الادلة العلمية – هل يؤكّد علم الأثار أم يناقض سير حياة يسوع؟ – لي ستروبل
الادلة العلمية - هل يؤكّد علم الأثار أم يناقض سير حياة يسوع؟ - لي ستروبل
الادلة العلمية – هل يؤكّد علم الأثار أم يناقض سير حياة يسوع؟ – لي ستروبل
الأدلة العلمية، هل يؤكد علم الأثار أم يناقض سيرة حياة يسوع – لي سرويل
كان هناك شئ سيريالي عن غدائي مع الدكتور جيفري ماكدونالد وكان هناك يمضغ ساندويتش تونا بطريقة غير منظمة وكذلك يمضغ البطاطس بنفس الطريقة في غرفة المؤتمرات في دار القضاء بولاية كارولينا الشمالية، ويعلق تعليقات مضحكة ويمتع نفسه بصفة عامة. وفي غرفة قريبة كان هناك 12 من المحلفين يستريحون بعد الاستماع إلى شهادة رهيبة بأن ماكدونالد قد قتل بوحشية زوجته وابنتيه الصغيرتين.
فلما كنا قد انتهينا من وجبة طعامنا، فلم أستطع أن أمنع نفسي من أن أسأل ماكدونالد، الاسئلة الواضحة: ” كيف تتصرف وكأن شيئا خاطئاً لم يحدث؟ ” وكان صوتي وأنا أسأله ممتزجاً بالدهشة والإستياء ” أليس لديك أقل درجة من القلق بأن هؤلاء المحلفين سيحكمون عليك بأنك مذنب؟ “
لوح ماكدونالد بسندويتشه نصف المأكول في اتجاه غرفة المحلفين وهو يضحك ” هم؟، إنهم لن يدينوني أبداُ!” .
ثم، يبدو أنه أدرك أن هذه الكلمات كانت بدت ساخرة، فأضاف بسرعة ” إنني برئ، كما تعلم”.
وكانت هذه أخر مرة اسمعه يضحك. ففي خلال أيام كان طبيب حجرة الطوارئ السابق ذو القبعة الخضراء قد وجد مذنباً بأنه طعن زوجته، كوليت، وإبنتيه كيمبيرلي ذات الخمسة سنوات، وكريستين، ذات السنتين. وحكم عليه فوراًبالسجن مدي الحياة ونقل بالأصفاد.
ولقد أعيدة رواية ماكدونالد ببراعة بواسطة جو ماكجينيس في كتاب من الكتب الأكثر مبيعا وكذا رؤية التلفزيون السينمائية “المشهد المميت “، وكان هذا القاتل مغرورا لدرجة أنه ظن أن محاولة عدم وجوده في مكان الجريمة وقت ارتكابها ستساعده على الإفلات بدون عقاب.
أخبر المحققين بأنه كان نائماً على الأريكة عندما أيقظته أصوات بعض الخنافس (الهيبيز) المجانين من تعاطي المخدرات، أيقظوه في منتصف الليل. ثم قال إنه قاومهم، حتى فقد وعيه وعندما أفاق وجد نفسه مطعوناً ومضروباً في هذه العملية. وعندما أفاق وجد عائلته قد ذبحت.
لقد شكك المحققون في روايته منذ البداية. فقد أظهرت حجرة المعيشة بعض أثار لصراع موت وحياة. أما جروح ماكدونالد فكانت سطحية. مع أن نظره ضعيف، فقد كان قادرا على إعطاء أوصاف مفُصّلة لمن هاجموه مع أنه لم يكن يلبس نظارته.
ومع ذلك، فالشك وحده لا يكفي للإدانة، التي تتطلب أدلة دامغة ففي قضية ماكدونالد إعتمد المخبرون على دليل علمي يحل نسيج أكاذيبه ويدينه بعمليات القتل.
وهناك أنواع مختلفة من الأدلة العلمية التي يكثر إستعمالها في المعامل، تترواح ما بين تحليل الحمض النووي DNA لمعرفة الاصل الشرعي إلى علم السموم. وفي قضية ماكدونالد كان على المُصول (دليل الدم) وتتبع الدليل الذي أرسله إلى المحكمة الذي بعثته إلى سجن التأديب.
ومن الصدف الغير عادية، ولحسن حظ المدّعين، كان لدي كل فرد من عائلة ماكدونالد فصيلة دم مختلفة.
وبتحليل بقع الدم التي وجدت، استطاع المحققين أن يعيدوا ترتيب تسلسل الأحداث في تلك الامسية المميتة، والتي تناقضت مباشرة مع رواية ماكدونالد للأحداث.
والدراسات العلمية لخيوط زرقاء دقيقة من البيجامة، التي وجدت مبعثرة في أماكن مختلفة، هذه أيضا فندت محاولة ماكدونالد لإثبات عدم وجوده في مكان الجريمة وقت إرتكابها. كما أن التحليل المجهري (الميكروسكوبي) أظهر وجود ثقوب في بيجامته من الممكن إحداثها، كما إدّعي، بمعول ثلج استخدمها من هاجموا المنزل. وباختصار، فإن خبراء مكتب التحقيقات الفيدرالي هم السب فعلا في إدانة ماكدونالد(1).
يستطيع الدليل العلمي كذلك تقديم مساهمات مهمة في مسألة ما إذا كانت روايات العهد الجديد عن يسوع دقيقة. فبينما علم المصول وعلم السموم ليسا بقادرين على تسليط أي ضوء على القضية، فهنا نوع أخر من الأدلة العلمية، نظام وقواعد علم الأثار، لها علاقة كبيرة بكون الأناجيل يمكن الوثوق بها.
وعلم الاثار، الذي يُدعي أحياناًعلم دراسة النفاية التي تتحمل البقاء مدة طويلة، يشمل الكشف عن المصنوعات اليدوية، والهندسة المعمارية، والفن، والعملات المعدنية، والأنصاب أو التماثيل، والوثائق،
وبقايا أخري من الزراعات القديمة …. يدرس الخبراء هذه الأثار لمعرفة ما كانت عليه الحياة حين كان يسوع يمشي في الطرق المتربة لفلسطين القديمة.
مئات من الإكتشافات الأثرية من القرن الأول كُشف عنها، وكنت مشتاق لمعرفة: ما إاذا كانت ستضعف أو تدعم رويات شهود العيان عن يسوع؟ وفي نفس الوقت، فإن فضولي وحب استطلاعي زادت شدته بسبب الشكوك. لقد سمعت الكثير من المسيحيين يقدمون إداعاءات مفرطة بأن علم الأثار يمكنه أن يثبت حقائق أكثر بكثير من التي يثبتها فعلاً. لكن لم أكن مهتما بمزيد منها.
