تفرد يسوع بالميلاد العذراوي – وهل إقتبستها المسيحية من ديانات وثنية؟
تفرد يسوع بالميلاد العذراوي - وهل إقتبستها المسيحية من ديانات وثنية؟
تفرد يسوع بالميلاد العذراوي – وهل إقتبستها المسيحية من ديانات وثنية؟
الميلاد العذراوي للإسكندر الأكبر!، هل تفرَّدَ يسوع بالميلاد العذراوي؟ وهل إقتبستها المسيحية من ديانات وثنية؟
هل الميلاد العذراوي أمر تنفرد به المسيحية؟ أم أن هناك أكثر من ميلاد عذراوي في الأدب الوثني، أو في الأساطير اليونانية، أو في الروايات الأسطورية للقادة العظماء؟ إن الاتهام القائل بأن المسيحية قد استعارت فكرة الميلاد العذراوي يرجع إلى القرن الثاني. وقد أجاب يوستينوس الشهيد، المدافع الأول العظيم عن الإيمان المسيحي، عن تهمة مماثلة في كتابه “حوار مع تريفو، اليهودي”:
وأجاب تريفو، “ليس في الكتاب المقدس ”هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً‘‘، بل “هوذا الفتاة تحبل وتلد ابناً‘‘، وهكذا، كما استشهدت. لكن النبوءة كلها تشير إلى حزقيا الملك، وقد ثبت أنها تحققت فيه، بحسب شروط هذه النبوة. وأكثر من ذلك، ففي أساطير من يدعون اليونانيين، مكتوب أن برسيوس ولد من داناي، التي كانت عذراء؛ والشخص الذي كان يطلق عليه بينهم زيوس، نزل عليها في صورة دش ذهبي.
فيجب أن تشعر بالخجل عندما تقوم بتأكيدات مشابهة لتأكيداتهم، بل يجب أن تقول إن يسوع هذا ولد كإنسان من البشر. وإذا استطعت أن تثبت من الكتب المقدسة أنه هو المسيح، وأنه بسبب حياته التي كانت تتفق مع الناموس، حياة كاملة ومستقيمة، فإنه يستحق كرامة أن يكون هو المسيح، (فهذا جيد)؛ ولكن لا تغامر بأن تحكي عن ظواهر وحشية، وإلا سيتم اتهامك أنك تتحدث بحماقة مثل اليونانيين. ‘‘ [1]
في هذا الفصل سوف ننظر في روايات الميلاد التمثيلية التي تقارن بروايات الكتاب المقدس في متى ولوقا. لكن الدفاع القياسي لتاريخية الميلاد العذراوي، تمت كتابته على مدى أكثر من خمسة وستين عاماً مضت بواسطة جى جريشام ماكين. لقد كان دفاعاً علمياً بحثياً، تفاعل مع جميع المواد المتعلقة بالموضوع، وكان ثاقباً. إن هذا البرهان القوي المتصل — الذي يزيد عن الأربعمائة صفحة — لم يستطع أحد أن يدحض على الإطلاق. وسوف نقوم بتلخيص بعض من النقاط الأساسية في كتاب ماكين “ميلاد المسيح العذراوي‘‘.
الميلاد العذراوي للآلهة الوثنية
بجانب الروايات الخاصة بالميلاد العذراوي للآلهة الوثنية، يشير المتشككون أيضاً لروايات الميلاد المعجز لأبطال الرومان-اليونانيين مثل برسيوس وهرقل ورومولوس، أو للملوك المؤلهين مثل الإسكندر الأكبر والفراعنة، كدليل إضافي على أن التشابهات الوثنية هي مصدر الاعتقاد بالميلاد العذراوي للمسيح.
برسيوس
في الأسطورة اليونانية لبرسيوس، قام الملك أكريسيوس بسجن ابنته، داناي، في برج عال لا يمكن الوصول إليه، لكي يحبط النبوءة التي تقول إن ابنها سوف يقتل جده أكريسيوس. وعلى الرغم من أنها كانت معزولة عن أي خطيب محتمل، إلا أن زيوس الإله الرئيسي للبانتيون اليوناني، انبهر بجمال هذه المرأة البشرية وفي إحدى الليالي جاء إليها كدش من الذهب وحملت منه. فكان ابنها هو البطل اليوناني برسيوس، المولود من أب إلهي، ومن أم بشرية عذراء (سابقاً). [2]
هرقل
كان هرقل أيضاً نتاج تزاوج إله مع إنسان. فأمه، ألكمين، كانت ابنة ملك تيرنس. وبينما كانت مخطوبة لأمفيتريون، قتل إخوتها في ساحة المعركة. وهكذا رفضت أن تستكمل الزواج إلى أن يتم الانتقام لموت إخوتها. فاستعمل زيوس غياب زوجها، وجاء إليها في شكل زوجها، ونتيجة لذلك حبلت. وعندما عاد زوجها، حملت منه هو أيضاً، فكانت حبلى في توأم — هرقل، ابن زيوس، وإيفيكلز، ابن أمفيتريون. [3]
رومولاس
بحسب المؤرخ الروماني ليفيوس، فإن مؤسس الأسطورة في روما، رومولوس، وأخيه ريموس، قد اشتهرا بأنهما ابنا الإله مارس.
