Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

الدليل الطبي للقيامة – هل كان موت يسوع افتعال وقيامته خدعة؟ – لي ستروبل

الدليل الطبي للقيامة – هل كان موت يسوع افتعال وقيامته خدعة؟ – لي ستروبل

الدليل الطبي للقيامة – هل كان موت يسوع افتعال وقيامته خدعة؟ – لي ستروبل

وقفت قليلاً لكي أقرأ اللوحة المعلقة في غرفة الإنتظار في عيادة أحد الأطباء: “لتتوقف المحادثات، ولتهرب الضحكات، في هذا المكان يبتهج الموت لمساعدة الأحياء”.

من الواضح، بأن هذا لم يكن طبيباً عادياً. كنت أقوم بزيارة أخرى للدكتور روبرت جي. شتاين، أحد أكبر الأطباء الشرعيين في العالم. هو مخبر طبي ملابسه مزركشة وصوته أجش، شديد التباهي، وقد إعتاد أن يمتعني بحكايات عن الأدلة غير المتوقعة التي كُشفت أثناء فحص الجثث. ففي رأيه، أن الموتى أخبروا القصص الحقيقية، القصص التي كثيراً ما تحقق العدالة للأحياء.

أثناء فترة خدمته الطويلة كطبيب شرعي في مقاطعة كوك، بولاية إللينوي، شرَّح شتاين أكثر من عشرون ألف جثة، وفي كل مرة يبحث عن بدقة شديدة عن بصيرة لمعرفة الظروف التي أحاطت بموت الضحية. وبشكل متكرر كان نظره الثاقب الباحث عن التفاصيل، ومعرفته الموسوعية لعلم التشريح الإنساني، كما ساعده حدسه الإستقصائي الغريب الشرطة السرية في إعادة فحص أسباب وفاة الضحية العنيفة.

أحياناً يُبرأ أُناس أبرياء كنتيجة لأستنتاجاته. ولكن في أحيان أخرى كثيرة كان عمل شتاين بمثابة المسمار الأخير في تابوت المتهم. وكانت هذه هي الحالة مع جون واين جايس، الذي واجه الجلاد بعدما ساعد شتاين على إدانته بإرتكاب ثلاث وثلاثون جريمة قتل مريعة.

وبذا، كيف يمكن أن يكون الدليل الطبي حاسماً. فبإمكانه تقرير إن كان أحد الأطفال قد مات بسبب سوء المعاملة أم بسبب سقوط عرضي. وبإمكانه إثبات إذا كان أحد الأشخاص قد توفي لأسباب طبيعية أم قتله شخص سمم قهوته بإضافة الزرنيخ إليهما. وبإمكانه تأييد أو تكذيب وجود متهم في مكان الجريمة وقت إرتكابها، وذلك بالتحديد الدقيق جداً لموعد وفاة الضحية بإستخدام إجراءات بارعة تقيس كمية البوتاسيوم في عيني الميت.

وكذلك، حتى في حالة شخص أعدم بوحشية على صليب روماني منذ ألفين سنة، فإن الدليل الطبي ما زال بإمكانه أن تقديم مساهمة حاسمة: فبإمكانه أن يُفسد أحد أكثر الحجج المستديمة- والتي إستخدمها من يدعون قيامة يسوع- وهي من أهم البراهين لإدعائه الألوهية، لم تكن أكثر من خدعة متقنة.

قيامة أم إنتعاش من إغماء؟

فكرة أن يسوع لم يمت حقاً على الصليب يمكن وجودها في القرآن، الدي دوّن في القرن السابع الميلادي، وفي الواقع أن المسلمين من طائفة الأحمدية يؤكدون بأن يسوع هرب فعلاً إلى الهند. وإلى يومنا هذا هناك ضريح الذي يفترض أنه مدفنه الحقيقي في مدينة سريناجار، في إقليم كشمير[1].

وفي مطلع القرن التاسع عشر، حاول كارل باهردت، وكارل فينتوريني، وآخرون أن يثبتوا بطلان القيامة بالقول أن يسوع غاب عن الوعي فقط من الإعياء على خشبة الصليب، أو أنه أعطى مادة مخدرة جعلته يبدو كأنه ميت، وبأنه بعد ذلك تم إنعاشه بتأثير هواء القبر البارد الرطب[2].

وقد عزز المؤمنون بنظرية المؤامرة هذه الفرضية بالتلميح إلى أن يسوع قد أُعطي سائل على إسفنجة فيما كان معلقاً على الصليب (مرقس 15: 36)، وكذا دهشة بيلاطس بسرعة وفاة يسوع (مرقس15: 44). ونتيجة لذلك قالوا أن عودة يسوع إلى الظهور لم تكن قيامة أعجوبية لكنها كانت مجرد إنتعاش عرضي، وقبره كان فارغاً لأنه وآصل العيش.

وبينما أنكر علماء مشهورين نظرية الإغماء المزعوم، إلا أنها بقيت متكررة في كتابات الأدب الشعبية. وفي سنة 1929م نسج دي. إتش. لورانس هذه الفكرة في قصة قصيرة ذكر فيها أن يسوع هرب إلى مصر، حيث وقع في حب الكاهنة إيزيس[3].

وفي سنة 1965م ألَف هيو شونفيلد كتابه الرائج”مؤامرة الفصح The Passover Plot” الذي إدعى أن طعنة الجندي الروماني الغير متوقعة ليسوع هي فقط التي أحبطت خطة نجاته من الصلب حياً، مع أن شونفيلد إعترف قائلاً”إننا لا ندعي في أي مكان… أن ذلك ]الكتاب[ يمثل ما حدث فعلاً”[4].

