ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (متى 24:1) – هل عرف يوسف مريم بعدما ولدت يسوع؟
هل تعني آية “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (متى 24:1) أن يوسف قد عرف مريم وتزوجها بعد ولادة يسوع؟ خاصة وأن يسوع قد دُعي “ابنها البكر” دالاً بالتالي على ولادة أخوة له من بعده؟
إن صيغة “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” تدل حتماً على الزمان السابق لكلمة “حتى eos”، ولا تعطي أية معلومات تفيد ما حدث بعد “حتى”. الإنجيلي متى هنا مهتمٌ بالتأكيد على بتولية مريم قبل الولادة تحقيقاً أشعياء 14:7. وبرأي معظم علماء الكتاب إن موضوع بتولية مريم بعد ولادة يسوع منها هو أمرٌ لا تفيد به هذه الآية.
لكن للكتاب استعمال معين لكلمة “حتى” يلقي المزيد من الضوء. فأولاً يستعمل كلمة “حتى” مع فعل بصيغة الإيجاب:
- “يُشرق في أيامه الصديّق وكثرة السلام حتى يضمحلّ القمر” (مز 7:72، السبعينية). ولا يعني هذا أن الصديّق وكثرة السلام سيغربان بعد اضمحلال القمر.
- “ها أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر” (مت 20:28). بالطبع سيظل يسوع معنا حتى بعد انقضاء الدهر.
ويستعمل الكتاب كلمة “حتى” مع فعل بصيغة النفي:
- “ولم يكن لميكال بنت شاول ولدٌ حتى يوم موتها” (2صمو 24:6). بالطبع لم تنجب ميكال بعد موتها.
إذاً، إن صيغة “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” لا تعني أنه عرفها بعد ولادة يسوع. الدراسة الكتابية على هذه الآية في الجزء الأول من شرح إنجيل متى للذهبي الفم تُظهر كيف أن الآية 25:1 وموضعها في الإصحاح الأول يشيران إلى أن متّى كان يقصد القول إن يوسف لم يعرف مريم لا قبل الولادة ولا بعدها.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال المتعلّق بكلمة “البكر”، فالكتاب المقدس نفسه أيضاً يجيب عليه. كلمة “البكر”، بالتعريف، تعني “كل فاتح رحم” (خرو 2:13)، لأن البكر الذكير هو مقدّس للرب، سواء أكان له أخوة من بعده أم لا. فالمولود الوحيد، بدون أخوة من بعده، يُدعى بكراً أيضاً. فقد كان لفرعون ابنٌ وحيد، ومع ذلك قُتل مع أبكار مصر. ويقول المزمور 27:98 عن دواد بن يسّى: “أنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض”.
كان داود أصغر أبناء يسّى. والله لم يعكس ترتيب ولادته هنا وإنما كان يتكلّم عن “بكورية” داود الروحية، عن مكانته المتميزة بين الآخرين. لهذا لكلمة “البكر” معنى مهم في الكتاب، إذ تشير إلى علاقة خاصة بين الله وبين شعبه. وعندما ينتهك البكر هذه العلاقة فإنه يفقدها، كما حدث عندما أُعطيت البكورية إلى يوسف بدلاً من راؤبين (1أخ 1:5-2).
من هنا نفهم لماذا استعمل متى كلمة “البكر” ليسوع. لأن يسوع هو الابن الأول لمريم، ولأنه كبكرٍ اشترانا وردّنا إلى مُلك الآب بعدما صرنا متغرّبين عنه (تث 23:25-24). لقد حقّق يسوع معاني لقب “البكر” ومهامه. ولم يقصد متى أبداً أن يقول إن مريم قد ولدت أولاداً بعد يسوع. هذه خيانة للاهوت متى وللكتاب نفسه.([1]) (د. عدنان طرابلسي)
([1]) راجع ملحق “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” (للدكتور عدنان طرابلسي) في الجزء الأول من شرح إنجيل متى للذهبي الفم.