الأدلة المؤيدة، هل هناك دليل موثوق به عن يسوع من خارج سيرة حياته بالأناجيل؟ – لي ستروبل
الأدلة المؤيدة، هل هناك دليل موثوق به عن يسوع من خارج سيرة حياته بالأناجيل؟
يسوع
يسوع
إلتفت إلىَّ هاري أليمان ووجه إصبعه نحوي مهدداً وقال وهو يبصق الكلمات باشمئزاز “لماا تستمر بكتابة تلك الأشياء عمب؟” ثم استدار زاختفى في بئر سلم خلفي لتجنُّب المراسلين الذين كانوا يطاردونه في قاعة المحكمة.
في الحقيقة، لقد كان أمراً صعباً أن تكون مخبراً صحفياً للجرائم قفي شيكاغو أثناء فترة السبعينات، دون أن تكتب عن هاري أليمان. فقد كان، في النهاية، قاتل نقابة الجريمة المحترف المثالي. وسكان شيكاغو، كانوا على نحو منحرف، يحبون القراءة عن الغوغاء.
وقد اراد المدّعون وضع أليمان في السجن عن إحدى جرائم القتل العمد التي يشكون أنه إرتكبها نيابة عن رؤساء نقابته. وبالطبع، كانت المشكلة هي صعوبة وجود أي شخص يرغب في الشهادة ضد عضو في عصابة لها سمعة أليمان المرعبة.
إلى أن حدث تغير كبير. أحد أتباع أليمان السابقون، لويس ألميدا، والذي أُلقي القبض عليه وهوفي طريقه لقتل مسؤول عمل في بنسلفانيا. فلما أدين بتهمة إحراز أسلحة وحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وافق ألميدا على الشهادة ضد أليمان لقتله وكيل إتحاد السائقين في شيكاغو إذا وافق المدّعين على إظهار بعض التساهل نحو ألميدا.
وهذا يعني أن ألميدا كان لديه حافز للتعاون، وهو ما يلوث مصداقيته، بلا شك، إلى حد ما. أدرك المدّعون بأنهم يحتاجون لتعزيز شهادته لضمان الإدانة، لذا بدأوا البحث عن شخص يؤيد رواية ألميدا.
يُرّف قاموس وبستر الكلمة “يؤيد/يعزز” على هذا النحو: “أن يجعل الموضوع مؤكداً؛ يؤكّد: أيَّد روايتي عن حادث” [1] دعم الدليل الإثباتي بشهادة أخرى؛ يدعم أو يؤكد العناصر الأساسية لرواية شاهد عيان. ومن الممكن أن تكون سجلاً عاماً، أو صورة، أو شهادة إضافية من شخص ثاني أو ثالث وتستطيع أن تؤكد صحة كامل شهادة شخص، أو مجرد الأجزاء الرئيسية منها.
في الواقع، إن الدليل الإثباتي يعمل كأسلاك التدعيم التي تحفظ الهوائي الشاهق الإرتفاع ليبقي مستقيماً وثابتاً. وكلما زادت الأدلة المؤيدة كلما أصبحت القضية أضمن وأقوى.
ولكن أين يجد المدّعون تعزيز لرواية ألميدا؟ لقد أتى من مصدر مفاجئ: من مواطن هادئ ملتزم بالقانون يدعى بوبي لوي، فأخبر المحققين أنه كان قد أخذ كلبه ليتمشى عندما رأى أليمان يقتل وكيل الإتحاد. وبالرغم من سُمعة أليمان السيئة والمرعبة جداً، وافق لوي على تأييد قصة ألميدا بأن يشهد ضد عضو العصابة الإجرامية.
قوة التأييد والتعزيز
في محاكمة أليمان، أذهل لوي وألميدا المحلفين بروايتهم. فرواية ألميدا بأنه يقود سيارة مندفعة انسجمت مع وصف لوي الواضح لرؤيته أليمان يقتل ضحيته فوق رصيف مشاة عمومي، في مساء يوم 27 سبتمبر سنة 1972.
إعتقد المدّعون بأنهم قد نسجوا قضية مُحكمة ضد القاتل المحترف المخيف، إلا أنهم رغم ذلك قد أحسّوا طول المحاكمة بشئ ما ناقص. وقد ظهرت شكوكهم أولاً عندما قرر أليمان إعتراضه على محاكمته بواسطة محلفين مفضلاً أن تُسمع قضيته بواسطة قاضي بدلاً من ذلك.
وفي نهاية المحاكمة تحققت أسوأ شكوك المدّعين. فبالرغم من الشهادة الدامغة من قبل لوي وألميدا، إلا أن القاضي أنهى القضية معلناً براءة أليمان والسماح بإطلاق سراحه.
فما الذى حدث؟ تذكّر، بأن هذا قد حدث في مقاطعة كوك، بولاية إلينويز، حيث يكمن الفساد في أغلب الأحيان. فيعد سنوات إتضح أن القاضي قد أعطيَّ خلسة عشرة آلاف دولار مُقابل الحكم بالبراءة. وعندما اكتشف أمر الرشوة مُخبر مكتب التحقيقات الفيدرالي، إنتحر القاضي المتقاعد آنذاك وأعاد المدّعين تهمة القتل ثانية ضد أليمان.
وعندما عقدت المحاكمة الثانية، تغيّر القانون وهو ما مكَّن المدعون بالمطالبة بهيئة محلفين لسماع القضية، وهذا ما تمَّ. وأخيراً، وبعد خمسة وعشرون سنة على جريمة القتل، أُدين أليمان وحُكِمَ عليه بالسجن من مائة إلى ثلاثمائة سنة[2].
وبالرغم من التأخير، فإن قصة أليمان تُرينا كيف يمكن أن تكون أهمية الأدلة المؤيدة ونفس هذا الوضع صحيح في التعامل مع القضايا التاريخية. وقد سبق وسمعنا من خلال شهادة دكتور كريج بلومبيرج، أنه يوجد في الأناجيل أدلة شهود عيان ممتازة عن حياة، وتعاليم، وموت، وقيامة يسوع. ولكن هناك أي أدلة أخرى لتأييد ذلك؟ وهل هناك كتابات من خارج الأناجيل تؤكد أو تدعم أي من الأساسيات عن يسوع أو المسيحية المُبكرة؟
وبعبارة أخرى، هل توجد أي وثائق إضافية تستطيع المساعدة على ختم قضية المسيح، كما ختمت شهادة بوبي لوي القضية ضد هاري ألمان؟ إن الجواب، طبقاً لشاهدنا التالي، نعم، وكمية ونوعية هذه الأدلة قد تدهشك كثيراً جداً.
المقابلة الثالثة: إدوين إم. ياموكهي، دكتوراة فلسفة
عندما دخلت البناية التي من الطابوق البارز الكائن بها مكتب إدوين ياموكهي في جامعة ميامي في إكسفورد الرائعة، بولاية أوهايو، مشيت تحت قوس حجري يحمل هذا النقش: “سوف تعرف الحقيقة، والحقيقة ستجعلك تُحرُّر”. ولكونه من كبار خبراء البلاد البارزين في التاريخ القديم، فإن ياموكهي قد صرف معظم حياته ساعياً وراء الحقيقة التاريخية.
