الأناجيل المنحولة – ما هي الأناجيل الأبوكريفية (الباطنية) ولماذا رفضتها الكنيسة؟ وهل لهذه الكتابات أية فائدة؟ – د. عدنان طرابلسي
كلمة أبوكريفا Apocrypha اليونانية تعني “خفي، باطني، مجهول”. وقد سميّت الأناجيل الباطنية بهذا الاسم لأنها مشحونة بلاهوت وأفكار كاتبيها بصورة باطنية خفية تحت غطاء مسيحي خارجي. وقد درج استعمال تعبير الأناجيل المنحولة أيضاً لها إلا أن تعبير الأناجيل الباطنية أدق.
تتأّلف الاناجيل الباطنية من 22 وثيقة منفصلة، عشرة منها كُتبت منها باليونانية والباقية باللاتينية. يمكن تقسيم الأناجيل الباطنية إلى ثلاثة أقسام: 1-الأناجيل المتعلقة بقصة يوسف والعذراء مريم قبل ولادة الطفل يسوع، 2-الأناجيل المتعلقة بطفولة المخلّص، 3-الأناجيل المتعلّقة بتاريخ بيلاطس. أشهر الاناجيل الباطنية وأهمها هي: إنجيل يعقوب، إنجيل توما، وأعمال بيلاطس. كانت معظم هذه الأناجيل مكتوبة مع نهاية القرن الرابع الميلادي.
رفضت الكنيسة المقدسة اعتبار هذه الأناجيل قانونية لأسباب عديدة أهمها:
1- لم تتسلّمها الكنيسة من كتّاب معروفين موثوقين لديها، ولم تدخل في استعمالها فبقيت منبوذة.
2- لم تتفق مع تقليدها ولا مع الأناجيل الأربعة الرسمية المتعرّف بها في العالم المسيحي. فلما قيل لسيرابيون أسقف أنطاكية إنّ هناك إنجيلاً منسوباً إلى الرسول بطرس انصاع للخير. ولما اطّلع عليه وجده مخالفاً للتقليد فرفضه. الهراطقة استعملت هذه الكتابات فبقيت منبوذة.
3- إنها كانت ملوّثة بأفكار غير مسيحية، كالغنوصية أو اليهودية أو الوثنية مثلاً. وفي مجمع ترنت Trent اللاتيني، كان المقياس الأساسي لقبول أي سفر على أنه إنجيل قانوني هو استعماله المديد والشامل (في كل الكنائس وفي كل المناطق) في القراءة العلنية على الملأ. لهذا، إن تّم حديثاً اكتشاف سفرٍ قديم أصيل، فإن هذا السفر لن يُجمع مع الأناجيل القانونية الحالية لأنه لم يُستعمل ولم يُقرأ في الكنائس قديماً، ولأن “قانون” الكتاب المقدس قد أُغلق إلى الأبد.
بالنسبة لأهمية الأناجيل الباطنية، فإنه لا يوجد إنجيل واحد منها يخبرنا بمعلومة واحدة، تاريخية أو سواها، عن حياة الرب يسوع لم تخبرنا بها الأناجيل القانونية. أحياناً، قد تعطينا إحدى الأناجيل الباطنية (خاصة إنجيل توما) شكلاً لإحدى أقوال الرب أبكر من شكله المدوّن في الأناجيل القانونية. تمثّل الأناجيل الباطنية كيف كان مسيحيو القرن الثاني وما بعده، وأشباه المسيحيين من غنوصيين ومتهوّدين وسواهم، يظنّون بالمسيح، وكيف ملئوا تفاصيل تخيلية في سيرة حياته حيث تركت الأناجيل القانونية ثغرات، وكيف جعلوا المسيح ممثلاً وناطقاً للاهوتهم الخاص المختلف عن لاهوت الكنيسة الجامع. لهذا فأهمية الأناجيل الباطنية تنشأ من كونها تعطينا فكرة مهمة.
لفهم المجموعات الدينية التي ظهرت في القرن 2-4 والتي تأثّرت بالمسيحية، ولكنها ليس لها أية قيمة عملية في إعطائنا أية معلومات تاريخية عن الرب يسوع أو عن المسيحية قبل موت القديسين بولس وبطرس في الستينات. فقط القرّاء الذين لا يملكون أي اهتمام بقراءة الأناجيل القانونية (والذين لا تعني لهم هذه الأناجيل شيئاً مهماً لخلاصهم) هم عادة الذين يركضون إثر أي عمل جديد قد يشبع فضولهم ومخيلتهم بافتراض، مثلاً، أن المسيح قد نزل من الصليب، وربما تزوج مريم المجدلية وهرب إلى الهند!
الجدير بالذكر هنا أنه لا يمكن اعتبار كل محتوى الإنجيل الباطني مرفوضاً تماماً. لكن طالماً وُجدت فيه ولو معلومة واحدة خاطئة أو عير مسيحية فإنه يُعتبر، ككلٍ، أنجيلاً مرفوضاً كنسياً. فمثلاً، إن “إنجيل يعقوب Protevangelium of James” الباطني، الذي يعود تاريخه ربما إلى منتصف القرن الثاني، كان معروفاً أكثر من سواه من الأناجيل الباطنية في الكنيسة.
يخبرنا هذا الإنجيل عن مريم العذراء قبل بشارة جبرائيل لها. وعن اسمي والدَي مريم: يواكيم وحنّة (عيدهما في 9 أيلول)، وقصة تقدميها إلى الهيكل في عمر مبكر (عيده في 21 تشرين الثاني). لكن بما أن هذا الإنجيل، وسواه، لم يستوفِ شروط الأناجيل القانونية لهذا لم يُدرَج معها. (د. عدنان طرابلسي)