الطوفان وجلجامش، ولادة موسى وسرجون الأكادي، قيامة المسيح وأدونيس – كيف نفهم هذه التشابهات؟
الطوفان وجلجامش، ولادة موسى وسرجون الأكادي، قيامة المسيح وأدونيس - كيف نفهم هذه التشابهات؟
الطوفان وجلجامش، ولادة موسى وسرجون الأكادي، قيامة المسيح وأدونيس – كيف نفهم هذه التشابهات؟
كثيراً ما يُصيب قرّاءَ الأسفار العبرية (العهد القديم المسيحي) والعهد الجديد الفضول، ما لم يكن الاضطراب، بسبب التوازيات التي يجدونها بين هذه القصص (الأساطير، الخرافات، لكن أيضاً القصص التاريخية) الناشئة في تقاليد دينية معاصرة أو قديمة. ربما يكون أوضح تواز هو بين قصة الطوفان في تكوين 6-9 وملحمة جلجامش البابلية القديمة. توجد قصص أُخرى موازية مثل ولادة موسى وما يشابهها من قصة ولادة سرجون الأكادي (سرجون الأول)، والأسطورة المتنوعة من موت وقيامة الآلهة (دوافع زراعية) قد أثّرت، كما يجادل بعض العلماء، في صياغة تقليد العهد الجديد عن قيامة يسوع.
توجد تفاسير متنوعة لهذه التقاليد المختلفة، ولا يتفق علماء الكتاب فيما بينهم حول طريقة ترابطها. بالنسبة لتقليد نوح، نعرف الآن أنه كانت توجد قصص طوفان عديدة متداولة في الشرق الأدنى القديم وتحمل ملامح مماثلة. (أيضاً هي سائدة في استراليا وأمريكا: فوجئنا عندما صادفنا بين سكان ألاسكا الأصليين قصة طوفان، مماثلة لتقليد العهد القديم إنما مستقلة عنها). ساد الاعتقاد زماناُ طويلاً أن القصة الأصلية هو الموجودة في سفر التكوين.
لكننا نعرف الآن أنه توجد تقاليد أقدم، مماثلة جداً للتكوين، قد نشأت في الحضارات السامرية والبابلية. في ملحمة جلجامش البابلية، يُخلَّص أتنابشتيم مع عائلته وأحياء آخرين خلال الطوفان، والقصة مماثلة جداً لقصة نوح الكتابية حتى في التفاصيل الصغيرة.
هل كان يوجد طوفان فعلاً (غمر ربما وادي ما بين النهرين؛ إن حقيقة أن تقليد الطوفان غير معروف عملياً في أفريقيا ومعظم أوروبا وآسيا تشير إلى أن الطوفان كان نسبياً طوفاناً محلياً)، أو هل صورة الطوفان والقضاء على الشر وتخليص بارًّ واحد (مع عائلته وأحياء مختارين) هي نوع من “النموذج”، أو الصورة الأولية لحقيقة صاغتها الظروف التاريخية، إنما تنتمي بالنهاية إلى المصير البشري العام: الخلق، السقوط، الدينونة، إعادة الولادة، وإعادة الخلق؟
بالنسبة لقصة ولادة موسى، يمكننا أن نشير إلى حقيقة أنه في غابر الأزمان كان الأشخاص البطوليون المتنوعون كثيراً ما يخدمون كنماذج لتطور تقاليد متعلقة بأشخاص واقعيين لعبوا دوراً مهمّاً في تاريخ مجموعة اجتماعية ما. ففي إسرائيل، كان موسى معروفاً تقليدياً كقائد يتمتع بتأثير مواهبي استثنائي. كان من الطبيعي جداً أن تُضاغ القصص (المنقولة شفوياً والمعرَّضة لتعديل مهم من جيل إلى جيل) بالإشارة إلى أشخاص بطوليين آخرين.
ونحو نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد تطورت مجموعة من التقاليد حول شخص سرجون الأكادي، مؤسّس مدينة بابل العظيمة في ولاية أكاد. وبحسب هذه الروايات فإن الطفل سرجون قد خُلِّص من مياه الفرات. من الواضح أن هذه القصة أثّرت على الطريقة التي بها استعرضت التقاليد الأولى (بناء على تذكّر تاريخي، لكن المتلوّن بتصحيحات أسطورية) الإنقاذ العجائبي لموسى من نهر النيل.
توجد حدثية مماثلة تبدو أنها فاعلة عندما صيغت تقاليدٌ في الأجيال الأولى للكنيسة الأولى والمتعلقة بولادة يوحنا المعمدان وولادة يسوع نفسه. هذه التقاليد مبنية على تذكّر تاريخي: لكنها تأثّرت بتقاليد أخرى ذات أهمية، خاصة قصص ولادة صموئيل. يجب أن نتذكَر أن هدف المؤلِّفين الكتابيين لم يكن بالدرجة الأولى أن يستعرضوا “تاريخاً” كما نفهمه اليوم. كان الهدف هو أن يُعلنوا حقيقة أسمى، متعلقة بالطريقة التي بها يعمل الله ضمن تاريخ شعبه، لتحقيق خلاصهم.
