هل تناول يهوذا جسد المسيح ودمه في العشاء الأخير؟
هل تناول يهوذا جسد المسيح ودمه في العشاء الأخير؟
هل تناول يهوذا جسد المسيح ودمه في العشاء الأخير؟
ج54 — ينقسم علماء الكتاب المقدس إلى فريقين: فريق يقول إن يهوذا تناول من الافخارستيا (جسد المسيح ودمه)، وفريق يقول إنه لم يتناول. الذين يقولون إن يهوذا قد تناول من الافخارستيا يشيرون إلى (1 كورنثوس 11: 27—32) التي يتكلم فيها بولس بإدانة قوية لكل مَن يأكل الخبز ويشرب كأس الرب بغير استحقاق: “إذ أي من أكل (هذا) الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب… من أجل هذا كثيرون يرقدون”.
يقولون إن هذا إشارة إلى يهوذا الذي تناول بغير استحقاق ومات سريعاً بعد هذا. إنما هل يوجد وصفٌ إنجيلي دقيق يقول إن يهوذا تناول الجسد والدم؟ الجواب هو لا. يوحنا لا يصف الافخارستيا في العشاء الأخير ولا يمكن أن نستنتج شيئاً من ذكر اللقمة التي أُعطيت ليهوذا في (يوحنا 13: 26). فيسوع غمس في الصحن مع مع يهوذا في (مر 14: 18—21 ومت 26: 21—25) نجد أن تحذير يسوع الذي يتنبأ فيه بخيانة يهوذا (تحذير صريح في متى) قد سبق الكلمات على الخبز والخمر (مر 14: 22—25؛ مت 26: 26—29).
ولا واحد من هذين الإنجيليَين يصف انصراف يهوذا من الوجبة (مذكور فقط في يوحنا 13: 30)، ولو أن يهوذا لم يكن بين الرسل الذين ذهبوا مع يسوع إلى الجثسمانية (لكنه يصل متأخراً: مر 14: 43؛ مت 26: 47). إذاً لا توجد طريقة لمعرفة فيما إذا كان في ذهن مرقس ومتى أن يهوذا قد غادر بعد التحذير (وقبل الافخارستيا) أو بعد الافخارستيا.
أما وصف لوقا فيسبّب مشكلة: ففي لوقا إن تحذير يسوع المتنبئ بالخيانة (22: 21—23) يلي الكلمات على الخبز والخمر (22: 17—20). سيظن المرء أن يهوذا كان هناك أثناء التحذير وأثناء الافخارستيا. مع ذلك لا يذكر لوقا قط يهوذا بالاسم خلال العشاء.
يذكر لوقا أيضاً قول يسوع لتلاميذه بعد ذكره الويل على خيانته: “أنتم الذين ثبتّم معي في تجاربي، وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر” (لو 22: 28 و30). إن كان من المحتمل أن يهوذا قد تناول الافخارستيا ومن ثم سمع لعنة يسوع له، فهل غادر بعد اللعنة وقبل الوعد بالملكوت؟
علماء الكتاب المقدس حاولوا حلّ المسألة بإعادة ترتيب النصوص كالعادة. اقترح البعض وجبتين: كان يهوذا في الوجبة الأولى عندما قرر أن يسلّم يسوع، لكنه لم يكن في العشاء الأخير وبالتالي لم يتناول الافخارستيا. وقد أدلى البعض بدليلٍ على وجود وجبتين من كتابات القديس أفرام السوري[1] والقوانين الرسولية[2] التي تسمح بالتفريق بين ليلة غسل الأرجل وليلة الافخارستيا.
وحاجّ البعض أن (مر 14: 10—11) [ذهاب يهوذا إلى رؤساء الكهنة للاتفاق على تسليم يسوع] هو حدث قد ذُكر خارج الترتيب الزمني، لأنه بالأصل قد حدث في نهاية العشاء الأخير كما في (يو 13: 30). وبالتالي يفترضون ترتيب لوقا الأصلي أنه: (22: 25 و28—30؛ 21: 23؛ 3: 6؛ وبالتالي سلّم يهوذا يسوعَ بعد الافخارستيا. ربما شعر البعض أن تناول يهوذا من الافخارستيا عندما عقد العزم سلفاً على تسليم يسوع كان أمراً فضائحياً وبالتالي يجب تجنبه!
الأب اسبيرو جبور يرى أن يهوذا قد غادر العشاء الأخير في منتصفه قبل البدء بالاحتفال بالفصح اليهودي بالخاصة (بعد الأكل من صحن الأعشاب المرّة وقبل الافخارستيا[3])، بينما يرى الذهبي الفم (الموعظة 82: 1 على متى) أن يهوذا (والمسيح نفسه أيضاً) قد تناول من الأسرار. ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسية تذكر أن يهوذا قد تناول من الخبز السماوي: “إن يهوذا هو ابن الأفاعي… وكذلك هذا الردئ العبادة، إذ كان الخبز السماوي في فمه، صنع التسليم على المخلّص”[4]…
باختصار إذاً، لا يوجد دليل كتابي مباشر على تناول يهوذا من الافخارستيا في العشاء الأخير. (د. عدنان طرابلسي)
[1] Commentary on the Diatessaron 19.3-4
[2] Apostolic Constitutions 5.14.1-6
[3] اسبيرو جبور: “يا يسوعاه”، ص١١٢، ١٩٩٧ وهو خبير جدا بالاصول اليهودية
[4] قداس باسيليوس الكبير، يوم الخميس العظيم.