أبحاث

ما معنى عبارة “صوت صارخ في البرية” (متّى 3:3)؟

ما معنى عبارة “صوت صارخ في البرية” (متّى 3:3)؟

ما معنى عبارة "صوت صارخ في البرية" (متّى 3:3)؟
ما معنى عبارة “صوت صارخ في البرية” (متّى 3:3)؟

 

“وفي تلك الأيام جاء يوحنّا المعمدان يكرز في برّية اليهودية: قائلاً توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السماوات. فإنّ هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبيّ القائل صوت صارخ في البرّية أعدّوا طريق الربّ. اصنعوا سبله مستقيمة” (مت 1:3-3).

هكذا بدأت البشارة من أشعياء النبيّ المطلِقِ النداء منذ العهد القديم أي منذ عمل الروح القدس في الأنبياء معلناً مجيء المخلّص.

وجاء يوحنّا المعمدان يكرز في برّية اليهوديّة… آخر الأنبياء وأوّل الرسل قبل أن يعرف المسيح صار رسولاً له يعلن حضوره في اليهوديّة المختارة من قبِل الله الآب ليبشّرها بالابن المتجسّد بالروح القدس…

واليهوديّة هنا ليست المدينة الصغيرة. إنّها مجمل الأرض التي سكنها اليهود بعد سبيهم ورجوعهم إلى بلادهم وهي تضمّ في مجملها كل المدن والقرى…

حين مات هيرودس ظهر ملاك الربّ في حلم ليوسف في مصر وقال له قم وخذ الصبيّ وأمّه واذهب إلى أرض إسرائيل… وجاء إلى أرض إسرائيل لكنّه خاف فانصرف إلى نواحي الجليل وسكن في مدينة يقال لها ناصرة… حتى يُدعى المولود الجديد ناصرياً… وفي تلك الأيام جاء يوحنّا المعمدان ليكرز في بريّة اليهوديّة… ويقول، بل يصرخ، “توبوا”… فقد اقترب ملكوت السماوات…

“توبوا”… إنّها الدعوة الأولى للخلاص والرجوع إلى الإله…

كل ما في الإنسان من سقوط ينتفي بالتوبة… والتوبة خلاص من الحجر الذي إذا وقع على الأنسان يسحقه… هذا خوف الأنبياء الذي يسكن فيهم الروح القدس، على الناس من الموت الأبدي… وهذا ما قال عنه أشعياء النبيّ “صوت صارخ في البرّية أعدّوا طريق الرب”… هذا الإنذار، هذا الإعلان الإلهي كان منذ أول الدهور واليوم صار حقيقة بيوحنّا والإله. هذا هو يوحنّا المعمدان المنبئ بالمسيح (الآتي) الذي يطلب من الناس التوبة والذي بإعلان الروح القدس عرف وجع الخطيئة وارتعدت فرائصه من جحيم الدينونة التي كشفها له الإله فخاف على شعبه ودعاه إلى التوبة… هذا هو الذي أعلن عنه النبيّ أشعياء أنّه الصوت الصارخ في “البرية”…

أيه برّية هي هذه التي يتكلّم عنها يوحنّا ويصرخ فيها؟!

هو العارف بالروح القدس أنّ الإله تجسّد وهو مسؤول عن الإنباء عنه… هو عارفه لأنّه التقاه وسجد له وهو في حشا أمّه أليصابات عندما زارتها مريم نسيبتها لتخبرها بحبلها من إعلان الملاك جبرائيل لها بالإله المخلّص… هذا هو صديق العريس الذي التقي العريس في الحشا البتولي وهفّ وهو في بطن أمّه ليسجد له أيضاً وأيضاً… هذا هو الذي أعطاه الحياة وأعطاه تالياً الروح القدس إذ التقاه… فتّق عتمات البطن البتولي ورأى ما في داخله… الإله الطفل المتجسّد والآتي لخلاص العالم…

أوّل لقاء ليوحنّا مع المسيح كان في الحشا… “من البطن عرفتك”… والمعرفة لا تتم إلاّ بالرضى الإلهي وبالنعمة المعطاة للإنسان بالروح القدس… والطفل الإلهي عرف يوحنّا… كان له أن يباركه وهو في حشا أمّه أليصابات حتى ينزل عليه الروح القدس فينمو ويكبر بعيداً عنه بالجسد وقريباً منه بالروح القدس الحال فيه وعليه بلقيا الطفل الإلهي…