ولد في هاواي سنة 1937، إبن لأحد المهاجرين من أوكيناوا، بدأ موتشي حياته بداية متواضعة. وقد مات ابوه قبل الهجوم الياباني على بيرل هاربر مباشرة، تاركاً أمه لتتكسّب قوتها الضئيل بالعمل كخادمة للعوائل الثرية. وبينما كانت لم تتعلم تعليماً رسمياً، إلا أنها شجعن إبنها على القراءة والدرس، بإعطائه كتباً بها صور جميلة لتغرس فيه محبة دائمة للتعلّم.
إن إنجازاته الأكاديمية، بالتأكيد، كانت رائعة. فبعد حصوله على البكالوريوس في اللغة العبرية والتاريخ اليوناني القديم، حاز ياموكهي على دجات الماجستير والدكتوراة في دراسات حوض البحر الأبيض من جامعة برانديز.
مُنِحَ ثمان درجات زمالة، من مجلس أبحاث روتجيرز، والمنحة القومية في العلوم الإنسانية، والجمعية الفلسفية الأمريكية، وغيرها. ولقد درس 22 لغة، من بينها اللغة العربية، والصينية، والمصرية، والروسية، والسيريانية، واليوجارتية، وحتى الكومانشية.
قدم 71 ورقة أمام الجمعيات الثقافية؛ حوضرت في أكثر من مائة من المعاهد، والجامعات، والكليات، بما فيها جامعة يايل، وبرينستون، وكورنيل. وعمل كرئيس ثم مدير لمعهد أبحاث الكتاب المقدس ومديراً لمؤتمر عن الإيمان والتاريخ، كما نشر 80 مقالة في 37 مجلة علمية.
وفي سنة 1968 شارك في التنقيب الأولي للكشف عن هيكل هيرودس في أورشليم (القدس)، وكشف عن أدلة دمار الهيكل سنة 70 م. كان علم الآثار موضوعاً للعديد من كتبه بما فيها “الأحجار والكتاب المقدس”؛ “الكتاب المقدس وعلم الآثار”؛ و “عالم المسيحيين الأوائل”.
ومع أنه ولد في خلفية بوذية، إلا أن ياموكهي يتبع يسوع منذ 1952، وهي السنة التى ولدت أنا فيها. وقد كنت تواقاً ومشتاقاً بنوع خاص لأن أعرف إذا كان إلتزامه الطويل الأمد بالمسيح يلوّن تقييمه للأدلة التاريخية. وبعبارة أخرى، هل سيتمسك بالحقائق بدقة المتشكك أم سيُغري بالاستنتاجات التي تتجاوز الحدود التي تبررها الأدلة؟
وجدت لدى ياموكهي سلوك لطيف ومتواضع. ومع أن حديثه رقيق وناعم، إلا أنه شديد التركيز. فهو يعطيك إجابات كاملة وبالتفصيل لأسئلتك، ويتوقف في أغلب الأحيان ليستكمل إجابته الشفوية بعرض نُسخ لمقالات علمية كُتبت عن الموضوع. وهو عالم جيد يعرف بأنه لا يمكنك أبداً إمتلاك البيانات الأكثر من اللازم.
وفي مكتبه المملوء بالكتب المتناثرة، في قلب حرم جامعي كثيف الأشجار والمتوهج بالألوان الخريفية، جلسنا للتحدث عن الموضوع الذي مازال يجلب لمعان لعينيه، حتى بعد هذه السنين الطويلة من الأبحاث والتعليم.
تأكيد الإنجيل
بسبب مقابلتى لبلومبيرج، لم أُرد أقترح أننا كنا محتاجين لتاوز الأناجيل لكي نجد أدلة موثقة فيما يتعلّق بيسوع. لذا بدأت بسؤال ياموكهي هذا السؤال “بوصفك مؤرخ، هل يمكنك أن تعطيني تقييمك إمكان الوثوق بالأناجيل نفسها من الناحية التاريخية؟”.
فأجاب قائلاً: “إجمالاً، تعتبر الأناجيل مصادر ممتازة. وفي الحقيقة، أنها تامّة وجديرة بأكبر ثقة، ومصادر يمكن الإعتماد عليها عن يسوع. أما المصادر الثانوية فهي لا تضيف معلومات مُفصّلة كثيرة؛ ومع ذلك، فهي ذات قيمة كأدلة مؤيدة ومعززة”. فقلت: “حسناً، هذا ما أريد مناقشته ـــــــ الدليل الإثباتي.
“لنكن أمناء: بعض الناس يسخروا من كمية هذه الأدلة. فمثلاً في سنة 1979 كتب تشارلس تيمبلتون رواية بعنوان “أعمال الله” وفيها نجد عالم آثار خيالي ذكر مقولة تعكس معتقدات الكثير من الناس”.
سحبت الكتاب وقرأت الفقرة المتعلقة بهذه النقطة:
إن الكنيسة [المسيحية] تبني معظم إدعاءاتها على تعاليم شاب يهودي مغرور تظاهر بأنه المسيح الذي لم يحدث تأثيراً كبيراً في حياته. ولا توجد كلمة واحدة عنه في التاريخ العلماني: ولا كلمة. ولم يذكره الرومان ولم يذكر أو يشير إليه يوسيفوس”[3].
فقلت له بحدة: “الآن، من هذا يبدو بأنه ليس هناك أدلة مؤيدة لحياة يسوع من خارج الأناجيل”.
فابتسم ياموكهي وهز رأسه “إن عالم الآثار في رواية تيمبلتون يُخطئ ببساطة، وأضاف بنغمة رافضة “لأننا فعلاً نملك إشارات مهمة جداً ليسوع في أعمال يوسيفوس وتاسيتوس.
“والأناجيل نفسها تقول أن الكثيرين الذين سمعوه – حتى أفراد أسرته الذين لم يؤمنوا بيسوع أثناء فتة حياته – وبرغم ذلك، فقد كان له تأثير قوي لدرجة أن الناس وحتى يومنا هذا يتذكرونه في كل مكان، بينما هيرودس الكبير، وبيلاطس البنطي، وحكام قدماء آخرون ليسوا معروفين بنفس الدرجة وعلى نفس النطاق الواسع. لذلك فإنه بالتأكيد أثر تأثيراً قوياً على الذين آمنوا به”.
ثم سكت قليلاً ثم أضاف قائلاً: “بالطبع، لم يؤثر على أولئك الذين لم يؤمنوا به”.
الشهادة من قبل خائن
ذكر كلّ من تيمبلتون وياموكهي يوسيفوس، مؤرخ القرن الأول المشهور بين العلماء إلا أن إسمه غير مألوف لدى معظم الناس اليوم، فقلت ليومكهي “زودني ببعض المعلومات كخلفية عنه، وقل لي كيف أن شهادته تعطي تعزيزاً فيما يتعلق بيسوع”.
فأجاب ياموكهي بعد أن وضع ساقاً على ساق وجلس مستريحاً على كرسيه. “نعم، بالطبع، كان يوسيفوس مؤرخ يهودي مهم جداً من القرن الأول. ولد سنة 37م. وكتب أغلب أعماله الأربعة نحو نهاية القرن الأول.