ولو أن بعض التفاصيل قد تكون مشتقة من مصادر غير تاريخية، وقد تكون عناصر تقليد ما قد زخرفت تقاليد أخرى في سنوات لاحقة، إلا أن هذا لا يُنقص من قيمتها كوحي: أو بمقدار ما “حدث فعلاً”، كطريقة الله في العمل ضمن الحياة البشرية لكي يتمّم عمله الخلاصي.
هل يمكننا أن نقول الأمر نفسه بخصوص التوازيات ما بين قيامة يسوع و”قيامة” أشخاص آخرين، خاصة من الديانات السرّية الهلّينية؟ نعم، إنما يحتاج الجواب إلى تعليق. إذ يوجد “نموذج” من “الموت والقيامة” هو أساسي للوعي البشري. ففي المجتمعات الغابرة اتخذ هذا النموذج شكلاً ملموساً أكثر وضوحاً في الفترة الزراعية: الزراعة، والنمو، والحصاد، والزراعة مرة ثانية، والنمو الجديد، إلخ.
هذه هي الخبرة التأسيسية الكامنة وراء ما يُدعى “الأساطير الزراعية” للشرق الأدنى القديم، والمنعكسة أيضاً في سلالات معينة من الديانة الزرادشتية (Mithraism). الفكرة الأساسية هي أن إلهاً أو شخصية ذات ألوهية جزئية تنزل إلى الموت وتُقام ثانية إلى حياة جديدة. دار جدلٌ لسنوات كثيرة بين المفسّرين الكتابيين بأن قصة قيامة يسوع قد سُكبت على هذا الديانات السرية (المصرية، البابلية، الكنعانية).
ورغم أن الحركة العامة لقصة المسيح تقدّم شيئاً ما موازياً لهذه الأساطير القياسية (الولادة، الموت، النزول إلى العالم السفلي، القيامة)، إلا أن علماء الكتاب اليوم يدركون أن المعنى اللاهوتي لموت يسوع وقيامته هو فريد. إذ لا يوجد لقصة يسوع مماثل حقيقي آخر من حيث التأكيد على انتصار الله على الخطيئة والموت والفساد وإعلان هذا التأكيد، ومن حيث إمكانية الكائنات البشرية المشاركة بصورة كاملة في قيامة المصلوب وتمجيده.
ماذا تقول الكنيسة إذاً عن الروابط الواضحة، وإن كانت بالحري سطحية، ما بين الأساطير الغابرة والقصص الكتابية؟ إن الذين تكلموا عن هذا الموضوع (الأب سيرجيوس بولغاكوف مثلاً مع التقليد الآبائي) يعتقدون أن المشابهات التي تبدو في التقاليد غير الإسرائيلية وغير المسيحية، تمثّل في الحقيقة نبوات شاءها الله عن عمل يسوع المسيح المخلّص. إن ولادة موسى قد تكون قد صيغت حسب ولادة سرجون، وقصة نوح ربما تأثّرت بملحمة جلجامش، إلخ.
لكن، مثل قصة ولادة صموئيل، فإنه يجب أن تُرى هذه التقاليد كإعلانات نبوية للحقيقة الأعظم، للوحي الأعظم، في شخص يسوع المسيح. ولكي يؤكّد أن الله كان يهيّأ طريق المسيّا طوال تاريخ إسرائيل كله، فإن الله نفسه ألهم القصص، والحكايات الغابرة المتنوعة، والتي تخدم كنماذج بدائية للقصص الكتابية. وكما أن العهد القديم يتنبّأ بالعهد الجديد ويكتمل به، هكذا فإن هذه القصص خارج الكتاب – تُخبر سلفاً وتهيّأ – بطريق الرب (الأب جان بريك)
“أترون كم هو أمر خبيث أن تجرّوا أمور الإيمان إلى ميدان الفكر المجرد؟ هذا هو الإيمان: إنه ملاذ مقدس يعطي الأمانة التامة للنفس التي تثبت فيه، والتي منه تتخذ قوتها عندما تكون في وسط أعظم الصعوبات والضائقات؛ ومَن يتعلّق به ينقاد إلى الثقة، ويطرد القلق الذي يأتي من عمل الفكر المجرد” (القديس يوحنا الذهبي الفم)
“إذ قد عرفنا الأمور الظاهرة لموسى في العليقة، فهلمّوا نشاهد المعجزات الجارية برسوم مستغربة، لأنه كما سلمت تلك، كذلك حُفظت البتول لما حبلت بالنار، وولدت المحسن الحامل الضياء، وكذا مجاري الأردن لما تقبّلته” (سحر عيد الظهور الإلهي، الغطاس)
- مختصر تاريخ ظهور النور المقدس
- انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
- هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!
- عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث
- عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث