المسيح في سفر دانيال (9: 1-2) ، (9: 20-27) – القمص روفائيل البراموسي
المسيح في سفر دانيال (9: 1-2)،(9: 20-27) – القمص روفائيل البرموسي
“فِي السَّنَةِ الأُولَى لِدَارِيُوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ نَسْلِ الْمَادِيِّينَ الَّذِي مُلِّكَ عَلَى مَمْلَكَةِ الْكَلْدَانِيِّينَ، فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنْ مُلْكِهِ، أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ الْكُتُبِ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ.” دانيال 9: 1-2
“وَأَنَا جِئْتُ (الملاك جبرائيل) لأُخْبِرَكَ لأَنَّكَ أَنْتَ مَحْبُوبٌ. فَتَأَمَّلِ الْكَلاَمَ وَافْهَمِ الرُّؤْيَا. سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الأَزْمِنَةِ. 6وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ».دانيال 9: 20-27.
تعتبر نبوة دانيال من أكثر النبوات التي تعطينا علامات دقيقة وواضحة لميعاد المجيء الأول للمسيا. ويعتبر دانيال النبي من الأنبياء الذين قدموا نبوات هامة لقيام مملكة مادي وفارس والمملكة اليونانية والمملكة الرومانية، في وقت كانت المملكة البابلية – التي سبقتهم جميعاً – في قمة قوتها. أيضاً تنبأ عن بعض الحروب والمعارك ومؤآمرات المملكة المصرية، والسورية لشق المملكة اليونانية، ثم انتزاعها بواسطة الرومان.
تنبأ أيضاً عن دور المكابيين أثناء هذا العصر. دقة دانيال الشديدة في تفاصيل نبواته، جعلت البعض يوجهون النقد لسفره فيما يختص بميعاد كتابة السفر، ويحاولون وضع تاريخ متأخر لكتابة السفر، لصالح أغراضهم الشخصية. لكن الحقيقة التي قدمها الكثير من العلماء، قدّروا على وجه الدقة أن سفر دانيال لم يُكتب بعد سنة 530 ق.م.
تاريخ نبوة دانيال هو “فِي السَّنَةِ الأُولَى لِدَارِيُوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ نَسْلِ الْمَادِيِّينَ الَّذِي مُلِّكَ عَلَى مَمْلَكَةِ” دانيال 9: 1- 2. هذا يعني أن الرؤيا التي رآها، حدثت في سنة 539 ق.م. أي بعد حوالي 66 أو 67سنة من ترحيل الدفعة الأولى من اليهود إلى بابل. في هذه الفترة قام دانيال بدراسة الأسفار المقدسة – كما ذكر – ومنها استطاع أن يفهم ماذا يقصد الرب بقوله ” عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ.” دانيال 9: 2.
واضح أن دانيال، من ضمن الأسفار التي درسها، سفر إرميا، ففي موضعين من سفر إرميا (إرميا 25: 10-14/ 29: 10-14)، تنبأ إرميا، أن السبي وخراب أورشليم سينتهي عند تمام سبعين سنة. أما الأسفار الأخرى التي درسها دانيال، فلا نستطيع أن نعرفها بالتحديد، لأنه لم يذكرها صراحة. ولكن تُوجد دلائل قوية تُشير إلى أنه درس أيضاً سفر إشعياء، حيث أن إشعياء ذكر اسم “كورش” على أنه الشخص الذي سمح لليهود بالعودة (إشعياء 44: 28/ 45: 1).
وربما يكون قد درس أيضاً أسفار الأنبياء والكتب، في محاولة منه لمعرفة سرّ “السبعين سنة”، وكلها تُقرر أن شعب إسرائيل سيُقدم توبة ويعترف بخطاياه، ومن ثم يقبل الله صراخهم وتوبتهم وصومهم، ويعود الهيكل مرة أُخرى وتُبنى أورشليم قبل مجيء المسيا.
أسس هامة يتوقف عليها صحة طريقة الحساب
1 – كان ترحيل اليهود إلى بابل على ثلاثة دفعات: الدفعة الأولى، سنة 605 ق.م – الدفعة الثانية سنة 597 ق.م – الدفعة الثالثة سنة 586 ق.م
2 – الدمار الكامل والشامل للهيكل ولمدينة أورشليم كان سنة 586 ق.م والذي فيه تم ترحيل الدفعة الثالثة من اليهود إلى بابل: ففي سنة 588 ق.م وصل جيش من بابل مرة أخر، ووضع أورشليم تحت الحصار وأسقطوا القلاع الحصينة واحدة تلو الأخرى. بسبب ثورة قام بها اليهود الباقين بقيادة صدقيا ملك اليهودية. ومع أن أورشليم قد صمدت صمود الجبابرة في ذلك الوقت، لكن كان مصيرها محتوماً. وفي سنة 586 ق.م، بعد أن فرغ تموين الشعب فاقتحم البابليون الأسوار وهدموها إلى الأرض واندفعوا داخل المدينة وأحرقوا الهيكل عن آخره.
