أفضل طريقة لدراسة الكتاب المقدس في الكنيسة الأرثوذكسية – د. عدنان طرابلسي
أفضل طريقة لدراسة الكتاب المقدس في الكنيسة الأرثوذكسية - د. عدنان طرابلسي
أفضل طريقة لدراسة الكتاب المقدس في الكنيسة الأرثوذكسية – د. عدنان طرابلسي
ما هي أفضل طريقة لعقد “دراسة الكتاب المقدس” في الكنيسة الأرثوذكسية؟ ما هي معاير التفسير التي يجب أن نتبعها؟
خارج الولايات المتحدة نادراً ما ينخرط المسيحيون الأرثوذكس في مجموعات لدراسة الكتاب المقدس. بالطبع توجد استثناءات، مثلاً في حلقات الدراسة التي قادها مرة الأب ألكسندر مين في روسيا، أو في مجموعات دراسية صغيرة في بعض رعايا رومانية معينة. بصورة نموذجية، إن الأرثوذكس يتعلّمون عن الكتاب المقدس بواسطة طريقتين: إما من خلال القراءة الشخصية، أو في إطار الخدم الليتورجية. على كل حال، تبدو القراءة الشخصية للكتاب المقدس اليوم أنها موضع إهمال متزايد من قبل المؤمنين.
والنتيجة هي أن المؤمنين قد يكونون على إطلاع على قصص الإنجيل المقروءة في القداس الإلهي يوم الأحد أو خلال أسبوع الآلام. مع ذلك، إن جزءاً كبيراً من الإنجيل، وجزءً أكبر من الرسائل لا يُقرأ ولا يُسمع. (على سبيل المثال: إن نص بأهمية 1كورنثوس 13 لا يُسمع قط في خبرة المرء في الكنيسة؛ وعندما تُقرأ منتخبات من الرسائل في الكنيسة، فإنها كثيراً ما تكون غير مفهومة للذين ليس لديهم فكرة عن سياق الكلام).
هذا يدل على أهمية إقامة حلقات دراسة الكتاب المقدس في كنائسنا بصورة جدية وذكية وشاملة. السؤال هو كيف يمكن لهذه الحلقات أن تُشكَّل بطريقة تثقّف وتهذّب المشتركين بها، وتخدم لتعمّق وتقوّي حياتهم الروحية؟
على عكس أخوتنا الكاثوليك والبروتستانت فإنه لدينا في التقليد الأرثوذكسي مصادر قليلة نسبياً يمكن أن تساعدنا لتحقيق هذه الغاية. بالحري توجد أعمال تقنية يمكن أن تُستعمل من قبل الكهنة وسواهم من الأشخاص المدرَّبين لإدخالهم إلى علم التفسير الكتابي الأرثوذكسي (مثلاً دراسات الأب ثيودور ستيليانوبولوس، ودراسات الأب جان بريك، ومقدمات العهد الجديد للبروفسور فيسيلين كيسيتش وكتابات البروفسور يوحنا كارافيدوبولوس، والأب V.Mihoc والأب توفانا بالرومانية).
ما يفيد دراسة الكتاب المقدس بصورة مباشرة أكثر هي سلسلة الأعمال المنشورة بالفرنسية من قبل الأرثوذكس مثل: Dieu est Vivant (الله الحي) في جزأين والمكتوبة للبالغين لمساعدتهم في تعليم عناصر الأيمان الكتابي للأطفال(15)، سوية مع أعمال قريبة منها على الليتورجيا، وكلها منشورة من قبل معهد سانت فلاديمير (نيويورك).
يمكن لكاهن الرعية (أو المرشد العلماني) المزوَّد بهذه المصادر أن يشكل حلقة ضمن الرعية مفتوحة للجميع، بهدف تقديم المشاركين بها إلى محتوى الأسفار المقدسة وإلى أهميتها في خبرتهم اليومية وفي العبادة. في البدء، يمكن للحلقة أن تجتمع في مساء يوم واحد كل أسبوع أو كل أسبوعين، مع الانتباه إلى أن المشاركين يدركون أن عليهم أن يقرأوا الكتاب المقدس والتفاسير به في البيوت وذلك للتهيئة للاجتماعات.
لا يوجد “أسلوب” ثابت لدراسة الكتاب المقدس يمكن أن ننصح به. فالحلقة نفسها عليها أن تقرر أية مقاطع من الكتاب المقدس تختار وأية مصادر أو أعمال أخرى ثانوية يمكن أن تكمّل القراءة الكتابية الرئيسية. يمكن للحلقة أن تبدأ بإنجيل مرقس لتُمسك بمسار عمل يسوع البشاري وبأهم عناصر تعليمه. إن “مختصر” الأناجيل مساعد بصورة خاصة لعقد مقارنات بين تلك الكتابات لفهم كيف اختار كل إنجيلي وعدّل التقليد المستّلم في تقديمه لحياة يسوع ولعمله.