“في سيرته الذاتية دافع عن تصرفاته في الحرب اليهودية الرومانية، التي نشبت من سنة 66 – 74م. فكما ترى أنه استسلم للقائد الروماني فيسباسيان أثناء حصار جوتاباتا، بالرغم من أن العديد من زملائه إنتحروا مفضلينه على الإستسلام”.
ضحك البروفيسور ضحكة مكتومة ثم قال “قر يوسيفوس بأن إرادة الله له أ ينتحر. ثم أصبح فيما بعد ذلك مُدافعاً عن الرومان”.
وهذا ما يجعل صوة يوسيفوس كشخصيته متلونة؛ أردت تفاصيل أكثر عنه حتى يزداد فهمي عن دوافعه وتحيزاته فقلت له: “إرسم لي صورة عنه”.
فقال لي “كان كاهناً، فريسياً، وكان مغرورا جداً. وأكثر أعماله طموحاً كتاب يدعى “العصور القديمة”، وهو عبارة عن تاريخ الشعب اليهودي منذ الخليقة وحتى عصره. ومن المحتمل أنه قد أكمله حوالي سنة 93م.
“وكما يمكنك أن تتخيل من تعاونه مع الرومان المكروهين، جعله هذا مكروهاً من زملائه اليهود. إلا أن لديه شعبية كبيرة بين المسيحيين، لأنه في كتاباته أشار إلى يعقوب، أخو يسوع، وإلى يسوع نفسه”
هنا يكمن مثالنا الأول من الأدلة المؤيدة ليسوع من خارج الأناجيل فقلت له “أخبرني عن هذه الإشارات”.
فأجاب ياموكهي “في كتاب “الصور القديمة” يصف كيف أن رئيس كهنة يدعى حنانيا إنتهز فرصة موت الحاكم الروماني فيستوس – الذى ذكر أيضاً في العهد الجديد – لكي يقتل يعقوب”.
ثم إتكأ على رف كتبه، وسحب مجلداً سميكاً، وقلَّب صفحاته حتى وصل إلى صفحة يبدو أنه يعرف مكانها عن ظهر قلب “آه، ها هي الفقرة”
دعا لعقد اجتماع السنهدرين وأحضر أمامهم رجلاً يدعى يعقوب، أخو يسوع، الذي يدعى المسيح، ومعه آخرون. واتهمهم بأنهم إنتهكوا القانون وسلمهم لكي يرجموهم”[4].
ثم أكد ياموكهي بثقة قائلاً: “لا أعرف أي عالم، إنتقدهذه الفقرة بنجاح. ولقد علّق إل. إتش. فيلدمان قائلاً: لو كانت هذه الفقرة كانت إضافةمسيحية فيما بعد للنص، لكان من المحتمل أن تكون مدحاً وتمجيداً ليعقوب.
“فأنت هنا تجد إشارة إلى أخو يسوع – الذي يبدو أنه قدتحول إلى الإيمان بظهور المسيح بعد قيامته. فلو قارنت إنجيل يوحنا5:7 و1كورنثوس7:1، والأدلة المؤيدة لحقيةأن بعض الناس كانوا يعتبرون يسوع هو المسيح، التي معناها: “الممسوح بالزيت” أو “المكرس” أو “المسيا”.
“هناك عاش يسوع…”
عفت بأن يوسيفوس قد كتب فقرة أطول عن يسوع وهذه الفقرة تسمى “الشهادة الفلافيانيونية Testimonium Flavianum”. وعرفت أيضاً أن هذه الفقرة كانت من أكثر الكتابات القديمة التي عُورضت بحارة لأنه بظهورها إلى السطح تزودنا بدليل مؤيد ومعززاً كاسحاً لحياة يسوع، ومعجزاته، وموته، وقيامته. لكن هل هذه الشهادة أصيلة وموثوق بها؟ أم أنه تلاعب بها من قبل الناس المحبين ليسوع.
فسألت ياموكهي عن رأيه، وكان من الواضح بأنني قد دخلت تواً منطقة ذات أهمية كبرى لديه. فانتصب معتدلاً على الكرسي ثم قال بحماس منحنياً للأمام والكتاب في يده “هه فقرة ساحرة لكن نعم، إنها مثيرة للجدل” ثم قرأها لي:
في ذلك الزمان عاش يسوع، إنسان حكيم، لو كنا فعلاً ينبغي أن نسميه إنسان. لأنه كان الشخص الذي صنع أعمالاً فذة مدهشة وكان معلماً للناس الذين يقبلون الحق بسرور. وقد كسب أتباعاً عديدين من اليهود ومن اليونانيين. لقد كان هو المسيح. وعندما سمع بيلاطس أن رجالاً من أعلى المراكز بيننا يتهمونه حكم عليه بأن يصلب، فأولئك الذين كانوا يحبونه في المقام الأول لم يتخلوا عن محبتهم له، وفي اليوم الثالث ظهر لهم وقد عاد إلى الحياة لأن أنبياء الله كانوا قد تنبأوا بهذه الأمور وبأشياء أخرى عجية وعديدة عن يسوع وجماعة المسيحيين الذين دُعيوا بإسمه مازالوا موجودين حتى يومنا هذا ولم يختفوا[5].
إن كثرة الأدلة المؤيدة ليسوع كانتواضحة بسهولة.
فسألته: “هل توافق أن هذه الفقرة كانت مثيرة للجدل، وما الذي استنتجه العلماء من هذه الفقرة؟”.
فقال: “إن العلماء إتجهوا إلى ثلاث إتجاهات عن هذه الفقرة. فقد ظن المسيحيون الأول – لأسباب واضحة – أنها تعتبر دليل رائع وصادق جداً ودقيق عن يسوع وقيامته. لذلك أحبوا هذه الفقرة – لكن القطعة كلها تعرضت للأسئلة من بعض العلماء على الأقل أثناء حركة التنوير الفلسفية (في القرن 18)”.
“لكن اليوم هناك إجماع رائع بين كلّ من العلماء اليهود والمسيحيين بأن الفقرة ككل أصيلة، ولو أنه لربما قديكون بها بعض الزيادات”.
ففعت حاجبي دهشةّ وسألته: “زيادات، هل يمكنك أن تُعرّف ماذا تقصد بهذه الكلمة؟”.
فقال ياموكهي: “هذا معناه أن بعض النُسّاخ المسيحيين قد أدخلوا بعض العبارات التي لم يكن قد كتبها كاتب يهودي مثل يوسيفوس”.
ثم أشار إلى جملة في الكتاب “فمثلاً يقول السطر الأول “في ذلك الزمان عاش يسوع، إنسان حكيم”. هذه العبارة لم يستخدمها المسيحيين عادة عن يسوع، لذلك تبدو أصيلة وتُنسب ليوسيفوس. لكن العبارة التالية تقول: “لوكان فعلاً ينبغي أن يسمى رجلاً” فهذا يدل على أن يسوع كان أثر من إنسان، لذا تبدو العبارة زيادة”.
