تعدد الزوجات عند المسيحين – زوجة أم زوجات؟ ماذا يعلمنا الكتاب المقدس حيال ذلك؟
زوجة أم زوجات؟ ماذا يعلمنا الكتاب المقدس حيال ذلك؟
تعدد الزوجات عند المسيحين – زوجة أم زوجات؟ [1] ماذا يعلمنا الكتاب المقدس حيال ذلك؟
في العام 1992 عرض التليفزيون الكندي تقريرًا عن رجل له 9 زوجات و63 ولدًا في أستراليا. لقد بدا الجميع سعداء خاصة وأن الحكومة الأستراليَّة كانت تدفع لهم حوالي ربع مليون دولار سنويًا. يا ترى ماذا كانت ستدفع الحكومة الأستراليَّة، لو كان الملك سليمان يحيا فيها وله المئات من الجواري والنساء!
تعود ممارسة الزواج من أكثر من امرأة (تعدد الزوجات) إلى أيام الإنسان الأولى على الأرض، فقد عرفت المجتمعات القديمة هذه الممارسة على نطاق واسع. وفي أيامنا ما زالت بعض المجتمعات تحافظ عليها، وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من حياتها وتقاليدها. إننا لا ننوي في هذا الفصل التحدث عن تاريخ هذه الممارسة ومناقشة سيآتها وحسناتها، لكن قارئ الكتاب المقدس قد يحتار عندما يقرأ عنها، خاصة وأن الله منذ أن خلق الإنسان أوصاه بالزواج من امرأة واحدة:
“فأوقع الرب سباتًا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحمًا وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من امرء أخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدًا واحدًا” (تكوين21:2-24).
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: “إذا كان الله قد أوصى بزوجة واحدة لآدم، فلماذا تزوج بعض المؤمنين مثل إبراهيم ويعقوب وغيرهما من عِدَّة نساء؟ هل تغيّر قصد الله مع الأيام؟
يخبرنا العهد القديم بأن أول ممارسة لتعدد الزوجات قام بها لامك الذي أتى من نسل قايين عندما تزوج من امرأتين هما عادة وصلَّة (تكوين19:4). لا نقرأ بعد هذه صبره وصبر زوجته في انتظار وعد الله لهما بولد، فأرادا أن يحققا بأنفسهما وعد الله! فطلبت سارة من إبراهيم أن يتزوج الجارية هاجر لينجب منها ولدًا (تكوين1:16-6).
أما الأشخاص الذين يخبرنا عنهم العهد القديم بأنهم تزوجوا من أكثر من امرأة واحدة، قبل انقسام مملكة إسرَإيل في العام 931 ق.م.، هم: لامك، ناحور (شقيق إبراهيم)، إبراهيم، عيسو، يعقوب، جدعون، يائير، إبزان، عبدون، شمشون، ألقانة، شاول، داود، سليمان. وبعد انقسام المملكة هم: رحبعام، أبيجيا، آخاب، يهورام، وربما يوآش (إذا كانت العبارة في 2أخبار الأيام2:24-3 “واتخذ له” تعود على يوآش).
على هذا الأساس يكون عدد الذين مارسوا تعدد الزوجات لا يتجاوز عددهم 18 و19 شخصًا في كل الحوادث المدونة في العهد القديم! هذا العدد ليس عددًا كبيرًا كما يظن أحيانًا. والآن أعود للإجابة عن السؤال الذي طرحته أعلاه بذكر الملاحظات التالية:
أولاً، إن قصد الله الواضح والمعلن في الكتاب المقدس هو الزواج من امرأة واحدة فقط. عندما سئل المسيح عن موضوع الزواج والطلاق، وجه المستمعين له إلى قصد الله في البدء أي عندما خلق الله آدم وحواء (متَّى9:19 قارب مع تكوين23:2-24).
وعندما أراد الله أن يصف علاقته مع كنيسته أو مع شعبه شبّه هذه العلاقة بعلاقة فرديَّة واحدة من الطرفين: الله الواحد والكنيسة الواحدة. ووجه الشبه هو أن الله كبعل (زوج) للكنيسة، بمعنى روحي، فهو يهتم ويعتني ويرعى الكنيسة، ومن جهة أخرى الكنيسة هي كالعروس (زوجة) ينبغي أن تكون وفيَّة وأمينة لله (أفسس23:5).
ثانيًا، هناك مبدأ هام في علم التفسير يقضي بالتمييز بين حالتين: الحالة الوصفيَّة والحالة الآمرة. يقصد بالحالة الوصفيَّة ذكر الكتاب المقدس لحادثة ما ليس على سبيل الأمر والوصيَّة، بل لمجرد ذكر الحادثة دون تعليق. أما الحالة الآمرة فهي عندما نجد أمرًا جليًّا أو وصية واضحة لاتباع أسلوب معين أو حذو مثال أحد الأشخاص. وبتطبيق هذا المبدأ على موضوعنا هنا نجد أن حوادث تعدد الزوجات تقع ضمن حدود الحالة الوصفيَّة، وليس الحالة الآمرة.