لكن الأقدار استقرت، كما اعتقد، على تأسيس هذه المدينة العظيمة، وبداية أعظم الإمبراطوريات قوة، بعد مملكة السماء مباشرة. تم اغتصاب العذراء، فأنجبت ابنين توأمين، اسمهما مارس على اسم أبو نسلها المشكوك فيه، سواء كان هذا الاعتقاد حقيقي بالفعل، أم لأن الخطأ يبدو أقل عندما يكون الإله هو مصدر خطأها. لكن لم يستطع لا الآلهة ولا البشر أن يحموا الأم نفسها أو طفليها من قسوة الملك. فقد أمر تقيّد الكاهنة بالأصفاد وتلقى في السجن، وأن يُطرَح الطفلان في النهر.
لكن لحسن الحظ أن نهر التيبر كان يفيض خارج حدوده إلى بحيرات راكدة مما لم يسمح بالدخول إلى المجرى الرئيسي للنهر، وقد كان الرجال الذين أتوا بالطفلين التوأمين يأملون أنه لكونهما طفلين فإنهما قد يغرقا، بغض النظر عن ركود التيار. وهكذا فقد قاموا بالإسراع بتنفيذ أمر الملك، بإلقائهما في أقرب نقطة من فيضان النهر. [4]
من هذا الموقف اليائس، تم انقاذ التوأمين بواسطة أنثى ذئب، والتي قامت بتغذيتهما؛ كما قام حطّاب برعايتهما وتغذيتهما أيضاً. وقد كان الذئب والحطّاب مكرسين لمارس، أبو التوأمين الشهير.
الإسكندر الأكبر
عندما ننظر إلى الإسكندر الأكبر، فإننا نكون قد انتقلنا من الأسطورة إلى شخصية تاريخية. ومع ذلك، فبحسب الأسطورة، حبلت أوليمبياس أم الإسكندر الأكبر في ابنها عندما جاء زيوس، في شكل رعد من السماء، وصدمها فحبلت قبل أن تتزوج مباشرة من فيليب المكدوني. [5]
هناك خيط واحد يربط بين جميع هذه الروايات، ولكن التشابهات المزعومة تختلف تماماً وبالكامل عن روايات الكتاب المقدس عن الميلاد العذراوي للمسيح.
إن محبة الآلهة للنساء البشريات هو النقطة المحورية للروايات الوثنية — وهو الأمر الذي بدونه ما كان يمكن أن توجد هذه الروايات. فان نذكر أي شيء مثل ذلك على أنه يرتبط بالروايات الموجودة في متى ولوقا، هو أن نتعدى على الروح العامة لهذه الروايات. لكن الحقيقة هي أننا عندما نقرأ روايات متى ولوقا فإننا نكون في عالم مختلف تماماً عن العالم الذي ينتج بواسطة القصص الوثنية عن حب وكراهية الآلهة. [6]
ديونيسوس
إن الميلاد العذراوي للإله ديونيسوس تؤكده فقط المصادر اللاحقة للمسيحية. والأمر المهم هو أن مسيحيين حقيقيين هم الذين تحدثوا عن ميلاده العذراوي، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد عدة قرون من مجيء المسيح. لقد أشرنا من قبل إلى أن يوستينوس الشهيد، المدافع عن الإيمان المسيحي من القرن الثاني، أشار إلى برسيوس على أنه ولد من عذراء. لم يكن جميع الكتّاب المسيحيين معتادين تماماً، في لغتهم أو في تكييفهم للغة، على الفكر الوثني. وقد قام ماكين بعض الملاحظات الحاذقة بهذا الشأن:
لقد رأينا بالفعل أن تطبيق مصطلح “عذراء ‘‘على الأمهات الوثنيات بواسطة الكتّاب المسيحيين هو عامة يجب أن ينظر إليه بشك، حيث كان هناك اتجاه من جانب هؤلاء الكتّاب للبحث عن تشابهات للمعتقدات المسيحية في الديانة الوثنية…
إن استخدام مصطلح “عذراء” بواسطة الكتّاب المسيحيين، وعلى الأخص بواسطة كتّاب مسيحيين في مثل هذا التاريخ المتأخر، لا يزال مفتوحاً لأكثر الشكوك جدية؛ فمن المحتمل جداً أنه يرجع ببساطة إلى الرغبة القوية لمثل هؤلاء الكتّاب في أن يجدوا محاكاة عكسية للمعتقدات المسيحية في الديانة الوثنية. في الحقيقة أنه لا تتوافر لدينا أية أدلة توضّح أن هذا المصطلح كان يستخدم فعلياً في العبادة الوثنية لدوسارس (ديونيسوس) قبل ثلاثة قرون من الوقت الذي عاش فيه إبيفانيوس.
