخدمه هو أقرب للنص الأصلي. وسؤاله الدائم هو: هل هذا المزمور هو ذاك المزمور الذي كتبه صاحبه أصلًا؟ وهل هذه الألفاظ هي نفس الكلمات التي كتبها البشيران مرقس أو لوقا حقًا؟ وإن كانت كذلك فلماذا الشك بأنها غير ذلك؟
ومع أن تفاصيل مشاكل دراسة نص في العهد القديم قد تختلف عن مشاكل دراسة نص في العهد الجديد، إلا أن المشاكل هي نفسها على صعيد الدراستين، وذلك لأن:
- النسخ الاصلية للكتاب المقدس (المخطوطات) غير متوفرة.
- المتوفر هو الألف النسخ (بما فيها نسخ عن ترجمات قديمة جدًا) مكتوبة بخط اليد، ومنسوخة مرارًا عديدة أيضًا بخط اليد وعلى مدى حوالي ألف وأربعمائة سنة.
- وجود علم النقد النصي، وهو العلم الذي يحاول اكتشاف النصوص الأصلية للوثائق القديمة. إن غايتنا من هذا الكتاب لا تتمثل في تعليم القارئ مبادئ النقد النصي.
فهناك كتب متخصصة في هذا المجال. لكن غايتنا هي إعطاء بعض المعلومات الأساسية في مبادئ علم نقد النصوص، وذلك لتمكين القارئ من معرفة سبب حتمية قيام المترجمين بذلك، مما سيساعده على الاستفادة أكثر من الملاحظات الواردة في حواشي الترجمة التي يستخدمها.
أما بالنسبة لما نهدف إليه من هذا الفصل، فهناك أمران يجدر الانتباه إليهما:
الأمر الأول: إن نقد النصوص علم يعمل بضوابط دقيقة. ففيه يعتمد المترجم على نوعين من الأدلة أثناء اختياره للنص: الأول برهان خارجي (طبيعة ونوعية المخطوطة) والثاني برهان داخلي (دقة النُساخ في الكتابة).
وقد يختلف العلماء أو الدارسون أحيانًا في مدى الأهمية التي ينبغي منحها لكل من هذين النوعين من الأدلة، لكنهم يتفقون جميعًا على أن امتزاج الأدلة الخارجية القوية بالأدلة الداخلية القوية يجعل الاختيارات في معظم الأحوال امرًا يتسم بالسهولة، أما في باقي الحالات حين يتعارض هذان الخطان من الأدلة، تكون الخيارات أكثر صعوبة.
وهكذا وكما سبق وأشرنا، فيما يتعلق بالغالبية العظمى من المخطوطات المخالفة الموجودة بين المخطوطات، فإن اجتماع أفضل برهان داخلي مع أفضل برهان خارجي يمنحنا درجة عالية جدًا من اليقين حول حقيقة النص الأصلي. ويمكن أن يتضح هذا الأمر ألاف المرات بمجرد مقارنة الترجمات التي بنيت على مخوطات لاحقة أو غير دقيقة بترجمات معاصرة. وسنذكر هنا ثلاثة أمثلة لتوضيح هذه الفكرة:
1- صموئيل الأول 16:8
«شبانكم الحسان وحميركم…» (ترجمة فان دايك).
«… نخبة بقركم وحميركم…» (الترجمة العربية المشتركة)
النص الذي يورد كلمة «مواشي» مترجم عن الترجمة السبعينية التي تعتبر ترجمة يونانية معولًا عليها للعهد القديم، أما الترجمات التي تقول«شبائكم» فهي مأخوذة عن النص العبري، والخطأ الذي ارتكب أثناء نسخ النص العبري و الذي اعتمدت عليه الترجمات التي تقول «شبائكم» سهل الفهم. فالكلمة التي ترجمت إلى «شبائكم» هي كلمة عبرية تكتب هكذا «بحريكم» أما «مواشيكم» فتكتب «بقريكم» لاحظ كيف أن ارتكاب خطأ في نسخ حرف واحد قد غير المعنى.
2- مرقس 2:1
«كما هو مكتوب في الأنبياء…» (ترجمة فان دايك).
«كما كتب في كتاب إشعياء» (ترجمة كتاب الحياة).
«كما كتب النبي إشعياء» (الترجمة العربية المشتركة).