لذلك إستمررت للبحث عن مصدر معترف به قد حفر شخصياً بين خرائب الشرق الأوسط والذي لديه معرفة موسوعية بالإكتشافات القديمة، والذي كان لديه تحفظ علمي كافي للإقرار بمحدودية علم الأثار وفي نفس الوقت يستطيع ان يشرح كيف يستطع علم الأثار أن يلقي ضوء على الحياة في القرن الأول الميلادي.
المقابلة الرابعة: دون ما كراي، دكتوراه في الفلسفة
عندما يقوم العلماء والطلاب بدراسة علم الأثار، يلجأ الكثيرون إلى كتاب جون ما كراي الشامل الهادئ (صفحة 432) المسمى ” علم الأثار والعهد الجديد Testament Archaeology and the New “
وعندما أرادت شبكة الفنون والتسلية التلفزيونية أن تضمن دقة برنامج ” أسرار الإنجيل “، إستدعت “ماكراي” أيضاً. وعندما احتاجت الجمعية الجغرافية الوطنية إلى عالم يستطيع أن يوضّح النقاط المعقدة في عالم الكتاب المقدس، إتصلت به تليفونيا مرة أخري، بمكتب ماكراي في كلية هويتون المحترمة جداً في ضواحي مدينة شيكاغو.
فبعد أن درس في الجامعة العبرية، والكلية الفرنسية لدراسات الكتاب المقدس والآثار في أورشليم (القدس)، وكلية اللاهوت بجامعة فاندربلت، وجامعة شيكاغو (حيث حصل على الدكتوراه سنة 1967)،
ظل يعمل أستاذاً للعهد الجديد وعلم الآثار في هويتون لأكثر من خمس عشرة سنة. وقد ظهرت مقالاته في 17 موسوعة وقاموس، كما نُشرت أبحاثه في مجلة جمعية علم الآثار الشرق الأدني والمجلات الأكاديمية الأخري، وقد قدّم تسع وعشرون ورقة علمية في جمعيات متخصصة ومحترفة.
وقد كان ماكراي مساعد ووصي على أبحاث الآثار في معهد دبليو. إف. أولبرايت في القدس، ومشرف على المدارس الأمريكية للأبحاث الشرقية (سابقاً)، وعضو مجالس رؤساء تحرير “علم الآثار في عالم الكتاب المقدس” و “مجلة أبحاث الكتاب المقدس” التي ينشرها معهد أبحاث الكتاب المقدس.
وبقدر ما يتمتع ماكراي بالكتابة والتدريس عن العالم القديم، فإنه يستمتع فالفرص التي تمكنه من إستكشاف المنجم الآثاري بنفسه. وقد أشرف على فرق التنقيب عن الآثار في قيصيرية، وسيفوريس، وهيروديا، وكلها في إسرائيل، على مدار ثمانية سنوات. كما قام بتحليل مواقع آثارية رومانية في إنجلترا وويلز، وحلل منجماً في اليونان، وأعاد تتبع معظم رحلات بولس الرسول.
وعندما بلغ عمره 66 عاماً، تحول شعر ماكراي إلى اللون الفضي وأصبحت نظارته أكثر سمكاً، ولكنه ما زال محتفظا بروح المغامرة.
وكان على المكتب في مكتبه، وفي الحقيقة على سريره بمنزله، صورة أفقية تفصيلية لمدينة القدس (أورشليم). وقد علق على ذلك قائلا:” إني أعيش في ظلها “، قالها بصوت ينم ويدل على الاشتياق عندما لفت الأنظار إلى مواقع معينة لعمليات الحفر والتنقيب والاكتشافات الهامة.
ويظهر في مكتبه نوع من الأريكة المريحة التي تجدها في المدخل الأمامي لبيت ريفي. فجلست عليها مستقرا ومستريحا بينما كان ماكراي يترتي قميص مفتوح الرقبة وسترة رياضية تبدو مريحة، ثم إتكأ عائدا إلى كرسي مكتبه.
ولرغبتي في إختبار ما إذا كان يبالغ في تأثير علم الآثار، فقد قررت فتح مقابلتنا بسؤاله ما الذي لايستطيع علم الآثار أن يخبرنا به عن موثوقية العهد الجديد. ومهما يكن، فكما يذكر ماكراي في كتابه، أنه حتى لو استطاع علم الآثار أن يثبت مدينتي المدينة ومكة الكائنتين بغرب الممكلة العربية السعودية في القرن السادس والسابع، فإن هذا لا يُثبت ان محمداً عاش هناك.
فبدأ يتكلم ويتشدق في الكلام بالطريقة التي تعلمها وهو طفل في جنوب شرق أوكلاهوما، فقال:” إن علم الآثار قد ساهم بالتأكيد بعض المساهمات الهامة ولكنه لا يستطيع إثبات أن العهد الجديد هو كلام الله. فلو حفرنا في إسرائيل ووجدنا مواقع قديمة تتفق مع الاماكن التي يذكر الكتاب المقدس، فإن هذا يرينا أن تاريخته وجغرافيته دقيقة. ومع ذلك فإنها لا تؤكد أن ما قاله يسوع المسيح صحيح. فالحقائق الروحية لا يمكن إثبات صحتها او بطلانها بالإكتشافات الآثارية”.
وكمثال مشابه، قدم لي قصة هنريك شليمان، الذي بحث عن دروادة في محاولة لإثبات الديقة التاريخية لإلياذة هوميروس. ثم لاحظ ماكراي بابتسامة رقيقة “ولقد وجد طروادة فعلاً، فقد كانت حقيقة، فقط كمرجع جغرافي معين، إلا أن هذا لم يُثبت إلياذة هوميروس”.
وبعدما وضعنا بعض الحدود لما لا يستطيع علم الآثار أن يثبته، كنت متلهفا للبدء بإستكشاف ما الذي يمكنه أن يُخبرنا به عن العهد الجديد. فقررت أن أستهل هذا الموضوع بأبداء ملاحظة نتجت عن خبرتي كصحفي استقصائي بخلفية قانونية.
التنقيب عن الحقيقة
في محاولة تحديد ما إذا كان الشاهد صادق، فإن الصحفيون والمحامون سيختبرون جميع عناصر شهادته أو شهادتها التي يمكن اختبارها. فإذا كشف هذا التحقيق أن الشخص خاطئ في هذه التفاصيل، فإن هذا يلقي ظلالاً كثيفة من الشك على كامل مصداقيته أو كامل روايته. على أية حال، فلو أن التفاصيل خرجت سليمة من هذه التحقيقات فإن هذا النوع من الإشارة، لا يعتبر إثبات حاسم لكنه مجرد دليل، ان الشاهد ربما يمكن الوثوق بروايته أو روايتها بشكل عام.
على سبيل المثال، لو أن رجلاً كان يصف رحلة قام بها من سان لويس إلى شيكاغو، وذكر أنه قد توقف في مدينة سبرينجفيلد، بولاية إللينويز، لمشاهدة فيلم ” تايتانك” في مسرح أوديون وأنه قد أكل قطعة شيكولاتة كلارك إشتراها من منضدة البيع، لاستطاع المحققون أن يقرروا إذا كان هذا المسرح موجود فعلا في مدينة سيرينجفيلد وكذلك يحددون إن كا يعُرض بها هذا الفيلم بالتحديد ويبيع هذه الماركة وهذا الحجم المحدد في الوقت الذي كان موجودا فيه هناك.