وقبضوا على خدام الهيكل ورجال الدين ورؤساء الشعب واستقدموهم أمام نبوخذنصّر وقتلوهم أمامه. وبقية الشعب رُحّل إلى بابل. ولم يبق في أورشليم سوى بعض الفلاحين والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة. وانتهت مملكة اليهودية وإلى الأبد.
3 – يجب عدم الخلط بين بياء الهيكل وبناء أورشليم (موضوع النبوة):
- فبناء الهيكل تم بأمر كورش الملك سنة 536 ق.م. وهذه المهمة قام بها زربابل ورئيس الكهنة يشوع، وكل من النبيين حجي وزكريا، وذلك في سنة 516 ق.م.
- بناء مدينة أورشليم، فقد تم بعد ذلك بعشرات السنين. وذلك بصدور أمر الملك الفارسي أرتحشستا في سنة 457 ق.م. والذي قام بهذه المهمة عزرا الكاهن، ونحميا النبي، والنبي ملاخي.
أولاً: طريقة حساب دانيال للسبعين سنة
حسب دانيال السبعين سنة ابتداء من سنة 605 ق.م، والتي فيها تم ترحيل الدفعة الأولى من اليهود إلى بابل. فتكون نهاية السبعين سنة، في سنة 536 ق.م. فاعتقد دانيال أن السبي سوف ينتهي بعد ثلاث سنوات (لأن النبوة أُعطيت لدانيال سنة 539 ق.م). ولكن الهيكل ومدينة أورشليم لم يُهدما حتى سنة 586 ق.م. (كما قلنا سابقاً).
ولو بدأت السبعين سنة، في سنة 597 ق.م، أي في السنة التي تم فيها ترحيل الدفعة الثانية من اليهود إلى بابل، فهذا يعني أن السبعين سنة، لم تكتمل عند سنة 515 ق.م (كما قلنا سابقاً أن الهيكل بنى سنة 515 ق.م).
لكن دانيال النبي بدأ حسابه بسنة 605 ق.م (أي سنة الترحيل الأول)، وليس سنة 597 ق.م (أي سنة الترحيل الثاني)، ولا سنة 586 ق.م (أي سنة الدمار الكامل والترحيل الثالث). لم يتوقع دانيال – فقط – أن السبي سينتهي بعد سبعين سنة، بل أيضاً توقع نتيجة نهائية لإمكانية حدوث دمار آتٍ لأورشليم…
دانيال يحسب، كما لو كان تأسيس مملكة المسيا على وشلك الحدوث.
الملاك جبرائيل يُصحح لدانيال طريقة الحساب
“وَبَيْنَمَا أَنَا أَتَكَلَّمُ وَأُصَلِّي وَأَعْتَرِفُ بِخَطِيَّتِي وَخَطِيَّةِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَطْرَحُ تَضَرُّعِي أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِي عَنْ جَبَلِ قُدْسِ إِلهِي، وَأَنَا مُتَكَلِّمٌ بَعْدُ بِالصَّلاَةِ، إِذَا بِالرَّجُلِ جِبْرَائِيلَ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي الرُّؤْيَا فِي الابْتِدَاءِ مُطَارًا وَاغِفًا لَمَسَنِي عِنْدَ وَقْتِ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ. وَفَهَّمَنِي وَتَكَلَّمَ مَعِي وَقَالَ: «يَا دَانِيآلُ، إِنِّي خَرَجْتُ الآنَ لأُعَلِّمَكَ الْفَهْمَ….” دانيال 9: 20-22.
لقد تضرّع دانيال إلى الرب وطلب رحمته، وكانت ثقة دانيال في أن الرب يسمع له، لا من أجل برّ شعب إسرائيل بل من أجل أن الرب نفسه هو بار. طلب الرحمة لشعب إسرائيل معتمداً على مراحم الله الواسعة، رغم أن إسرائيل لا يستحق الرحمة. علاوة على ذلك، أن برّ الله يفرض تحقيق وعوده، ولهذا ينبغي أن يعمل كي تنتهي السبعين سنة.