فاومأت برأسي لأعرفه أنني قد تتبعته حتى الآن.
ثم إستمر بالقول “لأنه كان واحدا صنع أعمالاً فذة مدهشة وكان معلماً لأناس يتقبلون الحق بسرور. وقد كسب أتباعاً عديدين من اليهود ومن اليونانيين” ويبدو أن هذا متفقا مع مفردات يوسيفوس الأسلوبية والتي استخدمها في أماكن أخرى، ويعتبر على العموم أصيل وموثوق به.
“ولكن هناك بعد ذلك العبارة الواضحة والخالية من الغموض: “إنه كان المسيح” فتلك تبدو زيادة…”.
فقاطعته قائلاً: “لأن يوسيفوس يول في إشارته إلى يعقوب أنه كان “يدعى المسيح”.
فقال ياموكهي: “هذا صحيح، إذ أنه من غير المحتمل أن يول يوسيفوس هنا وبشكل قاطع أن يسوع هو “المسيا المنتظر”، في حين أنه في مكان آخر يقول فقط أنه كان “يُعلّم بأنه المسيا المنتظر من قبل أتباعه”.
“والجزء التالي من القطعة – التي تتحدث عن محاكمة يسوع وصلبه وحقيقة أن أتباعه مازالوا يحبونه – ليست بإستثنائية وتعتبر أصيلة. ثم هناك العبارة: “وفي اليوم الثالث ظهر لهم وقد عاد إلى الحياة” أيضاً، تعتبر إعلان واضح عن الإيمان بالقيامة، ولذلك فمن غير المحتمل أن يوسيفوس هو كاتبها. وبذا فهذه العناصر الثلاثة تبدو أنها الزيادات”.
فسألته: ما هو الاستنتاج النهائي؟”.
فأجاب قائلاً: “أن هذه الفقرة عند يوسيفوس من المرجّح أنها كُتبت عن يسوع أصلا، مع كونها بدون هذه النقاط الثلاث التي ذكرت. ومع ذلك، فإن يوسيفوس يعطينا أدلة مؤيدة بمعلومات هامة عن يسوع: أنه كان القائد الشهيد للكنيسة في أورشليم (القدس) وأنه كان معلماً حكيماً صنع له أتباعاً كثيرين ودائمين، بالرغم من حقيقة أنه صلب تحت حكم بيلاطس بتحريض من بعض زعماء اليهود”.
أهمية يوسيفوس
فيما عرضت هذه الإشارات بعض التأكيد الهام والمستقل عن يسوع، إلا أني تساءلت لماذا مؤرخ مثل يوسيفوس لم يقل المزيد عن مثل هذه الشخصية الهامة في القرن الأول. وقد عرفت بأن بعض المتشككين مثل فيلسوف جامعة بوسطن مايكل مارتن، كتب هه المقالة النقدية.
لذا سألت عن رد فعل ياموكهي تجاه هذا البيان من قبل مارتن، الى لا يؤمن أن يسوع كان قد عاش في أي زمن: “لو كان يسوع عاش فعلاً، لكنا نتوقع أن يوسيفوس قد ذكره… عند مروره عندما ذكر أشخاصاً آخرين ينتموا إلى المسيا ويوحنا المعمدان بتفاصيل أكثر”[6].
بدا ردُّ ياموكهي قوياً على نحو غير معهود. “ومن وقت لآخر حاول بعض الناس إنكار وجود يسوع، إلا أن ذلك في الحقيقة قضية خاسرة”. قال ذلك بنغمة غاضبة. “فهناك أدلة ساحقة بأن يسوع كان فعلاً موجوداً، وهذه المسائل الإفتراضية بلا معنى وباطلة جداً جداً”.
“ولكني أجيب بالقول: إن يوسيفوس قد كان مهتماً بالأمور السياسية والكفاح ضد روما، لذا كان يوحنا المعمدان أكثر أهمية بالنسبة له لأنه كان يُشكِّل تهديداً سياسياً أعظم مما كان يسوع يشكله”.
فقفزت قائلاً: “توقف لحظة. أليس هناك بعض العلماء الذين صوروا يسوع كمتطرّف من طائفة الغيورين اليهودية أو على الأقل كان متعاطفاً معهم؟ وقد أشرت بهذا السؤال إلى طائفة ثورية في القرن الأول كانت تعارض روما سياسياً.
رفض ياموكهي الإعتراض بإشارة من يدهوأجاب “هذا موقف لم تؤيده الأناجيل نفسها، لأنك وكما تذكر، لم يعترض يسوع على دفع الضرائب للرومان. ومن ثمّ فإن يسوع وأتباعه لم يشكلوا تهديداً سياسياً مباشراً، ومن المفهوم بالتأكيد أن يوسيفوس لم يكن أكثر إهتماماً بهذه الطائفة، مع أنه قد أدرك متأخراً لأهميتها”.
“وهكذا ففي تقييمك، إلى أي مقدار أهمية هاتين الإشارتين عند يوسيفوس؟”.
فأجاب ياموكهي “مهمة جداً، لأن وصفه للحرب اليهودية ثبت أنها كانت دقيقة جداً؛ فمثلاً إنها قد تم تأييدها بأدلة من خلال حفريات أثرية في ماسادا وكذلك بواسطة مؤرخين مثل تاسيتوس. والذي يُعدُّ مؤرخ موثوق جداً، وذكره ليسوع يعتبر عظيم الأهمية”.
“خرافة مؤذية جداً
لقد ذكر ياموكهي للتو المؤرخ الروماني الأثر أهمية في القرن الأول، وكنت أريد أن أناقشه فيما كان تاسيتوس لديه ما يقوله عن يسوع وعن المسيحية. فسألته “هل يمكنك أن تفسر لي ما الأدلة التأييدية التي قدمها؟
أومأ ياموكهي برأسه موافقاً ثم قال: “إن تاسيتوس قد سجل ما قد يعتبر المصدر الأكثر أهمية عن يسوع من خارج العهد الجديد، في سنة115م. يذكر بوضوح أن نيرون إضطهد المسيحيين واستخدمهم كأكباش فداء ليبعد الشك عن نفسه بأنهم من أشعل النيران العظيمة التي دمرت روما سنة 64م”.
فوقف ياموكهي وسار نحو عن كتاب معين ثم قال: “آه نعم، ها هو” وسحب مجلداً سميكاً وتصفحه حتى وجد الفقرة المطلوبة والتي قرأها لي:
نيرون ألصق الذنب وأنزل أشد أنواع العذاب على طائفة مكروهة لبغضهم الشديد، والذين كانوا يثدعون من قبل العامة المسيحيين. وكان المسيح، الذي إشتق إسمهم من أصل إسمه، نال عقوبة شديدة في عهد طيباريوس على يدي أحد وكلائنا، بيلاطس البنطي. وكانت خرافة مؤذية جداً، تم إيقافها مؤقتاً، ولكنها ظهرت مرة أخرى ولكن ليس فقط في اليهودية، المصدر الأول لهذا الشر، بل حتى في روما… وتبعاً لذلك ألقي القبض أولاً على كل من إعترف بهذه التهمة. ثم، بناء على معلوماتهم، أدين عدد هائل منهم، ليس فقط لإحراقهم المدينة، بل أيضاً لكراهيتهم للبشرية”[7].