فإن مجرد سرد هذه الأحداث لا يقتضي التمثل بما حدث، وليس هناك من أمر واضح ومباشر من الله يوصي القيام بمثل هذه الممارسة.
ثالثًا، يحاول بعض الذين يدعون أن العهد القديم يعلّم بتعدد الزوجات الإشارة إلى عدد من النصوص. أشير إلى هذه النصوص معقبًا عليها باختصار:
أ – خروج 7:21-11. تتحدث هذه الآيات عن شراء أمَة وإذا رغب سيدها باتخاذها له زوجة ثم عدل عن رأيه فإن عليه أن يوفر لها حاجاتها. أما عن الكلمة المترجمة “معاشرتها” (الآية 10) فيجب أن تترجم “دهنها” أو “زيتها”.
ب – لاويين 18:18. لا توصي هذه الآية بتعدد الزوجات، بل تنهي عن الزواج من أخت الزوجة ما دامت الزوجة على قيد الحياة.
ج – تثنية 15:21-17. هذه الآيات هي تشريع لمصلحة الابن البكر للزوجة المكروهة. وهذا التشريع يصف حالة راهنة، ولا توجد فيه إشارة إلى أن الله سمح بتعدد الزوجات. يهدف هذا القانون، في حالة تعدد الزوجات، لضمان حق الابن البكر.
د – 2 صموئيل 7:12-8. لا يجب أن تؤخذ هاتين الآيتين بحرفيَّة جامدة. فقد وردتا ضمن نص غايته التعبير بأن الله أعطى داود الكثير من البركات والخيرات. وما يؤيد هذا الرأي هو أننا لا نقرأ أبدًا أن زوجتا شاول أصبحن ضمن عداد زوجات داود.
رابعًا، لقد منع الله منذ القديم تعدد الزوجات محذرًا من مخاطر ذلك (تثنية17:17)، والذين عصوا أمر الله حصدوا مغبة عملهم. أجل، لقد تزوج سليمان من 700 امرأة وكان له 300 من السراري ( 1ملوك 1:11-3)، ولكن كان ذلك هو السبب الرئيس في زيغانه عن عبادة الله الواحد واتباع عادات الأمم الوثنيَّة (1ملوك 4:11-13). ونتيجة لتعدد الزوجات برزت الخلافات والانقسامات العائليَّة ضمن الأسرة الواحدة (انظر على سبيل المثال: تكوين 31:29 و1 صموئيل 6:1).
إضافة إلى ذلك، فقد كان زواج إبراهيم دليلاً على ضعف إيمانه بقدوة الله على إعطائه نسلاً من صلبه (تكوين 1:16)، وداود لم يكن في وضع روحي محمود عندما قبل بتعدد زوجاته ( 1 صموئيل 42:25-43)، وتعددت زوجات يعقوب في وضع أظهر فيه موارباته وحيله (تكوين 23:29 و28).
أخيرًا، في العهد الجديد يؤكد يسوع المسيح عن إرادة الله الأصليَّة من ناحية الزواج، وهي الزواج من امرأة واحدة والاستمرار في الأمانة والإخلاص لها طوال الحياة. ومن الجدير بالملاحظة أنه حتى في كتب العهد القديم نجد التشديد على أهميَّة علاقة الارتباط من زوجة واحدة (راجع على سبيل المثال أمثال 15:5-21، مزمور 3:128، ملاخي 14:2).
في زمن كثرت فيه الخلافات العائليَّة، وانحطت فيه الحياو الزوجيَّة في كثير من المجتمعات، خاصة في الكثير من دول الغرب، على شباننا وشاباتنا العودة إلى الأصل الكتابي الذي يؤكد على زوجة واحدة لرجل واحد، وزوج واحد لامرأة واحدة. وهنا يأتي دور وأهميَّة التفكير والصلاة والمشورة قبل اتخاذ خطوة الزواج، ليكون الاختيار صحيحًا وليس متسرعًا. فلكي تستمر العلاقة الزوجيَّة يجب أن تبنى بالأولى على قرار سليم وأساس صحيح منذ بدايتها.
[1] يزخر العالم القديم بالتعاليم المفيدة عن العائلة، من أجل دراسة أكاديمية وعملية عن العائلة في العهد القديم راجع: R., S. Hess, & R., M, Daniel Carroll eds., Family in the Bible: Exploring Customs, Culture, and Context (Grand Rapids: Baker Academic, 2003), pp. 17-122.