من أجل هذا، جاءت خاتمة صلاة دانيال مثيرة جداً “يَا سَيِّدُ اسْمَعْ. يَا سَيِّدُ اغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَاصْنَعْ. لاَ تُؤَخِّرْ مِنْ أَجْلِ نَفْسِكَ يَا إِلهِي، لأَنَّ اسْمَكَ دُعِيَ عَلَى مَدِينَتِكَ وَعَلَى شَعْبِكَ” دانيال 9: 19. عندما سأل دانيال الرب أن “لاَ تُؤَخِّرْ”، فهذا يجعلنا نفكر مباشرة أن دانيال يسأل الرب من أجل أن يكون حساب السبعين سنة يبدأ من سنة 605 ق.م وليس من سنة 597 ق.م أو من سنة 586 ق.م .
لكن بينما هو يصلي ظهر له الملاك جبرائيل “عِنْدَ وَقْتِ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ”، هذا يشير إلى الذبائح اليومية المنتظمة في المساء والصباح، التي كانت تُقدم أثناء وجود الهيكل. رغم أن دانيال لم يُشاهد هذه الذبائح لمدة طويلة جداً…، لأنه هو نفسه – في ذلك الوقت – كان أيضاً في السبي. كان لدى دانيال تشوّق للعودة من السبي وإعادة بناء الهيكل، بتذكّره الذبائح.
أخبر الملاك جبرائيل، دانيال النبي أن مجيئه له، ليُصحح له مفهومه فيما يتعلق بإعادة بناء الهيكل ومدينة أورشليم. وليُقدم له رؤية إلهية تحتوي على جدول زمني، كنبوة لتحديد ميعاد المجيء الأول للمسيا.
النبوة تبدأ بقول الملاك جبرائيل “سَبْعُونَ أُسْبُوعًا قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ”. لقد افترض دانيال أن السبي سينتهي بعد نهاية ال 70 سنة، أيضاً المسيا سيؤسس مملكته بعد هذه ال 70 سنة. ولكن هنا الملاك جبرائيل يستعمل ألفاظاً قد تظهر للوهلة الأولى أنها ألغاز، فالملاك يُلفت نظر دانيال أنها ليست 70 سنة كما هو فهم، ولكن 70 أسبوعاً سنين… فالإجمالي هو 70 سنة x 7 = 490 سنة (حيث أن الأسابيع هو أسابيع نبوية أي أسابيع سنين).
هذه المدة “490 سنة”… “قُضِيَتْ” على الشعب اليهودي وعلى المدينة المقدسة أورشليم. فالكلمة العبرية حرفياً تعني “يُميت” أو “يقضي على” أو “يتخذ قرار بإنهاء”. في الأصحاح 2، 7، 8 الله يُعلن لدانيال بعض الأمور التي ستحدث في تاريخ العالم، ومنها أن الأمم الوثنية ستسيطر على شعب إسرائيل وتحكمه. هذه الفترة الطويلة، بدأت بالمملكة البابلية وستستمر حتى يأتي المسيا في مجيئه الأول. فمن الهام جداً أن نتذكر أن برنامج ال 70 أسبوعاً، أمر حساباته كلها تتعلق بالشعب اليهودي ومدينته أورشليم. أيضاً، هذا البرنامج، بالنسبة للكنيسة، أمر حساباته كلها تتعلق بالمجيء الأول للمسيا.
أحداث ال 70 أسبوعاً
الملاك جبرائيل أخبر دانيال النبي، إنه ستقع ستة أحداث في فترة ال 70 أسبوعاً، وهي:
1 – “لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ”:
الكلمة العبرية المُترجمة “تكميل” حرفياُ تعني “يُقيد بقوة” أو “يُقيد نهائياً”، وفيها دلالة على التصميم. أما الكلمة العبرية المُترجمة “معصية”، هي كلمة عبرية قوية جداُ للتعبير عن الخطية بإصرار، وتعني حرفياً “التمرّد وإعلان الثورة” أو “الخطية بالعمد”. وفي الأصل العبري، يستخدم اداة التعريف “أل” لتقوية المعنى وتحديد. وهو بذلك يُشير إلى أفعال محددة عن العصيان تؤدي إلى التقييد الكامل وتجلب نهاية.