لقد كنت مُلماً بهذه الفقرة، وتساءلت كيف سيرد ياموكهي على ملاحظة قالها عالم بارز يدعى جي. إن. دي. أندرسن “يُظن بأنه عندما يقول تاسيتوس “هذه الخرافة المؤذية والمزعجة قد أوقفت مؤقتاً، لكنها ظهرت مرة أخرى”، إنه دون أن يدري، قدم دليلاً على إيمان المسيحيين الأوائل بأن يسوع قد صلب لكنه بعد ذلك قام وخرج من القبر. فهل توافق على كلامه؟”.
ففكر ياموكهي لحظة ثم أجاب: “لقد كان هذا بالتأكيد تفسير بعض العلماء” وكان يبدو أنه يتفادى طلبي بمعرفة رأيه.
لكنه عند ذلك ذكر نقطة حاسمة فقال: “بصرف النظر عما إذا كانت الفقرة كانت تقصد هذا بالتحديد، إلا أنها تقدم لنا فعلاً حقيقة جديرة بالإنتباه، وهي أن الصلب كان أبغض مصير يمكن أن يمر به أي شخص، وأنه كانت هناك حركة مبنية على رجل مصلوب ولابد من تفسيرها.
“كيف تفسر إنتشار ديانة مبنية على عبادة إنسان تحمل أذل طريقة موت ممكنة؟. طبعاً الإجابة الميحية هي أنه قام من الموت. أما الآخرون فقد جاءوا بنظرية بديلة إذا أنهم لا يؤمنون بذلك. ولكن في رأيي، أن كلا من الرأيين ليسا مقنعين”.
فسألته أن يصف مدى أهمية ما كتبه تاسيتوس عن يسوع.
فقال لي “هذه شهادة هامة قدمها شاهد غير متعاطف مع نجاح وانتشار المسيحية، المبنية على شخصية تاريخية، يسوع، الذي صُلب تحت ولاية بيلاطس البنطي. ومن المهم أن تاسيتوس ذكر أن “عدداً هائلاً” تمسكوا بشدة بإيمانهم لدرجة أنهم فضلوا الموت عن الإرتداد عن هذا الدين”.
الترتيل “كما لو كان لإله”
عرفت الروماني الآخر، يدعى بليني الأصغر، قد أشار أيضاً إلى المسيحية في كتاباته. فسألته “أيَّد بعض الأمور المهمة، أليس كذلك؟”.
فأجاب قائلاً: “نعم، وهو إبن أخ بليني الشيخ، الموسوعي المشهور والذي مات في ثورة بركان زيفوفيوس سنة 79م. وقد أبح بليني الأصغر حاكماً لبيثينيه في شمال غرب تركيا. وقد حفظت معظم مراسلاته مع صديقه، الإمبراطور تراجان، حتى وقتنا هذا”.
وهنا سحب ياموكهي نسخة مصورة من صفحة تقول، “في الكتاب العاشر من هذه الرسائل يُشار إلى المسيحيين بشكل خاص على أنهم الذين ألقي القبض عليهم”.
لقد سألتهم إذا كانوا مسيحيين، فإذا اعترفوا بذلك، أُكرر السؤال مرة ثانية وثالثة، مع تحذير بالعقوبة التي تنتظرهم. فلو أصروا، أمرت باقتيادهم للإعدام؛ لأنه مهما كانت طبيعة إعترافهم فإني مقتنع أن عنادهم وإصرارهم الذي لا يهتز يجب ألا يفلت بدون عقاب…
كما أنهم أعلنوا أن المجموع الكلي لما ارتكبوه من ذنب أو خطأ لم يتعدى أكثر من هذا: إجتماعهم بانتظام قبل الفجر في يوم محدد ليرتلوا أشعار بالتناوب فيما بينهم تكريماً للمسيح كما لو كان لإله. كما أنهم يلتزمون بقسم، ليس لأي غرض إجلاامي، بل للإمتناع عن السرقة، والسلب، والزنا…
وقد جعلني هذا أقرر بأنه أصبح من الضروري جداً أن أنتزع الحقيقة بتعذيب جاريتين كانتا، تُدعيان شمَّاسات. فلم أجد شيئاً إلا نوعاً منحطاً من العبادة يمارسانه بطريقة متطرقة مبالغ فيها[8].
فسألته: “ما أهمية هذه الإشارة؟”.
فأجاب: “مهمة جداً. فمن المحتمل أنها كُتبت سنة 111م. تقريباً وتشهد بالانتشار السريع للمسيحية، في كل المدن والمناطق الريفية النائية، بين كل طبقات الناس، من جواري إلى المواطنين الرومان، لأنه يقول أيضاً بأنه أرسل المسيحيين من المواطنين الرومان إلى روما لمحاكمتهم.
“كما تتحدث عن عبادة يسوع كإله، وأن المسيحيين كانوا يحافظون على مستويات أخلاقية عالية، وأنهم لم يمكن أن يتخلوا عن معتقداتهم وإيمانهم بسهولة”.
اليوم الذي أظلمت فيه الأرض
أحد أكثر الإشارات الصعبة التي تقابلني في العهد الجديد هي حين يدعي كُتَّاب الأناجيل بأن الأرض قد أظلمت أثناء فترة من الوقت الذي كان فيه يسوع معلقاً على الصليب. ألم تكن هذه مجرد حيلة أدبية لتؤكد أهمية عملية الصل، أليس هناك من مصدر يشير إلى حدوثه تاريخياً فعلياً؟ ومهما يكن، فلو كان الظلام قد حل على الأرض، ألم يكن هناك على الأقل أدنى إشارة لهذا الحدث الغير عادي من خارج الأناجيل؟
ومع ذلك فالدكتور جاري هابيرماس قد تب عن مؤرخ يدعى ثالوس الذي سنة 52م. كتب تاريخ عالم شرقي البحر الأبيض المتوسط منذ حرب طروادة. ومع أن كتاب ثالوس قد فقد، إلا أن موجود في إقتباسات لدى كل من يوليوس الأفريقي سنة 221م. تقريباً، أشار إلى الظلام الذي كُتَبَ عنه في الأناجيل[9].
فسألته: “هل يمكن أن يكون هذا دليلاً تعزيزياً مستقلاً لهذا الإدعاء الإنجيلي؟”.
وضّح ياموكهي قائلاُ: “في هذه الفقرة يقول يوليوس الأفريقي “ثالوس، في الكتاب الثالث من تواريخه، يفسّر بأن هذا الإظلام ككسوف للشمس، بطريقةغير معقولة، كما تبدو لي”.
“وهكذا قال ثالوس كما يبدو “نعم”، بأنه كان هناك ظلام في وقت الصلب،وخمّن بأن سببه كسوف الشمس. وبعد ذلك يجادل الأفريقي أنها لم يكن من الممكن أن يكون هناك كسوف للشمس، قد حدث وقت عملية الصلب”.