إن النص الموجود في كتاب الحياة والترجمة العربية المشتركة وارد في جميع المخطوطات اليونانية القديمة. وهو ايضًا النص الوحيد الشائع بين كل أباء الكنيسة، فيما عدا نص واحد، قبل القرن التاسع. ومن السهل رؤية ما حدث في المخطوطات اليونانية المتأخرة. فبما أن المقطع المقتبس هو مقطع يجمع ما بين نبؤتي ملاخي 1:3 وإشعياء3:40، فقد جاء ناسخ في وقت متأخر وبدل كلمة إشعياء بالأنبياء.
3- 1كورنثوس29:11
«لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق» (ترجمة فان دايك).
«لأن من الآكل والشارب…» (ترجمة كتاب الحياة).
إن كلمتي «بدون استحقاق» لا تردان في أي من المخطوطات اليونانية القديمة.
ويمكن تفسير وجود هاتين الكلمتين في الترجمات اللاتينية والمخطوطات اليونانية بأنهما قد أضيفتا بعد أن استعيرتا من عدد 27 حيث تُجمع كل المخطوطات المعروفة على وجود «بدون استحقاقا» هناك.
وهنا بجب أن نشير إلى أن المترجمين غالبًا ما يستخدمون نصوصًا يونانية وعبرية تكون قد أَخضعت إلى فحص دقيق وقاس من قبل العلماء والدارسين.
الأمر الثاني: مع أن نقد النصوص هو واحد من العلوم، إلا أنه ليس بالعلم الدقيق، وذلك لأنه مرتبط بالمتغيرات البشرية الكثيرة. فمثلًا عندما تقوم لجنة بالإشراف على الترجمة، يختلف المترجمون فيما بينهم حول تحديد المخطوطة المخالفة التي ينبغي اعتمادها كممثلة للنص الأصلي، وفي مثل هذه الحالة فإن ما يرد في النص الكتابي للترجمة هو اختيار لأغلبية المترجمين بينما اختيار الأقلية ستجده في الهامش. فعلى سبيل المثال ما ورد في 1كورنثوس 3:13.
«وإن سلمت جسدي حتى أحترق» (ترجمة فان دايك).
«سلمت جسدي حتى أفتخر» (الترجمة العربية المشتركة).
«سلمت جسدي حتى أحترق» (هامش الترجمة العربية المشتركة).
في الحقيقة ما حدث هو أن الفرق في اللغة اليونانية بين النصين هو حرف واحد. ولكل من النصين المخالفين ما يُدعمه من الدلائل القديمة، وفي كليهما صعوبة متأصلة في التفسير (لقد كتبت رسالة كورنثوس الأولى قبل أن يختبر المسيحيون الاستشهاد بالحرق بفترة كبيرة وكذلك ايضًا من الصعب إيجاد تفسير ملائم لمعنى الافتخار). هذا مثال لأحد المواضع التي تحتاج من أجل فهمها إلى كتاب شرح جيد يساعدك على تبني أحد الخيارين.
والمثال السابق سبب جيد للعودة بك الى الفصل السابق. ستلاحظ أن اختيار النص الصحيح هو إحدى المسائل المتعلقة «بالضمون». فعلى مَنْ يقوم بالتفسير الاستنتاجي الجيد ان يعرف – إن أمكن ذلك- ما هي الكلمات التي كتبها بولس الرسول أصلًا مع مراعاة النقطة الجوهرية لدى بولس الرسول هنا لن تتأثر إلا قليلًا في نهاية الأمر بذلك الاختيار. ففي كلت الحالتين، فإن بولس الرسول يعني أنه إذا ما سلم الإنسان جسده كتضحية كبيرة منه، أو شيء شبيه بذلك، ولكن لا محبة عنده، فكأنه لم يفعل شيئًا.
وهكذا، فإن ما نعنيه بالقول بإن على المترجمين القيام باختيارات نصية عديدة، يفسر أسباب اختلاف الترجمات أحيانًا وأسباب كون المترجمين أنفسهم مفسرين.
قضايا اللغة
إن نوعي الخيارين التاليين-اللفظي والنحوي- يأتيان بنا إلى علم الترجمة.
وللأمر علاقة بتحويل الألفاظ والأفكار من لغة الى أخرى. ولفهم النظريات المختلفة التي تشكل الأساس لترجماتنا الحديثة، ستحتاج إلى التعرف على المصطلحات الفنية التالية:
اللغة الأصلية: هي اللغة التي تتم الترجمة منها، وقد تكون العبرية، أو الآرامية، أو اليونانية.