أفعال العصيان هذه ستوضع تحت سيطرة كاملة، لدرجة أنها لا تزدهر بعد. عدم إيمان إسرائيل الآن هو وقوعهم تحت العصيان الكامل، وسيظل على علاقة مع نبوة إشعياء “وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ.” إشعياء 59: 20. تحديداً، هذا هو رفضهم للمسيا عندما يأتي.
2 –“تَتْمِيمِ الْخَطَايَا”:
الكلمة العبرية المُترجمة “تتميم” تعني حرفياً “يغلق عليه في السجن” أو “يمنع التسرب”. وهذه الكلمة تُستعمل عادة للتعبير عن وقوع الشيء تحت الملاحظة أو للإعتقال وعدم السماح له بالتجوال كيفما يشاء. أما الكلمة العبرية المُترجمة “الخطايا”، حرفياً تعني “يُخطئ إصابة الهدف”، وهي تُشير إلى خطايا الحياة اليومية، أكثر من أي خطية محددة. حتى هذه الخطايا سيُوضع لها نهاية وتُزال. أي يضع حداً للخطية أو يضع نهاية للخطية. وهذا سيتم عندما يموت المسيا من أجل ذنب شعبه. وعدم إيمان إسرائيل الآن.
هو بمثابة اعتقال حياتهم في سجن الخطية، وسيظل هذا على علاقة مع ما أعلنه إرميا النبي قائلاً: “هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لَيْسَ كَالْعَهْدِ الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ.” إرميا 31: 31-34.
3 – “لِكَفَّارَةِ الإِثْمِ”:
الكلمة العبرية المُترجمة “كفّارة” هي ” ك ف ر” ولها نفس جذور المعنى لكلمة “كيبور” المستعملة في “يوم الكفارة” أو “يوم كيبور”. إذا، الحدث الثالث، هو عمل كفارة بطريقة ما لمحو الإثم أو للتكفير عن الإثم.
والكلمة العبرية المُترجمة “إثم” تُشير إلى الخطايا الباطنية التي تشمل العقل والروح، وأحياناُ للتعبير عن الميول الشريرة. والمسيا هو وحده الذي سيقدم نفسه كفارة عن جميع أنواع الخطايا.
4 – “لِيُؤْتَى بِالْبِرِّ الأَبَدِيِّ”:
الترجمة العبرية، حرفياً تعني “يجعنا نحيا في عصر البر” حيث أن كلمة “Olam” العبرية تعني “زمن” أو “عصر”. هذا العصر الذي يُسمّى عصر البر، هو ملكوت المسيا الذي تكلّم عنه إشعياء في 1: 26/ إرميا 23: 5-6/ إرميا 33: 15-18. وهذه إشارة عن مجيء المسيح الأول، وتأسيس كنيسة العهد الجديد.
5 – “لِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُوَّةِ”:
الكلمة العبرية المستخدمة هنا “ختم” تُفيد “تتحقق بالكامل” أو “تتم بكل دقة”. أي أن هذه النبوة ستتحقق بكاملها، بكل دقة. “الرؤيا”، بالمعنى العبري تُشير إلى النبوة الشفوية، أما “النبوة” فتُشير إلى النبوة المكتوبة.
فكل النبوات الشفوية والمكتوبة، ستتوقف بالتميم النهائي لكل الإعلانات.
6 – “لِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ”:
إشارة إلى عملية الدهن بالمسحة المقدسة التي كانت تُستعمل في مسح الملوك والكهنة. ومنها جاءت كلمة “مشيح” أو “مسيح” أو “مسيا”.
وهذه تحققت في الرب يسوع عند عماده وحلول الروح القدس عليه. أما الكلمة “قدوس” فهي لا تُطلق إلا على الله وحده. وبذلك يُعلن الملاك، ألوهية المسيا.
تحديد ميعاد مجيء المسيا بالضبط
لقد قسّم الملاك جبرائيل ال 70 أسبوعاً إلى أربع فترات هي:
- الفترة الأولى: من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها، سبعة أسابيع.
- الفترة الثانية: من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى مسح قدوس القديسين، سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً.
- الفترة الثالثة: بعد إنتهاء ال62 أسبوعاً، يقطع المسيح.
- الفترة الرابعة: الأسبوع الباقي من ال 70 أسبوعاً، خراب أورشليم وإبطال الذبيحة والتقدمة. (ملحوظة: ال70 أسبوعاً هي أسابيع نبوية أي أسابيع سنين فال 70 أسبوعاُ هي “سبعون سبعات” من السنين”.