فإذا خرجت التفاصيل سليمة، فإن هذا لا يثبت أن كامل قصته صادقة، ولكنه يُعزز سلامة سمعته بأنه كان دقيق.
وهذا، إالي حد ما، هو ما يحققه علم الآثار. والحقيقة المنطقية انه إذا كانت تفاصيل الأحداث التي ذكرها مؤ رخ قديم ثبت صدقها مرة بعد أخري، فإن هذا يعزز ثقتنا في مواد أخري كتبها المؤرخ ولكن ذلك لايمكن مراجعتها بسهولة.
لذا سألت ماكراي عن رأيه كمتخصص ” هل علم الآثار يؤكد أو يُضعف العهد الجديد عندما تُفحص التفاصيل في تلك الروايات؟”
أجاب مكراي بسرعة ” نعم ليس هناك شك بأن مصداقية العهد الجديد معززة، فمثلما نقول إن مصداقية أي وثيقة قديمة معزة عندما تحفر وتنقب وتجد أن الكاتب كان دقيقا في حديثه عن مكان أو حدث معين”.
كمثال، أحضر بي نتائج حفره وتنقيبه في قيصيريا على ساحل إسرائيل، حيث نقّب هو وآخرون ميناء هيرودس الكبير.” لمدة طوية من الزمن شكّالناس في صحة عبارة ذكرها يوسيفوس، مؤرخ القرن الأول، بأن هذا الميناء كان كبيراً مثل إلى عند بيرايوس، الذي يعتبر ميناء ضخما في أثينا. اعتقد الناس أن يوسيفوس كان مخطئا، لأنك عندما تري الأحجار طافية على سطح الماء في الميناء الحالي، ستدرك بأنه ليس بميناء كبير.
“لكن عندما بدأنا القيام بالتنقيب تحت الماء، وجدنا أن الميناء كان ممتداً إلى مسافة بعيدة في المياه تحت األأرض، وأنه قد إنهار، وبأن أبعاده الكليّة كانت فعلا كبيرة لو قورنت بميناء بيرايوس. وهذا يعتبر دليل آخر بأن يوسيفوس كان يعرف ما كان يتحدث عنه”.
إذا ماذا عن كًتٌّاب العهد الجديد؟ هل عرفوا حقا ما كانوا يتحدثون عنه؟ أردت وضع هذه المسألة تحت الإختبارفي سلسلة أسئلتي التالية.
دقة لوقا كمؤرخ
كتب لوقا الطبيب والمؤرخ كلّمن الإنجيل الذي يحمل اسمه وسفر الأعمال، اللذين يٌشكلان معا تقريبا ربع العهد الجديد كله. وبالتالي، فالمسألة الحاسمة هي هل كان لوقا جدير بالثقة في ذكر المعلومات الصحيحة؟ فعندما يفحص علماء الآثار تفاصيل ما كتبه، هل سيجدونه دقيقا أم غير دقيق؟
فقال:” الإجماع العام لكلّ من العلماء التحرّريون والمحافظون بأن لوقا كان مؤرخا دقيقا جدا.وهو واسع الإطلاع، وبليغ، ولغته اليونانية تقترب من النوعية الكلاسيكية، فهو يكتب كرجل متعلم، وترينا الإكتشافات الآثارية المرة تلو الأخرى بأن لوقا دقيق وصادق فيما يريد أن يقوله “
ثم اضاف قائلاً” في الواقع، كانت هناك العديد من الحالات الشبيهة بقضية الميناء التي إعتقد العلماء في أول الأمرأن لوقا كان مخطئا في إشارة معينة، إلا أنهم في اكتشافات تالية أكدت بأنه كان صحسحا فيما كتبه.
على سبيل المثال، في لوقا 3:1 يذكر لوقا أن ” ليسانيوسُ رئّيس رُبع على الأبليّة ” حوالي سنة 27 م.
وظل العلماء ولمدة سنين يشيّروا إلى هذه النقطة على أنها دليل أن لوقا لم يكن يعرف ما يتحدث عنه، لأن الجميع كان يعرف أن ليسانيوس لم يكن رئيس رُبع بل على الأحرى كان حاكما على تشالسيس قبل ذلك بربع قرنّ. فإذا لم يستع لوقا أن ينظر لهذه الحقيقة الأساسية بالطريقة الصحيحة فلا شئ مما كتبه يمكن أن يكون جديراً بالثقة بحسب رأي العلماء.
لكن عندما تقدّم علم الآثار ” وجد نقش، فيما بعد من زمن طيباريوس، من سنة 14 إلى 37 م. تذكر أن ليسانيوس كان رئيس رُبع على الأبلية بالقرب من دمشق، وهو يُطابق بالضبط ما كتبه لوقا “
ثم شرح ماكراي الموضوع فقال: ” إتضح أنه كان هناك مسؤولان حكوميان باسم ليسانيوس! ومرة أخري تبين أن لوقا كان صادقا تماما “
وهناك مثال آخر لمرجعية لوقا في سفر أعمال الرسل 17:6 إلى ” بوليتاركس ” التي مترجمة
ب ” حكام المدينة ” في مدينة تسالونيكي ” وظل الناس مدة طويلة يظنوا أن لوقا قد أخطأ لأنه لم يوجد أي دليل على أن إصطلاح ” بوليتاركس وج في أي وثيقة من الوثائق الرومانية القديمة “.
ثم أضاف ماكراي قائلاً:” ومع ذلك، فقد وجدت بعد ذلك كلمات منقوشة على قوس من القرن الأول تبدأ بكلمات ” في عد بوليتاركس ….” ويمكنك الذهاب إلى المتحف البريطاني لتراها بنفسك. وبعد ذلك، أنظر وتعجب، فقد وجد علماء آثار أكثر من خمسة وثلاثون نقشاً تذكر لوليتاركس، والعديد منها في تسالونيكي ويعود تاريخا لنفس الفترة التي أشار إليها لوقا.
مرة أخري كان النقاد على خطأ واتضح أن لوقا هو الذي كان على صواب.
وهنا خطر ببالي إعتراض “لكن في إنجيله يقول لوقا أن يسوع كان يدخل إلى أريحا عندما شفي فاقد البصر بارتيماوس، بينما يقول مرقس بأنه أثناء خروجه من أريحا (2) أليس هذا تناقض واضح يثير الشك حول موثوقية العهد الجديد؟ “
لكن ماكراي لم يُفاجأ بسؤالي المباشر فكان رده ” لا، إطلاقاً، إن هذا يبدو أنه تناقض لأنك تفكر في الاصطلاحات الحديث تبني المدن وتبقي في مكانها. لكن لم يكن هذا هو الحال بالضرورة في الأزمنة القديمة. كان أريحا في أربع مواقع مختلفة على الأقل في الأزمنة القديمة، وكانت هذه المواقع تبعد عن بعضها بمسافة ربع ميل.