عادت فرضية الإغماء ثانية في كتاب دونوفان جويس”وثيقة يسوع” سنة 1972م، وهو يحتوي على سلسلة لا يمكن تصديقها من الأحداث الغير محتمل حدوثها والأكثر غرابة من كتاب شونفيلد، طبقاً لخبير القيامة جاري هابيرماس[5]. وفي سنة 1982م ظهر كتاب “الدم المقدس” و “الكأس المقدسة”، فأصاب تحريفاً بأن بيلاطس البنطي أُعطيت رشوة ليسمح ليسوع أن ينزل من على الصليب قبل موته. ومع ذلك إعترف المؤلفون “إننا لا نستطيع، وما زلنا لا نستطيع، أن نثبت دقة إستنتاجنا”[6].

ومؤخراً في سنة 1992م، نجد أكاديمية غير مشهورة من إستراليا، تدعى باربارا ذييرنخ، أحدثت ضجة بإحياء نظرية الإغماء في كتابها “يسوع ولغز وثائق البحر الميت” الذي كتبت مقدمته مصحوبة بضجة هائلة من قبل ناشر أمريكي محترم وبعد ذلك تم رفضه بسخرية بواسطة عالم من جامعة إموري يدعى لوك تيموثي جونسون فقال إنه “هراء خالص، ونتاج خيال محموم ومريض بلاً من أن يكون تحليلاً دقيقاً”[7].

وكأسطورة حضرية، تواصل نظرية الإغماء الإزدهار. وإني أسمعها طول الوقت في مناقشة القيامة مع الباحثين الروحيين. ولكن ما الذي يثبته هذا الدليل؟ ما الذي حدث فعلاً عن الصلب؟ ما الذي سبَب موت يسوع؟ هل كانت لديه أي إمكانية لكي ينجو حياً من هذه المحنة؟ تلك هي أنواع الأسئلة التي تمنيت أن تساعد الأدلة الطبية على حلها.

لذا سافرت بالطائرة إلى جنوب كاليفورنيا وقرعت باب طبيب بارز ومشهور، والذي درس بتوسع المعلومات التاريخية والآثارية والطبية المتعلقة بموت يسوع الناصري- مع أنه يبدو أن تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة لم يتم أبداً بسبب إختفاء الجثة بطريقة غامضة.

المقابلة العاشرة: إلكسندر ميثيريل، ماجستير في الطب، ودكتوراه في الفلسفة

لقد كان هذا المكان الفاخر شاذ على نحو كبير بالموضوع الذي كنا نناقشه. هناك كنا، جالسين في غرفة المعيشة في منزل ميثيريل المريح في كاليفورنيا، في مساء ربيعي معتدل، تهب نسمات المحيط الدافئة، تهمس خلال النوافذ، بينما كنا نتحدث عن موضوع الوحشية التي لا يمكن تصوّرها، الضرب الهمجي والذي يصدم الضمير، ونوعية عقوبة الإعدام المنحرفة والتي تُعدُ دليلاً رهيباً على وحشية ظلم الإنسان للإنسان.

لقد سعيت للقاء ميثيريل لأني سمعت أن لديه المعلومات الطبية والعلمية لتفسير حادثة الصلب. لكن كان لديَ حافز آخر أيضاً فقد بلغني أنه يستطيع أن يناقش الموضوع بشكل محايد إضافة للدقة. وذلك كان مهم لي، لأني أردت أن تتكلم الحقاق بنفسها، بدون المبالغة أو اللغة المشحونة بالعواطف والتي تثير المشاعر.

وكما تتوقع من شخص يحمل شهادة طبية (جامعة ميامي بفلوريدا) ودكتوراه في الهندسة (جامعة بريستول بإنجلترا)، يتحدّث ميثيريل بدقة علمية. ومشهود له في التشخيص بواسطة مجلس الأمريكي للمعالجة الأشعاعية، وكان مستشاراً للمعهد القومي، للقلب والرئة، والدم التابعين للمعاهد القومية للصحة في بيثيسدا، بولاية ماريلاند.

وكان ميثيريل عالم الأبحاث السابق والذي قام بالتدريس قي جامعة كاليفورنيا. وميثيريل رئيس تحرير لخمس كتب علمية وألف للنشر كتباً تتراوح من”الطب الفضائي” إلى”الأمريكي العلمي”. وتحليله البارع لتقلص العضلات ثم نشره في مجلة “علم وظائف الأعضاء والفيزياء الحيوية”. كما أن له دور كمرجع طبي متميز، كما أنه شخصية مهيبة ذاؤت شعر فضي، وسلوك مؤدب لكن رسمي.

وسأكون أميناً: ففي بعض الأحيان كنت أتساءل ما الذي يجري داخل ميثيريل. وبتحفظ علمي، كان يتحدث ببطء وبشكل منهجي، فلم يبدي إي تلميح يدل على أي إضطراب داخلي فيما وصف بهدوء التفاصيل الرهيبة لوفاة يسوع. وأيا كان شعوره الداخلي، ومهما كان الألم الذي أحس به كمسيحي بسبب حديثه عن المصير القاسي الذي أصاب يسوع، فقد كان قادراً على إخفائه بمهارة تولدت لديه عبر عقود من البحث المعملي.

فقد أعطاني فقط الحقائق ومهما كان الأمر، فإن هذا هو ما جعلني أسافر عبر الولايات المتحدة لأحصل عليه.