بل وأكثر من ذلك، حتى لو كان هذا المصطلح يستخدم في عبادة دوسارس السابقة للمسيحية، فإن هذا لا يشير على الإطلاق إلى أنه كان يستخدم بالمعنى الذي نستخدمه، والذي يستخدمه به متى ولوقا … بمعنى آخر، إن مصطلح “عذراء”، لو كان ينطبق حقاً في الأزمنة السابقة للمسيحية على أم دوسارس، فإنه كان يعني، بلا شك، المعنى العكسي تماماً لما كان يعنيه هذا المصطلح في رواية العهد الجديد عن ميلاد ربنا. [7]
روايات الكتاب المقدس
كانت عقيدة الميلاد العذراوي تعتبر واحدة من العقائد الأساسية في الإيمان في فترة النزاعات بين الأصوليين والعصرانيين، وهي حقبة كانت مثيرة للشقاق في الكنيسة في أمريكا الشمالية، والتي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، ولكنها ولّدت أضخم إنفجارتها بعد الحرب العالمية الأولى.
وفي الحقيقة أن هذه العقيدة تذكر بوضوح مرتين فقط في العهد الجديد، في متى وفي لوقا: “أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ، قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا، وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارًّا، وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا، أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرًّا.
وَلكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هذِهِ الأُمُورِ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.” (متى 1: 18-20).
“وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ، إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ».
فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ!» فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ…فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.” (لوقا 1: 26-31؛ 34-35).
بمقارنة روايات الكتاب المقدس بروايات الديانات الوثنية المحيطة، سنجد نقطتي اتصال وتناقض حاد. وهذا في الحقيقة هو ما نتوقع أن نجده. فالله من خلال الكتاب المقدس بأكمله كان يكيّف نفسه للفهم البشري، مستخدماً كنقاط اتصال مفاهيم مألوفة، ثم يقوم بتطوير هذه النقاط بإضفاء معنى جديد عليها. ففي كل أنحاء العالم القديم، كانت العظمة ترتبط دائماً بالولادة الجسدية بواسطة إله. وبالمثل فإن العهد القديم، خاصة الترجمة اليونانية المعروفة باسم “السبعينية” (LXX)، كانت تلمّح إلى إمكانية الميلاد العذراوي. [8]
الأمر المهم هنا هو أن (َإشعياء 7: 14) تم اقتباسه بواسطة متى بمعنى أن مريم كانت لا تزال عذراء عندما حبلت. إن الترجمة السبعينية التي تم إنتاجها قبل ميلاد يسوع[9]، تتحدث بوضوح عن عذراء. وهكذا فإن فكرة الميلاد العذراوي لم تكن في حاجة على الإطلاق أن تشتق من الديانات الوثنية، حيث أن من كتبوا العهد الجديد رأوها بالفعل في العهد القديم.
وكما أشرنا من قبل، أن اليهودية في فلسطين في القرن الأول الميلادي لم يتم مسها تقريباً بواسطة التأثيرات الوثنية. لذلك فلا يوجد أي سبب على الإطلاق لأن نشك بأن متى جاء بهذه الفكرة من مصادر وثنية.
جاد البعض أن الميلاد العذراوي هو إضافة أسطورية لاحقة، حيث أنها ذكرت فقط في اثنين من الأناجيل، ولم يتم الحديث عنها بواسطة أي كتاب آخر ممن كتبوا العهد الجديد.