الفترة الأولى: سبعة أسابيع: تجديد وبناء الهيكل
بعد الرجوع إلى سفر نحميا (2: 1-8)، وسفر عزرا (7: 11-26/ 9: 9)، يتبين لنا أن الذي أصدر القرار ببناء وتجديد أورشليم هو الملك الفارسي، “أرتحشستا” وكان ذلك في سنة 457 ق.م. وبحسب نبوة دانيال: إنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها، فترة مدتها سبعة أسابيع سنين أي بعد 49 سنة (7 7).
إذاً، يكون تجديد وبناء أورشليم بحسب النبوة، هو مجموع (سنة 457 ق.م + 49 سنة)، أي في سنة 408 ق.م. وهذا ما تم بالفعل، إذ نقرأ في سفر نحميا وسفر عزرا، أن في هذه السنة تمت خلالها الإصلاحات بيد عزرا الكاهن، كما تم بناء السور بيد نحميا، الذي ذهب إلى أورشليم بإذن نفس الملك، في السنة العشرين لمُلكه (نحميا 2: 1). وقد تم أيضاً بناء ساحة كبيرة عامة في المدينة، ومجرى مائي حول السور. وبهذا تكون الفترة الأولى من النبوة قد تمت بصورة مذهلة للعقل وبدقة متناهية.
الفترة الثانية: مسح قدوس القديسين، (سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً)
هذه الفترة الثانية تلي الفترة الأولى مباشرة، ولذا جمعها معاً. فبحسب نبوة دانيال، عدد السنين من ابتداء صدور الأمر ببناء وتجديد مدينة أورشليم إلى مسح قدوس القديسين، هو:
سبعة أسابيع (سنين) + 62 أسبوعاً (سنين) = 69 أسبوعاً (سنين)
(7 * 7) + (62 * 7) = (69 * 7) = 483
بناء على ذلك، تكون السنة التي فيها مُسح قدوس القديسين، هي:
457 ق.م (سنة صدور القرار) + 483 سنة = سنة 26 أو 27 ميلادية.
بالضبط، هذه هي السنة التي اعتمد فيها السيد المسيح في نهر الأردن (مسح قدوس القديسين)، حيث نقرأ في إنجيل مرقس “وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يَسُوعُ مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ وَاعْتَمَدَ مِنْ يُوحَنَّا فِي الأُرْدُنِّ. وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ الْمَاءِ رَأَى السَّمَاوَاتِ قَدِ انْشَقَّتْ، وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلاً عَلَيْهِ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ:«أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».” مرقس 1: 9-11. وهو أيضاً تاريخ بدء خدمة السيد المسيح الجهارية (حيث كان عمر السيد المسيح وقتئذ 30 سنة), ولذا يعود فيقول ” مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ…… إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا” دانيال 9: 25.
بناء على هذا التاريخ (26 أو 27 ميلادية) أي تاريخ مسح قدوس القديسين، يُمكن تحديد تاريخ ميلاد السيد المسيح، كالآتي:
من خلال الأناجيل المقدسة، يتضح لنا أن هيرودس الكبير ملك اليهودية، مات بعد ميلاد السيد المسيح مباشرة. ومن الثابت تاريخياً أن هيرودس الملك مات سنة 749 من تاريخ إنشاء روما، والتي إذا حسبت بالتاريخ الميلادي، تكون سنة 4 أو 5 ق.م. بالتالي، أن السيد المسيح وُلد سنة 4-5 ق.م…
من خلال النبوة عرفنا أن سنة مسح قدوس القديسين، كانت 25- 26 ميلادية، ونحن نعلم أن السيد المسيح إعتمد في سن الثلاثين، فيكون ميلاد السيد المسيح هو 30- 26 أو 27 = 4 أو 5 قبل الميلاد.
وبذلك يكون مطابقاً للتاريخ السابق.
وهذا ما يقرره إنجيل لوقا “23وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ (خدمته) كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً” لوقا 3: 23.
ويُمكن إثبات صحة نبوة دانيال، عن مسح قدوس القديسين في سنة 26-27 ميلادية، بطريقة أخرى: فقد ذكر القديس لوقا في إنجيله “وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى…..اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ (مسح قدوس القديسين)… لوقا 3: 1-22. ومن الثابت تاريخياُ أن طيباريوس قيصر اعتلى العرش سنة 12 ميلادية، وبحسب الآيات السابقة، أن السيد المسيح اعتمد في السنة الخامسة عشرة من اعتلائه العرش:
إذاً، تكون السنة التي اعتمد فيها الرب يسوع (مسح قدوس القديسين) هي: 12 + 15 = سنة 26 أو 27 ميلادية.