التعذيب قبل الصليب

مبدئياً- أردت أستنباط الوصف الأساس للأحداث التي إنتهت بوفاة يسوع من ميثيريل. لذا بعد فترة من الدردشة الإجتماعية، وضعت جانباً كوب الشاي المُثلج وتحركت في كرسييَ لمواجهته مباشرة، ثم سألته: “هل يمكنك رسم صورة لما حدث ليسوع؟

تنحنح ثم أجاب قائلاً “بدأت الأحداث بعد العشاء الأخير، ذهب يسوع مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، تحديداً إلى بستان جيثسيماني. وهناك، إذا تتذكر، صلى طوال الليل. وفي أثناء هذه العملية كان يتوقع الأحداث الآتية والتي ستحدث في اليوم التالي. ولأنه كان يعرف مقدار الآلام التي سيضطر أن يتحملها، فقد كان من الطبيعي أن يشعر بضغوط نفسية هائلة”.

وهنا رفعت يدي لأستوقفه. ثم قلت له “هذه النقطة التي يجد فيها المتشككون مجالاً للجدال. فالأناجيل تخبرنا أنه بدأ يعرق دماً في هذه النقطة. أليس هذا مجرد نتاج بعض التخيلات النشطة أكثر من اللازم؟ أليس هذا يدعوا إلى الشك في دقة الكُتَاب الإنجيليين؟”

بدون أن ينزعج، هزَ ميثيريل رأسه وأجاب “أبداً مطلقاً. هذه حالة طبية معروفة تسمى العرق الدموي hematidrosis  وهي حالة شائعة جداً، لكنها مصحوبة بدرجة عالية من الضغط النفسي.

“ما يحدث هو أن القلق الشديد يُسبب إفراز مواد كيميائية تفتت الأوعية الشعرية في الغدد العرقية. ونتيجة لذلك، تحدث كمية صغيرة من النزيف في هذه الغدد، فيخرج العرق به قليل من الدم. فنحن لا نتحدث عن الكثير من الدم، لكن كمية صغيرة جداً”.

ومع أن الأسلوب كان مُبسطاً إلا أنني واصلت الإلحاح قائلاً “هل كان لهذا أي تاثير آخر على الجسم؟”

فأجاب “كل ما فعله أنه جعل الجلد هشاً جداً لدرجة أنه عندما جُلد من قبل الجندي الروماني في اليوم التالي، كان جلده حساس جداً”.

حسناً، ها نحن نتفهم الظروف. وأعددت نفسي للصور المروعة التي عرفت أنها على وشك أن تغمر أفكاري. لقد رأيت الكثير من الجثث بحكم عملي كصحفي، كوارث بسبب حوادث السيارات، والحرائق، أو عقوبة نقابات المجرمين (إنتقام العصابات)، ولكن كان هناك شيء يثير الأعصاب بصفة خاصة عندما أسمع عن شخص يُعامل بوحشية متعمدة من قبل جلادين مصممين أن يسببوا له أقصى أنواع العذاب.

فسألته “ماذا كان نوع هذا الجَلد؟”

فأجاب وعيناه لم تُفاقاني”طريقة الجلد الرومانية عُروفت بأنها وحشية جداً. وكانت عادة تتكون من تسع وثلاثون جلدة ولكن كثيراً ما كانت أكثر من ذلك بكثير، وهذا يتوقف على مزاج الجندي الذي ينفذ عملية الجلد.

“وكان يستخدم سوطاً مكون من سير جلدي مُضفّر ومثبت به كرات معدنية. وعندما كان السوط يضرب اللحم كانت هذه الكرات المعدنية تُسبب كدمات عميقة، والتي كانت تتقيح مع إستمرار الجلدات. وكان بالسوط قطع من عظام حادة أيضاً تجرح الجسد بشدة.

“وكان الظهر يتقطع لدرجة أن إجراء من العمود الفقري يصبح أحياناً مكشوفاً بسبب الجروح العميقة جداً. وكان يستمر الجلد من الأكتاف إلى أسفل الظهر، والأرداف، وخلف الساقين. لقد كان فظيعاً”.

وهنا سكت ميثيريل، لكني طلبت منه أن يستمر.

“أحد الأطباء الذي درس أسلوب الجَلد الروماني قال: “كلما إستمرَت عملية الجلد كانت تتمزق العضلات الهيكلية الدفينة وتسبب تمزق شرائط مرتعشة من اللحم النازف بالدم”. وهناك أيضاً مؤرخ من القرن الثالث يدعى يوسابيوس وصف عملية الجلد فقال “إن تُعرَى عروق الجلد، وكذا العضلات ذاتها، وأمعاء الضحية كانت مفتوحة وبادية للعيان”.

“ونعلم بأن كثيراً من الناس يموتون من جراء هذا النوع من الجلد حتى قبل أن يُصلبوا. وعلى الأقل، كان الضحية يقاس من آلام فظيعة قد تحدث صدمة بسبب فقده كمية كبيرة من الدم، صدمة نتيجة إنخفاض حجم الدم وقد إستخدم ميثيريل إصطلاح طبي لم أكن أعرف فسألته: “ما معنى هذه الكلمة فأخبرني بأن معناها أن الشخص كان يعاني من آثار فقده كمية كبيرة من الدم. وهذا يسبب أربع أشياء:

أولاً: تتسارع دقات القلب بكي يضخ دم غير موجود.

ثانياً: ينخفض ضغط الدم فيسبب الإغماء أو الإنهيار.