لغة الاستقبال: اللغة التي تتم الترجمة إليها، وهي في حالتنا، العربية.
البُعد التاريخي: وهو يتعلق بالاختلافات القائمة بين اللغة الأصلية ولغة الاستقبال، سواء في مسائل الألفاظ أو النحو أو العبارات الاصطلاحية أو في مسائل البيئة والتاريخ.
نظرية الترجمة: لهذه النظرية علاقة بالدرجة التي يمكن الوصول إليها من أجل سد الفجوة بين اللغتين. فعلى سبيل المثال، هل ينبغي ترجمة كلمة «سراج» إلى «مصباح» للذين يعيشون في بيئة حل فيها المصباح الكهربائي محل السراج؟ أم ينبغي أن تترجم إلى «سراج» كما هي، مع ترك أمر سد الفجوة للقارئ نفسه؟ هلي ينبغي ترجمة «قبلة مقدسة» إلى «المصافحة باليدين» لأولئك الذين ينظرون إلى التقبيل في العلن كأمر غير مقبول؟
لاحظ كيف تنطبق هذه الاصطلاحات الثلاثة على نظريات الترجمة التالية:
الترجمة الحرفية: هي محاولة الترجمة مع الحفظ –قدر الإمكان- على الألفاظ نفسها والصياغة اللغوية ذاتها التي كانت في اللغة الأصلية، لكن مع جعل اللغة ذات معنى لقارئ لغة الاستقبال. إلا أن الترجمة الحرفية تُبقي على البعد التاريخي كما هو في كل الحالات.
الترجمة الحرة: فهي تحاول ترجمة الأفكار من لغة إلى أخرى، مع بذل اهتمام أقل حول استخدام نفس الألفاظ الواردة في اللغة الأصلية. وتسمى الترجمة الحرة أحيانًا (بإعادة الصياغة)، لمحاولتها إزالة البعد التاريخي قدر الإمكان.
التكافوء الديناميكي: وهو محاولة ترجمة الألفاظ والعبارات الاصطلاحية والبناء النحوي في اللغة الأصلية إلى ما يناظرها بدقة في لغة الاستقبال. تقوم مثل هذه الترجمة بالإبقاء على البعد التاريخي في كل المسائل التاريخية والواقعية، لكنها تقوم بتحديث مسائل اللغة والنحو والأسلوب.
يمكن وضع كل الترجمات تقريبًا على حظ واحد ابتداء من الترجمة الحرفية مرورًا بترجمة التكافؤ الديناميكي، انتهاء بالترجمة الحرة كما هو موضح في الشكل:
ترجمات حرة تكافؤ ديناميكي ترجمة حرفية
Philips LB |
GNB | NIV | RSV | KJV |
JB |
NAB | ترجمة كتاب الحياة |
NASB |
|
NEB |
ترجمة فان دايك | |||
الترجمة العربية المشتركة |
أما المترجمون فهم لا يواصلون دائمًا اتباع نظرية واحدة طول الوقت، لكن على واحدة من هذه النظريات أن تسيطر على أسلوب المترجمين الأساسي أثناء القيام بمهمتهم. كما أنه يمكن للترجمات أحيانًا أن تفرط في استخدام الطريقة الحرفية أو الحرة. وهنا نسأل: ما هي أفضل نظرية في الترجمة؟
ما تتميز به الترجمة الحرفية هو نقلها وترجمتها لما قالته المخطوطة اليونانية أو العبرية أساسًا. أما الترجمة الحرة فهي تساعد على حدث تفكيرك حول المعنى المحتمل لما يعنيه النص اليوم.
وهنا تكمن مشكلة الترجمة الحرفية في أنهاء تحافظ على البُعد التاريخي في اللغة والنحو، مما قد يؤدي بالمترجم إلى صياغة اليونانية أو العبرية إلى لغة عربية غير مألوفة لا في الكتابة ولا في التكلم. لنأخذ مثلًا يوضح ذلك من تكوين 5:4 حيث تقول الآية: «فاعتاظ قايين جدًا وسقط وجهه» بالطبع تعبير «سقط وجهه» ليس تعبيرًأ عاديًا مألوفًا في اللغة العربية لكن ترجمة كتاب الحياة قامت بترجمته إلى ما يناظره أو يكافنه في العربية فقالت «فأعتاظ قايين جدًا وتجهم وججه».