فمد ياموكهي يده إلى مكتبه ليسترد قصاصة من الورق وهو يقول: “دعني أقتبس ما قاله العالم بول ميير في حاشية على هامش كتابه سنة 1968 بعنوان “بيلاطس البنطي”، ثم قرأ هذه الكلمات:
من الواضح أن هذه الظاهرة، كانت مرئية في روما، وأثينا، ومدن أخرى على البحر الأبيض. وطبقاً لترتوليان… إنها كانت حدثاً “كونياً” أو “عالمياً”. والمؤلف اليوناني، فليجون، من كاريا كتب تفسيراً كرونولوجيا [أي ترتيب الأحداث بحسب تسلسلها الزمني] بعد سنة 137م. بقليل ذكر أنه في العام الرابع من الدورة الأولمبية الـ 202 (أي سنة 33م.) حدث “أعظم كسوف للشمس” و”أنه قدحل الليل في الساعة السادسة من النهار (أي؛ عند الظهر) حتى أن النجوم ظهرت في السماء. وحدث زلزال عظيم في بيثينيه وانقلبت أشياء كثيرة في نيقية”[10].
استنتج ياموكهي قائلاً “إذن هناك، كما أوضح بول ميير، شهادة من خارج الإنجيل أن الظلام قدحدث وقت صلب يسوع. ويبدو أن بعضهم شعروا بالحاجة إلى محاولة إعطاء هذا الظلام تفسيراً من الطبيعة بقولهم أنه كان كسوف للمس.
صورة لبيلاطس
إن ذكر ياموكهي لبيلاطسذكرني أن بعض النقّاد شككوا فيدقة الأناجيل بسبب الطريقة التي صوّر بها هذا القائد الروماني.
فبينما العهد الجديد يصوره بأنه متردد وراغب للخضوع لضغوط عامة اليهود بإعدام يسوع، فهناك روايات تاريخية أخرى تصوره بأنه عنيد ومُتصلّب.
فسألته: “أليس هذا يمثل تناقضاً بين الإنجيل والمؤرخين العلمانيين؟”.
فقال ياموكه: “كلا، إنها لا تمثل أي تناقض، فدراسة ميير لبيلاطس تظهر حاميه أو راعيه كان سيجانوس، وأن سيجانوس سقط عن السلطة سنة 31م، لأنه كان يتآمر ضد الإمبراطور”. فسألته متحيراً: “ما علاقة هذا الموضوع بأي شئ؟.
فأجاب قائلاً: “هذه الخسارة أضعفت مركز بيلاطس جداً في سنة 33م.، وعلى الأغلب بأنها السنة التي صلب فيها يسوع. لذا يمكننا أن نفهم لماذا كان بيلاطس غير راغب في إغضاب اليهود في ذلك الوقت فيتعرض لمتاعب أخرى مع الإمبراطور. وهذا يعني أن الوصف الإنجيلي لهذه الواقعة محتمل جداً أنه صحيح”[11].
روايات يهودية أُخرى
بعد أن تحدثنا مبدئياً عن أدلة التأييد الرومانية ليسوع، أردت أن أخرج عن الموضوع في هذه النقطة وأناقشه فيما إذا كانت هناك أي روايات يهودية أخرى بالإضافة إلى رواية يوسيفوس لتؤكد صحة أي شئ عن يسوع. فسألت ياموكهي عن أي إشارات إلى يسوع في التلمود، وهو كتاب يهودي هام تمت كتابته سنة 500م. والذي يجمع المشنا وهي مجموعة قوانين جمعت في التلمود سنة 200م.
أجاب “إن اليهود ككل، لم يذكروا تفاصيل كثيرة عن الهراطقة أي المنشقين عن العقيدة. فهناك بضعة فقرات في التلمود التي تشير إلى يسوع على أنه المسيا المزيف الذي مارس السحر والذي حكم عليه بالموت بعدل. كما يكرروا أيضاً الإشاعة بأن يسوع ولد من جندي روماني ومريم، للإيحاء بأنه كان هناك شئ غير عادي حول ولادته”
فقلت له: “وهكذا، فبهذه الإشارات اليهودية السلبية تؤيد بعض الأشياء حول يسوع”.
فقال “نعم، هذا صحيح، فالبروفسور إم. ويلكوكس ذكرها بهذه الطريقة في مقال ظهر في مرجع علمي:
مع أن الأدب اليهودي التقليدي، يذكر يسوع باختصار فقط (ويجب على أي حال أن يستخدم بحذر)، فإنه يدعم الإدعاء الإنجيلي بأنه كان يشفي المرضى ويصنع معجزات، بالرغم من أنهم ينسبون هذه الفعاليات للسحر والشعوذة. بالإضافة إلى أنها تحتفظ بذكر أنه كان معلماً، وكان له تلاميذ (خمسة منهم)، وأنه على الأقل في الفترة الرابانية الأولى لم يكن كل الحكماء قد إتخذوا قرارهم بأنه كان “هرطوقي” أو “مخادع”[12].
أدلة بخلاف الإنجيل
مع أننا وجدنا إشارات قليلة جداً إلى يسوع خارج الأناجيل، تساءلت لماذا لم يوجد مزيد منها. ومع إني علمت بأن بعض الوثائق التاريخية من القرن الأول بقيت سليمة، لذا سألت: “عموماً، يجب أن لا نتوقع إيجاد المزيد عن يسوع في الكتابات القديمة من خارج الإنجيل؟”.
قال ياموكهي “فعندما يبدأ الناس حركات دينية، ففي الغالب لا يحدث حتى أجيال كثيرة بعدهم، أن يسجّل الناس أشياء عنهم. لكن في الواقع، أنه لدينا وثائق تاريخية عن يسوع، أفضل من أي مؤسس لأي ديانة قديمة أخرى”.
فجأني هذا الكلام “حقاً؟ هل بالإمكان أن تتوسع في ذلك؟”.
فقال “على سبيل المثال، مع أن الجاثات من زرادشت، حوالي سنة 1000ق. م. يعتقد بأنها أصلية، إلا أن أغلب الكتب الدرادشتية المقدسة لم تكتب حتى بعد القرن الثالث الميلادي وأشهر سيرة ذاتية في الفارسية الشعبية عن زرادشت كتب في سنة 1278م.
“والكتب المقدسة لبوذا، الذي عاش في القرن السادس ق. م. لم تكتب حتى بعد العصر المسيحي. وأول سيرة ذاتية لبوذا كُتبت في القرن الأول الميلادي.ومع أن لدينا أحاديث لمحمد الذي عاش من سنة 570م حتى سنة 632م، فإن سيرته لم تكتب حتى سنة 767م. أي أكثر من قرن كامل بعد وفاته.
لذا فالوضع بالنسبة ليسوع فريد ومثير للإعجاب من ناحية كمية ما يمكنا تعلّمه عن يسوع من خارج العهد الجديد”
أردت الإتمرار في هذا الموضوع وأوجز ما جمعناه من معلومات عن يسوع حتى الآن من مصادر غير إنجيلية، فقلت له: “دعنا نتظاهر باننا لا نملك أي من العهد الجديد أو الكتابات المسيحية الأخرى، فحتى بدونهم، ماذا كنا سنستطيع أن نستنتج عن يسوع من المصادر القديمة الغير مسيحية مثل يوسيفوس والتلمود وتاسيتوس وبليني الأصغر، وغيرهم؟”.