ثالثاً: يصبح الشخص عطشان جداً، لأن الجسم يحتاج بشدة إلى سوائل لتحل محل كمية الدم التي فُقدت”.

فسألته”هل ترى دليلاً على ذلك في وصف الإنجيل لهذه الأحداث”؟

فأجاب”نعم بالتأكيد. لقد كان يسوع يعاني من آثار فقده كمية كبيرة من الدم حين كان يمشي متمايلاً في الطريق إلى مكان الإعدام، عند الجلجثة أو الجمجمة، وهو الموضع الذي صلب فيه، وكان يمشي حاملاً الصليب.

وأخيراً إنهار يسوع وأمر الجندي الروماني، سمعان ليحمل الصليب بدلاً منه. وبعد ذلك نقرأ أن يسوع قال: “أنا عطشان” فقدمت له رشفة من الخل”.

“وبسبب التأثيرات الفظيعة لتلك الجلدات، ليس هناك من شك بأن يسوع كان في حالة حرجة وخطيرة حتى قبل أن تدق المسامير في يديه وقدميه”.

آلام وعذاب الصليب

وبالرغم من أن وصف عملية الجلد كان بغيضاً، إلا أنني كنت أعرف بأن هناك أدلة أشد بغضاً وما زالت آتية. ذلك لأن المؤرخين أجمعوا على أن يسوع كان ما زال حياً بعد الجلد في ذلك اليوم حتى ذهب إلى الصليب، حيث تكمن المحنة الحقيقية.

في هذه الأيام عندما يُدان المجرمين يُقيدون ويُحنقون بالسموم، أو يثبتون إلى كرسي خشبي ويُصعقون بموجة كهربائية، فالظروف تكون تحت السيطرة التامة وتحدث الوفاة بسرعة وبطريقة مؤكدة. وبعد الكشف الطبي الدقيق، يؤكد الأطباء موت الضحية. ومن مكان قريب جداً يدقق الشهود في رؤية كل شئ بدقة من البداية وحتى النهاية.

لكن كيف كان يمكن التأكد من مثل هكذا موت الذي يتم بعملية إعدام غير دقيقة وغير متقنة والبطيئة، والذي يُدعى الصلب؟ في الواقع، أن معظم الناس ليسوا متأكدين من كيف كان الصليب يقتل ضحاياه. وبدون طبيب شرعي متدرب رسمياً ليشهد بأن يسوع قد مات، فهل من المحتمل أن يكون قد نجا من هذه التجربة الوحشية والنزيف ورغم كل ذلك ما زال حياً؟ بدأت بفتح هذه القضايا، وسألت”ماذا حدث عندما وصل يسوع إلى موقع الصلب”؟

فأجابني قائلاً “كانوا قد وضعوه على الأرض، ثم سُمَرت يداه الممدودتان في العارضة الخشبية الأفقية من الصليب والتي كانت على الدوام مغروسة في الأرض”.

وهنا كنت ألاقي صعوبة في تصور هذا المنظر، لذلك إحتجت لمزيد من التفاصيل. فسألته: “بماذا سُمَّرت يداه؟ وفي أي موضع من الدين دُقَّت المسامير؟”

فأجابني قائلاً “إستخدم الرومان مسامير يبلغ طولها من خمسة إلى سبعة بوصات وكانت مدببة الطرف. وكانت هذه المسامير تدق من خلال الرسغ” وأشار ميثيريل إلى مكان تحت كف يده اليسرى بحوالي بوصة”.

فقاطعته قائلاً”كنت أظن أن المسامير كانت تخترق الكفين، هذا ما تصوّره كل الصور. وفي الواقع، أصبح هذا رمز قياسي لتمثيل عملية الصلب”.

فكرر ميثيريل “خلال الرسغ، فقد كان هذا موضع صلب يقفل اليد. فلو كانت المسامير قد دقت خلال الكفين لكان ثقل جسمه يجعل الجلد يتمزق، ولكان سقط هن الصليب. وهكذا دخلت المسامير من خلال الرسغ مع أن الرسغ كان يعتبر جزءاً من اليد في لغتهم في تلك الأيام.

“ومن المهم أن نفهم أن المسمار كان يخترق مكان العصب الأوسط، وهو العصب الأكبر متجه إلى اليد، وكان هذا العصب يسحق عند دق المسمار فيه”.

وحيث أنه لم يكن لديَ سوى معرفة بدائية عن علم التشريح الإنساني، فلم أكن متأكداً من معنى هذا الكلام. فسألته “ما نوع الألم الناتج عن دق المسامير بهذه الطريقة؟”

فأجابني قائلاً “دعني أشرح لك هذه النقطة، عل تعرف نوع الألم الذي تشعر به عندما تضرب كوعك في موضع عظمة الكوع حيث يوجد عصب آخر يسمى عصب الزند. وهو مؤلم للغاية لو ضربته عرضياً.

“حسناً، تصور أنك إستخدمت كماشة وعصرت وسحقت بها هذا العصب”قال هذا مع تأكيد كلمة”عصرت” فيما كان يُحرِّك يده وكأنه يلوي كماشة تخيلية. “إن تأثيرها سيكون مشابهاً لما شعر به يسوع”

جفلت عندما تخيلت هذه الصورة وتلويت في كرسييَّ.