من المهم أن نتذكر أن أقدم الكتابات في العهد الجديد هي رسائل الرسول بولس، بدءاً بالرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي (حوالي 50 م). حالما تستعرض الحلقة الخط العام لبشارة يسوع كما تقدّمها الأناجيل، فمن اللائق أن تدرس رسالة أو أكثر من رسائل القديس بولس الرسول. يمكن أن نجد مقدمات بسيطة مع حواشي مفيدة للنصوص الكتابية في مصادر مثل طبعات الكتاب المقدس الإنكليزية مثل:
Oxford Annotated Revised (or .New Revised) & Orthodox Study Bible
يجب أن نتذكر أيضاً أن دراسة الكتاب المقدس تتطلب أن تُعقد في جو من الصلاة. يمكن لقراءة الكتاب المقدس أن تكون (ويجب أن تكون) شكلاً من العبادة، وأن تبقى يقظة لحضور الله ولحركة الروح القدس بين أعضاء الحلقة. من المهم أذاً أن نبدأ وأن نُنهي بالصلاة، لا بالصلاة الروتينية الشكلية، بل بالتضرع الهادئ المتعبد، كما يحضّ القديس أفرام السوري رهبانه قائلاً: “كلما أمسكتم بالكتاب المقدس، صلّوا والتمسوا إلى الله لكي يكشف نفسه لكم”.
يجب أن نكون حذرين بخصوص المصادر الثانوية التي نستعملها كأدوات لمساعدتنا في قرأتنا. لا يوجد حتى بين اللاهوتيين الأرثوذكس اتفاقٌ دائمٌ حول معنى نص معين من الكتاب المقدس. لهذا فإن القيادة الخبيرة ضمن الحلقة الدراسية هي أمر أساسي لا مفر منه: مثل شخص أو أشخاص ذوي تدريب راسخ في اللاهوت الأرثوذكسي، والذين يستطيعون أن ينقّبوا بين التفاسير المتنوعة والاقترابات العامة للكتاب المقدس ليستخرجوا تلك التي تطابق بصورة قريبة جداً الرؤية أو المعاينة الروحية للشهادة الكتابية.
إن أفضل مرشد يُقدَّم لنا هو الآباء القديسين (ولو أنهم يختلفون فيما بين أنفسهم حول نقاط معينة). إنهم يساعدوننا نحو ما هو أساسي: أن نكتسب “ذهناً كتابياً”، موقفاً من الاحترام نحو كلمة الله كمصدر أساسي للوحي الإلهي. ليس أهم جانب من الدراسة الكتابية الوصول إلى تفسير مقبول لنصوص معينة.
أهم جانب هو الدخول في سرّ حضور الله وعمله الخلاصي ضمن التاريخ البشري وفي حياتنا الشخصية، لكي نفهم مشيئة الله ولنشارك في الفداء الذي صنعه بمقدار ما نستطيع، وأن نحمل الشهادة على محبته في يسوع المسيح، وأن نسمح لأنفسنا أن نكون “مخلوقين مجدداً” بقوة الروح القدس الساكنة داخلاً. هذا ممكن فقط بمقدار ما ننغمس في الأسفار الإلهية ليس كتأمّل بشري في الله، بل كمخاطبة شخصية من الله لنا، بهدف تغذيتنا وتحولنا بقوة كلمته. (الأب جان بريك)
“إذا كتب ملكٌ أرضي – قيصرنا – رسالةً لك، ألا تقرأها بفرح؟ بالتأكيد، بابتهاح عظيم وانتباه فائق. إن ملك السماء قد أرسل لك رسالةً، أنت الإنسان الأرضي المائت: مع ذلك فأنت تقريباً تستخف بعطية كهذه، بكنزٍ لا يُقدَّر بثمن. كلما تقرأ الإنجيل، يكون الله نفسه هو المتكلّم معك. وبينما تقرأ، فأنت تصلّي وتتحادث معه” (القديس تيخون)
“في بهاء قديسيك كيف أدخلُ أنا غير المستحق، لأنني إن اجترأتُ على الدخول معهم إلى الخد يُبكّتني لباسي، لأنه ليس هو لباس العرس، ويُقدَف بي من الملائكة مغلولاً. فطهّرْ يا رب أوساخ نفس وخلّصني، بما أنك مُحبٌّ للبشر” (صلاة الختن، أسبوع الآلام العظيم)
(15) تُرجم إلى العربية ونُشر من قبل دير مار الياس شويا البطريركي. يوجد في النسخة العربية (على الأقل) خطأ لاهوتي فاحش يُرجى تداركه في الطبعات اللاحقة. ففي الصفحة 296 يقول الكتاب: “والحال أنه عندما قصد يسوع يوحنا ليعتمد، ظهر الروح الذي يحلّ على “الابن” منذ الأزل، على هيئة حمامة، دالاً بذلك على تقديس الطبيعة البشرية التي كان ابن الله قد اتخذها، وعن تأليهها وتطهيرها بتغطيسها في الأردن…” هذا كفر.
إذ كيف تتقدّس طبيعة يسوع البشرية وتتألّه بتغطيسها في الأردن؟! طبيعة يسوع البشرية تقدّست وتألهت باتحادها بالطبيعة الإلهية، فصارت هي مصدر قداسة ونعمة، وهي التي تقدّس نهر الأردن، لا العكس!!!! (المحرر)