فابتسم ياموكهي وقال “ما زال لدينا كمية كبيرة من الأدلة التاريخية الهامة؛ وفي الواقع، ستوفر لنا نوعاً موجزاً عن حياة يسوع”.
ثم استمر قائلاً وقد رفع إصبعه للتأكيد على كل نقطة: “سنعرف أولاً، أن يسوع كان معلماً يهودياً، ثانياً، أن كثير من الناس اعتقدوا بأنه مارس شفاء الأمراض وطرد الأرواح الشريرة؛ ثالثاً، بعض الناس إعتقدوا بأنه المسيا؛ رابعاً، أنه رُفض من القادة اليهود؛ خامساً، أنه صلب في ولاية بيلاطس البنطي في عهد طيباريوس؛ سادساً، بالرغم من موته المخزي، إلا أن أتباعه اعتقدوا أنه ما زال حياً، وإنتشروا خاج نطاق فلسطين، بحيث كان هناك عدد كبير منهم في روما سنة 64م؛ سابعاً، كل أصناف الناس من المدن والريف رجالاً ونساء عبيداً وأحرار، عبدوه كإله”.
لقد كان هذا حقاً كمية مؤثرة من الأدلة المؤيدة المستقلة. وليس فقط بإماننا إعادة رسم ونظيم الخطوط الرئيسية لحياة يسوع من مصادر خارج الإنجيل، بل أيضاً هناك معلومات أكثر يمكنا أن نجمعها عنه من مصادر قديمة لدرجة أنها تسبق تاريخ الأناجيل نفسها.
تأييد التفاصيل المُبكّرة
غن بولس الرسول لم يقابل يسوع أبداً قبل موته، لكنه قال أنه قابل المسيح المُقام وإستشار بعض شهود العيان، فيما بعد، لتأكيد أنه كان يعظ ويبشر بنفس الرسالة التي كانوا يبشرون بها. ولأنه بدأ كتابة رسائل العهد الجديد قبل أن تُكتب الأناجيل بسنوات، لذا فإن هذه الرسائل تحتوي على تقارير وأخبار مبكرة جداً عن يسوع، وهي قديمة لدرجة أن لا أحد يستطيع أن الإدعاء بأنها قد شوهت تشويهاً خطيراً أو تلوّنت بالأساطير”.
ويؤكد لوقا تيموثي جونسون، وهو عالم من جامعة إموري، يؤكد بأن رسائل بولس تُمثّل “إثبات خارجي ثمين” من “عصر قديم ووجود مطلق” للتعاليم والروايات القديمة عن يسوع[13]، فقالت لياموكهي: “هل تتفق معه في هذا الرأي؟”.
كنا قد تحدثنا لفترة طويلة. فوقف ياموكهي ليمد رجليه قبل أن يجلس مرة أخرى، ثم قال “ليس من شك في أن كتابات بولس الرسول هي الأقدم في العهد الجديد، وأنها تشير بعض الإشارات الهامة جداً لحياة يسوع”.
فسألته: “هل يمكن أن تشرحها بالتفصيل؟”.
فأجاب قائلاً “حسناً، إنها تُشير إلى حقيقة أن يسوع من نسل داود، وأنه المسيا، وأنه تعرض للخيانة، وأنه حوكم، ثم صلب من أجل خطايانا، ودُفن، وبأنه قام ثانياً من الموت في اليوم الثالث وشوهد من قبل العديد من الأشخاص بما فيهم يعقوب، أخو يسوع الذي لم يكن آمن به قبل صلبه.
“ومن المهم والمشوق أيضاً أن بولس لا يذكر بعض الأشياء التي هي مهمة جداً في الأناجيل، على سبيل المثال، أمثال يسوع ومعجزاته، لكنه يركز على موته تكفيراً عن خطايا البشر وعلى قيامته من الموت. فهذه كانت، بالنسبة لبولس، هي الأشياء الأكثر أهمية عن يسوع، وفي الواقع هي التي حولت بولس من كونه مُضطهد المسيحيين ليصبح أول مبشر بالمسيحية في التاريخ، والذي كان مستعداً لإجتياز جميع أنواع الصعوبات والحرمان بسبب إيمانه.
“كما أن بولس يقدم الدليل المؤيد لبعض السمات الهامة لشخصية يسوع، تواضعه، وطاعته، ومحبته للخطاة،… الخ. وهو يدعو المسيحيين أن يكون لديهم فكر المسيح في الأصحاح الثاني من رسالة فيلبي. وهذه قطعة مشهورة التي فيها بولس ربما يقتبس من ترتيلة مسيحية قديمة عن تنازل المسيح، الذي هو مساويِّ لله ومع ذلك إتخذ شكل إنسان، وعبد، وتحمل أقصى وأشد عقوبة، وهي الصلب. من ثمَّ، رسائل بولس شاهد هام على ألوهية المسيح، حيث يدعو يسوع “إبن الله” و”صورة الله”.
فقاطعته بقولي “الحقيقة بأن بولس الذي أتى من خلفية يهودية مؤمنة بإله واحد، عبد يسوع كإله، وتلك حقيقة هامة جداً. أليس كذلك؟”
فقال: “نعم، وهو يُقوّض النظرية الشائعة التي تقول بأن ألوهية المسيح قد أُدخلت إلى المسيحية فيما بعد من معتقدات غير يهودية. فهي غير ذلك تماماً. حتى بولس في هذا التاريخ المُبكّر كان يعبد المسيح كإله”.
“ولابد أن أقول بأن كل هذا التأييد من بولس ذو أهمية قصوى.
ولدينا رسائل أخرى مُبكّرة من شهود عيان أيضاً مثلاً، يعقوب، وبطرس، اللتين بهما ذكريات موعظة يسوع على الجبل”
قام حقاً من الموت
لدينا أيضاً مجلدات من كتابات “الآباء الرسوليين”، الذين كانوا أول كُتَّاب مسيحيين بعد العهد الجديد. فقد كتبوا “رسائل كليمنت الروماني” و”رسائل أغناطيوس” و”رسالة بوليكاربوس” و”رسالة برنابا” وآخرون. وفي العديد من الأماكن في هذه الكتابات تشهد عن الحقائق الأساسية عن يسوع، وبشكل خاص تعاليمه، وصلبه، وقيامته، وطبيعته الإلهية.
فسألته: “أي هذه الكتابات تعتبرها الأهم؟”.
تأمل ياموكهي في هذا السؤال. ففي حين أنه لم يُسمّي أحد كالأهم بينهم، إلا أنه إستشهد بالسبعة رسائل التي كتبها أغناطيوس بأنها الأكثر أهمية بين كتابات الآباء الرسوليين. كان أغناطيوس، أسقف أنطاكية في سوريا، قد استشهد أثناء عهد تراجان قبل سنة 117م.