إسترسل في كلامه “لقد كان الألم لا يُطاق إطلاقاً. في الحقيقة، كان الألم أصعب أن يوصف بكلمات، حتى أنهم إضطروا لإختراع كلمة جديدة: وهي “التعذيب النفس/ جسمي. ومعناها “خارج الصليب”. فكر في هذه النقطة، لقد إحتاجوا لخلق كلمة جديدة، لأنهم لم يجدوا كلمة أُخرى في اللغة تستطيع أن تصف الآلام الفظيعة التي تسببها عملية الصلب.

“عند هذه النقطة رُفع يسوع إلى العارضة الأفقية حيث تُثبّت في العارضة الرأسية، وبعد ذلك تُدقُّ المسامير على قدمي يسوع. ومرة أخرى، سحقت المسامير أعصاب القدمين، وسببت نوعاً مماثلاً من الألم”.

لقد كان سحق الأعصاب وتمزقها سيئاً جداً بالتأكيد، ولكني إحتجت لمعرفة مدى تأثير تعليق يسوع على خشبة الصليب.

“وما هي الضغوط التي سببها هذا التعليق على جسمه؟”

فأجاب ميثيريل “أولاً، ذراعيه تمددت في الحال، بطول ست بوصات تقريباً، وكلا الكتفين خُلعتا من موضعهما، ويمكنك أن تحدد ذلك بمعادلات رياضية بسيطة.

“هذا يحقق نبوة العهد القديم في المزامير وبالتحديد في مزمور 22، وهي النبوة التي تنبأت بالصلب قبل حدوثه بمئات السنين إذ يقول “انْفَصَلتْ كُلُّ عَظَامَي”.

سبب الموت

أثار ميثيريل نقطته بشكل تفصيلي بوصف حي نابض بالحياة- وهي نقطة الآلام التي تحملها يسوع عندما بدأت عملية الصلب. ولكني إحتجت لفهم ما الذي يسبب موت ضحية صلب في النهاية، لأن تلك هي المسألة المحورية لتحديد إن كان من الممكن للموت أن يزيف أو بالإمكان التملص منه. لذا وجهت سؤالي عن سبب الموت مباشرة إلى ميثيريل.

فأجابني قائلاً”بمجرد أن يُعلّق الشخص في وضع رأسي، فإن الصلب يسبب، وبشكل اساسي، موت بطيء جداً بالإختناق”.

“السبب هو ذلك الضغط على العضلات والحجاب الحاجز اللتين تضعان الصدر في موضع الشهيق. وأساساً، لكي يخرج هواء الزفير، لابد أن يضغط على قدميه لكي يخفف الضغط على العضلات للحظة. وبالقيام بذلك، فإن المسامير تُمزّق القدمين، وتظل المسامير تمزق القدمين من الداخل حتى تتوقف في النهاية عند عظم الكعب.

“وبعد أن يتمكن من إخراج هواء الزفير، يكون الشخص قادر على الإسترخاء إلى أسفل ليأخذ نفساً آخر. وبعد ذلك، يضطر أن يدفع نفسه للأعلى ليخرج هواء الزفير، فيسبب إحتكاك ظهره النازف مع خشب الصليب الخشن. وتستمر هذه العملية حتى يحل عليه الإنهاك التام والتعب الشديد ويصبح الشخص غير قادر على دفع نفسه لأعلى ليتنفس مرة أخرى.

“وعندما يبطئ الشخصْ من تنفسه- يصاب بحالة تسمى”أسيدوسز” ومعناها نقل قلوية الدم والأنسجة بسبب بطئ عملية التنفس، فيذوب ثاني أُكسيد الكربون في الدم مكوناً حامض الكربونيك مما يسبب إزدياد حموضة الدم. وهذا يؤدي في النهاية إلى عدم إنتظام ضربات القلب. وفي الواقع، عندما أصبحت ضربات قلبه مضطربة، كان يسوع مُدركاَ أنه قد أصبح عند لحظة الموت، وهي اللحظة التي إستطاع فيها أن يقول”يَا أَبَتَاةُ فَي يَديْكً أسْتَوْدَعُ رُوحَي” وبعد ذلك مات من السكتة القلبية”.

لقد كان أوضح شرح سمعته حتى الآن عن الموت بسبب الصلب، ولكن ميثيريل لم ينهي حديثه بعد.

فقال”حتى قبل أن يموت- وهذا مهم أيضاً- فإن الصدمة الناتجة عن تأثير فقد الجسم لكمية كبيرة من الدم مما نتج عنه زيادة في سرعة ضربات القلب، مما يؤدي إلى توقف القلب، ونتيجة لذلك يتجمع السائل في الغشاء المبطن للقلب، وهي حالة تسمى تدفق الدم حول القلب، وكذلك تدفق الدم حول الرئتين.

فسألته “لماذا يكون هذا مهماً؟”

فأجاب قائلاً “بسبب ما حدث عندما أتى الجندي الروماني، وحيث كان متأكداً أن يسوع قد مات، أراد أن يؤكد موته بان غرز الحربة في جانبه الأيمن. ويحتمل أن يكون جنبه الأيمن وإن كان هذا غير مؤكد، لكن من الوصف أنه كان جنبه الأيمن، بين الأضلاع”.

“ويبدو أن الحربة إخترقت الرئة اليمنى ثم الى القلب، فلما أُخرجت الحربة خرج معها سائل، وهو الدم المجتمع حول القلب وحول الرئتين. وكان مظهره كسائل صافي مثل الماء، ثم تبعه كمية كبيرة من الدم، كما وصفها شاهد العيان يوحنا في إنجيله”.