والنتيجة الواضحة هي، لو لم يكن السيد المسيح قد جاء إلينا على الأرض واعتمد بعد حوالي 483 سنة من صدور القرار بتجديد وبناء مدينة أورشليم، لكان دانيال نبياً كاذباً، حاشا، لقد صدق دانيال في كل كلمة قالها، وها هي النبوة تتحقق بكل دقة….. هذا سؤال نوجهه للرابيين والشعب اليهودي الذي ما زال ينتظر المسيا.
الفترة الثالثة: بعد انتهاء ال 62 أسبوعاً، قطع المسيح
“وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ”
هذه الفترة الزمنية الثالثة، لا تلي مباشرة الفترة الزمنية الثانية في أحداثها.
الفترة الأولى، كانت عبارة عن سبعة أسابيع، يليها مباشرة الفترة الثانية، وهي عبارة عن 62 أسبوعاً (أو 69 أسبوعاً من صدور القرار)، والدليل على وقوع أحداثها مباشرة بعد الفترة الأولى، أن جمع الفترتين معاً، كما لو كانا فترة واحدة، حيث قال “أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبِنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ (مسح قدوس القديسين)، سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعًا” دانيال 9: 25 أي (7 + 62 = 69 أسبوعاً).
أما قوله عن هذه الفترة “وبعد وأ ح ر ي”، في الآية “وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعًا يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ” دانيال 9: 26. هذا يعني أن قطع المسيح لا يلي مباشرة مسح قدوس القدوسين، بل لكن هناك فترة قصيرة… أي بعد إكتمال ال 62 أسبوعاً، بفترة قصيرة، يُقطع قدوس القدوسين. ونحن نعرف أن السيد المسيح صُلب بعد ثلاث سنوات ونصف من بدء كرازته (عماده ومسحه). وبما أن القياس الزمني في النبوة أسابيع سنين، وفترة الثلاث سنوات ونصف، فترة قصيرة نسبياً – لا تُذكر – لذا اكتفى بالقول “بعد” أي “بعد إكتمال”.
وفي موضوع قطع المسيح، أريد أن أشرح نقطة هامة جداً: للأسف الكثير من الشراح قد اختلط عليهم الأمر في ربط قطع المسيح بإبطال الذبيحة والتقدمة. هنا نُلفت الانتباه بين إبطال الذبيحة والتقدمة من جهة الله والمؤمنين، وإبطال الذبيحة والتقدمة فعلياً من جهة اليهود الرافضين للمسيا… فبموت السيد المسيح على الصليب، وضع حداً للفرائض الطقسية بالناموس، وأبطل الذبيحة والتقدمة،، لا عن طريق منعها، وإنما بتقديمه ذاته ذبيحة حقيقية عن كل البشر على الصليب.
وبذلك، أصبحت ذبائح وتقدمات العهد القديم – من جهة الله والمؤمنين بعمل المسيح – في حكم الإبطال (أي مرفوضة ولا قيمة لها)… والمؤمنون بالمسيح في ذلك الوقت امتنعوا عن تقديم ذبائح وتقدمات للهيكل. وهذا واضح جداً من سفر أعمال الرسل ورسائل معلمنا بولس الرسول كلها…. فعلى سبيل المثال، قول بولس الرسول “وَلَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُول، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيًّا” عبرانيين 9: 12… لم نسمع أبداً أن المسيحيين قدموا ذبائح بعد موت وقيامة السيد المسيح، هذا من جهة…. من جهة أخرى، ما قلناه سابقاً لا ينطبق على ما جاء في نبوة دانيال، بخصوص إبطال الذبيحة والتقدمة، لأن اليهود الرافضين للمسيح، ظلّوا مع ذلك يقدمون ذبائح وتقدمات في الهيكل حتى دماره في سنة 70 ميلادية….
أيضاً، بخصوص “قطع المسيح”، فالكلمة العبرية المُترجمة إلى العربية “يُقطع”، هي كلمة عبرية شائعة، أستعملت في ناموس موسى، وهي تعني “يُقتل”. والمفهوم الشامل للكلمة حسب معناها العبري “يُقتل تنفيذاً لحُكم قضائي صادر عليه”. أما التعبير العربي “وليس له”، فهو تعبير غامض، غير واضح، بعكس التعبير المستعمل في النص العبري…. فالنص العبري يُترجم حرفياً “ولكن ليس من أجل نفسه”. وبهذا يكون معنى الآية: أنه سيُقتل بحكم قضائي صادر عليه، ولكن ليس من أجل نفسه… أي أن موته سيكون بديلياً. وهذا يتوافق بشكل عجيب مع ما جاء في نبوة إشعياء القائلة ” قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟” إشعياء 53: 8.