وكبر الطفل الإلهي. كذلك يوحنّا نسيبه وسابقه المبشّر به والتابع له، فالإله كان وهو كائن وسيكون منذ الأزل وإلى الأبد… بماذا عُرفَ يوحنّا؟!… كيف عاش؟! في الأناجيل نعرف أنّ هذا كان لباسه من وبر الإبل وحمل على حقويه منطقة من جلد. وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً… عاش يوحنّا في البراري، في الصحراء، في المغاور بين الجبال ودرس وتعلَم متثقفاً بالروح القدس وبإنعامات الإله في قلبه. لم يعرف ولم يعش حياة البذخ والغنى رغم راحة وضع والديه… حكم عليه منذ التقي الإله الطفل بالعفّة والطاعة والفقر… هكذا تربّى مثل سيّده وكان له إذ نما بالروح اتباع في الجبال والوهاد والبراري، أحسّوا بنعمة ونغمة الروح القدس الحال فيه فتبنوه… كان يوحنّا صوّاماً عن ذاته وفي المأكل. هكذا تنزّلت عليه النعمة وعاش ليخفّف إعلانات الربّ له، فيه ومنه لشعب إسرائيل…

والصوم بدء حلول الروح القدس في الإنسان للبشارة ليخرج من برّية نفسه، من إنسانه العتيق ليدخل سرّ المراعي الخضر التي يربُض فيها الإله. يوحنّا صرخ التوبة في برّية القلب القاسي الصخري قلب البشر وصرخها في البريّة حيث عدو البشر ليهلك العالم إذ يتسلل فيما بينهم… ليحوّل كل أشواك النفس والروح إلى أرض مخضوضرة بالمحبة والرفق والطيب العارفة الربّ وكلمته خلاصاً…

هكذا كانت بشارة يوحنّا توبة بدءاً لأنّ رأس الحكمة مخافة الربّ…

هكذا أعلن حربه على الملوك، على الرئاسات، على السلطات، على بني جنسه، على قومه وما زال صوته يصرخ مدوياً التوبة حتى الآن في ضمائر وقلوب وأنفس كل الذين يبتغون الخلاص بالربّ يسوع المسيح.

صوت يوحنّا، صوت الإنباء بالابن المتجسّد.

صوت يوحنّا صوت الذي التقي الابن في حشا الأم العذراء.

صوت يوحنّا صوت الذي حلّ عليه الروح القدس من البطن، في الحشا.

صوت يوحنّا صوت الحقّ الإلهي الذي لا يفتر ولا يتعب في الصراخ “توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات”.

صوت يوحنّا إعلان الحضرة الإلهية التي خبِرها وتنزّلت عليه.

صوت يوحنّا صوت انتظار الآتي والذي أفرغ ذاته أمام سيّده وخالقه قائلاً: أنا غير مستحق أن أحلّ سيور حذائه.

صوت يوحنّا صوت الشاهد للشهادة الوحيدة الحقّ في العالم.

صوت يوحنّا صوت الطاعة في رفع اليد المائتة لتعميد معمّد الكون.

صوت يوحنّا صوت الضعف البشري الذي وبعد أن عمّد الإله أرسل يسائله، أأنت هو الآتي أم تنتظر آخر؟!…

لذا قال الربّ عنه: يوحنّا أعظم مواليد النساء لكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه.

هكذا يبقى يوحنّا حاملاً الروح القدس والقصد الإلهي له في اختياره ليحمل البشارة بالمسيح المخلّص فيبشّر برّية العالم والقلب البشري بتفجّر ينبوع الحياة للكون بولادة الإله.

وهكذا يبقى آخر الأنبياء وأوّل الرسل سعي قداسة حتى يخرج من ترابيّة جسده وضعفه الذي للإنسان فيمتلئ كلّه ويصير روح قدس ساكن الأخدار السماويّة.

هكذا يبقى صدى صوت يوحنّا نداء ومنخساً لكل طالب وجه الربّ للخلاص. (الأم مريم زكا)

“لا يليق بنا أبداً أن نحتاج إلى معونة الكلمة المكتوبة، بل يليق بنا بالحري أن نّبدي حياة طاهرة جداً، بحيث تكون نعمة الروح القدس بديلاً من الكتب المكتوبة، حتى تكون قلوبنا منقوشة بالروح كما أن هذه الكتب مسطورة بالمداد. لكن، بما أننا أقضينا نعمة الروح هذه عنّا، هلّموا نسلك في هذا السبيل الثاني، سبيل الكتب المقدسة” (القديس يوحنا الذهبي الفم)

“باركي يا نفسي الربّ، ويا جميع ما في داخلي اسمه القدوس” (مزمور 102، صلاة السحر)

مامعنى عبارة ” صوت صارخ في البرية ” (متى 3:3)؟