ومن المحتمل أن يوحنا لم تكن لديه فكرة، لماذا رأى كل من الدم والسائل الصافي يخرجان من جنب يسوع، وبالتأكيد لم يكن هذا ماكان يتوقعه شخص غير مُدرّب مثل يوحنا. ومع ذلك، فإن وصف يوحنا متسق مع ما يتوقعه الطب الحديق لأن يحدث. أولاً يبدو أن هذا يعطي مصداقية لكون يوحنا شاهد عيان، ومع ذلك، فيبدو أنه كان هناك خطأ كبير في كل هذا.

أخرجت كتابي المقدس وفتحته على إنجيل (يوحنا 19: 34) ثم قلت محتجاً: “إنتظر يا دكتور دقيقة، لما قرأت بعناية ما كتبه يوحنا حيث قال إنه رأى “دماً وماء” يخرجان، وهو وضع الكلمتين بهذا الترتيب عن عمد. ولكن حسب رأيك إن السائل الصافي خرج أولاً. إذن هناك تناقض هام هنا”.

فإبتسم ميثيريل قليلاً ثم قال “لست عالماً في اليونانية، ولكن وفقاً للناس الذين المتمكنين في اللغة اليونانية، قرروا بإن ترتين الكلمات في اللغة اليونانية القديمة فم بالضرورة بتسلسل الأحداث بل حسب أهميتها. وهذا يعني أنه طالما كانت كمية الدم أكثر من الماء من المنطقي أن يوحنا يذكر الدم أولاً”.

سلمت بهذه النقطة لكني سجلته ملحوظة في عقلي لكي أُؤكدها بنفسي فيما بعد. ثم قلت له “في هذه المرحلة الحاسمة ماذا كانت حالة يسوع؟”

فحملق ميثيريل والتقت عيناه مع عيني ثم أجاب مؤكداً”لم يكن هناك شك إطلاقاً أن يسوع كان ميتاً”.

الرد على المتشككين:

يبدو أن تأكيد الدكتور ميثيريل كان مدعماً بالأدلة. لكن ما زال هناك بعض التفاصيل التي أردت أن أحدثه عنها، بالإضافة إلى على الأقل نقطة واحدة غير مؤكدة في وصفه، التي من الممكن أن تقوّض من مصداقة الوصف الإنجيلي.

فقلت له”تقول الأناجيل أن الجنود كسروا أرجل المجرمين المصلوبين مع يسوع، فلماذا فعلوا ذلك؟”

“لو أرادوا التعجيل بوفاتهم قبل حلول السبت وعيد الفصح، فإن القادة اليهود أرادوا بالتأكيد أن ينتهون من ذلك قبل غروب الشمس، وكان الرومان يستخدمون قصبة الرمح المصنوعة من الصُلب من رمح روماني قصير ليكسروا العظام السلفي لأرجل الضحية. وكان هذا سيمنعه من دفع رجليه إلى أعلى لكي يستطيع التنفس، وهذا يؤدي للموت خنقاً خلال دقائق.

“وطبعاً، ذكر لنا العهد الجديد أن رجَلي يسوع لم تُكسر، لأن الجنود قرروا بأنه كان ميتاً، وإستخدموا الحربة فقط لتأكيده. وكان هذا تحقيقاً لنبوءة أخرى عن المسيا، بأن عظم من عظامه لن تُكسر”.

وهنا قفزت مرة أخرى وقلت له”بعض الناس حاولوا إثارة الشك حول الروايات الإنجيلية بمهاجمة قصة الصلب. فمثلاً، هناك مقالة في جريدة “مراجعة هارفارد اللاهوتية” إستنتجت قبل عدة سنوات بأنه كان هناك “أدلة قليلة بشكل مدهش أن أقدام الشخص المصلوب كانت تُدق بالمسامير” وبدلاً من ذلك- حسب ما جاء في المقالة- كانت أيدي الضحية وأقدامه تربط في الصليب بالحبال [8]ألن تسلم بأن هذا يثير مشاكل المصداقية بالنسبة للوصف الذي ذُكر في العهد الجديد؟”

وهنا تحرك ميثيريل للأمام حتى أصبح جالساً على طرف الكرسي ثم قال”كلا، لعلم الآثار قد أثبت الآن على طرف الكرسي ثم قال “كلا، لأن علم الآثار قد أثبت الآن إن إستخدام المسامير كان تاريخياً، مع أني سأسلم بالتأكيد أن الحبال كانت فعلاً تستخدم أحياناً”.

فسألته “ما الدليل على ذلك؟”

فأجابني “في سنة 1968م وجد علماء الآثار في أورشليم بقايا حوالي ثلاث دزينات من اليهود الذين ماتوا أثناء الثورة ضد روما حوالي سنة 70م. وأحد الضحايا الذي يبدو أن اسمه كان يوحنان، كان قد صلب. وكما هو متوقع، وجدوا مسمار طوله سبع بوصات ما زال مغروزاً في قدميه، وقطع صغيرة من خشب الزيتون من الصليب ما زالت عالقة بهما. وكان هذا تأكيد آثاري ممتاز لتفاصيل جوهرية في وصف الإنحيل لعملية الصلب”.