وبالتالي، تكون الأهداف الثلاثة لقطع المسيح (التي كنا ذكرناها قبلاً) قد تمت وتحققت، وهي: تكميل المعصية – تتميم الخطايا – كفارة الإثم…. أي وضع نهاية للمعصية والخطايا والإثم… كلها تمت بعمل الكفارة الذي قام به المسيح من أجل العالم بموته وسفك دمه على الصليب… فقد قال بولس الرسول مستشهداً بالعهد القديم “وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!” عبرانيين 9: 22. هذا يبيّن أن موت المسيح كان ليس من أجل نفسه بل من أجل آخرين.
أخيراً، نُلخّص هذه الفترة بالقول: بين الفترة الثانية (نهاية ال 69 أسبوعاً)، وقبل أن يبدأ الأسبوع الباقي من ال 70 أسبوعاً، سيُقطع المسيح. وبذلك تكون الفترة الرابعة هو الأسبوع الباقي من ال 70 أسبوعاً.
الفترة الرابعة: الأسبوع الباقي من ال 70 أسبوعاً، خراب الهيكل وإبطال الذبيحة والتقدمة فعلياً
لقد وصلنا الآن إلى الأسبوع الباقي من ال70 أسبوعاً، التي شرحها الملاك جبرائيل لدانيال. النقطة التي أُريد أن أنوه إليها، أن هذا الأسبوع (7 سنوات)، منفصل تماماً عن الفترات السابقة، وهذا واضح جداً، إذا ربطنا الآية 24 من النبوة، بالمقطع الأخير (الآية 26، 27)…. ” وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْدًا مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ الْمَقْضِيُّ عَلَى الْمُخَرِّبِ».دانيال 9: 26-27.
أولاً: متى بدأ هذا الأسبوع: “وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ” ففي شتاء سنة 66 ميلادية، أرسل نيرون الإمبراطور الروماني، فسبسيان القائد العسكري الكبير، ليُقمع حركة تمرّد اليهود ضد الرومان ورفضهم دفع الجزية لهم. وقد حاول الفريسيون جهدهم تهدئة الموقف، ولكن تغلّب عليهم الغيورون الذين ملكوا زمام الموقف مُعتمدين أن بثورتهم واعتدائهم على الرومان سينالون تأييد من الله وأن هدفهم لطرد الرومان هو جوهر الإيمان نفسه، فبالضرورة يكون وفق إرادة الله، وبالتالي توطئة لمجيء المسيا، وإقامة مملكة المسيا، مملكة إسرائيل.
وبمرور الوقت زاد حماس الشعب، والتهبت ثورتهم فقامةا بأعمال تخريبية وانتقامية ضد الرومان. وقد أدرك اليهود أنه من العبث ملاقاة جيش الرومان، فتحصنوا وكمنوا في كافة المواقع واستعدوا للإنقضاض في حرب العصابات معتمدين على القوة الإلهية. ولكن لم يستطيعوا أن يصمدوا أمام هجمات الرومان بقيادة فسبسيان، وقد انضمّ إليه ابنه تيطس على رأس جيشه من قيصرية “رئيس شعب آتٍ” (سنة 66 ميلادية).
ثم عُيّن فسبسيان أمبراطواراً على روما، وترك ابنه تيطس مع جيشه، الذي تقدم نحو أورشليم للحصار الأخير. وفي سنة 70 ميلادية (“وفي وسط الأسبوع” الآية 26)، اقترب تيطس من أسوار أورشليم ثم اقتحم الجيش الأسوار وهدموها ودخلوا المدينة وتقدموا إلى الهيكل الذي ظلّت الذبائح اليومية تُقدم فيه وكافة الصوات والتضرعات، إلى أن كُفّت بسبب المجاعة المريعة من جراء الحصار وعدم وجود ما يُقدم ذبيحة، فضلاً عن عدم وجود من يُقدمها.