ثم دمرت المدينة وأعيد بناؤاها بالقرب من مصدر مائي آخر أو طريق جديد أو أقرب جبل أو ما شابه. فالمهم يمكنك أن تكون قد خرجت من موقع كانت أريحا موجودة فيه ثم تكون دخول في موقع آخر، مثل إنتقالك من جزء بضواحي شيكاغو إلى جزء آخر من ضواحي شيكاغو”.
فسألته: ” إن ما تقوله يعني أن كلّ من لوقا ومرقس على صواب؟”.
فأجاب قائلاً: هذا صحيح. من الممكن أن يكون يسوع خارجاً من منطقة في أريحا وداخلا في منطقة أخري في نفس الوقت “،
وهكذا فقد أجاب علم الآثار على تحدي آخر عن موثوقية لوقا. ولمعرفتنا أن لوقا قد كتب جزء كبير من العهد الجديد، فإن هذا يدل دلالة قوية أن لوقا أثبت أنه مؤرخ دقيق للغاية حتى في أصغر التفاصيل. وهناك عالم آثار مشهور فحص بدقة إشارات لوقا إالي 32 بلدة و54 مدينة، و9 جزر، دون أن يجد غلطة واحدة “(3)
وهنا نقطة أخيرةّ: فهناك كتاب ذكر عن ثذا الموضوع ما يلي ” إذا كان لوقا دقيقا باجتهاد كبير في بياناته التاريخية، فعلي أي أساس منطقي نفترض أنه كان سريع التصديق أو غير دقيق في ذكره لمسائل أكثر أهمية بكثير، ليس فقط بالنسبة له بل بالنسبة للآخرين أيضا” (4)
مثلا، مسائل مثل قيامة يسوع من الموت، وهي أهم الدلائل الأكثر تأثيراً للتدليل على ألوهيته، التي يقول لوقا أنها ثبتت بشكل حاسم ” ببراهين كثيرة مقنعةّ ” ( أعمال الرسل 1:3) .
موثوقية يوحنا ومرقس
قد يدعم علم الأثار مصداقيةّ لوقا، لكنه ليس الكاتب الوحيد للعهد الجديد. فتساءلت ما الذي يجب أن يقوله العلماء عن يوحنا، الذي نظُر إليه أحياناً كمشتبه به لأنه تحدث عن المواقع التي يمكن أن تُدقق. وقد إتهمه بعض العلماء بأنه قد أخفق في ترتيب هذه التفاصيل الأساسية، فلابد أن يوحنا لم يكن على مقربة من أحداث حياة يسوع.
ذلك الاستنتاج، على أية حال، قُلب رأساً على عقب في السنوات الأخيرة. وأوضح ماكراي ذلك
قائلاً:” كان هناك العديد من الإكتشافات التي جعلتنا ننظر إلى يوحنا أنه كان دقيقا جداً”. فمثلا في إنجيل يوحنا 5 :1-15 يسجل كيف أن يسوع شفي مريضاً ببركة بيت حسدا. ويذكر يوحنا تفاصيل أن البركة كان لها خمسة أروقة ولمزن طويل إاستشهد الناس بهذا كمثال على أن يوحنا لم يكن دقيقاً، لأن هذا المكان لم يجده أحد.
” ولكن مؤخراً أمكن الحفر والتنقيب عن بركة بيت حسدا، ووجد وكما هو متوقع، على عمق أربعون قدم تحت الأرض، وكان هناك خمسة أروقة، الذي يعني خمسة مداخل أو ممرات على جوانبها أعمدة، وهذا بالضبط ما وصفه يوحنا. وهناك إكتشافات أخري، بركة سلوام في يوحنا 9: 7، وبئر يعقوب في يوحنا 4: 12، الموقع المحتمل للرصيف الحجري بالقرب من بوابة يافا حيث مثل يسوع أمام بيلاطس، وحتى هوية بيلاطس ذاتها، كل هذه الدلائل قد أكسبت إنجيل يوحنا مصداقية تاريخية “.
فأجاب ما كراي: ” بالتأكيد جداً “
وفي الواقع، كرّر ماكراي ما قاله دكتور بروس متزجير، عن أن علماء الآثار قد وجودا جزءاً من نسخة من إنجيل يوحنا الأصحاح 18 الذي كان علماء البرديات البارزين قد أرجعوا تاريخها إالي حوالي سنة 125 م. وبإثبات أن نسخاً من إنجيل يوحنا كانت موجودة في هذا الموعد المبكر وفي مكان بعيد مثل مصر، فإن علم الآثار قد أفسد صحة التخمين بأن إنجيل يوحنا قد تمت كتابته في منتصف القرن الثاني، بعد فترة طويلة جداً من حياة يسوع مما يجعله غير موثوق به.
هناك علماء آخرون هاجموا إنجيل مرقس، الذي يعتبر عموماً أول رواية كُتبت عن حياة يسوع. فالملحد مايكل مارتن يتهم مرقس بأنه كاهل بجغرافية فلسطين، ممايثبت بأن لم يكن من الممكن أن يكون قد عاش في هذه المنطقة في زمان يسوع. ويستشهد بشكل خاص بما جاء في إنجيل مرقس 7: 31 “ثُمَّ خَرَجَ أَيْضًا مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ.”
قال مارتن: ” لقد تبين من مّعطيات هذه الاتجاهات بان يسوع كان مسافرا مباشرة بعيدا عن بحر الجليل “(5)
فعندما عرضت نقد مارتن على ماكراي، قّطب حاجبيه وبدأ يتحرك بنشاط شديد، ثم سحب نسخة يونانية لإنجيل مرقس على رف كتبه، ثم أمسك بعض المراجع، وفتح خرائط كبيرة لفسلطين القديمة.
ثم قال: ” يبدو أن هؤلاء النقّاد يفترضون بأن يسوع يركب سيارته وينطلق حو مناطق بين الولايات، ولكن من الواضح أنه لم يفعل ذلك”.
قراءة النص في اللغة الأصلية، واضعاً في الحسبان التضاريس الجبلية والطرق المحتملة من هذه المنطقة، ومراعيا الطريقة الغير ثابتة لإستخدام كلمة ” ديكابوليس ” للإشارة إاليإتحاد مكوّن من عشرة مُدن والتي تختلف من وقت لآخر، تتبع ماكراي مساراً منطقيا على الخريطة يتفق تماماً مع وصف مرقس.
ثم استنتج ماكراي قائلا: ” عندما يوضع كل شئ في السياق المناسب، فلن يكون هناك مشكلة في رواية مرقس للأحداث”.