إقتنعت، ثم فكرت “ولكن هناك نقطة واحدة أخرى مثيرة للجدال تتعلق بخبرة الرومان لأن يحددوا إن كان يسوع قد مات”. فأشرت “هؤلاء الناس كانوا بدائيين جداً من ناحية فهمهم للطب وعلم التشريح وغيرها- فكيف نعرف بأنهم لم يخطئوا حين أعلنوا أن يسوع لم يعد حياً؟”

فأجابني قائلاً”سأسلم لك بأن هؤلاء الجنود لم يذهبوا إلى كلية الطب. لكن تذكر أنهم كانوا خبراء في قتل الناس، فهذه كانت وظيفتهم، وكانوا يؤدونها بإتقان. وكانوا يعرفون بلا شك متى يكون الشخص ميتاً. وفي الواقع إن هذا ليس من الصعب جداً إكتشافه.

“وبالإضافة إلى ذلك، إذا هرب سجين بطريقة ما، فإن الجنود المسؤولين أنفسهم سيموتون، ولذلك كان لديهم حافز ضخم لأن يتأكدوا تماماً بأن كل ضحية كان ميتاً عند إنزاله عن الصليب”.

المجادلة الأخيرة:

بالإحتكام إلى التاريخ والطب، وإلى علمَ الآثار وحتى القوانين العسكرية الرومانية، إستطاع ميثيريل أن يسد كل منفذ للغموض، يسوع لم يكن ممكناً أن ينزل حياً عن الصليب. ولكن مع ذلك ضغطت عليه بتوجيه هذا السؤال”هل هناك أي طريقة ممكنة- أي طريقة ممكنة- يمكن من خلالها أن ينجو من الموت؟”

هز ميثيريل رأسه وأشار إليَّ بأصبعه مؤكداً “كلا، إطلاقاً، تذكر أنه كان قبل الصلب متأثراً يفقد كمية كبيرة من الدم حتى قبل أن تبدأ عملية الصلب. لم يكن بإمكانه أن ينزف موته لأنه لا يمكنك أن تزيف عدم قدرتك على النتفس لمدة طويلة. بالإضافة إلى ذلك فإن الحربة التي غُرزت في قلبه لابد أنها حسمت المسألة نهائياً وبشكل حاسم. ولم يكن الرومان مستعدين أن يخاطروا بموتهم بالسماح له بالهروب حياً”.

فقلت له”إذن فعندما يأتي إليك شخص ويزعم أن يسوع أغميَ عليه فقط على الصليب …”.

“سأقول لهم إن هذا مستحيل. فتلك نظرية خيالية ليس لها أي أساس ممكن في الواقع”.

ومع ذلك فإني لم أكن مستعداً تماماً للتخلي عن هذه المسألة. فقلت له “دعنا نفترض بأن المستحيل قد حدث وأن يسوع بطريقة ما تمكن من البقاء حياً بعد الصلب. دعنا نقول أنه إستطاع أن يهرب من أربطته الكتانية، ويدحرج الصخرة الضخمة بعيداً عن باب القبر، ويجتاز الجنود الرومان الواقفين للحراسة. فمن الناحية الطبية، في أي حالة صحية كان بعد أن تعقب تلاميذه؟”

ميثيريل لم يكن راغباً أو مستعداً للإشتراك في هذه اللعبة فقال مؤكداً وقد أصبح أكثر نشاطاً وحيوية. “مرة أخرى، أؤكد لك أنه لم تكن هناك أي طريقة تمكنه من البقاء حياً بعد الصلب.

ثم أضاف قائلاً “ولكن إذا كان قد نجا، كيف كان سيمشي بعدما غُرزت المسامير في رجليه؟ كيف كان سيستطيع أن يظهر في الطريق إلى عمواس بعد فترة قصيرة، ثم يمشي مسافات طويلة؟ وكيف كان سيستطيع أن يستخدم ذراعيه بعدما شدت وخلعت من مفاصلها؟ تذكر أنه كان مصاباً بجروح ضخمة في ظهره، وجرح من الحربة في صدره”.

وهنا سكت قليلاً. فهناك شيء يشغل باله، والآن كان مستعداً لإثارة نقطة أخيرة ستوجه طعنة أخيرة إلى قلب نظرية الإغماء بشكل نهائي. إنها مجادلة لم يستطيع أحد أن يفندها منذ أن قدمت لأول مرة قبل عالم اللاهوت الألماني دافيد شتراوس سنة 1835.

وقال لي ميثيريل “إسمع، إن شخصاً في هذه الحالة المحزنة لم يكن أبداً سيحث تلاميذه لأن يخرجوا ويعلنوا بأنه هو رب الحياة الذي إنتصر على القبر.

“هل فهمت ما أقوله. بعدما تكبّد تلك الإساءة المروعة، مع كل فقدان الدم الكارثي والجراح المفجعة، كان سيبدو وفي حالة يرثى لها لدرجة أن أتباعه وتلاميذه لم يكونوا سيرحبون به أبداً كقاهر الموت المنتصر، بل كانوا سيشعرون بالأسى عليه ويحاولون رعايته حتى تعود إليه صحته.

“لذا من غير المعقول أن نظن أنه لو كان قد ظهر لهم في هذه الحالة الفظيعة، كان يمكن أن يحث أتباعه لبدء حركة عالمية مبنية على أمل أنهم في يوم من الأيام سيكون لهم جسد قيامة مثل جسده. إن الحقيقة أنه فقط لا توجد طريقة”.

سؤال القلب

بإقناع، وبمهارة، أسس ميثيريل قضيته بدون مجال لأي شك. وقد فعل هذا بالتركيز وبشكل خاص على سؤال”كيف”: كيف أُعدم بسوع بطريقة تتضمن موته تماماً؟ ولكن عندما إنتهى حديثنا، أحسست بأن هناك شئ مفقود. لقد وصلت إلى معلوماته، ولكني لم ألمس قلبه. لذلك لما وقفنا لنتصافح، شعرت أني مضطر أن أسأله سؤال الـ “لماذا” الذي كان يلح عليَّ ويتوسل إليَّ أن أوجهه فقل له.