على مدار قرن مضى، أجاب أحد علماء الكتاب المقدس على هذا الاعتراض بملاحظة شديدة العلمية، فقال: إذا كان الميلاد العذراوي هو أمر معروف وشائع بين جماعة الرسل، فإن من كتبوا العهد الجديد “كانوا سيمتنعون عن ذكره لأسباب حكيمة، لئلا يعرّضوا أم ربنا للفضيحة والعار أثناء حياتها — فإن مثل هذه الفضائح قد ثارت بالفعل بمجرد أن تم إعلان الميلاد العذراوي.”[10] وهكذا فإن الرسل ربما لزموا الصمت بخصوص هذه العقيدة حتى وفاة مريم. [11]
بل أن مسألة الميلاد العذراوي في متى تصبح أكثر حدة عندما نتذكر أن يهودية القرن الأول كانت توحيدية بصورة متطرفة وكانت تمقت أي أثر للوثنية. فكان من غير الممكن أن يتبنى يهودي أي مفهوم وثني أسطوري، خاصة إذا كان مفهوم يمس قداسة الإله يهوه وسموه.
من الأمور المتفق عليها عامة بواسطة كل من علماء الكتاب المقدس المحافظين والمتحررين أن الأناجيل تمت كتابتها من منتصف إلى أواخر القرن الأول، وأنها مبنية على مصادر سابقة.
إن المصدر المبكر للرواية وسماتها جعل من الممكن أن نعتبرها مجرد أسطورة. لكن ببساطة لم يكن ممكناً بالنسبة لأسطورة من هذا النوع أن تنشأ ويتمسك بها الناس بينما كانت أسرة يسوع لاتزال حية لكي تخمدها وتنفيها إذا كانت كاذبة. يستنتج (بريجز) أن المصدر الرئيسي للرواية لا بد أنه كان مريم نفسها. عند هذه النقطة، فإن شهادتها يمكن أن تقبل أو ترفض، لكن حيث أن شخصيتها كما تم عرضها في الأناجيل كانت بلا لوم، فإن شهادتها لابد وأن يؤخذ بها كقيمة حقيقية. [12]
في كتابه ”ميلاد المسيح العذراوي”، يتفق ماكين مع هذا التأكيد بالقول: “إن تعليم الميلاد العذراوي يمكن أن يظهر بوضوح أنه كان موجوداً بعد حقب قليلة فقط من الزمن الذي عاش فيه يسوع على الأرض. لكننا في حالة يسوع، نجد قصة ميلاد فوق طبيعي تظهر في وقت كانت فيه المعلومات الخاصة بحياة يسوع لا يزال يفترض أنها كثيرة.”[13]
الخلاصة
إن الأساطير الوثنية الخاصة بالميلاد العذراوي لبعض شخصياتها، والتي بحثناها باقتضاب شديد، تكشف عن تناقضات هائلة مع روايات الكتاب المقدس. فالأساطير كانت تقدم روايات عن آلهة ذكورية تتخذ أشكالاً مادية (بشرية أحياناً) لكي تنجب من نساء من خلال اتصال جسدي. في هذه الروايات، كانت النساء المتورطات فيها لديهن نوع من العلاقات الجنسية، ولذلك فإنهن لم يكنّ عذارى بالمعنى المحدد للمصطلح.
على النقيض من ذلك، فإن روايات الأناجيل عن الميلاد العذراوي هي روايات غير جنسية على الإطلاق. فقد حبل بيسوع بواسطة القوة الخلاّقة للروح القدس في رحم مريم. وهكذا فقد ولد يسوع من امرأة بدون زرع بشر — أو إله.
وقد لاحظ ريموند براون، وهو واحد من رواد علماء العهد الجديد في القرن العشرين، ما يلي:
كانت هناك تشابهات غير يهودية في شخصيات الديانات العالمية (ميلاد كل من بوذا، وكريشنا، وابن زوروستر)، وفي الأساطير اليونانية الرومانية، وفي ولادات الفراعنة (من الإله آمون رع من خلال الأب) وفي الولادات العجيبة للأباطرة والفلاسفة (أوغسطس، وأفلاطون، الخ).
لكن هذه “التشابهات” تتضمن باستمرار قيام إله ذكوري، في صورة بشرية أو صورة أخرة، بتخصيب امرأة، سواء عن طريق اتصال جنسي طبيعي، أو من خلال شكل بديل ما من أشكال الاختراق أو التغلغل. وهذه الروايات لا تتشابه حقيقة مع الحبل العذراوي غير الجنسي الذي هو في جوهر الروايات التي تحكي ميلاد المسيح، حيث الحبل لم يكن به إله أو عنصر ذكري لكي يتزاوج مع مريم. [14]
إن تقييم براون هو أنه “لا يوجد بحث عن التشابهات أعطانا نتائج مرضية حقاً تفسّر كيف خطرت للمسيحيين الأوائل فكرة الحبل العذراوي، إلا بالطبع، إذا كان هذا هو ما حدث فعلاً.”[15]