ومرة اخري، نجد أن بصيرة علم الآثار ساعدت على توضيح ما ظهر في بادئ الأمر بأنه نقطة خلاف في العهد الجديد. فسألت ماكراي سؤالا واضحا حول هذه النقطة: هل سبق وصادفت إكتشافا أثريا يتعارض بشكل صارخ مع ما ذُكر في العهد الجديد؟
فهز رأسه قائلاً: ” إن علم الآثار لم يكتشف أي شئ يعتبر بوضوح تناقضاً مع الكتاب المقدس”. وأضاف بثقة ” بل على العكس، وكما رأينا كانت هناك آراء كثيرة لعلماء متشككين صُنفت على أنها “حقيقة” على مر السنين ولكن علم الآثار أثبت أنها خاطئة”.
ومع ذلك، ما زال هناك بعض المسائل التي تحتاج للحل…
فأخرجت مذكراتي واستعدّت لتحدي ماكري بثلاث ألغاز مزمنة التي كنت أظن أن علم الآثار قد يجد بعض الصعوبة في تفسيرها.
اللغز الأول: إحصاء السكان
تدّعي روايات ميلاد يسوع بأن مريم ويوسف تطلّب منهما العودة لبلدة يوسف الأصلية وموطنه بيت لحم بسبب إحصاء السكان. فقلت له:” دعني أكون صرحيا معك: إن هذا يبدو منافياًللعقل بوضوح. فكيف تجبر الحكومة كل مواطنيها بالعودة إالي محل ميلادهم؟ هل هناك أي دليل أثاري أياًكان بأن هذا النوع من الإحصاء السكاني قد حدث فعلاً؟”,
بهدوء سحب ماكراي نسخة من كتابه ” في الحقيقة، إن إكتشاف أشكال غحصاء السكان قديما قد سلّط قليلا من الضوع على هذه الممارسة “. قال هذا بينما كان يتصفح صفحات الكتاب.فلما وجد المرجع الذي كان يبحث عنه، إقتبس من أمر حكومي رسمي يرجع تاريخه إلى سنة 104 م.
غايوس فيبيوس ماكسيموس، والي مصر(يقول): بما أن الوقت قد حان لإحصاء السكان من بيت لبيت، فمن الضروروي إجبار كل الذين لأي سبب مهما يكن –يقيمون بعيدا عن أقاليمهم الأصلية-أن ” يعودوا إلى مواطنهم” لكي ينفذوا أوامر التعداد المنظمة وكذلك يهتموا باجتهاد برعاية مصالحهم(6)
ثم أغلق كتابه قائلاً:” كما تري، تلك الممارسة مؤكدة بهذه الوثيقة، بالرغم من أن هذا الآسلوب المحُدد لتعداد الناس قد يبدو شاذاًبالنسبة لك. وهناك بردية أخري، يرجع تاريخها لسنة 48م، تشير إلى اشتراك كامل العائلة في إحصاء السكان”.
ومع ذلك، فإن هذا لم يحسم المسألة كلياً. إذ أن لوقا قال إن هذا التعداد الذي أحضر يوسف ومريم إلى بيت لحم قد أُجري حين كويرينيوس واليا على سوريا وأثناء حكم هيرودس الكبير.
فقلت له موضحاً ” إن هذا يطرح أمامنا مشكلة هامة، لأن هيرودس مات سنة 4 ق.م.، وكويرينيوس لم يبدأ ولايته على سوريا حتى سنة 6 م، وأجري التعداد بعد ذل بقليل. هناك فجوة كبيرة، فكيف تعالج مثل هذا التناقض الكبير في التواريخ؟”.
عرف ماكراي بأنني آثير قضية تصارع معها علماء الآثار لسنوات. ردّ بالقول ” هناك عالم آثار بارز يدعي جيري فاردامان فد قام بجهد كبير بهذا الخصوص. عثر عملة بإسم كويرينيوس عليها كتابة صغيرة جداً، أو ما نسميه بالحروف ” المجهرية” وهذا يجعله والياً على سوريا وسيليثيا من سنة 11ق.م
وحتى بعد موت هيرودس”.
وعندئذ شعرت بالإرتباك وسألته “ما معني ذلك؟”
فأجاب ” هذا يعني بأنه، على ما يبدو، كان هناك إثنان بإسم كويرينيوس. وهذا ليس بالأمر النادر الغريب، فلدينا الكثير من الأشخاص يحملون نفس الأسماء الرومانية، لذا فيلس هناك مُبرر للشك بأنه كان هناك شخصان بأسم كويرينيوس. ويكون التعداد قد تم في عهد كويرينيوس الأسبق. فلو علمنا أن دورة إحصاء السكان كانت كل أربع عشرة سنة، فإن هذه التواريخ تصبح معقولة تماماً”.
بدا هذا لي بأنه تخميني نوعاً ما، ولكن بدلاً من تعطيل هذه المحادثة، قررت الاحتفاظ بهذه المسألة في ذهني لتحليلها مرة أخري فيما بعد.
ولما قمت ببعض الأبحاث الإضافية، وجدت أن السير وليم رمزي، عالم الآثار والأستاذ السابق في كلّ من جامعتي أكسفورد كامبردج بإنجلترا، قد أتي بنظرية مشابهة. فقد استنتج من نقوش متنوعة أنه بينما كان هناك كويرينيوس واحد فقط، كان واليا على سوريا في مناسبتين منفصلتين، وهذا يغطي فترة ميعاد التعداد الأول(7)
وهناك علماء آخرون أشاروا إلى أن نص لوقا يمكن يُترجم هكذا ” تم إجراء هذا التعداد قبل أن يتولي كويرينيوس ولاية سوريا “، وهو الذي يحلّ المشكلة أيضاً (8)
ولكن المسألة لم تُحسم تماما كما كنت أتمنى. ومع ذلك، كان لابد من الإعتراف بأن ماكراي وآخرين قد قدموا بعض التفسيرات المعقولة. فاستطعت أن أستنتج بثقة أن إحصاءات السكان تلك قد أجريت أثناء الإطار الزمني لميلاد يسوع، وبأن هناك دليل أن الناس قد طُلب منهم فعلاً العودة إلى محل ميلادهم وهو الأمر الذي ما زلت أعتقد أنه شاذ.
اللغز الثاني: وجود الناصرة
كثير من المسيحين يغفلون أن المتشككين ظلوا يؤكدون لمدة طويلة بأن الناصرة لم تكن موجودة في الوقت الذي يقول العهد الجديد ان يسوع قد قضي طفولته فيها.
ففي مقالة بعنوان” حيث لم يسر يسوع” لاحظ الملحد فرانك زيندلر بأن الناصر لم تذكر في العهد القديم، أو من قبل بولس الرسول، أو في التلمود (ولو أنه هناك إستشهاد ب 63 بلدة جليلية أخري)، أو من قبل يوسيفوس (الذي أدرج إسم 45 قرية ومدن أخري في الجليل، من بينها يافا، التي كانت لا تبعد أكثر من ميل واحد عن الناصرة الحالية).
