المسيح الدجال – ماهي صفاته وسبل تمييزه؟
من هو المسيح الدجال؟ ماهي صفاته وسبل تمييزه؟
لا نعرف ما إذا كان المقصود ب “المسيح الدجال” شخصاً أم روحاً منبثّاً في أشخاص. متّى الإنجيلي يتكلّم على “مسحاء كذبة” وأنبياء كذبة يُعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلّوا لو أمكن المختارين أيضاً (مت 24: 24)، فيما يوحنا الحبيب في رسالته الأولى يتكلّم على روح ضدّ المسيح “الذي سمعتم أنّه يأتي والآن هو في العالم” (ايو 4: 3). على أن ثمّة كلاماً عن أحد يأتي قبل المجيء الثاني للمسيح الربّ. هذا يتكلّم عليه بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي.
يقول إنّ المسيح لا يأتي إن لم يأتِ الارتداد، أولاً. المقصود بالارتداد تخلّي الكثيرين من المسمَّين مؤمنين عن إيمانهم بيسوع. ويرتبط الارتداد باستعلان مَن يسمّيه الرسول “إنسان الخطيّة، ابن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يُدعى إلهاً أو معبوداً حتى إنّه يجلس في هيكل الله كإله مُظهراً نفسه أنّه إله” (2تسا 2: 3-4).
ويستطرد الرسول في الكلام على إنسان الخطيئة هذا فيتحدّث عنه بصفته “الأثيم” ويقول إنّ الربّ سيبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه. ويصف مجيء “الأثيم” أنه سيكون “بعمل الشيطان بكل قوّة” وسيعطي آيات وعجائب كاذبة. كل الذين لم يقبلوا محبّة الحقّ بل سرُّوا الإثم ستنطلي عليهم خديعة الإثم وسيصدّقون الكذب. هؤلاء هم الهالكون، ومن سياق الكلام المرتدّون.
من جهة أخرى، قد يكون إنسان الخطيّة الذي تكلّم عليه الرسول بولس، هو إيّاه مَن وصفه سفر الرؤيا بأنّه “الوحش”. سفر الرؤيا، في الأصحاح 13، يقول عن الوحش إنّه سيجعل الجميع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد تُصنع لهم سمَةٌ على يدهم اليمنى أو على جبهتهم وأن لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلاّ مَن له السِمَة أو اسم الوحش أو عدم اسمه. ويضيف أنّ عدد الوحش هو عدد إنسان وعدده ستمائة وستة وستّون (رؤ 13: 16-18).
وإذا كان المسيح الدجّال هو إيّاه وحش سفر الرؤيا فإنّ التنّين، والمقصود به تقليدياً الشيطان، سوف يعطيه “قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً” (13: 2).
أداة “إنسان الخطيّة” الأولى هي الخديعة. لذا قد ينطبق عليه ما ورد في نبوءة دانيال أنّه “في الأمان يدمّر كثيرين” (دا 8: 25) وأنّه “يأتي بأمان ويستولي على المُلك بالخداع” (دا 11: 21).
بعامة، الحالة التي ستسود في الزمن ما قبل الأخير، أي قبل مجيء الربّ يسوع ثانية، والتي فيها يُعلن “الأثيم”، أو ربما، “المسيح الدجال” يمكن إيجازها استناداً إلى الكتاب المقدّس، بالتالي: كثرة الضلال. تزايد العنف والمجاعات والأوبئة والزلازل. يُسلِّم المؤمنون الضيق. يكونون مبغَضين من أجل اسم يسوع. يكثر الإثم. تبرد المحبّة. يعثر كثيرون. يشتهي المؤمنون أن يروا يوماً واحداً من أيام ابن الإنسان فلا يرون. لكنْ ستكون تلك الأيام محدودة.
في ذلك الزمان سوف يكون الناس محبّين لأنفسهم، محبّين للمال، متعظّمين، مستكبرين، غير طائعين لوالديهم، جاحدين، دنسين. لن يوحد فيهم الحنان ولا الرضى. لا يعرفون النزاهة ولا يحبّون الصلاح. سيكونون شرسين، خائنين، عنيفين، متصلّفين، محبّين للّذّات. ستكون لهم صورة التقوى لكنّهم سوف ينكرون قوّتها. يتعلّمون في كل حين ولا يستطيعون أن يُقبلوا إلى معرفة الحقّ. أذهانهم فاسدة ومن جهة الإيمان مرفوضون.
وسيكون وقت لا يحتمل الناس فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لأنفسهم معلّمين يصرفون مسامعهم عن الحقّ. سيكونون نفسانيّين لا روح لهم.
هذا من جهة أحوال الناس، أما من جهة العلامات الكونية فإنّ الشمس تُظلم والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوّات السماوات تتزعزع.
أما الساعة الأخيرة فلا أحد يعرف متى تكون. فقط ستكون لدينا علامات عامة. هذه متى رأيناها نعلم أنّه قريب على الأبواب (مت 24: 33، 36). ولكنْ “في ساعة لا تظنّون يأتي ابن الأنسان” (مت 24: 44). لذا علينا بالسهر والاستعداد. علينا أن نحترز لأنفسنا لئلا تثقل قلوبنا في السُكر وهموم الدنيا.
هذا وقد تناول العديد من آبائنا القدّيسين موضوع الزمان الأخير والمسيح الدجّال نظير القدّيس هيبوليتوس الرومي (+ 236 م) والقدّيس كبريانوس القرطاجي (+ 258 م) والقديس غريغوريوس اللاهوتي (+ 389 م) والقدّيس أندراوس القيصري (القرن 5 م) والقدّيس أفرام السوري (+373 م) والقدّيس يوحنّا الدمشقي (+ 749 م).
ومن المحدثين القدّيس ثيوفانيس الحبيس (+ 1849 م) والقدّيس أغناطيوس برينشانيوف (+ 1867 م) والقدّيس قوزما الأيتولي (+ 1779 م) والأب بائيسيوس الآثوسي (+ 1994 م). (الأب توما بيطار)
” لا شيء يحرك الخاطئ نحو التوبة مثل الأبدية، ولا شيء أكثر إفادة لكل مسيحي مثل تذّكر وتأمّل الأبدية. الأبدية تكبح الإنسان عن الخطيئة، وتهدّئ أهواءه، وتحوّله عن العالم وكل أباطيله، وتجعل قلبه متخشّعاً، وتولّد دموع التوبة، وتحثّه على الصلاة، وتصنع آهات حقيقية للقلب. تأمّل الأبدية وتذكّرها يمكنهما أن يصحّحا حتى أكثر الناس فساداً (القديس تيخون)
“وقبل أن نعود إلى الأرض، أهلّنا أن نرجع إليك” (صلاة السجدة، عيد العنصرة المجيد)