مشكلة أخرى نجدها في الترجمة الحرفية في كونها تجعل لغة الاستقبال غامضة أحيانًا، بينما كانت اليونانية أو العبرية واضحة تمامًا لمستمعيها آنذاك. فعلى سبيل المثال، في كورنثةس الثانية 16:5، تقول العبارة اليونانية (كاتاساركس) والتي يمكن ترجمتها حرفيًا إلى «حسب الجسد» كما في ترجمة فانديك والترجمة اليسوعية، ولأن العبارة غامضة بعض الشيء في ترجمة فانديك..
قد نسأل: ما المقصود «بحسب الجسد» أهو الذي ينبغي أن نعرفه (المعروف) أم الذي يعرف «العارف»؟ وهل المعرفة «حسب الجسد» تعني: «حسب المظهر الخارجي» أم تعني «المعرفة البشرية»؟
هذه المعنى نراه واضحًا في اللغة اليونانية، وقد قامت ترجمة كتاب الحياة بكتابه مفسرًا على الشكل التالي: «إذن منذ الأن لا نعرف احدًا معرفة بشرية». وقد جاءت الترجمة اليسوعية الجديدة مؤيدة لترجمة كتاب الحياة.
من جهة ثانية، فإن مشكلة الترجمة الحرة، خاصة في حالة القراءة بهدف الدراسة، هي في أن المترجم يضع أقوال الكاتب الأصلي في قالب عصري بشكل زائد عن المطلوب. زيادة على ذلك، فإن مثل هذه الترجمة تكاد تشبه كتب التفسير. ويقوم على العمل بالترجمة الحرة دائمًا مترجم واحد، وما لم يكن هذا المترجم ضليعًا في عملية التفسير الاستنتاجي وعارفًا بالمشاكل المختلفة في جميع الأجزاء الكتابية، فهناك خطر على القارئ بأن ينقاد بعيدًا عن النص ومعناه.
والطريقة التي تعالج بها الترجمات المختلفة موضوع «البُعد التاريخي» توضح وتُظهر عددًا من المشكلات التي يقابلها المترجمون.
الأوزان والمعايير والنقود: هذا مجال صعب بصورة خاصة. فهل يقوم المترجم بكتابة كلمات الأوزان والمقاييس من لغة كاليونانية أو العبرية (حومر، إيفة… إلخ) بلغة أخرى كالعربية أم يحاول إيجاد ما يناظرها أو يكافئها؟ وأن اختار المترجم استخدام الاختيار الثاني، فماذا يستخدم، «الرطل» و «القدم» أم «اللتر» و «المتر»؟
إن من شأن معدلات التضخم أن تجعل المترجم يضحك على قيمة العملات النقدية المكافئة بعد بضع من سنين. لكن تزداد المشكلة تعقيدًا عندما نعرف بأن الكتاب المقدس كثيرًا ما استخدام المقاييس أو العملات النقدية لإظهار الفوارق وإبراز النتائج المذهلة، كما في متى 24:18-28، أو إشعياء 10:5 وأن كتابة أسماء الأوزان والمعايير ونقلها كما في إلى اللغة الأخرى قد تتسبب في عدم انتباه القارئ إلى القصد من المقطع الكتابي.
إننا نؤيد فكرة استخدام الأوزان والمعايير والنقود المكافئة أو استخدام الوحدات في لغتها الأصلية مع تدعيمها بملاحظات هامشية. فهذا حل طيب في معظم الأحول. ومن ناحية ثانية، يفضل استخدام القيمة المكافئة لمقطع مثل إشعياء 10:5 ومتى 24:18-28 لاحظ المعنى الأعمق الذي تعطيه الملاحظات الهامشية الخاصة بالترجمة اليسوعية الجديدة وبترجمة كتاب الحياة وذلك بالمقارنة مع ترجمة فاندايك.
إشعياء 10:5
«لأن عشرة فدادين كرم تصنع بثًا واحدًا، وحومر بذار يصنع إيفة» (ترجمة فان دايك).
«فعشرة فدادين لا تنل سوى بث واحد (مئتين وعشرين لترًا) من النبيذ وحومر (عشر كيلات) من البذور ينتج كيلة واحدة» (ترجمة كتاب الحياة).
(بينما الملاحظة بين الأقواس في ترجمة كتاب الحياة توضح أن البث يعادل نحو مئتين وعشرين لترًا وأن الحومر يساوي عشر كيلات).
متى 18: 24، 28
«…قدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة… ولما خرج ذلك العبد وجد واحدًا من العبيد رفقائه كان مديونًا له بمثة دينار» (ترجمة فان دايك)
«أتي بواحد منهم عليه عشرة آلاف وزنة (الهامش: مبلغ باهظ يساوي آلاف الألوف من الليرات الذهب)… ولما خرج ذلك الخادم، لقى خادمًا من أصحابه مدينًا له بمائة دينار (الهامش:مبلغ زهيد بالنسبة للمبلغ السابق)» (الترجمة اليسوعية الجديدة)
التعبيرات المخففة: تقريبًا كل الترجمات تستخدم تعبيرًا ملطفة أو مخففة للأمور التي تتعلق بالمسائل الجنسية. على المترجم في هذه المسائل أن يختار واحدًا من ثلاثة خيارات:
- أن يترجم حرفيًا، مع أنه قد يترك القارئ في حالة ارتباك وحيرة.
- أن يترجم ما يناظر النص حرفيًا، لكنه قد يصيب القارئ بصدمة أو يؤذي مشاعره.
- أن يترجم النص بلغة مخففة على سبيل لطف التعبير.
ولعل الخيار الثالث هو الأفضل، هذا إن وجدنا هناك تعبيرًا لطيفًا مناسبًا، وإلا، فالأفضل تبني الخيار الثان، خاصة في الأمور التي لم تعد تحتاج إلى تخفيف أو تلطيف في اللغة المترجم إليها. فإذها قالت راحيل «عليّ العادة» (تك 35:31)، فهذا يعتبر خروجًا على المألوف، لذا يفضل استخدام الترجمة الحرفية كما جاءت في ترجمة فانديك، «لأن عليّ عادة النساء» وتُصر ترجمة فاندايك على استخدام الاصطلاح نفسه عندما تترجم تكوين 11:18 «… وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء».
بينما تظهر ترجمة كتاب الحياة حرية، إذ أنها تترجم هذه الآية قائلة: «وقد تجاوزت سارة سن اليأس». وفي صموئيل14:13 نقرأ «تمكن منها وقهرها واضطجع معها». بينما اختارت ترجمة كتاب الحياة أن تقول: «تغلب عليها واغتصبها».
مع كل ذلك فأحتمال الخطر وارد خاصة عندما يغفل المترجمون عن معنى بعض الاصطلاحات، كما ورد في ترجمات إنجليزية عن 1كورنثوس 1:7 «حسن للرجل ألا يتزوج». أما العبارة الأصلية والتي يوردها باقي المترجمين «حسن للرجل ألا يمس امرأة» فهي تعني أن لا يضاجع الرجل المرأة، ولا تعني البتة أي شيء له صلة بالزواج. على أن ترجمة إنجليزية وجدت تعبيرًا مخففًا يفي بالمعنى، وهو التعبير الأنجح فقالت «حسن للرجل ألا تكون له علاقات بامرأة».
المفردات اللغوية: عندما يتحدث الناس عن الترجمة، عادة ما يظنون أنها مهمة بسيطة تقتصر على إيجاد الكلمة العربية التي تعطي ذات المعنى الذي تعطيه الكلمة في العبرية أو اليونانية، إلا أن إيجاد الكلمة الصحيحة الدقيقة هو الذي يجعل من الترجمة شأنًا شاقًا. ومن أسباب صعوبة اختيار الكلمة المناسبة في اللغة المترجم إليها أنه يلزم اختيار كلمة لا تحمل من المعاني الضمنية ما هو غريب على اللغة الأصلية.
ويزداد الأمر تعقيدًا إذ أن بعض الكلمات العبرية أو اليونانية تحمل الكثير من المعاني التي يختلف مداها أو نطاقها عن أي شيء، في اللغة العربية. زيادة على ذلك، قد تحمل بعض الكلمات عدة ظلال للمعاني، كما قد تحمل معنيين مختلفين أو أكثر. أما تعمد جعل الكلمات عند ترجمتها تحتمل أكثر من معنى كما في لغتها الأصلية فهي عادة ما تكون مستحيلة عند الترجمة من لغة إلى أخرى.
ولقد سبق وذكرنا كيف اختارت بعض الترجمات أن تترجم كلمة «عذراء» في كورنثوس 36:7 وأشرنا في الفصل الأول إلى صعوبة استخدام بولس الرسول لكلمة «ساركس» (جسد) في حالات ترجمتها المختلفة وإلى أن إيراد كلمة مختلفة غير الكلمة الحرفية (جسد) تعطي معنى أفضل وهذا ما فعلته الترجمة التفسيرية (ت.ت) …
فقد تعاملت جيدًا مع هذه الكلمة بالذات وأعطتها تعبير «الناحية البشرية» في رومية2،1 عندما أشارت إلى نسل يسوع من داود، وأيضًا في كورنثوس 16:5 المشار إليها سابقًأ، سمتها «المعرفة البشرية» أيضًا كورنثوس الأولى 26:1 استخدمت كلمة «بشريته» وسمتها «جسد بشريته» في كولوسي 22:1.
النحو وتركيب الجمل: أن بعض اللغات تتشابه كثيرًا، إلا أن لكل لغة تراكيبها المفضلة حول كيفية ارتباط الكلمات والأفكار فيما بينها داخل الجمل. وهذه هي عينها المجالات التي يفضل أن يتم فيها استخدام نظرية التكافوء الديناميكي.
فالترجمة الحرفية تميل إلى إساءة استخدام أو تجاهل تراكيب لغة الاستقبال، وذلك بإقحام قواعد النحو وتركيب الجمل من اللغة الأصلية إلى اللغة المترجم إليها. وعادة ما يكون مثل هذا الاقتحام المباشر «ممكنًا» في لغة القارئ. ولكنه قلما يكون أمرًا مفضلًا عمله. لقد اخترنا من بين مئات الأمثلة، واحدًا من اللغة اليونانية واخر من العبرية.
- إن إحدى خصائص اللغة اليونانية هي ولعها بأسلوب «المضاف إليه» وهو الحالة الدالة على الملكية. والتي تستخدم، على سبيل المثال، كنعوت أو صفات، وذلك من أجل توضيح المصدر، أو تضمين علاقات خاصة بين أسمين …إلخ.
وعادة تقوم الترجمة الحرفية بترجمة هذه التراكيب كما هي مثل «جمر نار» رومية 20:12 أو «كلمة قدرته» عبرانيين 3:1، كلا المثالين قد ترجما في الترجمة اليسوعية الجديدة «جمرًا متقدًا» و «كلمته القديرة» وعلى هذا النحو، نقرأ في ترجمة فان دايك «صبر رجائكم» 1تسالونيكي 3:1 بينما نقرؤها في ترجمة كتاب الحياة «ثبات الرجاء».
ومن الجدير بالملاحظة في أنه يصعب في بعض الأحيان ترجمة المضاف والمضاف إليه من اللغة اليونانية إلى بعض اللغات الأخرى كما هو واضح في كورنثوس الأولى 9:3 فكل عبارة بولس الرسول في اليونانية جاءت في حالة الإضافة التى تعني الملكية فكما أن الفلاحة هي فلاحة الله والبناء هو بناء الله فكذلك بولس وأبولوس (نحن) هما عاملان ملك لله.
- في بعض الترجمات الحرفية للكتاب المقدس قام المترجمون في كثير من المرات باتباع ترتيب الكلمات العبرية بطريقة لا تجعل لغة الاستقبال في بعض اللغات سلسة أو مألوفة، فعلى سبيل المثال، هل لاحظت عدد المرات التي تبدأ فيها الآيات أو الجمل بحرف العطف (واو)؟
أقرأ الأصحاح الأول من سفر التكوين، ولاحظ بأن كل عدد تقريبًا في الأصحاح قد بدأ بحرف العطف (الواو)، وكذلك بدايات بعض الأسفار مثل يشوع وقضاة وصموئيل الأول وعزرا وراعوث وأستير الأمر الذي أدى إلى ركاكة في اللغة عند ترجمة هذه الأسفار إلى بعض اللغات وهذا الأمر غير ملحوظ في اللغة العربية حيث لا يُعد استخدام حرف العطف بهذا الشكل أمرًا غريبًأ.
والأن لا شك أيها القارئ العزيز في أنك قد تتساءل بشأن الترجمات العربية للكتاب المقدس. إذن ما هي الترجمة الأفضل؟ وهنا نقول بأنه لا يوجد جواب قاطع لهذا السؤال. فلكل ترجمة من الترجمات مزاياها وعيوبها. لكن من المؤكد أن استخدام أكثر من ترجمة عند قراءة ودراسة الكتاب المقدس يعاون على إظهار بعض المعاني التي قد تغفلها إحدى الترجمات.