ولم يذكر المؤرخين أو الجغرافيين القدماء اسم الناصرة قبل بداية القرن الرابع (9). يظهر الاسم الأول مرة في الأدب اليهدي في قصيدة كُتبت في القرن السابع الميلادي تقريباً”(10)
يرسم هذا الغياب بوجود الدليل صورة مثيرة للشككّ. لذا عرضت المسألة مباشرة على ماكراي، فقلت له: ” هل هناك أي تأكيد آثاري لوجود الناصرة أثناء القرن الأول؟”.
لم تكن هذه المسألة بجديدة على ماكراي، فأجاب قائلاً:” إن الدكتور جيمس سترانج من جامعة فلوريا الجنوبية خبير في هذا المجال، وهو يصف الناصرة بأنها مكان صغير جداً حوالي 60 هكتار، ويبلغ الحد الأقصي لسكانها حوالي 480 في بداية القرن الأول”.
ومع ذلك فإن هذا كان مجرد استنتاج، ولكني أردت الدليل، فسألته:” من أين له أن يعرف ذلك؟”.
فأجاب قائلاً:” حسنا، إن سترانج يلاحظ أنه أنه عند سقوط القدس(أورشليم) في 70 م. لم يكن هنا حاجة لوجود الكهنة في المعبد لأنه دُمر، لذا أرسلوا إلى مواقع أخري مختلفة، حتي إلى أعلي الجليل. وقد وجد علماء الآثار قائمة باللغة الأرمية تصف “أربع وعشرون مجموعة” أو عائلة من الكهنة الذين نقلوا، وقد سجل واحد منهم بأنه نُقل إلى الناصرة. وهذا يُرينا بأن هذه القرية الصغيرة جداً لابد وأنها كانت موجودة في ذلك الوقت”.
بالإضافة إلى ذلك، قال إنه كانت هناك عمليات حفر آثارية كشفت عن وجود مقابر من القرن الأول على مقربة من الناصرة، الذي يؤسس لحدود القرية، لأنه بحسب الشريعة اليهودية كان يجب دفن الموتي خارج المدينة تماماً. وقد حوي قبران على أشياء مثل: مصابيح فخارية، واوعية زجاجية، وزهريات من القرن الأول أو الثالث أو الرابع.
إلتقط ماكراي نسخة من كتاب ألفه عالم الآثار المشهور جاك فينيجان، ونشرته مطبعة جامعة برينستون. وبعد أن تصفحه قرأ تحليل فينيجان” من القبور …. يمكن استنتاج أن الناصرة كانت مستوطنة يهودية تماما في العهد الروماني”(11)
وهنا نظر ماكراي إلى وقال:” كان هناك جدال حول موقع بعض المواقع من القرن الأل، مثل: أين يقع بالضبط قبريسوع، ولكن بين علماء الآثار لم يكن هناك أبداًشك كبير حول موقع الناصرة. وينبغي أن يكون عبء الدليل على أولئك الذين يعارضون وجوده”.
ولقد بدا ذلك معقول. فحتي أيان ويلسون الذي كان عادة متشككاً، يذكر أن آثار فترة ما قبل المسيحية وجدت سنة 1955 م تحت كنيسة البشارة في الناصرة الحالية، وقد أمكنه الإعتراف بأن ” مثل هذه المكتتشفات توحي بأن الناصرة لربما وجدت في زمن يسوع، ولكن ليس هناك من شك بأنها لابد أنها كانت مكان صغير وتافه جداً”. (12)
لدرجة أن نثنائيل يقول في يوحنا 1: 46، وهو يفكر بعمق “أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟”.
اللغز الثالث: المذبحة في بيت لحم
يرسم إنجيل متي مشهدأً مُريعاً: إن هيرودس الكبير، ملك اليهودية، شعر بالتهديد من مولد طفل رضيع فخاف من أن يستولي على عرشه في النهاية، فيُرسل جنوده لقتل كل أطفال بيت لحم الذين هم دون السنتين. إلا أنه، على أية حال، وبسبب تحذير ملاك، يهرب يوسف إلى مصر. وبعد موت هيرودس فقط يعودون للإستقرار في الناصرة، وهذه الحادثة المأساوية كلها حققت ثلاث نبوءات قديمة عن المسيا
(راجع إنجيل متي 2: 13 -23).
المشكلة: أنه ليس هناك أي تأكيد مستقل بأن هذا القتل الجماعي قد حدث أصلاً. فليس هناك من ذكر لأي شئ من هذا في كتابات يوسيفوس أو مؤرخين آخرين. وليس هناك أي تأييد آثاري. ليس هناك سجلات أو وثائق.
فقلت بإصرار ” وبالتأكيد أن حدثا بهذه الضخامة لابد أنه قد لوحظ بواسطة آخرين غير متي. ومع الغياب التام لأي تعزيز تاريخي أو آثاري لهذا الحدث، أليس من المنطقي إستنتاج بأن هذه المذبحة لم تحدث أبداً”.
فأجاب ماكراي:” إنني أدرك لماذا تقول هذا، لأن مثل هذا لو حدث اليوم سنجده منشورة في كافة انحاء العالم ب سي. إن. إن وباقي وسائل الإعلام الإخبارية”.
فوافقت على هذا الرأي. ففيالواقع في سنة 1997 و1998 كانت هناك سيول متواصلة من الأخبار عن متطرفين مسلمين يكررون شن غارات فدائية وذبح قري بأكملها فعلا بما فيها من نساء وأطفال في الجزائر. فتلك الأخبار كانت ملحوظة ومعروفة للعالم كله.
أضاف ماكراي قائلاً” ولكن، لابد أن تُعيد نفسك إلى القرن الأول وتضع في إعتبارك قليل من الأشياء.
اولاً: بيت لحم هلي هي أكبر من الناصرة، لا فكم كان عدد الأطفال الرضع في ذلك العمر يمكن أن يكون في قرية عدد سكانها 500 او 600 نسمة؟ فليسوا آلاف، ليسوا مئات، اي انهم عدد قليل بالتأكيد”.
ثانيا: أن هيرودس الكبير، كان ملكاً متعطشا للدماء، فقد قتل أفرادا من اسرته، وأعدم كثيرا من الناس الذين إعتقد بأنهم يتحدونه. لذا فحقيقة أنه قتل بعض الأطفال الرضع في بيت لحم، لن تستأسر إنتباه الناس في العالم الروماني.
ثالثا: لم يكن هناك تلفزيون، ولا مذياع، ولا صحف. وكان ذيوع خبر يستغرق وقتا طويلا لإنتشاره، خاصةً من مثل هذه القرية البسيطة جدا الواقعة في التلال الخلفية في أماكن غير معروفة، قد كان لدي المؤرخين قصصا أكبر بكثير يكتبون عنها”.
وانا كصحفي، مازال من الصعب على أن أفهم ذلك فسألته وأنا غير مصدق” إن هذه لم تكن قصة كبيرة؟”.