“أليكس، قبل أن أذهب، دعني أسألك عن رأيك عن شئ، ليس رأيك الطبي ولا تقييمك العلمي لكن مجرد شئ من قلبك”.

وهنا أحسست أنه قد تخلى قليلاً عن يقظته وقال لي “سأحاول”

فسألته “إن يسوع إحتضن الشخص الذي خانه عمداً، ولم يقاوم عملية القبض عليه، ولم يدافع عن نفسه عند محاكمته، فقد كان من الواضح أنه كان مستعداً لأن يخضع برغبته لما وصفته- بالعذاب المحزن المذل- فإني أريد أن أعرف لماذا. ما الذي كان من الممكن أن يُحفّز شخصاَ أن يوافق على تحمل هذا النوع من العقاب؟”

الكسندر ميثيريل- الإنسان هذه المرة وليس الطبيب- بحث عن الكلمات المناسبة.

ثم قال”بصراحة إني لا أظن أن شخصاً عادياً كان بإمكانه أن يفعل ذلك. ولكن يسوع كان يعرف ما سوف يحدث وكان مستعداً لتحمله، لأن هذه كانت الطريقة الوحيدة لكي يخلصنا، بأن يكون بديلاً عنا، ويتحمل عقوبة الموت الذي نستحقه بسبب تمردنا على الله. فهذه كانت رسالته كلها التي من أجلها أتى إلى الأرض”.

وبعد أن قال هذا، كنت ما أزل أشعر أن عقل ميثيريل العقلاني والمنطقي والمنظم بإستمرار كان يوآصل سحق سؤالي إلى إجابة لا يمكن إختصارها.

ثم إختتم كلامه قائلاً “لذلك عندما تسأل ما الحافز الذي حثه لأن يتحمل هذا العذاب، أفترض أن الإجابة يمكن أن تُختصر في كلمة واحدة ألا وهي “المحبة”.

عندما سافرت بسيارتي في تلك الليلة، كانت هذه الإجابة تتردد ممراراً وتكراراً في ذهني.

ومن كل النواحي، كانت رحلتي إلى كاليفورنيا مفيدة للغاية. فإن ميثيريل قد أثبت بطريقة مقنعة أن يسوع لم يكن بإمكانه أن يبقى حياً بعد تحمله عذاب الصليب. وهو نوع من القسوة التي كانت فظيعة لدرجة أن الرومان إستثنوا مواطنيهم منها، فيما عدآ حالات الخيانة العظمى.

وكانت إستنتاجات ميثيريل متسقة مع نتائج الأطباء الأخرين الذين درسوا القضية بعناية. ومن بينهم دكتور وليم دي. إدواردز الذي كتب مقالة سنة 1986م في مجلة”الرابطة الطبية الأمريكية” والتي آستنتج فيها”بشكل وآضح، يُشير ثقل الدليل التاريخي والطبي بأن يسوع كان ميتاً وقبل يُجرح جنبه… وتبعاً بذلك، فإن التفسيرات المبنية على أن يسوع لم يمت على الصليب تبدو متناقضة مع العلوم الطبية الحديثة”[9].

فأولئك الذين يحاولون أن يكذبوا قيامة يسوع بإدعائهم أنه نجا بطريقة ما من قبضة الموت في الجلجثة، يحتاجون أن يقدموا نظرية أكثر معقولية تتوافق مع الحقائق.

وعندئذ فإنهم يجب أن ينتهوا بتأمل السؤال المحزن الذي نحتاج كلنا لدراسته ما الذي قد يكون دافعاً لأن يسمح يسوع بنفسه وبرغبته أن يُهان، ويُعامل بوحشية بالطريقة التي حدثت له؟

مشاورات:

أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة

  1. بعد دراسة وصف ميثيريل، هل ترى أي صلاحية لنظرية الإغماء؟ لماذا نعم ولماذا لا؟
  2. لمدة ألفين عام تقريباً ظل الصليب رمزاً للمسيحية. فالآن وبعد أن قرأت أدلة ميثيريل، كيف ستكون نظراتك إلى هذا الرمز في المستقبل مختلفة؟
  3. هل أنت مستعد أن تتألم من أجل شخص أخر؟ من أجل من ولماذا؟ ما الذي يمكن أن يدفعك لتتحمل التعذيب من أجل شخص أخر؟
  4. كيف كان سيكون رد فعلك على الجنود لو كانوا يسيئون معاملتك ويذلوك ويعذبونك كما فعلوا مع يسوع؟ الذي جعله ينطق في وسط محنته ويقول “يا أبتاه إغفر لهم”؟

مصادر أخرى حول هذا الموضوع

 

Edwards, William D., et al. <<On the Physical Death of Jesus Christ.>> Journal of the American Medical Association (March 21, 1986), 1455-63.

Foreman, Dale. Crucify Him. Grand Rapids: Zondervan, 1990. Hengel, M. Crucifixion in the Ancient World.

Philadelphia: Fortress, McDowell, Josh. The Resurrection Factor. San Bernardino, Calif.: Here’s Life, 1981.

[1]

[2]

[3]

[4]

[5]

[6]

[7]

[8]

[9]

الدليل الطبي للقيامة – هل كان موت يسوع افتعال وقيامته خدعة؟ – لي ستروبل

Exit mobile version