ثم قال ياموكهي: الشئ المهم عن أغناطيوس، أنه أكد كلّ من ألوهية يسوع وكذا ناسوت يسوع، ضد بدعة الهرطقة الدوسيتية، التي أنكرت أن يسوع كان فعلاً إنسان. كما أكدت الأساسات التاريخية للمسيحية، فقد كتب في إحدى رسائله، وهو في طريقه إلى الإستشهاد، أن يسوع الذي إضطهد حقاً في ولاية بيلاطس، صلب حقاً، وقام حقاً من الموت، وبأن أولئك الذين يؤمنون به سيقومون أيضاً من الموت”[14].
فعندما تضع كل هذا معاً، بالإضافة إلى يوسيفوس، والمؤرخين الرومان، والمسؤلين الرومان، والكتابات اليهودية، ورسائل بولس والآباء الرسوليون، ولديك أدلة مقنعة تؤيد كل الأساسيات الموجودة في سير حياة يسوع. فلو أنك حتى ضيعت كل نسخة من الأناجيل، فما زال لديك صورة ليسوع ملزمة جداً، في الواقع إنها صورة إبن الله الفريد.
وقفت وشكرت ياموكهي على مشاركته لي بوقته وخبرته. وقلت له: “إنني أعرف بأن هناك المزيد والمزيد الذي بأمكاننا أن نتحدث عنه، لأن هناك كتب كاملة قد كتبت حول هذا الموضوع، ولكن قبل أن ننهي، حديثنا أود أن أسألك سؤال أخير، وهو سؤال شخصي إذا لم يكن لديك مانع.
فهب البروفيسور واقفاً على قدميه، ثم قال: “نعم، هذا شئ جميل”
فنظرت حول مكتبه المتواضع البسيط، الذي كان مملوءاً حتى حوافه بالكتب والمخطوطات والسجلات والمجلات واقراص الكمبيوتر والصحف، وكلها نتاج حياة حافلة بالبحث العلمي في عالم مضى منذ زمن بعيد.
ثم قلت له: “لقد قضيت أربعون عاماً في دراسة التاريخ القديم وعلم الآثار، فماذا كانت نتيجة حياتك الروحية؟ هل عززت دراساتك أم أضعفت إيمانك بيسوع المسيح؟”.
نظر إلى الأرض لحظة خاطفة، ثم رفع عينيه ونظر مباشرة في عيني، ثم قال بصوت حازم قوي لكن مخلص “ليس هناك من شك في أن دراساتي قد قوت وأثرت حياتي الروحية. وقد منحتني فهماً أفضل لثقافة والبيئة التاريخية للأحداث.
“هذا لا يعني أنني أدرك أن هناك بعض المسائل التي ستظل أثناء حياتنا هذه، سبظل لا نعرفها معرفة كاملة. ولكن حتى هذه المسائل لا يمكنها تقويض إيماني بالأمانة الضرورية للأناجيل وكذا باقي العهد الجديد”.
“أظن أن التفسيرات البديلة، التي تعلل وتحاول أن تفسر سبب إنتشار المسيحية عن طريق أسباب إجتماعية أو نفسية، تعتبر ضعيفة وضعيفة جداً” ثم هز رأسه مؤكداً ذلك”.
ثم أضاف “بالنسبة لي، فإن الأدلة التاريخية قد عززت ودعمت تعهدي وإلتزامي بيسوع المسيح كإبن الله الذي يحبنا والذي مات من أجلنا ثم قام من الأموات. إنه بهذه البساطة”.
الحقيقة التي تُحررنا
عندما خرجت من مبنى ياموكهي إلى بحر من طلبة الكلية ينطلقون بسرعة من مكان لآخر ليحضروا محاضرتهم التالية، أدركت إلى أي حد كانت رحلتي بالسيارة إلى مدينة أكسفورد الصغيرة جداً، بولاية أوهايو، كانت رحلة ناجحة ومرضية.. فقد جئت طالباً أدلة مدعمة ليسوع، وخرجت حاملاً خزاناً مليئاً بالمواد التي تؤكد كل سمة كبرى من حياة يسوع، ومعجزاته، وألوهيته، وانتصاره على الموت.
وقد علمت أن محادثتنا القصرة قد خدشت القشرة فقط. فتحت ذراعي كنت أحمل “حكم التاريخ The Verdict of History” وهو الكتاب الذي أعدت قراءاته في التحضير لمقابلتي. ففي هذا الكتاب يُفصّل المؤرخ جاري هابيرماس تفاصيل ما يربو مجموعه 39 من المصادر القديمة التي تُوثّق حياة يسوع، والتي يُعدّد منها أكثر من مائة حقيقة عن حياة يسوع، وتعاليمه، وصلبه، وقيامته[15].
والأكثر من ذلك أن 24 من المصادر التي إستشهد بها هابيرماس، ومن ضمنها سبع مصادر علمانية والعديد من عقائد الكنيسة الأولى، التي تتعلق بالتحديد بطبيعة يسوع الإلهية. “تكشف هذه المذاهب بأن الكنيسة لم تعلّم ببساطة ألوهية المسيح إلا بعد ذلك بجيل كامل، كما يتكرر كثيراً في علم اللاهوت المعاصر، لأن هذه العقيدة كانت موجودة بالتأكيد في الكنيسة الأولى” هذا ماكتبههابيرماس. وكان استنتاجه الأخير: “إن أفضل تفسر لهذه المعتقدات هوأنها تمثل تعاليم يسوع بالطريقة الصحيحة”[16] وإن هذا دليل مدعم ومعزز مدهش لأهم توكيد بواسطة أهم شخصية مؤثرة عاشت حتى الآن.
أغلقت سوستة معطفي فيما توجّهت إلى سيارتي. فلما نظرت خلفي مرة أخرى رأيت شمس أكتوبر ساطعة تضئ النقش الحجري الذي لاحظته عند دخولي إلى ممشى الحرم الجامعي لهذه الجامعة العلمانية جداً: “سوف تعرف الحقيقة، والحقيقة ستمنحك الحرية”.
مشاورات
أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة
- هل في حياتك أي حدث جعلك تشك في قصة رواها شخص ما حتى قدم لك دليلاً مدعماً ومعززاً لروايته؟ كيف كانت هذه التجربة مماثلة لدراستك عن نوع الأدلة المدعمة والمعززة التي قدمها ياموكهي؟
- ما الذي تعتبر دليل التعزيز والدعم الأكثر إقناعاً الذي تحدث عنه ياموكهي؟ ولماذا؟
- تقول المصادر القديمة بأن المسيحيين الأوائل تمسكوا بمعتقداتهم بدلاً من إنكارها في مواجهة التعذيب. بحسب ظنط، لماذا تمسكوا بمثل هذه الشدة بإيمانهم الذي اقتنعوا به؟
لمزيد من الأدلة
مصادر أخرى حول هذا الموضوع
Bruce, F.F. Jesus and Christian Origins outside the New Testament. Grand Rapids: Eerdmans, 1974.
Habermas, Gary. The Historical Jesus. Joplin, Mo.: College Press, 1996.
McDowell, Josh, and Bill Wilson. He Walked among Us. Nashville: Nelson, 1994.