فقال ” أنا لا أعتقد ذلك، على الأقل في تلك الأيام. فأي شخص مجنون قاتل سيظن بان اي شئ هو تهديد محتمل له – فقد ان ذلك عمل معتاد بالنسبة لهيرودس. وفيما بعد، بالطبع، حين نمت المسيحية وتطورت، أصبحت هذه الحادثة أكثر أهمية، ولكني كنت سأدهش لو أن هذا الخبر قد أخذ مساحة كبيرة حينئذ.
لذا لربما، بيد أن ذلك كان صعب للتخيل بالنسبة لي كصحفي دُرب لي شمّ الأخبار في عصر لديه تقنيات عالية من الإتصالات السريعة والعالمية. في نفس الوقت، كان لابد أن أعترف بأنه ومما عرفته من المشهد الطبيعي الدامي لفلسطين القديمة، فإن تفسير ماكراي يبدو معقولاً.
بعد هذا بقيت مسألة أخري أردت الإستفسار عنها. وبالنسبة لي يعتبر أشد المجالات كلها سحراً.
لغز لفائف البحر الميت
في الحقيقة، هناك إغراء لعلم الآثار. فالقبور القديمة، والنقوش الغامضة المحفورة في الأحجار أو المنقوشة على ورق البردي، او قطع الفخاريات المكسورة، أو العملات المعدنية البالية، كلها تعتبر مفاتيح سرية مغرية للمحقق المتمكن. ولكن ليس هناك من بين آثار الماضي التي ولّدت إثارة بقدر لفائف البحر الميت، مئات من المخطوطات يرجع تاريخها إلى الفترة من 250 ق.م.
إلى 68 م. وقد وجدت في كهوف تبعد عشرين ميلا شرقي أورشليم (القدس) في سنة 1947 م. ويبدو أنها كانت قد خبئت من قبل متطرفة من اليهود تدعي الأسينيين قبل أن دمّر الرومان مستوطنتهم.
ظهرت بعض الإدعاءات الغريبة حول هذه اللفائف، بما في ذلك كتاب جون ماركو المُتسرّع والغير منطقي الذي فيه فسّر بأن المسيحية نشأت من طائفة الخصوية التي كان أتباعها يتغذون على فطريات مُسببة للهلوسة! (13). وفي زعم آخر أكثر معقولية لكنه مع ذلك مشكوك به جداً قال خبير البرديات خوزيه أوكالاغان أن قطعة من بريات البحر الميت هي جزء من أقدم المخطوطات التي وجدت لإنجيل مرقس، ويرجع تاريخها إلى سبعة عشر أو عشرون سنة بعد صلب يسوع. على أية حال، العديد من العلماء مازالوا متشككين من تفسيره(14).
في أية حالة، لايوجد أي تحقيق في آثار القرن الأول يعتبر كاملاً بدون السؤال عن هذه اللفائف، فسألت ماكراي ” هل تخبرنا هذه اللفائف بأي شئ مباشرة عن يسوع؟”
فأجابني “كلا، لم يُذكر يسوع بشكل محد في أي من هذه اللفائف. فأولاً: هه الوثائق تعطينا رؤية جيدة عن الحياة والعادات اليهودية “. ثم أخرج بعض الصُحف وأشار إلى مقالة نُشرت في أواخر سنة 1997م
واضاف. ” ولو أن هناك تطور مثير جداً يتضمن مخطوطاً يسمي 4Q521 ويمكن أن يخبرنا بشيء عما كان يدعيه يسوع”.
لقد أثار هذا الموضوع شهيتي، فقلت ببعض العجالة في صوتي ” حدثني عنه”
وهنا كشف لي ماكراي كيف كان يوحنا المعمدان، سُجن وتصارع بتباطأ مع شكوكه حول هوية يسوع، أرسل أتباعه ليسألوا يسوع هذا السؤال التذكاري “أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟”(متي 11: 3). لقد كان يبتغي جواب مباشر عما إذا كان يسوع هو فعلا المسيا الذي طال إنتظاره.
وعبر القرون، تساءل المسيحين عن جواب يسوع المبهم جداً، فبدلاً من أن يقول مباشرة نعم أو لا، أجاب قائلاً:” اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: اَلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ.“(متي 11: 4-5)
ولقد ردّ يسوع تلميحا إلى أشعياء 35. ولكن لسبب ما أضاف يسوع عبارة ” وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ”، الذي يغيب عن نص العهد القديم بوضوح.
وهنا يدخل إلينا المخطوط المسمى 4Q521. فهذا المخطوط الغير مُصنف ضمن نصوص الكتاب المُقدّس من مجموعة البحر الميت، كتب باللغة العبرية، يرجع تاريخه إلى ما قبل ميلاد المسيح بثلاثين سنة. ويحتوي على نسخة للأصحاح 61 من سفر أشعياء الذي يتضمن هذه العبارة المفقودة ” وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ”.
” {عالم المخطوطات كريج إيفانز} قد أوضح أن هذه العبارة 4Q521. قد أدخلت إاليه بلا شك في سياق مسياني شديد الحماسية. وهي تُشير إلى العجائب التي سيعملها المسيا المنتظر عندما يجئ، حيث السماء والأرض ستطيعانه. لذا فعندما أعطي يسوع رده على يوحنا المعمدان، كان مُدركا بأنه ليس بغامض على الإطلاق. بل كان يوحنا مسرفاً في كلماته التي بمثابة إعتراف متميز حيث يدعي بأن يسوع هو المسيا المنتظر”.
وهنا ناولني ماكراي التي تذكر أن إيفانز قال إن 4Q521 توضح أن احتكام يسوع لأشعياء 35 في الحقيقة مسياني. ففي جوهر الأمر، أن يسوع أبلغ يوحنا عبر رسله بأن الأشياء المسيانية تحدث. وبذا فإن الجواب على سؤال يوحنا “نعم هو الآتي ” (15)
إسترحت في كرسييّ. فبالنسبة لي، إكتشاف إيفانز كان تأكيد رائع لهوية يسوع الذاتيةّ. ومما أذهلني كيف أن علم الآثار الحديث إستطاع أخيراً أن يكشف مؤخرا عن أهمية تصريح أكد فيه يسوع بوضوح قبل ألفي سنة تقريبا أنه حقا الممسوح من الله.
كتاب مصدري دقيق جداً
يزيد تأكيد علم الآثار المتكرر من التعزيز المهم لموثوقية دقة العهد الجديد. وهذا بالمقارنة الشديدة مع كيف أثبت علم الآثار أنه مُدمر للعقيدة المورمونية.
ولو أن جوزيف سميث، مؤسس الكنيسة المورمونية، إدعي أن ” كتاب المورون ” هو ” الكتاب الأكثر صحة على وجه الأرض”، إلا أن علم الآثار قد خيّب هذا الآدعاء بشكل متككر حول الأحدث التي يُفترض أنها حدثت منذ فترة طويلة في الأمريكتين.