واستمرت المعركة على أشدها حتى أشعل الرومان النار في الهيكل، فانهارت كل مبانيه وأبوابه وغرفه، حتى مذبحه. كذلك أشعلوا النيران في كل المدينة وقتلوا كل من صادفهم. ولم يبق في أورشليم كلها وأسوارها إلى جزء صغير جداً من السور الغربي، جعله اليهود مبكى لهم. وهنا تم القول الإلهي في النبوة، وبكل دقة “وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ وَالْقُدْسَ، وَانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا…. وَفِي وَسَطِ الأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ وَالتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ الأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ….” دانيال 9: 26- 27.
هذا وقد أنبأ السيد المسيح تلاميذه وأتباعه، بكل ذلك قبل أن يحدث، قائلاً “وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، فَحِينَئِذٍ اعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ خَرَابُهَا. حِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ (عاصمتها أورشليم مركز الخراب) إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِينَ فِي وَسْطِهَا (أي في وسط مدينة أورشليم) فَلْيَفِرُّوا خَارِجًا، وَالَّذِينَ فِي الْكُوَرِ (في البلاد المجاورة) فَلاَ يَدْخُلُوهَا، لأَنَّ هذِهِ أَيَّامُ انْتِقَامٍ، لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ.” لوقا 21: 20-22. وقد سجل القديس متى في إنجيله، ما ورد على لسان السيد المسيح، قائلاً “«فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ” متى 24: 15-16.
وبذلك يكون السيد المسيح قد قصد برجسة الخراب، تجمع الجيوش الرومانية حول الأسوار في مواجهة الهيكل للبدء في محاصرة كل المدينة… ويكون قد سبق ونبّه التلاميذ وأتباعه بالهروب قبل أن يبدأ الحصار، إذ أن الخراب والقتل سيبدآن، بعد ذلك بحوالي ثلاث سنوات ونصف (أي سنة 70 م). وعندما حدث ذلك، هرب المسيحيون جميعاً من المدينة إلى الجبال قبل إستحكام الحصار حول المدينة. وبذلك نجوا جميعاً، ولم يمسهم أذى، بينما هلك غالبية اليهود الذين بقوا في المدينة.
ثانياُ: متى انتهى الأسبوع: بعد كل هذا الخراب والدمار الذي حدث بيد تيطس سنة 70 م، ظلّ يداعب عقول المتعصبين من اليهود الذين بقوا على قيد الحياة أمل، أنه ربما يصنع يهوه شيئاً في أحلك الساعات (نسوا القول الإلهي: وأنا رفضتهم يقول الرب). فاستمروا في المقاومة بشدة حتى سنة 72 ميلادية، حيث انتهت المقاومة نهائياً بذبح أغلبهم. وبذلك يكون الأسبوع الباقي من ال70 أسبوعاً، قد انتهى سنة 72 ميلادية.
يُمكننا تلخيص الأسبوع الباقي من ال 70 أسبوعاً في الآتي: الأسبوع بدأ في سنة 66 م، وانتهى في سنة 72 ميلادية، فيكون وسط الأسبوع الذي فيه يحدث الخراب والدمار وإبطال الذبيحة والتقدمة، هو سنة 70 ميلادية.
ملخّص نبوة دانيال
- المسيا سيأتي ويموت قبل سنة 70 ميلادية.
2 – ظهور المسيح الرئيس أو مسح قدوس القديسين، في سنة 26-27 ميلادية، وكان السيد المسيح عمره وقتئذ 30 سنة(عمره وقت العماد وظهوره). إذاً، لابد أن يولد المسيا في سنة 4-5 ق.م. إذ لا يمكن أن يكون الميلاد قيل سنة 5 ق.م، وإلا يكون عمر المسيح وقت عماده أكثر من ثلاثين سنة. ولا يُمكن – أيضاً – أن يكون بعد سنة 4 ق.م، لأن هيرودس مات في هذه السنة، ومعروف أن ميلاد الرب يسوع كان قبل موت هيرودس مباشرة.
3 – إبطال الذبيحة والتقدمة – فعلياً – تم سنة 70 ميلادية. حيث أن سنة 70 م هي وسط الأسبوع الباقي من ال 70 أسبوعاً، والذي بدأ سنة 66 ميلادية، وانتهى سنة 72 ميلادية.
4 – السؤال الذي نوجهه للرابيين وشعب إسرائيل، أين هو هيكلهم طوال 2000 سنة! أين هي الذبائح والتقدمات طوال هذه القرون! من كان الرب يسوع الذي صلب ومات قبل سنة 70 ميلادية… أليس هو المسيا الذي رفضوه.