وإني أتذكر أني كتبت رسالة إلى المعهد السمثسوني Smithsonian لأستعلم عما إذا كان هناك أي دليل يؤيد إداعاءات الطائفة المورمونية، فاخبروني بعبارات واضحة أن علماء الآثار لديهم يرون” أنه ليست هناك صلة مباشرة بين علم الآثار في العالم الجديد ومادة بحث الكتاب”.
وكما استنتج المؤلفان جون أنكيربيرج وجون ويلدون في كتاب على الموضوع ” بعبارة أخري، لم يوجد أي مكان لمدن ” كتاب المورمون “، ولم يوجد أي شخص، أو مكان، أو دولة، أوإسم، ينتمي إالي ” كتاب المورمون” ولا يوجد أي شيء متنوع ينتمي إلى ” كتاب المورمون” ولا يوجد أي شيء مصنوع ينتمي إلى ” كتاب المورمون” ولا يوجد كتاب مقدس يتعلق ب ” كتاب المورمون” ولا توجد نقوش عن ” كتاب المورمون”… ولا ئي يعرض ” كتاب المورمون” سوي أسطورة أو إختراع هو الذي وجد”(17)
وعلى أية حال، القصة مختلفة كلياً بالنسبة للعهد الجديد. إن إستنتاجات ماكراي هي ترديد لما قاله العديد من العلماء الآخرين، بمن فيهم عالم الآثار الأسترالي المسهور كليفورد ويلسون، الذي كتب، ” الذين يعرفون الحقائق يدركون الآن أن العهد الجديد يجب أن يقبل ككتاب مصدري دقيق جداً”(18)
مع كريح بلومبيرج بعد أن أسس الموثوقية الضرورية لوثائق العهد الجديد، وبعد أن اكّد بروس متزجير نقلها الدقيق عبر التاريخ، وبعد أن عرض إدرين ياموكهي الأدلة الكثيرة المؤيدة من قبل المؤرخين القدماء وغيرهم، ثم الآن بعد أن أثبت جون ماكراي كيف أن علم الآثار يؤكد مصداقيتها، كان لابد أن أتفق وأوافق على رأي ويلسون. وإن قضية المسيح، بينما لا زالت بعيدة عن الكمال، لكنها بُنيت على أرض صخرية صلبة.
وفي نفس الوقت، عرفت بوجود بعض الأساتذة البارزين الذين يُعارضون منشغين عن هذا التقييم. ولقد رأيت أوالهم منشورة في جريدة “النيوز ويك “، كما أجريت معهم أحاديث في اخبار المساءن إذ يتحدثون عن إعادة جوهرية لتغييمهم ليسوع. وقد حان الوقت لمواجهة مقالاتهم النقدية مباشرة قبل أن ابعد من ذلك في تحقيقاتي. وهذا يعني رحلة إلى مينيسوتا لمُقابلة عالم مثقف جداً يدعي دكتور جويجوري بويد.
أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة
- مالذي تراه كبعض العيوب والمنافع من إستخدام علم الآثار لتأييد العهد الجديد؟
- لو ثبت أن لوقا وكتاب العهد الجديد الآخرين انهم وصّلوا تفاصيل الأحداث بدقة، فهل هذا يزيد ثقتك انهم سيراعوا نفس الدقة في تسجيل الأحداث الأكثر أهمية؟ لما أو لم لا؟
- لماذا تجد تحليل دكتور ماكراي للألغاز المتعلقة بإحصاء السكان، ووجود الناصرة، ومذبحة بيت لحم، أنها معقولة ام غير قابلة للتصديق عموما؟
- بعد أن درست أدلة شهود العيان، والوثائق، والأدلة المؤيدة، والأدلة العلمية في القضية…المسيح، هلي يمكنك أن تتوقف قليلاً وتُقيم استنتاجات حتى الآن. على مقياس من صفر إلى 10 – على اساس أن الصفر يعين ” لا ثقة ” في الموثوقية الضرورية للأناجيل، و10 تعني ” ثقة كاملة”، أين تعتبر نفسك من هذه النقطة؟ وماهي بعض الأسباب لإختيارك لهذا الرقم؟
لمزيد من الأدلة – مصادر اخري حول هذا الموضوع
. Fineegan, jack. The Archaeology of the New Testament. Princeton: Princeton unvi. Press, 1992
. Mcray, John. Archaeology and the New Testament. Grand Rapids: baker, 1991
. Thompson, J. A. The bible and Archaeology Grand Rapids: Eerdmans, 1975
. Yamauchi, Ewin. The Stones and scriptures. New York: J. B. Lippencott, 1972
1 – For the full story, see Joe McGinniss, Fatal Vision (New York: New American Library, 1989). For a description of the scientific evidence, see Colin Evans, The Casebook of Forensic Detection (New York: John Wiley & Sons, 1996), 277-80.
2 – Luke 18:35, Mark 10:46.
3 – Norman Geisler and Thomas Howe, When Critics Ask (Wheaton, 111.: Victor, 1992), 385.
4 – John Ankerberg and John Weldon, Ready with an Answer (Eugene, Ore.: Harvest House, 1997), 272.
5 – Michael Martin, the Case against Christianity (Philadelphia: Temple Univ. Press, 1991), 69, emphasis added.
6 – John McRay, Archaeology and the New Testament (Grand Rapids: Baker, 1991), 155, emphasis added.
7 – Robert Boyd, Tells, Tombs, and Treasure (Grand Rapids: Baker, 1969), 175, cited in Habermas, The Historical Jesus, 12.
8 – Geisler and Howe, When Critics Ask, 185.
9 – Frank Zindler, “Where Jesus Never Walked,” American Atheist (Winter 1996-1997), 34.
10 – Ian Wilson, Jesus: The Evidence (1984; reprint, San Francisco: Harper-SanFrancisco, 1988, 67.
11 – Jack Finegan, the Archaeology of the New Testament (Princeton: Princeton Univ. Press, 1992), 46.
12 – Wilson, Jesus: The Evidence, 67.
13 – Wilkins and Moreland, Jesus under Fire, 209.
14 – Ibid., 211.
15 – Kevin D. Miller, “The War of the Scrolls,” Christianity Today (October 6, 1997), 44, emphasis added.
16 – Joseph Smith, History of the Church, 8 vols. (Salt Lake City: Desert, 1978), 4:461, cited in Donald S. Tingle, Mormonism (Downers Grove, 111.: Inter Varsity Press, 1981), 17.
17 – John Ankerberg and John Weldon, The Facts on the Mormon Church (Eugene, Ore.: Harvest House, 1991), 30, emphasis in original.
18 – Clifford Wilson, Rocks, Relics and Biblical Reliability (Grand Rapids: Zondervan; Richardson, Tex.: Probe, 1977), 120, cited in Ankerberg and Weldon, Ready with an Answer, 272.